في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 4 نجدُ في وعظِ إشعياء من النبوَّاتِ المسياويَّة أكثرَ من أيِّ سفرٍ آخر من الأسفارِ النبويَّة. والعهدُ الجديدُ يقتَبِسُ إشعياء أكثرَ من أي سفرٍ آخر من العهدِ القديم. فعندما تقرأُ النبيَّ إشعياء، فتِّش عن النبوَّات المسياويَّة في وعظِه. في سفرِ إشعياء، سوفَ تجدُ تلكَ النُّبُوَّة المُختَصَّة بالأسماء التي ستُطلَقُ على المسيَّا في مجيئه: "ويُدعَى إسمُهُ عجيباً مُشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبديَّاً رئيسَ السلام" (إشعياء 9: 6). ولقد أشارَ إشعياءُ بوضُوح إلى أنَّ المسيَّا سيكون اللهُ في جسدٍ إنساني، أو "اللهُ معنا" (متى 1: 23). يُخبِرُنا إشعياءُ أيضاً شيئاً عنِ جوهَرِ الروح الذي سيُعبَّرُ عنهُ من خِلالِ المسيَّا في مجيئه: "ويخرُجُ قضيبٌ من جِذعِ يسَّى وينبُتُ غُصنٌ من أُصُولِه. ويحُلُّ عليهِ رُوحُ الربِّ رُوحُ الحِكمةِ والفهم روحُ المشورةِ والقُوَّة روحُ المعرِفَةِ ومخافةِ الرب. ولذَّتُهُ تَكُونُ في مَخافَةِ الربّ." (إشعياء 11: 1-3). هذا ما يُشارُ إليهِ في سفرِ الرؤيا "كسبعةِ أرواحِ الله." (رؤيا 3: 1؛ 4: 5؛ 5: 6). بما أنَّ العدد 7 يُشيرُ في الكتابِ المقدَّس إلى الكمال، فعندما يُخبِرُنا إشعياءُ عن المسيَّا الآتي، يُحاوِلُ القول، "إنَّ المسيَّا الآتي سوفَ يكونُ التعبيرَ الكامِلَ عن روحِ الله. وسوفَ يُعبِّرُ عن جوهر الله الروحِي بهذه الطُرُق السبع. فمن حياتِهِ سيخرُجُ روحُ المعرِفَة، وروحُ الفهم، وروحُ الحِكمة، وروحُ النُّصح، وروحُ القُوَّة، وروحُ العِبادة، وروحُ الرب." عندما تقرأُ الأناجيل الأربعة، أية صُورةٍ فكريَّة تُكوِّنُ عن يسوع في ذهنِكَ؟ بِحَسَبِ إشعياء، هذا ما سيكُونُهُ المسيَّا: حياتُهُ سوفَ تكونُ تعبِيراً عن رُوحِ الحِكمَةِ والفهم. وسوفَ يعرِفُ ويفهَمُ كلمةَ الله بشكلٍ كامِل. فروحُ الحِكمةِ تعنِي تطبيق المعرِفة، ولِهذا فإنَّ يسوع سوفَ يُبَرهِنُ روحَ الحكمة عندما يُطبِّقُ كلمة اللهِ على حياتِهِ وعلى حياةِ الآخرين. فسوفَ يُظهِرُ بهذا رُوحَ النُّصح. وعندما يعمَلُ هذا، ستكونُ هُناكَ ديناميكيَّةٌ مُغيِّرَة للحياة في حياتِهِ وخدمته، مُبرهِنَةً بذلكَ روحَ القُدرةِ والقوَّة. وفي النهايَةِ يتنبَّأُ إشعياءُ قائلاً أنَّ المسيَّا سيُعبِّرُ عن روحِ العِبادة أو مخافة الربّ. ويُضيفُ بالقول أنَّهُ سيُسَرُّ بهذا التعبيرِ النِّهائي عن روحِ العِبادة. عندما تقرأُ الأناجيل، سوفَ تجدُ أنَّهُ عندما لم يكُن يسوعُ يخدُمُ الناس، كانَ يُصلِّي ويعبُدُ في الخلاء. إقرأ الأناجيل الأربعة، وحاوِل إيجاد ذلكَ التعبير السُّباعي عن إكتِمالِ روحِ الله في حياةِ يسوع. وفي النصِّفِ الأخير من القرنِ العِشرين، كانتَ هُناكَ نهضةٌ لمواهِبِ الروحِ القُدُس. وعندما نُفسِّرُ إختباراتِنا للروحِ القُدُس، نخلُقُ الكثيرَ من الإنقسامات والتشويش بسبب إقترافِنا لأخطاء في طريقةِ تعبِرينا عن إختِباراتِ الروحِ القدُس. فمثلاً، هل سبقَ وسمِعتَ أشخاصاً يُشيرونَ إلى مُؤمِنٍ مملووءٍ بالروح، أو راعي كنيسة مملووء بالروح، أو كنيسة مملووءة بالروح. إنَّ تطبيقَ هذا المفهوم المغلوط هو أنَّ هُناكَ نوعينِ من المُؤمِنين أو الرُّعاة أو الكنائِس: المُؤمنين والرُّعاة والكنائِس المملوئين من الروح، والمُؤمِنين والرُّعاة والكنائِس الذين لم يمتلؤا أبداً من الروح. فهل هذا ما يعنيهِ الكتابُ المقدَّس عندما يُشيرُ إلى كونِ الإنسان يمتلِئُ بالروحِ القُدُس؟ فكُلُّ المُؤمِنين يُنصَحُونَ في كلمةِ الله أن يمتَلِئوا من الروحِ (أفسُس 5: 18). واللغةُ الأصليَّة تُشيرُ إلى ضرورة أن "نكونَ مملوئين بالروح." إن هذه الوصيَّة باللغةِ اليُونانية وُضِعت بطريقَةٍ تُشيرُ بوضوع إلى كونِها أمراً وليسَ خياراً، لكُلِّ تلميذٍ حقيقي للمسيح. فماذا يعني أن نكونَ مملوئين بالروح؟ يُخبِرُنا سفرُ الأعمال أنَّ بُطرُس "إمتلأَ من الروحِ القُدُس،" ووعظَ تلكَ العِظَة يومَ الخمسين. ثُمَّ نقرأُ لاحِقاً، "فامتلأَ بُطرُس من الروحِ القُدُس،" ووعظَ مُجدَّداً وخلُصَ الآلافُ من الناس. ثُمَّ نقرأُ لاحِقاً، "وامتلأَ بطرُس من الروحِ القُدُس،" وفعلَ هذا أو ذاك. فما بينَ هذه الأوقات التي يُخبِرنا الكتابُ عنها أنَّ بُطرُس امتلأَ فيها من الروحِ القُدُس، هل كانَ مملوءاً بالروحِ أيضاً فيما بينَها؟ الروحُ ليسَ مياهاً، ولا سائلاً، بل هو شخص. فإما أن يكونَ لدينا شخصُ الروح القُدُس في حياتِنا، وإمَّا لا يكون. والسؤالُ الحَقِيقِيُّ ليسَ "كم لديكَ من الروحِ القُدُس؟" بل السؤالُ هو، "كم يملِكُ الروحُ القُدُسُ منك؟" ؟ فعندَما يملِكُكَ بكُلِّيَّتِكَ، تُصبِحُ مملوءاً من الروحِ القُدُس. فالشخصُ المملوءُ من الروح هو المُقادُ من الروح كُلِّيَّاً. قبلَ أن يأمُرَنا بُولُس بأن نكونَ مملوئينَ من الروح القُدُس، كتبَ يقول، "ولا تسكَروا بالخمرِ الذي فيهِ الخلاعة، بل إمتَلئوا بالروح." (أفسُس 5: 18). فكما أن الشخص السكران يكونُ تحتَ تأثيرِ أو سيطَرَةِ الكُحُول، هكذا علينا أن نكونَ تحتَ تأثيرِ أو سيطرَةِ الروحِ القُدُس. إن نُبوَّةَ إشعياء الجميلة تُعلِّمُنا أنَّهُ ليسَ على أحدٍ منَّا أن يخشَى الإمتلاء من الروح. لأنَّنا إن كُنَّا مملوئينَ بالروح، وإن كُنَّا تحتَ سيطَرَةِ روحِ الله، وإن كُنَّا نُعبِّرُ عن جوهَرِ الله في روحِهِ، سنكونُ مثلَ يسوع المسيح عندما عبَّرَ عن هذه الأبعاد السبعة لروحِ الله. يُخبِرُنا إشعياءُ أن يسوع المسيح كانَ تعبِيراً كامِلاً عن روحِ اللهِ. لقد كانَ يسوعُ مئة بالمئة مملوءاً بالروح ومُقاداً بالروح. إن روحَ الله كانَ مُعبَّراً عنهُ بشكلٍ كامِل في حياةِ يسوع المسيح. فكيفَ كانَ يسوع؟ إقرأ الأناجيل الأربعة لتِعرِفَ. هل يستطيعُ أحدٌ أن يقرأَ الأناجيل الأربَعة بدونِ أن يرغَبَ أن يكونَ كَيَسوع؟ إنَّ حياتَهُ هي المِثالُ الذي على أساسِهِ علينا جميعاً أن نحيا حياتَنا، إذ نُعبِّرُ عن جَوهَرِ الله الروح، لأنَّ اللهَ روح. الصفحة 1 من 5 لقد قضَى بُولُس وقتاً في مدينَةِ أفسُس أكثَر من الوقتِ الذي قضاهُ في أيِّ مكانٍ آخر أسَّسَ فيهِ كنائِس خلالَ رحلاتِهِ الإرسالِيَّة. ففي أفسُس أسَّسَ بُولُس "مدرسة لاهُوت" في مدرسَةِ تيرانُّوس، حيثُ علَّمَ يومِيَّاً من الحادِيَة عشر صباحاً حتى الخامِسة بعدَ الظهر. ولربَّما قامَ تلامذةُ بُولُس برِعايَةِ كنائِس جديدة أسَّستها كنيسةُ أفسُس التي كانَ تيمُوثاوُس قد عُيِّنَ لرِعايَتِها. هذه الكنائِس الجديدة كانت في مُدُنِ سميرنا، برغامُس، ثِياتِيرا، ساردِس، فيلادِلفيا، ولاوُدكيَّة. هذه الكنائِسُ السِّتّ، بالإضافَةِ إلى أفسُس، هي الكنائِسُ السبع التي نقرَأُ عنها في الإصحاحَين الثاني والثالِث من سفرِ الرُّؤيا. لرُبَّما كانت رسالَةُ أفسُس هذه بمثابَةِ رِسالَةٍ شامِلَةٍ قُصِدَ منها أن تُقرَأَ في هذه الكنائِس كافَّةً بالإضافَةِ إلى كنيسةِ كُولُوسي. لَرُبَّما كانت رِسالَةُ بُولُس إلى الأفسُسِيِّين أعمَقَ رسالَةٍ كتبها بُولُس. إنَّ قلبَ رسالة بُولس هذه نجدُهُ في أفسُس 1: 3: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح الذي بارَكَنا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ في السماوِيَّات في المسيح." يقُولُ لنا بُولُس، "أنتُم لدَيكُم كُلَّ البَرَكاتِ الرُّوحيَّة التي تحتاجُونَها لِكَي تَعيشُوا كمولودِينَ ثانِيَةً، وتحتَ سيطرَةِ الرُّوح." ثُمَّ يُخبِرُنا أنَّ هذه البَرَكات هي، "في السماوِيَّات في المسيح." (عدد 3) يقُولُ بُولُس للأفسُسِيِّين (ولي ولكَ)، أنَّنا لدينا كُلَّ ما نحتاجُهُ لكي نعيشَ كأشخاصٍ رُوحِيِّين في هذا العالم. ولكن، جميع هذه البركات الرُّوحِيَّة هي في السماوِيَّات في المسيح. لقد كانَت أفسُس وتِلكَ الكنائِس الأُخرى موجُودَةً في ما يُسمَّى اليوم بتُركِيَّا. ففي أيَّامِ بُولُس، كانت المنطَقَةُ المُشارُ إليها بآسيا الصُّغرى تُشكِّلُ النِّصفَ الشَّرقِيّ من الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة. وبما أنَّ جمالَ أفسُس كانَ خلاَّباً، وكانت مُنتَجَعاً بَحريَّاً، إمتلكَ الأباطِرَةُ وأعضاءُ مجلس الشيُوخ وأغنياءُ رُوما منازِلَ وقُصُوراً فيها. لقد كانَ مجدُ رُوما في أَوْجِهِ عندما كانَ بُولُس في أفسُس. كانت هُناكَ أُمُورٌ أُخرى في أَوْجِها عندما كانَ بُولُس في أفسُس. اليوم، في أماكِن مثل أفسُس، بإمكانِكَ أن ترى براهينَ من عِلمِ الآثار عن عِبادَةِ الأوثان، وعن اللأخلاقِيَّة، وعنِ الخَلاعة. وهكذا كتبَ بُولُس للمُؤمنينَ في هذا الجزء اللاأخلاقي من الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة ما معناهُ، "من المُمكِن أن تَعيشُوا كأشخاصٍ مُقدَّسِينَ في الأماكِن السماوِيَّة، في المَسيح، حتَّى في وسطِ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة، معَ كُلِّ ما فيها من رذيلَةٍ وفساد." كتبَ بُولُس عن إختِبارِ إختِطافِهِ للسَّماءِ الثالِثة (2كُورنثُوس 12). يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ هذا حدَثَ لهُ عندما رُجِمَ في لِسترَة (أعمال 14: 19). أعتَقِدُ أنَّ بُولُس إحتفظَ دائماً بإحدى قدميهِ في السماوِيَّات بعدَ هذا الإختِبار. وهُوَ يُخبِرُنا أنَّهُ بإمكانِنا أن نحيا في المسيح، في السماوِيَّات، بينما نعيشُ هُنا على الأرض. فبِما أنَّ المسيحَ أبدِيٌّ، فنحنُ أيضاً أبديُّونَ بمقدارِ ما نعيشُ حياتَنا في المسيح. يُشيرُ بُولُس إلى هذا "بالعيش في السماوِيَّات في المسيح." وكما في سائِرِ رسائِلِ بُولُس الرسُول، سنكتَشِفُ في هذه الرِّسالة قِسماً عقائِديَّاً وقِسماً عَمَلِيَّاً. تحتَوي رسالَةُ أفسُس على ستَّةِ إصحاحاتٍ. يعتَقِدُ مُعظَمُ المُفسِّرين أنَّ الإصحاحات الثلاثة الأُولى هي القِسم العقائِديّ أو التعليمي، وأنَّ الإصحاحات الثلاثة الأخيرة، أي 4، 5، و6، هي القسمُ العملي أو التطبيقي من هذه الرسالة. أعتَقِدُ أنَّ القِسمَ العقائِديّ يستَمِرُّ عبرَ الأعدادِ الستة عشر الأولى من الإصحاحِ الرابِع. في هذه الأعداد الستَّة عشر، يُعلِّمُنا بُولُس بعضَ الحقائِق العظيمة عن الكنيسة. في الإصحاحِ الثالِث، يُخبِرُنا عن سرّ الكنيسة العظيم. والسِّرُّ يعني "سِرَّاً سيُعلَنُ عاجِلاً أم آجِلاً." فإلى أن حانَ مَوعِدُ يومِ الخمسين، لم يعرِفْ أحدٌ أنَّهُ يوماً ما، سوفَ يُجعَلُ اليُهُودُ والأُمَمُ واحِداً في المسيح، وسوفَ يجتَمِعُونَ معاً في الكنيسة. ختمَ بُولُس تعليمَهُ عن الكنيسة في الأعداد الستَّة عشر الأُولى من الإصحاحِ الرَّابِع، مُعَلِّماً إيَّانا كيفَ يُفتَرَضُ بالكنيسةِ أن تعمَلَ. بالإضافَةِ إلى تعليمِ بُولُس المُوحَى بهِ عن طَبيعَةِ وعملِ الكنيسة، هُناكَ مَوضُوعٌ آخر في رسالَةِ أفسُس. فبما أنَّ بُولُس قضى وقتاً طويلاً في أفسُس – ثلاث سنين ونِصف - وعلَّمَ الكثير في "مدرَسَةِ اللاهُوت،" فإنَ الكلمة المِفتاحِيَّة في الإصحاحاتِ الثلاثَةِ الأُولى هي "تذكَّرُوا." أشارَ بُولُس للأفسُسِيِّين الذين سبق وتمَّ تعليمُهم، بأنَّهُم يعرِفُونَ أصلاً الحقائِقَ التي كانَ بُولُس يُشدِّدُ عليها في هذه الرسالة. بعدَ أن أخبَرَ بُولُس الأفسُسِيِّين أن يتذكَّرُوا ما سبقَ وتعلَّمُوهُ، بدأَ بالقِسمِ التطبيقيّ من الرسالة في الإصحاحِ الرابِع. هُنا الكلمةُ المِفتاحِيَّةُ هي "أُسلُكُوا." كتبَ يقُولُ: "أسلُكُوا كما يَحِقُّ للدَّعوَةِ التي دُعِيتُم بها." (أفسُس 4: 1). علَّمَ بُولُس الأفسُسِيِّين أن يسلُكُوا بِكُلِّ تواضُعٍ ووداعَةٍ وبِطُولِ أناةٍ مُحتَمِلينَ بعضُهم بعضاً في المحبَّة. بكلماتٍ أُخرى، أن يسلُكُوا بطريقَةٍ تُبرهِنُ الحقيقَةَ التي علَّمَهُم إيَّاها بُولُس عندما كانَ في أفسُس. بينما تدرُسُونَ رسالَةَ أفسُس، أطلُبُوا من الرَّبّ أن يفتَحَ أعيُنَكُم رُوحِيَّاً لكَي تقدِرُوا أن تتعلَّمُوا "أن تعيشُوا في السماوِيَّات" و"أن تسلكُوا كما يَحِقُّ للدعوةِ" يوميَّاً.
|