الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: مادايون


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

1) القبائل والامارات. المادايون قبائل ايرانيّة أخذوا بحياة الحضارة في بداية الالف الأول ق. م. أقاموا في شمال غربي ايران، على الهضاب، وامتدوا إلى الغرب حتى أرض المنيّين. يعود أوّل اتّصال لهم بالاشوريين إلى سنة 835 ق.م.، ساعة احتلّ هؤلاء مدينة خرخر على مدخل أرض ماداي. سنة 820، كانت أول حملة أشورية على المادايين الذين هُزموا هزيمة نكراء على سفح جبل إلبورز. وتوالت الحملات الاشورية لدى المنيين والمادايين بسرعة مذهلة. وقد توخّت ايقاف مدّ اورارطو في هذا المناطق الواقعة شرقي أشورية. وانحطاط أشورية في القرن 8، واحتلال اورارطو لأرض المنيين، جعلا المادايين بمأمن من الهجمات الأشورية خلال نصف قرن من الزمن. ولكن الوضع تحوّل بعد احتلال تغلت فلاسر الثالث العرش (744-727).

فمن سنة 739 إلى سنة 736، قام ملك أشورية بإخضاع المادايين. وتتابع العمل سنة 716، 715، 713 على يد سرجون الثاني، الذي خلق مقاطعتين : كيشاسو وخرخر، اللتين ارتبطت بهما مدن المادايين التي شكلت حوالى سنة 700 مقاطعة المادايين (مادايا) التي تميّزت عن سائر المقاطعات. وأجلي قسم من سكان هذه المنطقة. ونُقل إلى أرض ماداي وإليفي (منطقة مدينة كرمنشاه الحاليّة، التي اجتاحها الاشوريون سنة 706 ق.م.) سكانُ حاتي (أي سورية وفلسطين) كما يقول نصب سرجون الثاني الذي وُجد في قبرص. إن 2مل 17 :6؛ 18 :11 يشيران إلى نقل السكان في أيام سرجون الثاني، كما يشيران إلى جلاء بني اسرائيل من السامرة إلى مدن المادايين. ظلّ تذكّر هذه القوافل الاسرائيلية حيًا خلال قرون من الزمن، لأن طو يجعل نفسه في هذا الإطار، مع أن الكاتب ينسب الجلاء إلى شلمنصر الخامس (726-722) ملغيًا مُلك سرجون الثاني (721-705) حسب طو 1 :15.

وتواصل التسلّط الأشوري على مناطق ماداي الغربية في القرن 7 مع امتداد باتجاه همدان (اكباتان) في أيام أسرحدّون (680-669) حوالى سنة 676. عند ذاك احتلّ الاشوريون تل أشور، مدينة المادايين. وهذا الحدث يلمّح إليه 2مل 19 :12؛ أش 37:12 (تلاسار). وما وليَ من حكم اسرحدون، هذا الملك الموسوس، قد انطبع باهتمامات خطيرة سبّبها المادايون. وسأل الملك اسرحدون (بواسطة العرافة) الاله شمش مرارًا، فدلّ سؤاله على أن أميرًا فارسيًا، اسمه كشكاري (وفي ماداي : كشتريتا)، حرّك الهموم للدبلوماسية الاشوريّة في ذلك العصر، مع أن النصوص تسمّيه فقط سيّد كاركشيّ. نجد في العبرية البابلية اللفظة المادايية "دهيوفاتي". في العبرية البيبلية : د ي ف ت (في الواقع "ر ي ف ت" سيّد الأرض). ولكن اسم "كشتريتا" يدلّ على التابعيّة : إذا لم نكن أمام لقب يدلّ على "الملك"، فنحن أقلّه أمام اسم يدلّ على برنامج هام. إن كشتريتا حاول أن يجمع حوله، في حلف ضد أشورية، أمراء مادايين يطلبون الاستقلال السياسيّ. هذا ما ينسبه هيرودوتس (تاريخ 1 :102) إلى فراورتي. غير أن بعض الأمراء المادايين فضّلوا مساعدة اسرحدون ضدّ طموحات زملائهم فجاءت الجيوش الأشوريّة حتى مدخل صحراء الملح في كاوير، في الجنوب الشرقيّ لطهران. سنة 672 ق.م.، عقد اسرحدون مع حلفائه المادايين معاهدة بها يلتزمون الدفاع عن قضيّة أشور بانيبال، خلفه المعيّن على عرش أشورية. هؤلاء الأمراء وخلفاؤهم هم الذين يسمّيهم إر 25:25؛ 51 :11، 28 "ملوك ماداي". أُجبر الأشوريون على التدخّل سنة 660-659 في أرض المنيين، وضدّ ثلاثة امراء مادايين خائنين، فأخذوهم أسرى مع عدد من جنودهم. لهذا، لا ندهش إن نحن وجدنا رؤساء مادايين سمّاهم أشوربانيبال "ملوك غوتيوم" حلفاء أخيه شمش شوم أوكين (شيشاك)، نائب ملك بابل، الذي تمرّد سنة 651 بمساندة عيلام، وحاول أن يعزل أشور بانيبال. ولكن بابل أُخذت بعد حصار قاسٍ جدًا في تموز آب 648، فرمى شمس شوم أوكين نفسه في النار التي تجتاح المدينة. إلى سقوط بابل هذا، سنة 648، يشير قول إش 21:1-9 فيدعو، هازئًا، عيلام ليصعد إلى معونة المدينة التي سقطت، ويطلب من ماداي البكاء والنحيب. والإطار التاريخيّ عينه هو في أصل الإشارة إلى "ملوك المادايين" في إر 51:11 (ولكن يبدو أن هذه الآية لم تنتمِ إلى القول الاولاني).

2) مملكة المادايين. حسب شهادة هيرودوتس (1 :210)، فراورتي هو مؤسّس مملكة المادايين المذكورين في لائحة الشعوب (تك 10 :2؛ 1أخ 1:5)، ووُجد جزء من كتابات هيرودوتس في برديات بهلنسة، يعود إلى القرن 2 ق.م.، فأتاح لنا أن نثبت أن 28 سنة من الحكم الاسكوتي في ماداي هي جزء من 40 سنة حكم فيها أواكشترا البلاد. هذا يتيح لنا أن نرتّب كرونولوجية سلالة المادايين مع الأخذ بعين الاعتبار الأرقام التي قدّمها هيرودوتس (1 :102، 106، 130)، وسنة 550 التي فيها عزل كورش الكبير اشتوفيغو (استياجيس) آخر ملوك المادايين. نجد : فراورتي (644-623). أواكشترا (623-584). اشتوفيغو (584-550).

حقّق فراورتي تصاميم وضعها في الماضي كشتريتا، فبدأ يوحّد المادايين، واتبع الفرس له. فانطلق إلى محاربة أشورية وسار إلى نينوى. فردّه الاسكوتيون بقيادة مادياس وقتلوه في الحرب (هيرودوتس 1 :2-1، 3-1، يروي مرتين هذه الأحداث). كل هذا حدث سنة 623 كما تقول كرونيكة بابلونيّة (مشوّهة بعض الشيء). خلف أواكشترا فراورتي، وفرض سلطانه على أمراء المادايين، فانتصر على الاسكوتيين (هيرودوتس 1 :103، 106)، وهاجم أشورية. تضمّن جيشُه وحداث من المنيين والاسكوتيين، وقام بحملته بالاتفاق مع نبو فلاسر، ملك بابل (625-605). فاحتلّ الرفخة سنة 615، وأخذ أشور، وحاصر نينوى سنة 614 التي احتلها مع كلح سنة 612. وغابت المدن الأشورية في النيران، فدُمّرت تدميرًا كاملاً بحيث مضت قرون من الزمن قبل أن تعود الحياة إليها. هناك نصوص بيبليّة تشير إلى هذه الاحداث (نا 1-3؛ صف 2:13-15). تذكر دمار نينوى ولا تتحدّث عن المادايين. وقول ار 51:27-36 يذكر "ملوك المادايين" مع المنيين والاسكوتيين (اشكناز). ومع أراراط الذي كان العدوّ التقليديّ للاشوريين، يعود النصّ إلى هذه الاحداث (سنة 615-612)، ولكن المدوِّن أحلّ اسم بابل محلّ اسم اشور. ونقول الشيء عينه عن إش 13:2-22 الذي يصوّر قساوة المادايين (إش 13 :17-18 : قسيّهم تمزق الفتيان، ولا ترحم ثمرة البطن، وعيونهم لا تشفق على البنين). إن الاشارة إلى بابل والكلدانيين في إش 13:19 قد جاءت في ما بعد بحسب الايقاع الشعري (3 2) فيصبح معنى الآية : "فتصبح هي فخر الممالك، وبهجة العظمة، مثل سدوم وعمورة اللتين قلبهما الله ". وذكرُ "بنات آوى" في إش 13:22، يشير إلى أن المادايين سلبوا القصور والهياكل في أشور وكلح ونينوى. وفي أشور، فُتحت المدافن الملكية وسُلبت. ولكن ظلّت المقاومة الأشوريّة حاضرة في حاران كالمركز الذي فيه جاء الرسل "يعلنون لملك أشور أن مدينته أخذت" (ار 51:31). ولكن سنة 610 609، تحالف اواكشترا مع البابليين واحتلّ حاران. فسلبت جيوش المادايين المدينة، واحرقت الهياكل ومنها المعبد الكبير المخصّص للاله سين، الاله القمر. واحتلّ المادايون أيضًا وادي دجلة الأوسط والعالي واورارطو. وسنة 550 اجتاحوا اناتولية. هذه الحملة الجديدة جعلت اواكشترا وجهًا لوجه مع الياقيس، ملك ليدية. ولكن كسوف الشمس الذي أشار إليه "تاليس" العالم في 28 أيار 585، وضع حدًا للمعركة القائمة على نهر هاليس. وعُقدت معاهدة سلام سنة 585 مع هاليس حدودًا بين ليدية ومملكة المادايين. وانطلق خطّ من نينوى فمرّ قرب حاران ووصل إلى الفرات، فشكّل الحدود بين مملكة ماداي والمملكة النيوبابلونيّة. توفّي أواكشترا سنة 584، وخلفه ابنه اشتوفيغو (استياجيس) على مملكة كانت أوسع من مملكة بابل حيث يملك نبوخذ نصرّ الثاني (604-562). وكانت لهذه الدولة قوّةٌ عسكريّة هائلة خلال الحروب التي قامت بها سنة 615-585. ولكننا لا نعرف شيئًا عن تنظيم مملكة المادايين سوى أنها ضمّت إمارات تابعة لها مثل فارس التي وحدّها أواكشترا من أجل سلالة امراء انشان. وما بقي لنا شيء من فن المادايين، كما لا نعرف شيئًا عن اكباتان (همدان) العاصمة الملكية. أما ديانة المادايين القديمة، فنفهمها بعودة إلى مترا في عبارة تقول : "لغة أهل بلاد مترا" (نقرأ هذا في نصّ اسرحدون الذي يروي احتلال تل اشور، تلأسار). "مخرانو" هو اسم الاله العظيم الايراني (مترا أنا) في لهجة المادايين.

3) نهاية مملكة المادايين. كان اشتوفيغو آخر ملوك المادايين : عُرف في سفر يهوديت باسم أرفكشاد، كملك المادايين في (أحمتا أو همدان الحالية) (يه 1 :1)، ورؤي فيه معاصرًا لنبوخذنصر (يه 1 :5). لكن الخبر في يه، هو حكاية ترتبط بالمخيّلة وتعكس أحداث الحرب بين الاسكندر الكبير وداريوس الثاني. ونحن لا نبحث في هذا السفر عن معطيات تاريخية حول استياجيس. في أي حال، وفي ظروف غامضة، تمرّد كورش أمير انشان التابع للملك، على استياجيس سيّده، وعزله سنة 550، بعد أن خان الجيش اشتوفيغو. وحلّ محل مملكة المادايين مملكةُ الفرس التي كانت موحّدة وقويّة. وتزوج كورش ابنة اشتوفيغو ليتصالح مع الارستوقراطية المادايية، وترك لماداي اسم "مملكة". بهذا الاطار، يرتبط لقب "ملوك ماداي وفارس" (دا 8:20؛ أس 10:2). والاشارة إلى مملكة "ماداي وفارس" (دا 5:28)، وعظماء فارس وماداي (أس 1:3، 14، 18-19)، وشريعة ماداي وفارس (دا 6:9، 13، 16)، والملاحظة عن داريوس الماديي (6 :1؛ 9 :1) غير دقيقة، ولكنها كانت مفهومة في القرن 2. ظلّت ماداي مقاطعة مميّزة عن المملكة الاخمينيّة (عز 6:2) وعن مملكة السلوقيين ومملكة الفراتيين. هنا نفهم عودة طو ويه إلى المادايين.







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.