مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الأصحاح حافل بالخدمة الفاحصة لضمائر شعب الله في كل العهود، وخليق بنا، نحن الذين وقعت قرعتنا في أزمنة الرخاوة التي نعيش فيها، أن نعيها في قلوبنا. ولربما كانت تكوِّن جزءاً من خطاب كان الأصحاح السابق مقدمة له، وأن تكون بقية السفر تكملة له. أو ربما كان كل جزء قد كُتب في وقت مختلف كما قاد روح الله النبي. وعلى أي حال فإن القيمة الأدبية هي هي، والهدف واحد في خلال جميع هذه الأجزاء، وهو استحضار الشعب المرتد إلى حضرة الله، لكي تردَّ نفوسهم ويتمتعون بحلاوة العشرة والشركة مع الإله الأزلي. والعدد الأول من الأصحاح يخاطب الكهنة والشعب والأسرة المالكة على السواء؛ ويخبرهم بالدينونة المتجهة نحوهم. هي لم تقع بعد، غير أنها كانت كملاك الغضب في يده سيف مسلول معترضاً طريقهم، ولا شيء يجعل السيف يعود إلى غمده سوى التوبة. لقد كانت توبيخاته لهم بلا جدوى، ذاك الذي كل شيء عريان ومكشوف لعينيه، فقد كان إثمهم قدامه. ومع أنه كثيراً ما حاول أن يشفيهم، إلا أنهم أصروا على أفعالهم التي «لا تدعهم يرجعون إلى إلههم»، ويبدو أن روحاً نجساً قد تملكهم، «روح الزنى... وهم لا يعرفون الرب» (ع1-4). وليس ذلك فقط، فبالإضافة إلى حالة بؤسهم، فقد تكبّروا متمنطقين بالكبرياء. لذلك «أُذلَّت عظمة إسرائيل في وجهه. فيتعثر إسرائيل وأفرايم في إثمهما ويتعثر يهوذا أيضاً معهما» (ع5). فإن مملكة يهوذا، وقد فشلت في أن تتعلم من خطية أختها، لابد أن تُطرح هي الأخرى خارج الأرض تحت قضاء الله. إن حكم «لوعمي» المذكور في الأصحاح الأول لا يمكن أن يلغى. فإنه ولو بدت منهم رغبة من نحو الله، فإنهم لن يجدونه؛ فقد ابغضوا المعرفة. والشعب حينما يرفض النور، فإن النور ينسحب، أما هم فيسلَّمون لظلام قضائي. وهكذا نقرأ هنا «يذهبون بغنمهم وبقرهم (لتقديم ذبائح ) ليطلبوا الرب ولا يجدونه. قد تنحى عنهم (أي انسحب عنهم)» (ع6). وبذلك تتم الكلمة التي نطق بها موسى قبل سنوات طويلة «أحجب وجهي عنهم وأنظر ماذا تكون آخرتهم. إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم» (تث20:32). لاحظ أن الله لا ينساهم، وأنهم لا يُطرحون إلى الأبد من حضرته، بيد أنه يتنحى عنهم، تاركاً إياهم للمجاعة الروحية والخراب، حتى يتحققوا حالتهم ويعترفوا بها أمامه. وفي تدبير النعمة الحاضر، لا نعدم مثلاً على هذه المعاملة. فإنه على هذا القياس تصرف سيدنا مع الجَدريين. فإذ وجدهم عاكفين على طريقهم، تركهم إلى حين، وإذ عاد رحبوا به واستقبلوه. والواقع أن هذا الحادث يصور لنا رفضه عند مجيئه الأول، كما يشير أيضاً إلى يوم يرجع بالمجد فيرحبون به هاتفين وصائحين «مبارك الآتي باسم الرب». وهذا جميعه يتوافق مع نبوءة هوشع . وإلى أن تبدو في الجو أول بوادر التوبة، فإن الرب لا يظل بجانبهم ولصالحهم علناً. قد يسيرون في كبريائهم، يلدون أولاداً أجنبيين ويفاخرون بالتقدم والتوسع، لكن الكل خواء فراغ لأن الديان واقف قدام الباب (ع7). من ع 8-14 نرى وكأن النبي يرى جيوش الغزاة، ويوم التأديب يحاصر إسرائيل. وعبثاً يضربون بالبوق ويحصنون أنفسهم، وعبثاً يصنعون تحالفاً مع الآشوري؛ فما ذلك إلا استناداً على عصا مكسورة. فقد صار الله كعدو، وهو الذي معه أمرهم. هو لأفرايم ويهوذا كأسد مفترس، ومن قوّته لا يفلت أحد. غير أنه في هذا جميعه لا يزال يطلب بركتهم. وفي ذلك يقول «أذهب وأرجع إلى مكاني حتى يُجازوا (أي يعترفوا بجريمتهم) ويطلبوا وجهي. في ضيقهم يبكّرون إليَّ» (ع15). وليس عسيراً أن نتبين روح المسيح متكلماً في النبي. فإن سمات الأيام التي عاش فيها النبي هي عينها التي عمت حين جاء الرب يسوع نفسه. صحيح أن الوثنية لم تكن موجودة بين الشعب أيام الرب يسوع، غير أن الكبرياء والتبجح والأنانية كانت تتعاظم على كل اتجاه. ومن ثم «إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله»، لذلك قال «أذهب وأرجع إلى مكاني». فإذ لم يكن عندهم مكان له، أعطاه الآب أن يجلس في عرشه. وهكذا ترك بيتهم خراباً وصعد إلى العلاء، وهناك ينتظر حتى يعترفوا بجريمتهم. إن الضيقة العظيمة - زمان ضيق يعقوب - سوف تخلق بقية تطلب وجهه بقلب منكسر منسحق. وحينئذ سوف لا يعود يحجب نفسه، بل يظهر كمنقذهم في مجد مستعلن.
|