مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
"اَلشَّيْخُ، إِلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ، وَإِلَى أَوْلاَدِهَا الَّذِينَ أَنَا أُحِبُّهُمْ بِالْحَقِّ، وَلَسْتُ أَنَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً جَمِيعُ الَّذِينَ قَدْ عَرَفُوا الْحَقَّ." (عدد 1) يقدم الرسول نفسه في هذه الرسالة باعتباره "الشيخ" – وفي نفس الكلمة التي يستعملها الرسول بطرس في 1بط 5:6 "أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ رفيقهم". ما أحكم الوحي الإلهي وما أجمله فهذه الرسالة فردية وموجّهة إلى سيدة فلا يقدم الكاتب نفسه كرسول ولكن مجرد "الشيخ". الرسول بولس في رسالته إلى فليمون التي كتبها من السجن في رومية يقول "بولس أسير يسوع المسيح". لكن في رسائله إلى تيموثاوس ونيطس يقول "بولس رسول يسوع المسيح "لأنه في تلك الرسائل يعطي سلطاناً وتفويضاً لتيموثاوس وتيطس بأن يقيموا شيوخاً فهو ينيبهم عنه بالروح القدس أن يقيموا شيوخاً لذلك لزم أن يبين مقامه كرسول له حق وسلطان أن ينيبهما عنه. "إلى كيرية المختارة وأولادها" – كلمة "كيرية" معناها السيدة. أما اسم هذه السيدة فغير معروف لأن كيرية ليست اسمها ولكن معناها سيدة . ما هي صفتها؟ المختارة من الرب. هل يقول المحبوبة؟ لا. مع أنه يحب كل المؤمنين ففي الرسالة الأولى يقول "من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1 يو 4: 8) لكن من اللياقة المسيحية في المخاطبة لا يذكر صفة المحبة لسيدة لكن يذكر صفتها كمؤمنة مختارة من الرب. ما يخاطب به الأخت خلاف ما يخاطب به الأخ وابنه في الإيمان في الرسالة الثالثة حيث يقول "إلى فاين الحبيب الذي أنا أحبه بالحق". كل مجال له مقال وكل مناسبة لها مخاطبة. مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ الَّذِي يَثْبُتُ فِينَا وَسَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى الأَبَدِ. (عدد 2) يظهر أن كيرية هذه كانت سيدة مسيحية معروفة وأولادها كانوا معروفين ومحبوبين لسلوكهم في الحق لذلك يقول الرسول "ولست أنا فقط بل أيضاً جميع الذين قد عرفوا الحق من أجل الحق". فالرسول كان يحبهم كما يحب جميع المؤمنين الآخرين في الحق. هذا في الواقع هو أساس المحبة الحقيقية. هذه هي الرابطة التي تربط جميع أولاد الله "من أجل الحق" وهذا الحق يثبت فيهم ويكون معهم إلى الأبد. تَكُونُ مَعَكُمْ نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللَّهِ الآبِ وَمِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ابْنِ الآبِ بِالْحَقِّ وَالْمَحَبَّةِ. (عدد 3) يقول لهم الرسول: "تكون معكم نعمة ورحمة وسلام بالحق والمحبة". عبارة "بالحق والمحبة" تتعلق بالنعمة والرحمة والسلام فمكانها بعد "نعمة ورحمة وسلام" – أي نعمة ورحمة وسلام بالحق والمحبة. ما أعظم عطايا الله! "نعمة ورحمة وسلام من الله أبينا ومن الرب يسوع المسيح ابن الآب". وقوله "ابن الآب" تعبير فريد لم يرد في مكان آخر من الكتاب المقدس وهو يتفق مع فرض هذه الرسالة الصغيرة وهو تأكيد حقيقة أن الرب يسوع المسيح ابن الآب. والتحذير ضد المعلمين الذين ينكرون المسيح آتياً في الجسد كما سنرى في ع7. فَرِحْتُ جِدّاً لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضاً سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ، كَمَا أَخَذْنَا وَصِيَّةً مِنَ الآبِ. (عدد 4) كلمة الله دقيقة جداً. ربما كان من أولادها واحد فقط لم يقبل الإيمان بعد ولذلك لا يقول "وجدت أولادك سالكين في الحق" لكن يقول "وجدت من أولادك – بعضاً سالكين في الحق". ما أجمل أن تكون العائلة كلها في الحق ولا يشذ واحد منهم عن السلوك في الحق! وما أجمل أن ينطبق على كل منا امتياز القول مع يشوع : "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش 24: 15). كان للرسول فرح عظيم لأنه وجد من أولاد تلك السيدة المختارة من يسلكون في الحق. إن السلوك في الحق هو أعظم شيء مفرّح للمؤمنين ولا سيما للخدام لذلك يقول هنا "فرحت جداً" لأنهم كانوا سالكين في الحق بحسب الوصية التي أخذناها من الآب. ولا شك أن الوصية التي من الآب تكون غالية عندنا. هذه الوصية هي المُشار إليها في الرسالة الأولى ص3: 23 "وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح ونحب بعضنا بعضاً كما أعطانا وصية". ويقول عن هذه الوصية هنا في هذه الرسالة (ع6): "وهذه هي المحبة أن نسلك بحسب وصاياه... فالمحبة والإيمان بالمسيح بالحق مقترنان معاً. وَالآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ، لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَنَا مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً. 6وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ، أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ، كَمَا سَمِعْتُمْ مِنَ الْبَدْءِ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. (عدد 5، 6) "والآن أطلب منك يا كيرية" – يقول الرسول: والآن أنا ألتمس منك (يا له من أسلوب رقيق!). لا كأني أكتب إليك وصية جديدة لكن التي كانت عندنا من البدء. وهكذا يربط الرسول بين طلبه أو التماسه الخاص وبين وصية الله. ويذكر كما في الرسالة الأولى (ص2) الوصية الجديدة والوصية القديمة التي كانت من البدء. والوصية القديمة هي التي ظهرت في شخص الرب يسوع المسيح نفسه والوصية الجديدة هي التي حق فينا نحن أيضاً كما كانت حقاً في الرب يسوع. وكيرية باعتبارها سيدة كانت معرّضة أن تسيء فهم المحبة الصحيحة فيقول لها الرسول مشدّداً: "هذه هي المحبة أن نسلك بحسب وصاياه" (ع6). ويقصد بعبارة "بحسب وصاياه" أي بحسب حق المسيح. فلا نبعثر المحبة لكل من يقول أنه مسيحي بدون فحص وتدقيق. لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِياً فِي الْجَسَدِ. هَذَا هُوَ الْمُضِلُّ، وَالضِّدُّ لِلْمَسِيحِ. (عدد 7) هذا هو السبب أنه دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد. وعبارة "المسيح آتياً في الجسد" وردت في ترجمة أخرى "المسيح آتياً إلى الأرض في جسم بشري" أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس (في 2: 7). والرسول يعرّف كيرية بحقيقة من لا يعترف بلاهوت المسيح أو بتعليم المسيح أنه جاء في الجسد قائلاً: "هذا هو المضل والضد للمسيح". اُنْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ، بَلْ نَنَالُ أَجْراً تَامّاً. (عدد 8) يقول الرسول: انتبهوا لأنفسكم وتحذروا لئلا تضيعو وتهلكوا. ونحن الذين خدمناكم بالتبعية نضيّع ما علمناه لكن إذا ثبتم في الحق ننال أجراً تاماً. فالمؤمنون يثبتون والخادمون يكسبون. وهذا ما يقوله الرب لحزقيال: "إن أنكرت أنت البار من أن يخطئ وهو لم يخطئ فإنه حياة يحيا... وأنت تكون قد نجّيت نفسك" (حز 3:21). إن امتلاك الحق يوجب علينا السلوك في الحق. أما من يدعي أن عنده الحق ولا يملك فيه فيظهر أن الحق ليس له مكان في قلبه. والمحبة هي أن نسلك بحسب وصاياه (ع6) أي أن المحبة هي الطاعة والطاعة هي ممارسة المحبة. كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهَذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعاً. (عدد 9) "كل من تعدى" – أي ذهب بعيداً إلى أبعد من التعليم الذي من البدء، كأن عنده تعليماً متقدماً ولم يثبت في تعليم المسيح الذي قبلوه من البدء أي تعليم لاهوته وناسوته الكامل، فليس له الله. ثم يكرر الرسول الكلام وينبر عليه مؤكداً، فهذه طريقته. فأولاً يقول – من الناحية السلبية – "من لا يثبت في تعليم المسيح فليس له الله". ثم يقول – من الناحية الإيجابية – "من يثبت في تعليم المسيح – تعليم لاهوته – فهذا له الآب والابن جميعاً". "لأن الآب يريد أن يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب أيضاً. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله" (يو 5: 23). والآب قد رفع الابن وأعطاه اسماً فوق كا اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض (في 2: 10) وهذا نراه واضحاً عملياً في سفر الرؤيا. كتب يوحنا رسالة خاصة لتحذير المؤمنين من المضلين الكثيرين الذين دخلوا إلى العالم الذين لا يعترفون بالمسيح آتياً في الجسد. فما أحوجنا نحن الآن في هذه الأيام الأخيرة التي كثر فيها المضلون أصحاب التعاليم العصرية إلى هذا التحذير! وما أحوجنا إلى التمسك الحرفي بكل ما جاء في هذه الرسالة. فإن كانت قد كتبت رسالة في ذلك الوقت لأنه دخل حديثاً مضلون فبالأولى الآن هذه الرسالة هي لنا لنتمسك بكل ما فيها بدقة. ونلاحظ أن الرسول يوحنا يدمج أصحاب هذه التعاليم معاً مهما كانت أسماؤهم وطوائفهم تحت اسم واحد وهو "مضلون". إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ وَلاَ يَجِيءُ بِهَذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ. (عدد 10) يعترض البعض على هذا الكلام ويعتبره قاسياً لكن الذي كتب هذا هو رسول المحبة رقيق القلب ولكنها المحبة في الحق. والذي أملى عليه ذلك هو الروح القدس الحكيم. ويقول الرسول في هذا العدد: "من يأتيكم ولا يجيء بهذا التهليم" يفترض أن هذه السيدة وهي الإناء الأضعف وأولادها عندهم تمييز روحي دقيق فيعرفون تعليم المسيح ويميزون إن كان من يأتيهم، يأتي بالحق كاملاً أم لا. ويفترض أيضاً أنهم يقدّرون الحق أسمى تقدير فلا يتساهلون فيه ولا يعطون للمحبة أي مجال على حساب الحق. قد يبدو هذا تصرفاً قاسياً خصوصاً من سيدة أن لا تقبل شخصاً في البيت أي تغلق في وجهه الباب ولا يقولون له سلام ولا يبادلونه التحية لكن هذا هو الواجب حسب كلمة الله. يقول داربي: لا يقولون له: good morning or God be with you ولا أية كلمة تحية لأن تعليم المسيح ثمين وكريم مثل شخصه. وهم لا يبيعون الحق بأي ثمن. والرسول يعطي هذا الزائر اسمه الحقيقي: هذا هو المضل والضد للمسيح الذي يهين المسيح ويسلب مجد الله ويضيع خلاص الإنسان. من المؤسف أيها الأحباء أن نتمسك بحقوقنا ولا نتساهل في كرامتنا وأما حق المسيح فلا نتمسك به كما ينبغي مع أن له المكان الأول ويجب أن نعتبره فوق كل شيء. ظهرت بدعة حديثاً تقول: السجود للآب دون الابن. وهذه هرطقة أراد من الهرطقة الآريوسية ولا أقول هذا اعتباطاً لكن قرأت كتاباً عن الآريوسية جاء فيه بالنص ما يأتي: يقول آريوس – "على الرغم من أن المسيح أقل من الآب – وهذه طبعاً هرطقة آريوس – إلا أنه مع ذلك هو ابن الله بالحقيقة وله أن يُعبد وأن يُسجد له وهو اللوغوس الذي لبس جسداً بنفس حية وهو الوسيط الذي به خلق الله الكون". فصاحب الهرطقة العظيمة يقول أنه يجب أن يُعبد ويُسجد له لأنه ابن الله بالحقيقة فكيف لا نعبده نحن ونسجد له؟ - ليعطنا الرب نعمة لكي نتمسك باسمه وبحقه. في هذه الأيام الأخيرة صفات فيلادلفيا ولاودوكية موجودة معاً. ما هي صفات فيلادلفيا؟ "حفظت كلمتي (حقي) ولم تنكر اسمي (الاسم الحسن الذي نجتمع به)" (رؤ 2:8). وما هي صفات لاودوكية؟ التساهل والتسبب الذي يوصد الباب في وجه المضاد للمسيح يغلق الباب في وجه المسيح نفسه. لكن المسيح له المجد من محبته يقرع القرعات الأخيرة قائلاً: "هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ 3:20). لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَةِ. (عدد 11) إن مجرد التحية أو وضع اليد في اليد معناه المصادقة على إنكار المسيح ومعناه الاشتراك في أعماله الشريرة. الرسول يتكلم هنا عن تعليم فاسد لكن التعليم الفاسد والأقوال الشريرة لا بد أن يتبعها أعمال شريرة. العصريون والأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم معتدلين قد لا يستسيغون هذا الكلام ويعتبرونه من ضيق الأفق ومن التعصب وعدم الكياسة واللياقة لكننا نكون سعداء ومغبوطين من الرب عندما نقف بثبات رافضين أية شركة مع من لا يأتي بتعليم المسيح. والله لا بد أن يكافئنا على ذلك. ولا ننس أن الروح القدس الذي به انسكبت المحبة في قلوبنا هو نفسه روح الحق وأن مهمته كما قال المسيح: "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 14). إِذْ كَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ، لَمْ أُرِدْ أَنْ يَكُونَ بِوَرَقٍ وَحِبْرٍ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَأَتَكَلَّمَ فَماً لِفَمٍ، لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلاً. (عدد 12) يختم الرسول رسالته بكلام رقيق مظهراً شوقه أن يرى وجوههم ويتكلم إليهم فماً لفم: فألئك المضلون يجب على كيرية وأولادها أن يغلقوا في وجههم الباب لكن الرسول يأتي إليهم ويجد الترحيب ويكون لهم جميعاً الفرح الكامل. ونلاحظ أنه لا يقول "لكي يكون فرحكم كاملاً" مع أن هذا صحيح لكن يقول "لكي يكون فرحنا كاملاً" لأنه هو يفرح كما هم يفرحون ما أعظم الفرح في شركة المحبة والحق. يُسَلِّمُ عَلَيْكِ أَوْلاَدُ أُخْتِكِ الْمُخْتَارَةِ. آمِينَ. (عدد 13) يظهر أنه كان لكيرية أخت مؤمنة مختارة أيضاً في الرب ولها أولاد وكانوا ساكنين في أفسس التي يرجع أن الرسول يوحنا كتب الرسالة من هناك. ويقول في ختام الرسالة: يسلم عليك أولاد أختك المختارة.
|