مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
نصل هنا إلى نهاية السفر، إلى الدرس الكبير الذي فهمه أيوب في النهاية. إنه يدعى التحرير، الخلاص من كلمة "أنا" الحقيرة فبينما كان الرب يكلّمه، أخذ رأي أيوب عن ذاته يضمحل. لقد أخذ يكتشف برعب شر قلبه. لقد قرر أن لا يجاوب (ص 40:4). وهوذا الآن يصيح "أرفض وأندم.." (ع 6). هذا ما يجب أن يقوله "رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشرّ" (ص1: 8). عندما يوجد في محضر الله! لقد تغربل أيوب كالحنطة وهو عمل شاق ولكنه (نظير بطرس ) خلّصه من الثقة في ذاته. وهو يستطيع الآن أن يقوي أخوته وهو يصلي لأصدقائه (ع 10، قارن لوقا 22: 32). وقد دعاه الرب أربع مرات "عبدي أيوب " ووبّخ المعزين الثلاثة المتعبين. وأرسل آخرين إلى يعقوب ليعزوه تعزية حقيقية ولم يرده فقط إلى حالته الأولى ولكن أعطاه ضعف كل ما كان يمتلك من ذي قبل وبالإضافة إلى ذلك فقد حاز أيوب شيئاً أعظم من الكل: لقد تعلم أن يعرف الله وفي الوقت نفسه أن يعرف ذاته. * * * أثر المعاملات الإلهية مع أيوب، وردّه إلى بركة أعظم من الأولى. الآن يطالعنا الوحي بإعلان غرض الله الأعظم، ولا شك أنه لم يكن من الخير لأيوب أن يطّلع على هذا الغرض ويعرفه قبل ذلك، بل كان الأفضل له أن يسير في بساطة الإيمان وأن يتعلم كيف يثق بالله الثقة المطلقة، وأن يتأكد أن الله ما كان ممكناً إلا أن يكون أميناً جواداً منعماً مهما كانت الظروف والأحوال. ومع ذلك فالتجربة كانت ولاشك قاسية ومرّة، ونحن نعلم أن عزيمة أيوب خارت تحت ثقل وطأتها وإن نفسه صغرت من هول شدتها كما فعل كل شخص سواه منذ ابتداء العالم ما عدا شخص واحد فريد هو الرب نفسه. والحق أن لمن الأمور المليئة بالتعزية والتعليم لنفوسنا أن نقارن بين أقوال السيد له المجد، وهو يتحدث عن آلامه وهالة المجد والجلال والهدوء تحوطه في مواقف الألم المرير وبين حالة الضجر والهياج التي ظهرت حتى في رجل، رجل يعتبر أعظم الصابرين وأجدرهم بإعجابنا وهو أيوب . ولكن ها هو الله في جميل عنايته يصوّر لنا الفرصة من أولها لآخرها ويوقفنا على كل دقائقها وتفاصيلها ويحدثنا عن القضية من مختلف زواياها وجوانبها، ونحن إذا نصل إلى نهايتها نهتف موقنين أنه لم يكن ممكناً أن يكون هناك ما هو أجمل ولا أروع ولا أكثر تعليماً وبنياناً لنفوسنا من الاستماع إلى القصة بأكملها والإطلاع على السفر بأجمعه. فنحن نلاحظ أننا في الإصحاح الختامي فقط نرى القصة من ناحية تداخل "الرب" في المعاملات التي أجريت على أيوب، ولاشك أننا نرى ذلك أيضاً فيما قاله الرب لأيوب في الإصحاحات الأخيرة السابقة (ص 38-41) ولكن هذا كان لتوصيلنا إلى الخاتمة أو "عاقبة الرب" التي هي بيت القصيد. لقد أتقن أيوب درسه، ونستطيع أن ندعه جالساً في الرماد، مضروباً ومذلولاً بعد، لكنه سعيد بالبهجة التي عثر عليها حديثاً – أي معرفة الله معرفة تامة. قد "يخمع على حق فخده" بفعل ثقل الأيام، لكنه في غنىً عن إشفاقنا. ولئن كان الله لا يؤدب من غير مقتضً حتى في حياة الألم والحزن هذه، لكنه "لا يذل من قلبه". فعلينا إذاً أن نرى "عاقبة الرب" أي رجوع هذا المتألم وردّه في نظر الناس، وهو ما سوف نراه في هذا الجزء الموجز الأخير من السفر. ومع أنه جزء موجز كما قلنا، غير أنه على أهمية كبرى. فإذا كان أيوب قد أخذ مكانه، فإن الرب يدفع أصحابه لكي يأخذوا هم أيضاً مكانهم: ليس فقط قدامه تعالى، بل أمام ذاك الذي اتهموه ظلماً وأساءوا إليه كثيراً. وبعدئذٍ يحدثنا المؤرخ عن استرداد الصحة والثروة والأسرة والكرامة في وصف موجز، على أننا نرمق أيوب، كآخر لمحات السفر، في شيخوخة سعيدة وقد أوفى على نهاية حياته. وإليك الأقسام الأربعة: (ع 7- 9) استرداد الأصحاب. (ع 10- 11) رجوع سبي أيوب . (ع 12- 15) العودة للنجاح والرخاء. (ع 16- 17) العاقبة أو النهاية.
|