في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 2 مُباشَرةً بعدَ وِلادَتِها تقريباً، واجَهتِ كَنيسةُ العهدِ الجديد تهديداتٍ وتَحدِّيات. فبينما نُلاحِظُ كيفَ تعامَلَ قادَةُ الكنيسة معَ هذه المشاكِل – إضطِّهادٌ من الخارِج ومشاكِل من الداخِل – بدأت بعضُ النماذِج بالظُّهُور. هذه النماذِج هي بعضٌ من هذه الأمثِلة والتحذيرات التي أخبَرنا بُولُس أنَّ المقصُودَ منها أن تُعلِّمَنا وتُحذِّرَنا اليوم عندما نقرَأُ هذا التاريخ الكِتابِيّ (1كُورنثُوس 10: 11). أي مثلاً، لاحِظُوا نموذج العطاء الذي تأسَّسَ في زمنٍ مُبَكِّرٍِ في تاريخِ الكنيسة. نقرَأُ أنَّ أُولئكَ الذين كانُوا يملِكُون مُمتَلكات، كانُوا يبيعونَها ويأتُونَ بأثمانِها ويُعطُونَها للرُّسُل، لكي يتمَّ التوزيعُ بحَسَبِ حاجَةِ المُؤمِنين. لقد أعطَوا أكثَر من العُشر أو من التقدِمة، أو حتَّى من التضحِيَة؛ لقد أعطُوا كُلَّ ما كانَ لهُم. لاحِظُوا أيضاً نموذَج العِصيان المَدَني المُثير للإهتِمام. قالَ يسُوع، "أعطُوا ما لِقَيصَر لِقَيصَر، وما للهِ لله." (متَّى 22: 21) فاللهُ لن يُطالِبَ بما هُوَ لقَيصَر، ولكن هُناكَ أوقاتٌ يُطالِبُ فيها قيصَرُ بما هُوَ لله. وعندما يُطالِبُ قيصَر بما هُوَ لله، يُعلِّمُنا هذا المثلُ التعليمي الذي أعطاهُ يسُوعُ في العهدِ الجديد أنَّهُ لا ينبَغي أن نُعطِيَ لقَيصَر ما هُوَ لله. لقد أُمِرَ التلاميذُ من قِبَلِ يسوع بأن يُبشِّروا ويُعلِّمُوا بإسمِ وبإنجيلِ يسوع المسيح. ولكن أمرتهُم السُّلطاتُ المشروعة، دينيَّةً ومدنيَّة، بأن لا يأتُوا على ذكرِ إسمِ المسيح ثانيةً (أعمال 4: 18). أوَّل مرَّة حدَثَ فيها هذا الأمر، أجابَ الرُّسُل هذه السُّلطات بما معناهُ أنَّهُم كعِلمانِيِّين بُسطاء، لم يكُونُوا مُؤهِّلِينَ لِيحكُمُوا ما إذا كانَ يحِقُّ أن يسمَعُوا للهِ أم لقادَتِهم. ثُمَّ عقَدُوا إجتِماعَ صلاة. وفي المرَّةِ الثانِيَة التي منعتهُم فيها السُّلطاتُ من الكرازَةِ بإسمِ وبإنجيلِ المسيح، أجابُوا مُبَاشَرَةً، "ينبَغي أن يُطاعَ اللهُ أكثَر من الناس" (أعمال 5: 29). هذا هُوَ ما يُسمَّى بالعِصيانِ المَدَني. هُناكَ وقتٌ يتوجَّبُ فيهِ على المسيحيِّين الذين يُريدُونَ أن يكُونُوا مُخلِصينَ لدعوتِهم كأتباع للمسيح، أن يُعانُوا من عواقِب طاعة المسيح والله، بدل طاعة الناس. فعبرَ عدَّةِ قُرون وفي شتَّى أنحاءِ العالمِ اليوم، يُعانِي المُؤمنُونَ من هذه العواقِب الوَخيمة. إنَّ عددَ المُؤمنين الذين ماتُوا من أجلِ إيمانِهم منذُ عام 1940 وحتَّى نِهايَة الحرب العالميَّة الثانِية، هُوَ أكثَر من باقي المُؤمنين الذي ماتُوا من أجلِ إيمانِهم في تاريخِ الكنيسة. نجدُ أيضاً نموذَج التأديب الكنسيّ يظهَرُ في الكنيسة. كانَ هُناكَ رجُلٌ إسمُهُ حنانيَّا وامرأتُهُ سفيرة، اللذانِ باعا حقلاً. ولقد كذبا على الرُّسُل حولَ المبلَغ الذي باعا بهِ الحقل. في هذه القصَّة، يُرينا بطرُس موهبتَهُ الروحيَّة في التمييز. سألَ بُطرُس حَنانِيَّا، "لماذا كذبتَ على الروحِ القُدُس؟ أنتَ لم تكذِب على إنسان. بل كذبتَ على الله." (أعمال 5: 3، 4). وعندما تواجَهَ كُلٌّ من حنانِيَّا وسَفيرَة معَ خطِيَّتِهما على حِدَة، سقطا كِلاهُما مَيِّتَين. لقد حافَظَ هذا التأديبُ الكَنَسيُّ القاسي على نقاوَةِ الكنيسة، ووضعَ خوفَ اللهِ المَهُوب في التلاميذ. ولقد عرفَ الناسُ غيرُ المُتَدَيِّنين في أُورشَليم أنَّ إتِّخاذَ قرار إتِّباع المسيح وصيرورة الإنسان عُضواً في الكنيسة كانَ أمراً في غايَةِ الجَدِّيَّة (5: 11- 13). في أعمال 6، ترونَ نموذجاً آخر مُهِمَّاً ينبَغي تطبيقُهُ على الكنيسة عندما تنمُو. ولقد كانت الكنيسةُ تنمُو بسُرعَة، معَ كثيرينَ يعيشُونَ معاً في ترتيبٍ جَماعِيّ. وعندما يعيشُ آلافُ الناسِ معاً، والذين يجِب أن يتمَّ إطعامُهم بضعَ مرَّاتٍ في اليوم، ينبَغي أن يتوفَّرَ لهُم نِظامُ تَغذِيَةٍ مُعيَّن (أعمال 6: 1). فوجدَ التلاميذُ أنفُسَهُم مُضطَّرِّينَ إلى تنظِيمِ هذا البرنامج، لأنَّ الإهتمامَ بهِ كانَ يُشتِّتُ إنتِباهَهُم عن خدمتِهم لكلمةِ الله. فدعا الرُّسُلُ جُمهُورَ المُؤمنينَ إلى إجتِماعٍ وقالُوا لهُم: "لا يُرضي أن نترُكَ نحنُ كَلِمَةَ اللهِ ونخدُمَ موائِدَ. فانتَخِبُوا أيُّها الإخوة سبعَةَ رجالٍ منكُم مَشهُوداً لهُم ومملُوِّينَ من الرُّوحِ القُدُس وحكمة فنُقِيمَهُم على هذه الحاجة. وأمَّا نحنُ فنُواظِبُ على الصلاةِ وخدمَةِ الكلمة." (6: 2- 4) وعندما تمَّ هذا الأمر، كلَّفُوا أولئكَ الذين تمَّ إختِيارُهم ليُشرِفُوا على هذا الخدمة، وأمَّا الرُّسُل فتفرَّغُوا كُلِّيَّاً للصلاةِ ولِخِدمَةِ كَلِمَةِ الله. ولقد بارَكَ اللهُ هذا القرار جداً، وأدَّى إلى إنتِشارٍ حيويٍّ للإنجيل في مدينَةِ أُورشَليم. هُنا نجدُ الأساس لم تُسمِّيهِ الكثيرُ من الكنائس اليوم بالشمامِسة. ولقد كانت مسؤُوليَّةُ الشمامِسة أن يُشرِفُوا على إدارَةِ أعمالِ الكنيسة، لكي ينصَرِفَ الأشخاصُ ذَوي المواهِب الروحيَّة ويتفرَّغُوا بحُرِّيَّة للخدمةِ الرعويَّة. لقد كانت هذه السابَقة التي وضعتها الكنيسةُ بهذه المُناسَبة، أساساً لمبدأ كون كُلّ تلميذ لهُ مكانٌ خاصٌّ في جسدِ المسيح. فجميعُ الذينَ أخذُوا مسحَةَ الرُّوحِ القُدُس لدَيهِم مواهِب رُوحيَّة. بعضُ هذه المواهِب رعويَّة، وبعضُها مواهِبُ روحيَّة عمليَّة. إنَّ المواهِبَ العمليَّة، والتي يَصِفُها العهدُ الجديدُ بالقول: "أعواناً، أو تدابير، أو نُظَّاراً،" هي مواهِبُ رُوحيَّة بمِقدارِ روحانِيَّة مواهِب الشخص الذي يعِظُ، يُعلِّمُ، ويُبشِّرُ. ولكنَّ كُلَّ تلميذٍ عليهِ أن يقِفَ في مكانهِ، وأن يُمارِسَ مواهِبَتهُ التي أعطاهُ إيَّاها الله. إنَّ الكنيسةَ التي تقبَلُ وتُطبِّقُ هذا النموذَج سوفَ تتبارَكُ وسوفَ تنمُو. هل إكتَشَفتَ نمُوذَجَ موهِبَتِكَ الرُّوحيَّة؟ إن كُنتَ قد فعَلتَ، كرِّسْ نفسَكَ كُلِّيَّاً للخدماتِ التي تُؤهِّلُكَ مواهِبُكَ الرُّوحيَّة لتَعمَلَها من أجلِ الرَّبّ. إنَّ هذا النمُوذج قد يُجنِّدُ تلاميذَ يُبَرهِنُونَ عن جدارتِهم في الخدمةِ العمليَّة، ومن ثمَّ يجتازُونَ إلى الخدمةِ الرُّوحيَّة. إنَّ الشهيد إستفانُوس والمُبَشِّر فيلبُّس هُما مَثَلانِ عن هذا الإنتِقال في النمُوذَج من حيثُ إنطَلَقا بأمانَة كشمامِسة، ومن ثمَّ أصبَحا مُبَشِّرَين. نموذَجٌ آخر يظهَرُ من سفرِ الأعمال هو الإستشهاد. هُناكَ قولٌ مأثُورٌ لمُؤرِّخي الكنيسة يقُول: "دماءُ الشُّهداء بِذارُ نُمُوِّ الكنيسة." لقد إستشهَدَ إستفانُوس من أجلِ عظةٍ (أعمال 7: 54- 60). عندما ماتَ إستفانُوس من أجلِ إيمانِهُ، كانَ شاوُل الطرسوسي يحمِلُ أثوابَ الذين كانُوا يرجُمونَهُ. وهكذا فإنَّ تجدُّدَ شاوُل، لربَّما نتجَ عن تأثيرِ إستشهادِ إستفانُوس عليه. هذا ما قصدَهُ القول "لأنَّ دماءَ القدِّيسين هو بِذارُ الكَنيسة." نموذَجُ آخر جميل نستطيعُ أن نجدَهُ في سفرِ الأعمال، هو نموذَج الشِّفاء. هُناكَ تشديدٌ كبيرٌ على الشفاءِ في سفرِ الأعمال الذي كتبَهُ لُوقا، تماماً كما كانَت الحالُ في إنجيلِهِ. فبالنسبَةِ للُوقا، إنَّ المسيحَ الحيَّ المُقام يعمَلُ من خِلالِ الرُّسُل ليُكمِّلَ خدمةَ الشِّفاء. إلتَقى بطرُس ويُوحنَّا بِرَجُلٍ جالِسٍ على باب الهَيكَل. كانَ هذا الرجُل مُقعَداً، وكانَ في الأربَعين من عُمره. وكان طوالَ حياتِهِ يحمِلُهُ أحدٌ ويضعُهُ على بابِ الهيكل حيثُ يجلِسُ ليستعطي حامِلاً كأساً لجمعِ المال. وبينما كان بطرُس ويُوحنَّا صاعِدينِ إلى الهَيكَل، إلتَفتَ إليهِ بطرُس وكأنَّهُ كانَ سيُلقِي شيئاً في كأسِِهِ، فركَّزَ الرجُلُ إنتِباهَهُ على بطرُس. فقالَ لهُ بطرُس عندها، "ليسَ لي فضَّةٌ ولا ذهَب. ولكن الذي لي فإيَّاهُ أُعطيك. بإسمِ يسوع المسيح الناصِري قُمْ وامشِ!" (أعمال 3: 6). نقرأُ أنَّ هذا الرجُل لم يقُمْ فقط ويمشِ، بل دخلَ إلى الهيكَل وراحَ يقفِزُ من الفرح ويُمجِّدُ الله. قالَ أحدُ القادة الكَنَسيِّين المُتَكَبِّرين مُؤخَّراً، أنَّ الكنيسةَ لم يعُدْ بِوُسعِها القول، "ليسَ لي فِضَّةٌ ولا ذَهَب." فأجابَ أحدُ خُدَّامِ الرَّبِّ الأتقِياء، "ولم يعُدْ بإمكانِ الكنيسةِ أن تقولَ اليوم، "بإسمِ يسُوع الناصِري قُم وامشِ!" إنَّ هذا الشفاء، مثل شفاء يسوع للرجُل عندَ بركة بيتِ حِسدا كما نجدُهُ موصُوفاً في يوحنا 5، مَنَحَ الرسُلَ فُرصَةً عظيمةً للكرازَةِ بالإنجيل. لقدِ ارتَعبَ رجالُ الدين عندما رأوا صيَّادي السمك الأُمِّيِّين هؤلاء يكرزونَ في الهيكَل. ولكن بينما كانوا يُحاولونَ أن يُوقِفوا الرسُلَ عن التبشير، الأمرُ الوحيدُ الذي لم يستطيعوا إنكارَهُ هو أنَّ هؤُلاء الرُّسُل قد حقَّقُوا مُعجِزَةَ الشفاء هذه. إنَّ مَصدَرَ هذه الخدمة الشفائِيَّة هُوَ أمرٌ أساسيٌّ. إنَّهُ مَوهِبَةُ الرُّوحِ القدُس لكنيسةِ العهدِ الجديد. لاحِظوا هذا النمُوذَج في كنيسةِ الجيلِ الأوَّل: وحدَها القُوَّةُ المُعطاة للكنيسة هي التي تجعَلُنا نرى الإنجازات التي حقَّقتها الكنيسةُ، والتي لا يستطيعُ العالمُ إنكارَها.
|