في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
لآلافِ السِّنين، كانَ شَعبُ اللهِ يَطرَحُونَ السُّؤالَ، "لماذا يتألَّمُ شَعبُ الله؟" يُقدِّمُ سِفرُ أيُّوب أعمقَ وأشمَلَ جوابٍ على هذا السُّؤال. ولكنَّ سِفرَ أيُّوب ليسَ الجَوابَ الوَحيدَ الذي يُقدَّمُ على هذا السُّؤال في الكتابِ المُقدَّس. فمن سفرِ التَّكوين إلى سِفرِ الرُّؤيا، نَجِدُ أنَّ تألُّمَ شَعبِ اللهِ هُوَ مَوضُوعٌ قد تمَّت مُعالَجَتُهُ في كَلِمَةِ الله. في هذا الفَصل، سوفَ أُعالِجُ بإختِصارٍ ثلاثِينَ سَبَباً من أسبابِ التألُّم التي يُقَدِّمُها الكتابُ المُقدَّس. 1-يُمكِنُ أن يُعَلِّمَنا الأَلَمُ أنَّ اللهَ نفسَهُ هُوَ منبَعُ كُلِّ تَعزِيَة. هُناكَ فِكرَةٌ أعطَت بُولُس تَعزِيَةً عندما عانَى منَ تجرِبَةٍ صَعبَةٍ في آسيا: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح أبُو الرَّأفَة وإلهُ كُلِّ تَعزِيَة." (2كُورنثُوس 1: 3) ولقد قادَ الأَلَمُ بُولُس ليَكتَشِفَ أنَّ اللهَ كانَ دائماً حاضِراً بِجانِبِهِ وقادِراً على تَعزِيَتِهِ. ويتحدَّانا بُولُس لنكتَشِفَ الأمرَ ذاتَهُ عندَما نتألَّمُ. 2-الألَمُ يُدَرِّبُنا ويُؤَهِّلُنا ويُعِدُّنا لنُعَزِّي الآخَرين. تابَعَ بُولُس الفِكرَةَ التي بدَأَها في المقطَعِ المُشارِ إليهِ، عندما كتبَ قائِلاً، "الذي يُعزِّينا في كُلِّ ضِيقَتِنا حتَّى نستَطيعَ أن نُعَزِّيَ الذين هُم في كُلِّ ضِيقَةٍ بالتَّعزِيَةِ التي نتعزَّى نحنُ بها منَ الله." (2كُورنثُوس 1: 4) فالمُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ مُتَسَوِّلاً آخَر عن مكانِ وُجُودِ الخُبز. والخادِمُ المُؤهَّلُ للتَّعزِيَة هُوَ صاحِبُ قَلبٍ مُتَألِّمٍ يُخبِرُ قَلباً مُتَأَلِّماً آخر عن مكانِ وُجُودِ التَّعزِيَة. فعِندَما نكتَشِفُ التَّعزِيَةَ التي يُمكِنُنا أن نجِدَها في اللهِ نفسِهِ، نُصبِحُ خُدَّاماً مُؤَهَّلِينَ للتَّعزِيَة. فقط أُولئِكَ الذين إختَبرُوا الألَم الذي أدَّى بهم إلى إكتِشافِ تعزِيَةِ الله، فقط هَؤُلاء يُمكِنُهُم أن يُخبِرُوا القُلُوبَ الأُخرى المُتألِّمَة عن مكانِ وُجُودِ التَّعزيَة. 3-الألَمُ يَقُودُنا إلى طَلَبِ حِكمَةِ الله. بِحَسَبِ يَعقُوب، عندما يَقُودُنا ألَمُنا إلى المكانِ الذي لا نعرِفُ فيهِ بِبٍَساطَةٍ ماذا ينبَغي علينا أن نفعَلَ، يتوجَّبُ علينا عندها أن نطلُبَ حكمَةَ اللهِ لأَجلِ الحكمَةِ التي لا نملِكُها. "وإنَّما إن كانَ أحَدٌ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ فَليَطلُبْ منَ اللهِ الذي يُعطِي الجَميعَ بِسَخاءٍ ولا يُعَيِّر فسَيُعطَى لهُ." (يعقُوب 1: 5) يُؤكِّدُ لنا يَعقُوبُ أنَّ اللهَ سوفَ يغمُرُنا بالحكمَةِ التي نحتاجُها. 4-الألَمُ يَقُودُنا إلى النُّضجِ الرُّوحِيّ. علَّمَ يعقُوبُ أنَّ الألَمَ يَجعَلُنا "تامِّينَ وكامِلينَ، غيرَ ناقِصِينَ في شَيءٍ." (يعقُوب 1: 4) فإمتِحانُ الإيمانِ يَقُودُ إلى ثِقَةِ الإيمان. وثِقَةُ الإيمانِ تَقُودُ إلى إنتِصارِ الإيمان، أو إلى "إكليلِ الحَياة." (يعقُوب 1: 12) 5-الألَمُ يَقُودُنا لِلُوصُولِ إلى نعمَةِ الله. عندما يُعطينا اللهُ الحكمَةَ لأنَّنا لا نعلَمُ ماذا ينبَغي أن نفعَلَ، سوفَ نحتاجُ أيضاً إلى نعمَةِ اللهِ التي تُمَكِّنُنا من تطبيقِ الحكمةِ المُعطاةِ لنا منَ الله. كتبَ بُولُس يَقُولُ في 2 كُورنثُوس 9: 8: "واللهُ قادِرٌ أن يَزِيدَكُم كُلَّ نِعمَةٍ لِكَي تَكُونُوا ولكُم كُلُّ إكتِفاءٍ كُلَّ حِينٍ في كُلِّ شَيءٍ، تزدادُونَ في كُلِّ عمَلٍ صالِحٍ." كُلُّ نعمَة، كُلُّكُم، كُلّ حِين، كُلّ إكتِفاء، كُلّ شَيء، كُل فَيض لكُلّ عمل صالِح. لا عَجَبَ أنَّ يُخبِرَنا بُولُسَ أن نفرَحَ في الآلامِ لأنَّها تَقُودُنا إلى إكتِشافِ كنزِ الحكمة والنِّعمَةِ هذا. 6-الألَمُ يُنتِجُ شَخصِيَّةً رُوحيَّة. يُنتِجُ فينا الألَمُ تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشَّخصيَّةِ التي لا تهرُبُ منَ الصُّعُوباتِ: "وليسَ ذلكَ فقط بَل نفتَخِرُ أيضاً في الضِّيقاتِ عالِمِينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رجاءً، والرَّجاءُ لا يُخزِي." (رُومية 5: 3- 5أ) إنَّ هكذا كلماتٍ مثل الصبر والتَّزكِية تَصِفُ لنا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "البَقاء تحتَ الضَّغط." إنَّها تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشخصيَّة التي تبقَى وتستَمِرُّ تحتَ الضَّغطِ، مهما صَعُبَت الظُّرُوف. هكذا تُصبِحُ البُرتُقالَةُ بُرتُقالَةً. فهي تبقَى مُعَلَّقَةً على الشَّجَرَةِ إلى أن تُصبِحَ بُرتُقالَةً ناضِجَة. وهكذا أيضاً بإمكانِ الألَمِ أن يُطَوِّرَ فينا هذه النَّاحِيَة الهامَّة منَ الشَّخصِيَّةِ الرُّوحيَّة. 7-عندَما نتألَّمُ في شَبابِنا، نكسَبُ قُوَّةً لسنِّ البُلُوغ. نقرَأُ في مراثِي إرميا 3: 27، "جَيِّدٌ لِلرَّجُل أن يحمِلَ النِّير في صِباه." فعِندما يتجرَّبُ الشُّبَّانُ و الشَّابَّاتُ، يُطَوِّرُونَ قُوَّةً وإستِقراراً سيحتاجُونها ليتحمَّلُوا التَّجارِبَ في سنِّ البُلُوغ. 8-الألَمُ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ الألَمَ هُوَ الطريقة التي نُبَرهِنُ بها ذواتِنا بأنَّنا خُدَّامُ الله: "بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كَخُدَّامِ اللهِ في صَبرٍ كَثيرٍ في شَدائِد في ضَرُوراتٍ في ضِيقاتٍ." (2كُورنثُوس 6: 4) عندها يُريدُنا اللهُ أن نتجاوَبَ معَ ذلكَ "في طَهَارَةٍ في عِلمٍ في أناةٍ في لُطفٍ في الرُّوحِ القُدُس في محبَّةٍ بلا رِياءٍ في كلامِ الحَقِّ، في قُوَّةِ الله." (2كُورنثُوس 6: 6 و7أ) الألَمُ هُوَ القُوَّةُ الدِّينامِيكيُّةُ التي يستَخدِمُها اللهُ ليُؤَسِّسَ هذا "المعهد اللاهُوتيّ" الذي فيهِ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. 9-الألَمُ يُقيمُ "تُخوماً عجائِبِيَّةً" في رحلاتِ إيمانِنا. عندما صَلَّى داوُد طالِباً الإنقاذ في وقتِ الأزَمة (مَزمُور 3: 1- 6)، صَلَّى بإيمانٍ وثِقَةٍ سبقَ وتبرهَن نجاحُهُما، لأنَّهُ تأكَّدَ من أمانَةِ اللهِ في أوقاتِ الأزَماتِ في حَياتِهِ. ففي كُلِّ مرَّةٍ نتأكَّدُ فيها أنَّ اللهَ مَوجُودٌ بجانِبنا في أوقاتِ الأزمَة، نكسَبُ "تُخماً عجائِبيَّاً" يُقَوِّي إيمانَنا في أزماتِ الحاضِرِ والمُستَقبَل. 10-الألَمُ يُمَهِّدُ الطريقَ لِخلاصِ الله. لقد كرزَ إشعياءُ قائِلاً أنَّ حياةَ المَسيَّا سوفَ تَكُونُ بمثابَةٍ شارِعٍ عريضٍ من خلالِهِ سيأتي اللهُ بِخلاصِهِ إلى هذا العالم: "كُلُّ وطاءٍ يرتَفِعُ وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ ينخَفِضُ ويَصِيرُ المُعوَجُّ مُستَقِيماً والعَراقِيبُ سَهلاً. [ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله]." (إشعياء 40: 4) لقد كانت حياةُ يسُوع شارِعاً جلبَ اللهُ من خلالِهِ خلاصَهُ إلى هذا العالم. فَلِكَي نَكُونَ مثلَ اللهِ، فهذا يعني أن نَكُونَ شارِعاً يأتي اللهُ عليهِ بخلاصِهِ إلى هذا العالم من خلالِنا. فاللهُ قادِرٌ أن يأتِيَ بِخلاصِهِ إلى الآخرين من خلالِ حياتِنا، عندما تُسَوَّى جِبالُ كبريائِنا بالأرض، وعندما تمتَلِئُ فراغاتُ حياتِنا، وعندما تُقَوَّمُ خطايانا المُعوجَّة، وعندما تُعالَجُ وتُنَعَّمُ الجُرُوحُ الوعِرَة في حياتِنا والنَّاتِجَة عنِ الألَم. 11-الألَمُ يُظهِرُ قُوَّةَ الله. عندما صَلَّى بُولُس إلى اللهِ ليُريحَهُ من شَوكَتِهِ في الجَسَد، قالَ لهُ اللهُ، "تكفيكَ نِعمَتِي، لأنَّ قُوَّتِي في الضَّعفِ تُكمَلُ." (2كُورنثُوس 12: 9) فيُمكِنُ لِضَعفاتِنا أن تَكُونَ مجالاً لإظهارِ قُوَّةِ اللهِ وسُلطانِهِ. قد يَكُونُ هذا تفسيراً مُحتَمَلاً للتَّعَبِ المُزمِن الذي يُرافِقُ كُلَّ أنواعِ الأَلَم. فعجزُنا يُظهِرُ ويستَعلِنُ قُدرَةَ الله. 12-عدَم كفاءَتنا تُظهِرُ كفاءَةَ الله. الألَمُ يجعَلُ منَّا غيرَ مُلائِمين وغيرَ كَفُوئين. فلقد أُعيقَتْ كفاءَةُ بُولُس كَثيراً بِسَبَبِ شوكَتِهِ في الجَسَد. (2كُورنثُوس 12: 7- 10) ولكن عندما نَكُونُ ضُعفاء، يكُونُ اللهُ قَوِيَّاً. وعندما نَكُونُ غيرَ قادِرين، يَكُونُ اللهُ قادِراً. فاللهُ يستَطيعُ أن يستخدِمَ أَلَمَنا ليُعَلِّمَنا أينَ تنتَهي قُوَّتُنا وأينَ تبدَأُ قُوَّتُهُ. 13-الأَلَمُ قد يُشَكِّلُ فُرصَةً لتعلُّمِ التَّواضُع. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ شوكتَهُ في الجَسَد إستُخدِمَت لتمنَعَهُ من تمجيدِ نفسِهِ، لأنَّ الإختِباراتِ العجيبة التي إجتازَها، أُرسِلَت لهُ الشَّوكَةُ في الجسد كملاكِ الشيطان ليَلطِمَهُ لِئلا يرتَفِع. (2كُورنثُوس 12: 7) وبما أنَّنا يُمكِنُ أن نتجرَّبَ بالتَّنَصُّتِ على إطراءِ الآخرينَ بنا عندما يستَخدِمُنا اللهُ، وأن نسلُبَ اللهَ مجدَهُ الذي يستَحِقُّهُ، فاللهُ يستَخدِمُ أحياناً ألَمنا ليُبقِيَنا مُتواضِعين. 14-إختِباراتُ الألَم غالِباً ما تَقُودُ إلى إختِباراتٍ مُفرِحَة. نقرَأُ في المزمُور 126، "لأن الذين يزرعونَ بالدموع يحصدُون بالإبتهاج." فالدُّمُوعُ التي نسكُبُها في أوقاتِ ألَمِنا، غالِباً ما تَكُونُ بِذاراً سوفَ تُعطي يوماً ما ثِمارَ الفَرَح. رُغمَ أنَّ الألَمَ يستَمِرُّ لموسِمٍ كامِل، ولكنَّهُ يُنتِجُ فرَحاً في مَوسِمِ الحَصاد. أحياناً يتوجَّبُ علينا أن نَنتَظِرَ للحالَةِ الأبديَّة، لِنَختَبِرَ هُتافَ الفَرَح. 15-الألَمُ يَكُونُ أحياناً تشحيلاً يبدُو وكأنَّهُ تأجيلاً لِلبَرَكَة. علَّمَ يسُوعُ أنَّنا نحنُ الأغصان وأنَّهُ هُوَ الكَرمة. لكي نحمِلَ ثماراً، ينبَغي أن نَكُونَ دائماً في علاقَةٍ معَ المسيح، الذي هُوَ كَرمَتُنا، تماماً كما تَكُونُ الأغصانُ مُرتَبِطَةً بالكَرمَة. فلِكَي نَكُونَ مُثمِرينَ، ينبَغي علينا أيضاً أن نتحمَّلَ عمليَّةَ التِّشحيل أو التنقِيَة المُؤلِمَة، لأنَّ كَونَنا قد تنقَّينا أو تمَّ تقليمُنا وتَشحيلُنا، سيجعَلُ من حياتِنا في المسيحِ أكثَرَ إثماراً وفرَحاً. (يُوحَنَّا 15: 2؛ 11) 16-الألَمُ يُعلِنُ المَسيحَ للعالَم. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نتألَّمُ، نكُونُ آنِيَةً خَزَفِيَّةً صغيرَةً ينبَغي أن تتَحمَّلَ الآلام، علَّنا نُعلِنُ كنزَ المسيح الثَّمين، الذي هُوَ بمثابَةِ نُورٍ يَشِعُّ على هذا العالم من خلالِ الشُّقوقِ الصغيرة في إنائِنا الخَزَفِيّ. (2كُورنثُوس 4: 7- 10) فبينَما نتألَّمُ، نُصبِحُ "مُكتَئِبِينَ في كُلِّ شَيءٍ لكن غير مُتَضايِقِين،" إذ نُعلِنُ مجدَ قُوَّةِ اللهِ في جسدنا المائِت. 17-الألَمُ يُمكِنُ أن يُحفِّزَ نُمُوَّ إنساننا الدَّاخِليّ. فالإنسانُ الخارِجِيّ هوَ مُؤَقَّتٌ زائِل، أمَّا الدَّاخِليُّ فأبَدِيّ. فبينما إنسانُنا الخارِجُ يفنَى، فإنَّ إنسانَنا الدَّاخِلُ يتجدَّدُ يوماً فيَوماً، إستِعداداً للحالَة ِالأبديَّة. (2كُورنثُوس 4: 16). فألَمُنا وقتِيٌّ، ولكنَّ إنعكاساتِ ألَمِنا قد تَكُونُ أبديَّةً. هذا مفهُومٌ رائِعٌ نستطيعُ مُشارَكَتَهُ معَ أُولئكَ الذين يُعانُونَ من مَرَضٍ خَبيثٌ ينقُلُهُم من هذا العالم إلى الأبديَّة. 18-الألَمُ يستَطيعُ أن يُعَلِّمَنا قِيَماً أبَدِيَّةً. نَقرَأُ أنَّهُ في الأيَّامِ الأخيرة، ستَتَزعزَعُ الأرضُ إلى أن لا يَبقى إلا تلكَ الأُمُور التي لا تتزعزَع. (عبرانِيِّين 12: 25- 29). فَبِما أنَّ حياتَنا وقتِيَّةٌ، وقِيَمنا هي غالِباً ما تتمحوَرُ حولَ أُمُورِ هذا العالم الوَقتِيَّة، يستَخدِمُ اللهُ أحياناً الألَمَ ليَرفَعَ أعيُنَنا عن تلكَ الأُمور الوقتِيَّة، ليُثَبِّتَها على قِيَمِ الأبديَّة. 19-الألَمُ يستَطيعُ تنقِيَتَنا. "لأنَّ إلَهَنا نارٌ مُحرِقَة." (عبرانِيِّين 12: 29) فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألمَ ليُحرِقَ في حياتنا كُلَّ ما يتعارَضُ معَ طبيعَتِهِ المُقدَّسَة. عمليَّةُ التَّنقِيَة هذهِ التي تُحَضِّرُنا للأبديَّة، قد تأتي إلينا بِشَكلِ الألَم. 20-الألَمُ يَكُونُ أحياناً حصادَ الخياراتِ السَّيِّئَة. فما نزرَعُه، إيَّاهُ نحصُدُ أيضاً. فإذا زرعنا فساداً، سوفَ نحصُدُ فساداً. والذِّهنُ المُنحَرِفُ الفاسِد يقُودُ حتماً إلى حياةٍ مُنحَرِِفَةٍ فاسِدة. أحياناً، عندما نتألَّمُ، نحصُدُ "مائِدَةَ العواقِب الوخيمة"، لأنَّنا نكُونُ قد زَرَعنا البُذُورَ المغلُوطَة في بُستانِ حياتِنا. (غلاطية 6: 7، 8) 21-الألَمُ يُثَبِّتُ هُوِيَّتَنا كأبناءِ الله. فاللهُ يُؤدِّبُ بأمانَةٍ أولادَهُ الحقيقيِّين. (عبرانيين 12: 4- 11؛ يُوحَنَّا 1: 12، 13). فهُوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةً تجاهَ أولادِهِ، لا يتحمَّلُها تجاهَ أُولئكَ الذين لا يَدْعُونَهُ أباً ورَبَّاً على حياتِهم. فبما أنَّهُ أبُونا ونحنُ أولادهُ، فإنَّهُ يُؤَدِّبُنا عندمَا نُخطِئُ. 22-الألَمُ يعني أحياناً أنَّ المسيحَ يرغَبُ بالشَّرِكَةِ معَنا. فالمسيحُ الحَيُّ المُقامُ يقرَعُ على أبوابِ قُلُوبِ أُولئكَ الذي لَيسُوا بارِدينَ ولا حارِّينَ في إلتِزامِهِم لهُ. هذا القَرعُ يُمَثِّلُ توبِيخَهُ وتأديبَهُ، عندَما نعتَبِرُهُ مُخَلِّصاً ولا نعتَبِرُهُ رَبَّاً. (رُؤيا 3: 19- 20) إنَّهُ يرغَبُ بالوُصُولِ إلى كُلِّ ناحِيَةٍ هامَّةٍ من نواحِي حياتنا، وأن تَكُونَ لنا شَرِكَة معَهُ في هذه النَّواحِي. فقَرعُ المسيحَ على قُلُوبِنا قد يأتِينا بِشكلِ الألَم. 23-كُورَةُ الخَنازِير البَعيدة غالِباً ما تُعجِّلُ الإبنَ الضَّالَّ على الرُّجُوع. تماماً كما "رجعَ الإبنُ الضَّالُّ إلى نَفسِهِ" عندما بدأَ يتألَّمُ في كُورَةِ الخنازير البَعيدة (لُوقا 15: 17)، هكذا الألَمُ أيضاً في "كُورَةِ الخنازير البَعيدة" في هذا العالم، قد يُعيدُنا إلى نُفُوسِنا، ويَقُودُنا إلى التَّوبَةِ، ويُرجِعُنا بتَصميمٍ إلى الشَّركَة معَ الآب وإلى قِيَمِهِ الأبديَّة. 24-تأديبُ الألَمِ يجعَلُنا نشتَرِكُ في قداسَةِ الله. فعندما يُؤَدِّبُنا أبُونا السَّماوِيّ بمحبَّةٍ، نقرأُ أنَّهُ يُؤدِّبُنا لأجلِ المَنفَعَة لكَي نشتَرِكَ في قداسَتِهِ. فاللهُ قُدُّوسٌ، وهُوَ يُريدُنا أن نَكُونَ قِدِّيسين. فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألَم ليُساعِدَنا على فَهمِ أهَمِّيَّةِ القداسَة في شَخصِيَّتِهِ وفي شخصِيَّتِنا. (عبرانِيِّين 12: 10). 25-نتألَّمُ أحياناً لأنَّ العالَمَ يكرَهُ المسيحَ وأتباعَهُ. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً، "وجميعُ الذين يُريدُونَ أن يَعيشُوا بالتَّقوى في المسيح يسُوع يُضطَّهَدُون." (2تيمُوثاوُس 3: 12) 26-الألَمُ يُطَهِّرُ إيمانَنا. كتبَ بُولُس قائِلاً: "الذي بهِ تبتَهِجُونَ معَ أنَّكُم الآن إن كانَ يَجِبُ تُحزَنُونَ يَسيراً بتجارِبَ مُتَنَوِّعَة. لِكَي تَكُونَ تَزكِيَةُ إيمانِكُم وهِي أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفانِي معَ أنَّهُ يُمتَحَنُ بالنَّار تُوجَدُ للمَدحِ والكرامَةِ والمَجد عندَ إستِعلانِ يسُوع المسيح." (1بُطرُس 1: 6- 7). فكما يُنَقَّى الذَّهَبُ بالنَّار، هكذا إيمانُنا أيضاً، الذي هُوَ أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفَانِي، يُنَقَّى بنارِ آلامِنا. 27-عِندَما نتأَلَّمُ، نتبَعُ بذلكَ مِثالَ مُخَلِّصِنا. كتبَ بُطرُس يَقُولُ بأنَّنا مَدعُوُّونَ لنقتَفِيَ خُطُواتِهِ. (1بُطرُس 2: 21) فلقد عانَى من نِزاعِ الصَّليب لأجلِ خلاصِنا. وأخبَرَنا صراحَةً أنَّهُ علينا أن نحمِلَ صَليبَنا وأن نتبَعَ مِثالَهُ (لُوقا 9: 23- 25؛ 14: 25- 35). فعندَما نتحمَّلُ الألَمَ لأجلِ المسيح، نَكُونُ بذلكَ نقتَفي خُطُواتِهِ. 28-الألَم يفتَحُ أحياناً البابَ لِمَلَكُوتِ الله. عندَما إضطُّهِدَ بُولُس وبَرنابا في رحلاتِهِما الإرساليَّة، شَجَّعُوا المُؤمنينَ الآخرينَ بالقَول، "ينبَغي أنَّهُ بِضِيقاتٍ كثيرة ندخُل ملكوت الله." (أعمال 14: 22) رُغمَ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن نتألَّمَ لكَي ندخُلَ إلى ملكوتِ الله، ولكنَّ كثيرينَ يأتُونَ إلى الإيمان من خلالِ بابِ الألَمِ والضِّيق. 29-يتوجَّبُ علينا جميعاً أن ندخُلَ الأبديَّةَ عبرَ مَوتِنا وقِيامَتِنا. قالَ يسُوعُ لإمرأَةٍ في جنازَةٍ مُعَيَّنة، أنَّ مُشكِلَتَينا اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المَرَضُ والمَوت، يُمكِنُهما أن يَكُونَا الطَّريقَ الذي يُؤدِّي بنا إلى حياتِنا الأبديَّة. (يُوحَنَّا 11: 20- 32) بإمكانِنا أن نُحَوِّلَ من هاتَينِ المُشكِلَتَين إلى تذكَرَةِ سَفَرٍ إلى بيتِنا السَّماوِيّ، وذلكَ بالإيمانِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ الحَلّ الوَحيد لمَشاكِلِنا. ولكنَّ اللهَ لا يستطيعُ أن يُزيلَ المرضَ والمَوت، لأنَّ هذا سيحرِمُنا من طَريقِنا الوحيد للخُرُوجِ من هذا العالم. هذا سببٌ آخر يُفسِّرُ ألمَنا في بعضِ الأحيان. 30-فلسفَةُ المَوت الكِتابِيَّة. لكي يُثبِتَ الرَّاعي سُلطَتَهُ، غالِباً ما يضرِبُ الخِرافَ على قَرنِها ضرباتٍ خَفيفَة لكي يجعَلَها تربُضُ أرضاً. فبِحَسَبِ قَولِ داوُد، يُصبِحُ اللهُ راعِيَنا عندَما يُربِضُنا. (مَزمُور 23: 2). وعندَما تُوضَعُ هذه العلاقَة في إطارِها الصحيح، عندَها يَقُودُنا اللهُ إلى مياهِ الرَّاحَةِ، وإلى المراعِي الخُضر، فيفِيضُ كأسُنا رَيَّا. وعندما نَقُومُ مُجدَّداً، فإنَّ هذه المراعي تتحوَّلُ إلى مراعٍ صفراء يابِسَة، وتُصبِحُ المياهُ معكُورَةً، وكأسُنا فارِغَةً. المَوتُ هُوَ الرَّاعي الصَّالِح الذي يجعَلُنا نربُضُ ونرقُدُ في المَوت، لكي يستَطيعَ اللهُ أن يُورِدَنا إلى المراعِي الخُضر التي لا تَيبَسُ، وإلى مياهِ الرَّاحَةِ التي لا تتعكَّرُ، وإلى الكأسِ التي لا تفرَغُ. لكي نَنالَ هذه القِيَمَ الأبديَّة، علينا أن نختَبِرَ هاتَينِ المُشكِلَتَينِ اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المرَضُ وا لمَوت. هذا هُوَ التَّفسيرُ الكِتابِيُّ النِّهائِيُّ لسماحِ اللهِ لنا بأن نتألَّمَ أحياناً. لدى كلِمَةِ اللهِ الكَثير لِتَقُولَهُ لنا عن الألَم، لكن هُناكَ الكثيرُ منَ آلامِ شعبِ اللهِ التي لا نفهَمُها. الكَلِمَةُ التي نستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في هذا العالم هي، "لِماذا؟" أمَّا الكَلِمَةُ التي سنستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في السَّماءِ فسَتَكُونُ كلمة التَّعجُّب، وبعدَ التَّعجُّبِ لعشرَةِ آلافِ سنَةٍ، سوفَ نبدَأُ بالقَولِ "هَلِّلويا." لآلافِ السِّنين، كانَ شَعبُ اللهِ يَطرَحُونَ السُّؤالَ، "لماذا يتألَّمُ شَعبُ الله؟" يُقدِّمُ سِفرُ أيُّوب أعمقَ وأشمَلَ جوابٍ على هذا السُّؤال. ولكنَّ سِفرَ أيُّوب ليسَ الجَوابَ الوَحيدَ الذي يُقدَّمُ على هذا السُّؤال في الكتابِ المُقدَّس. فمن سفرِ التَّكوين إلى سِفرِ الرُّؤيا، نَجِدُ أنَّ تألُّمَ شَعبِ اللهِ هُوَ مَوضُوعٌ قد تمَّت مُعالَجَتُهُ في كَلِمَةِ الله. في هذا الفَصل، سوفَ أُعالِجُ بإختِصارٍ ثلاثِينَ سَبَباً من أسبابِ التألُّم التي يُقَدِّمُها الكتابُ المُقدَّس. 1-يُمكِنُ أن يُعَلِّمَنا الأَلَمُ أنَّ اللهَ نفسَهُ هُوَ منبَعُ كُلِّ تَعزِيَة. هُناكَ فِكرَةٌ أعطَت بُولُس تَعزِيَةً عندما عانَى منَ تجرِبَةٍ صَعبَةٍ في آسيا: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح أبُو الرَّأفَة وإلهُ كُلِّ تَعزِيَة." (2كُورنثُوس 1: 3) ولقد قادَ الأَلَمُ بُولُس ليَكتَشِفَ أنَّ اللهَ كانَ دائماً حاضِراً بِجانِبِهِ وقادِراً على تَعزِيَتِهِ. ويتحدَّانا بُولُس لنكتَشِفَ الأمرَ ذاتَهُ عندَما نتألَّمُ. 2-الألَمُ يُدَرِّبُنا ويُؤَهِّلُنا ويُعِدُّنا لنُعَزِّي الآخَرين. تابَعَ بُولُس الفِكرَةَ التي بدَأَها في المقطَعِ المُشارِ إليهِ، عندما كتبَ قائِلاً، "الذي يُعزِّينا في كُلِّ ضِيقَتِنا حتَّى نستَطيعَ أن نُعَزِّيَ الذين هُم في كُلِّ ضِيقَةٍ بالتَّعزِيَةِ التي نتعزَّى نحنُ بها منَ الله." (2كُورنثُوس 1: 4) فالمُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ مُتَسَوِّلاً آخَر عن مكانِ وُجُودِ الخُبز. والخادِمُ المُؤهَّلُ للتَّعزِيَة هُوَ صاحِبُ قَلبٍ مُتَألِّمٍ يُخبِرُ قَلباً مُتَأَلِّماً آخر عن مكانِ وُجُودِ التَّعزِيَة. فعِندَما نكتَشِفُ التَّعزِيَةَ التي يُمكِنُنا أن نجِدَها في اللهِ نفسِهِ، نُصبِحُ خُدَّاماً مُؤَهَّلِينَ للتَّعزِيَة. فقط أُولئِكَ الذين إختَبرُوا الألَم الذي أدَّى بهم إلى إكتِشافِ تعزِيَةِ الله، فقط هَؤُلاء يُمكِنُهُم أن يُخبِرُوا القُلُوبَ الأُخرى المُتألِّمَة عن مكانِ وُجُودِ التَّعزيَة. 3-الألَمُ يَقُودُنا إلى طَلَبِ حِكمَةِ الله. بِحَسَبِ يَعقُوب، عندما يَقُودُنا ألَمُنا إلى المكانِ الذي لا نعرِفُ فيهِ بِبٍَساطَةٍ ماذا ينبَغي علينا أن نفعَلَ، يتوجَّبُ علينا عندها أن نطلُبَ حكمَةَ اللهِ لأَجلِ الحكمَةِ التي لا نملِكُها. "وإنَّما إن كانَ أحَدٌ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ فَليَطلُبْ منَ اللهِ الذي يُعطِي الجَميعَ بِسَخاءٍ ولا يُعَيِّر فسَيُعطَى لهُ." (يعقُوب 1: 5) يُؤكِّدُ لنا يَعقُوبُ أنَّ اللهَ سوفَ يغمُرُنا بالحكمَةِ التي نحتاجُها. 4-الألَمُ يَقُودُنا إلى النُّضجِ الرُّوحِيّ. علَّمَ يعقُوبُ أنَّ الألَمَ يَجعَلُنا "تامِّينَ وكامِلينَ، غيرَ ناقِصِينَ في شَيءٍ." (يعقُوب 1: 4) فإمتِحانُ الإيمانِ يَقُودُ إلى ثِقَةِ الإيمان. وثِقَةُ الإيمانِ تَقُودُ إلى إنتِصارِ الإيمان، أو إلى "إكليلِ الحَياة." (يعقُوب 1: 12) 5-الألَمُ يَقُودُنا لِلُوصُولِ إلى نعمَةِ الله. عندما يُعطينا اللهُ الحكمَةَ لأنَّنا لا نعلَمُ ماذا ينبَغي أن نفعَلَ، سوفَ نحتاجُ أيضاً إلى نعمَةِ اللهِ التي تُمَكِّنُنا من تطبيقِ الحكمةِ المُعطاةِ لنا منَ الله. كتبَ بُولُس يَقُولُ في 2 كُورنثُوس 9: 8: "واللهُ قادِرٌ أن يَزِيدَكُم كُلَّ نِعمَةٍ لِكَي تَكُونُوا ولكُم كُلُّ إكتِفاءٍ كُلَّ حِينٍ في كُلِّ شَيءٍ، تزدادُونَ في كُلِّ عمَلٍ صالِحٍ." كُلُّ نعمَة، كُلُّكُم، كُلّ حِين، كُلّ إكتِفاء، كُلّ شَيء، كُل فَيض لكُلّ عمل صالِح. لا عَجَبَ أنَّ يُخبِرَنا بُولُسَ أن نفرَحَ في الآلامِ لأنَّها تَقُودُنا إلى إكتِشافِ كنزِ الحكمة والنِّعمَةِ هذا. 6-الألَمُ يُنتِجُ شَخصِيَّةً رُوحيَّة. يُنتِجُ فينا الألَمُ تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشَّخصيَّةِ التي لا تهرُبُ منَ الصُّعُوباتِ: "وليسَ ذلكَ فقط بَل نفتَخِرُ أيضاً في الضِّيقاتِ عالِمِينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رجاءً، والرَّجاءُ لا يُخزِي." (رُومية 5: 3- 5أ) إنَّ هكذا كلماتٍ مثل الصبر والتَّزكِية تَصِفُ لنا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "البَقاء تحتَ الضَّغط." إنَّها تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشخصيَّة التي تبقَى وتستَمِرُّ تحتَ الضَّغطِ، مهما صَعُبَت الظُّرُوف. هكذا تُصبِحُ البُرتُقالَةُ بُرتُقالَةً. فهي تبقَى مُعَلَّقَةً على الشَّجَرَةِ إلى أن تُصبِحَ بُرتُقالَةً ناضِجَة. وهكذا أيضاً بإمكانِ الألَمِ أن يُطَوِّرَ فينا هذه النَّاحِيَة الهامَّة منَ الشَّخصِيَّةِ الرُّوحيَّة. 7-عندَما نتألَّمُ في شَبابِنا، نكسَبُ قُوَّةً لسنِّ البُلُوغ. نقرَأُ في مراثِي إرميا 3: 27، "جَيِّدٌ لِلرَّجُل أن يحمِلَ النِّير في صِباه." فعِندما يتجرَّبُ الشُّبَّانُ و الشَّابَّاتُ، يُطَوِّرُونَ قُوَّةً وإستِقراراً سيحتاجُونها ليتحمَّلُوا التَّجارِبَ في سنِّ البُلُوغ. 8-الألَمُ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ الألَمَ هُوَ الطريقة التي نُبَرهِنُ بها ذواتِنا بأنَّنا خُدَّامُ الله: "بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كَخُدَّامِ اللهِ في صَبرٍ كَثيرٍ في شَدائِد في ضَرُوراتٍ في ضِيقاتٍ." (2كُورنثُوس 6: 4) عندها يُريدُنا اللهُ أن نتجاوَبَ معَ ذلكَ "في طَهَارَةٍ في عِلمٍ في أناةٍ في لُطفٍ في الرُّوحِ القُدُس في محبَّةٍ بلا رِياءٍ في كلامِ الحَقِّ، في قُوَّةِ الله." (2كُورنثُوس 6: 6 و7أ) الألَمُ هُوَ القُوَّةُ الدِّينامِيكيُّةُ التي يستَخدِمُها اللهُ ليُؤَسِّسَ هذا "المعهد اللاهُوتيّ" الذي فيهِ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. 9-الألَمُ يُقيمُ "تُخوماً عجائِبِيَّةً" في رحلاتِ إيمانِنا. عندما صَلَّى داوُد طالِباً الإنقاذ في وقتِ الأزَمة (مَزمُور 3: 1- 6)، صَلَّى بإيمانٍ وثِقَةٍ سبقَ وتبرهَن نجاحُهُما، لأنَّهُ تأكَّدَ من أمانَةِ اللهِ في أوقاتِ الأزَماتِ في حَياتِهِ. ففي كُلِّ مرَّةٍ نتأكَّدُ فيها أنَّ اللهَ مَوجُودٌ بجانِبنا في أوقاتِ الأزمَة، نكسَبُ "تُخماً عجائِبيَّاً" يُقَوِّي إيمانَنا في أزماتِ الحاضِرِ والمُستَقبَل. 10-الألَمُ يُمَهِّدُ الطريقَ لِخلاصِ الله. لقد كرزَ إشعياءُ قائِلاً أنَّ حياةَ المَسيَّا سوفَ تَكُونُ بمثابَةٍ شارِعٍ عريضٍ من خلالِهِ سيأتي اللهُ بِخلاصِهِ إلى هذا العالم: "كُلُّ وطاءٍ يرتَفِعُ وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ ينخَفِضُ ويَصِيرُ المُعوَجُّ مُستَقِيماً والعَراقِيبُ سَهلاً. [ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله]." (إشعياء 40: 4) لقد كانت حياةُ يسُوع شارِعاً جلبَ اللهُ من خلالِهِ خلاصَهُ إلى هذا العالم. فَلِكَي نَكُونَ مثلَ اللهِ، فهذا يعني أن نَكُونَ شارِعاً يأتي اللهُ عليهِ بخلاصِهِ إلى هذا العالم من خلالِنا. فاللهُ قادِرٌ أن يأتِيَ بِخلاصِهِ إلى الآخرين من خلالِ حياتِنا، عندما تُسَوَّى جِبالُ كبريائِنا بالأرض، وعندما تمتَلِئُ فراغاتُ حياتِنا، وعندما تُقَوَّمُ خطايانا المُعوجَّة، وعندما تُعالَجُ وتُنَعَّمُ الجُرُوحُ الوعِرَة في حياتِنا والنَّاتِجَة عنِ الألَم. 11-الألَمُ يُظهِرُ قُوَّةَ الله. عندما صَلَّى بُولُس إلى اللهِ ليُريحَهُ من شَوكَتِهِ في الجَسَد، قالَ لهُ اللهُ، "تكفيكَ نِعمَتِي، لأنَّ قُوَّتِي في الضَّعفِ تُكمَلُ." (2كُورنثُوس 12: 9) فيُمكِنُ لِضَعفاتِنا أن تَكُونَ مجالاً لإظهارِ قُوَّةِ اللهِ وسُلطانِهِ. قد يَكُونُ هذا تفسيراً مُحتَمَلاً للتَّعَبِ المُزمِن الذي يُرافِقُ كُلَّ أنواعِ الأَلَم. فعجزُنا يُظهِرُ ويستَعلِنُ قُدرَةَ الله. 12-عدَم كفاءَتنا تُظهِرُ كفاءَةَ الله. الألَمُ يجعَلُ منَّا غيرَ مُلائِمين وغيرَ كَفُوئين. فلقد أُعيقَتْ كفاءَةُ بُولُس كَثيراً بِسَبَبِ شوكَتِهِ في الجَسَد. (2كُورنثُوس 12: 7- 10) ولكن عندما نَكُونُ ضُعفاء، يكُونُ اللهُ قَوِيَّاً. وعندما نَكُونُ غيرَ قادِرين، يَكُونُ اللهُ قادِراً. فاللهُ يستَطيعُ أن يستخدِمَ أَلَمَنا ليُعَلِّمَنا أينَ تنتَهي قُوَّتُنا وأينَ تبدَأُ قُوَّتُهُ. 13-الأَلَمُ قد يُشَكِّلُ فُرصَةً لتعلُّمِ التَّواضُع. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ شوكتَهُ في الجَسَد إستُخدِمَت لتمنَعَهُ من تمجيدِ نفسِهِ، لأنَّ الإختِباراتِ العجيبة التي إجتازَها، أُرسِلَت لهُ الشَّوكَةُ في الجسد كملاكِ الشيطان ليَلطِمَهُ لِئلا يرتَفِع. (2كُورنثُوس 12: 7) وبما أنَّنا يُمكِنُ أن نتجرَّبَ بالتَّنَصُّتِ على إطراءِ الآخرينَ بنا عندما يستَخدِمُنا اللهُ، وأن نسلُبَ اللهَ مجدَهُ الذي يستَحِقُّهُ، فاللهُ يستَخدِمُ أحياناً ألَمنا ليُبقِيَنا مُتواضِعين. 14-إختِباراتُ الألَم غالِباً ما تَقُودُ إلى إختِباراتٍ مُفرِحَة. نقرَأُ في المزمُور 126، "لأن الذين يزرعونَ بالدموع يحصدُون بالإبتهاج." فالدُّمُوعُ التي نسكُبُها في أوقاتِ ألَمِنا، غالِباً ما تَكُونُ بِذاراً سوفَ تُعطي يوماً ما ثِمارَ الفَرَح. رُغمَ أنَّ الألَمَ يستَمِرُّ لموسِمٍ كامِل، ولكنَّهُ يُنتِجُ فرَحاً في مَوسِمِ الحَصاد. أحياناً يتوجَّبُ علينا أن نَنتَظِرَ للحالَةِ الأبديَّة، لِنَختَبِرَ هُتافَ الفَرَح. 15-الألَمُ يَكُونُ أحياناً تشحيلاً يبدُو وكأنَّهُ تأجيلاً لِلبَرَكَة. علَّمَ يسُوعُ أنَّنا نحنُ الأغصان وأنَّهُ هُوَ الكَرمة. لكي نحمِلَ ثماراً، ينبَغي أن نَكُونَ دائماً في علاقَةٍ معَ المسيح، الذي هُوَ كَرمَتُنا، تماماً كما تَكُونُ الأغصانُ مُرتَبِطَةً بالكَرمَة. فلِكَي نَكُونَ مُثمِرينَ، ينبَغي علينا أيضاً أن نتحمَّلَ عمليَّةَ التِّشحيل أو التنقِيَة المُؤلِمَة، لأنَّ كَونَنا قد تنقَّينا أو تمَّ تقليمُنا وتَشحيلُنا، سيجعَلُ من حياتِنا في المسيحِ أكثَرَ إثماراً وفرَحاً. (يُوحَنَّا 15: 2؛ 11) 16-الألَمُ يُعلِنُ المَسيحَ للعالَم. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نتألَّمُ، نكُونُ آنِيَةً خَزَفِيَّةً صغيرَةً ينبَغي أن تتَحمَّلَ الآلام، علَّنا نُعلِنُ كنزَ المسيح الثَّمين، الذي هُوَ بمثابَةِ نُورٍ يَشِعُّ على هذا العالم من خلالِ الشُّقوقِ الصغيرة في إنائِنا الخَزَفِيّ. (2كُورنثُوس 4: 7- 10) فبينَما نتألَّمُ، نُصبِحُ "مُكتَئِبِينَ في كُلِّ شَيءٍ لكن غير مُتَضايِقِين،" إذ نُعلِنُ مجدَ قُوَّةِ اللهِ في جسدنا المائِت. 17-الألَمُ يُمكِنُ أن يُحفِّزَ نُمُوَّ إنساننا الدَّاخِليّ. فالإنسانُ الخارِجِيّ هوَ مُؤَقَّتٌ زائِل، أمَّا الدَّاخِليُّ فأبَدِيّ. فبينما إنسانُنا الخارِجُ يفنَى، فإنَّ إنسانَنا الدَّاخِلُ يتجدَّدُ يوماً فيَوماً، إستِعداداً للحالَة ِالأبديَّة. (2كُورنثُوس 4: 16). فألَمُنا وقتِيٌّ، ولكنَّ إنعكاساتِ ألَمِنا قد تَكُونُ أبديَّةً. هذا مفهُومٌ رائِعٌ نستطيعُ مُشارَكَتَهُ معَ أُولئكَ الذين يُعانُونَ من مَرَضٍ خَبيثٌ ينقُلُهُم من هذا العالم إلى الأبديَّة. 18-الألَمُ يستَطيعُ أن يُعَلِّمَنا قِيَماً أبَدِيَّةً. نَقرَأُ أنَّهُ في الأيَّامِ الأخيرة، ستَتَزعزَعُ الأرضُ إلى أن لا يَبقى إلا تلكَ الأُمُور التي لا تتزعزَع. (عبرانِيِّين 12: 25- 29). فَبِما أنَّ حياتَنا وقتِيَّةٌ، وقِيَمنا هي غالِباً ما تتمحوَرُ حولَ أُمُورِ هذا العالم الوَقتِيَّة، يستَخدِمُ اللهُ أحياناً الألَمَ ليَرفَعَ أعيُنَنا عن تلكَ الأُمور الوقتِيَّة، ليُثَبِّتَها على قِيَمِ الأبديَّة. 19-الألَمُ يستَطيعُ تنقِيَتَنا. "لأنَّ إلَهَنا نارٌ مُحرِقَة." (عبرانِيِّين 12: 29) فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألمَ ليُحرِقَ في حياتنا كُلَّ ما يتعارَضُ معَ طبيعَتِهِ المُقدَّسَة. عمليَّةُ التَّنقِيَة هذهِ التي تُحَضِّرُنا للأبديَّة، قد تأتي إلينا بِشَكلِ الألَم. 20-الألَمُ يَكُونُ أحياناً حصادَ الخياراتِ السَّيِّئَة. فما نزرَعُه، إيَّاهُ نحصُدُ أيضاً. فإذا زرعنا فساداً، سوفَ نحصُدُ فساداً. والذِّهنُ المُنحَرِفُ الفاسِد يقُودُ حتماً إلى حياةٍ مُنحَرِِفَةٍ فاسِدة. أحياناً، عندما نتألَّمُ، نحصُدُ "مائِدَةَ العواقِب الوخيمة"، لأنَّنا نكُونُ قد زَرَعنا البُذُورَ المغلُوطَة في بُستانِ حياتِنا. (غلاطية 6: 7، 8) 21-الألَمُ يُثَبِّتُ هُوِيَّتَنا كأبناءِ الله. فاللهُ يُؤدِّبُ بأمانَةٍ أولادَهُ الحقيقيِّين. (عبرانيين 12: 4- 11؛ يُوحَنَّا 1: 12، 13). فهُوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةً تجاهَ أولادِهِ، لا يتحمَّلُها تجاهَ أُولئكَ الذين لا يَدْعُونَهُ أباً ورَبَّاً على حياتِهم. فبما أنَّهُ أبُونا ونحنُ أولادهُ، فإنَّهُ يُؤَدِّبُنا عندمَا نُخطِئُ. 22-الألَمُ يعني أحياناً أنَّ المسيحَ يرغَبُ بالشَّرِكَةِ معَنا. فالمسيحُ الحَيُّ المُقامُ يقرَعُ على أبوابِ قُلُوبِ أُولئكَ الذي لَيسُوا بارِدينَ ولا حارِّينَ في إلتِزامِهِم لهُ. هذا القَرعُ يُمَثِّلُ توبِيخَهُ وتأديبَهُ، عندَما نعتَبِرُهُ مُخَلِّصاً ولا نعتَبِرُهُ رَبَّاً. (رُؤيا 3: 19- 20) إنَّهُ يرغَبُ بالوُصُولِ إلى كُلِّ ناحِيَةٍ هامَّةٍ من نواحِي حياتنا، وأن تَكُونَ لنا شَرِكَة معَهُ في هذه النَّواحِي. فقَرعُ المسيحَ على قُلُوبِنا قد يأتِينا بِشكلِ الألَم. 23-كُورَةُ الخَنازِير البَعيدة غالِباً ما تُعجِّلُ الإبنَ الضَّالَّ على الرُّجُوع. تماماً كما "رجعَ الإبنُ الضَّالُّ إلى نَفسِهِ" عندما بدأَ يتألَّمُ في كُورَةِ الخنازير البَعيدة (لُوقا 15: 17)، هكذا الألَمُ أيضاً في "كُورَةِ الخنازير البَعيدة" في هذا العالم، قد يُعيدُنا إلى نُفُوسِنا، ويَقُودُنا إلى التَّوبَةِ، ويُرجِعُنا بتَصميمٍ إلى الشَّركَة معَ الآب وإلى قِيَمِهِ الأبديَّة. 24-تأديبُ الألَمِ يجعَلُنا نشتَرِكُ في قداسَةِ الله. فعندما يُؤَدِّبُنا أبُونا السَّماوِيّ بمحبَّةٍ، نقرأُ أنَّهُ يُؤدِّبُنا لأجلِ المَنفَعَة لكَي نشتَرِكَ في قداسَتِهِ. فاللهُ قُدُّوسٌ، وهُوَ يُريدُنا أن نَكُونَ قِدِّيسين. فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألَم ليُساعِدَنا على فَهمِ أهَمِّيَّةِ القداسَة في شَخصِيَّتِهِ وفي شخصِيَّتِنا. (عبرانِيِّين 12: 10). 25-نتألَّمُ أحياناً لأنَّ العالَمَ يكرَهُ المسيحَ وأتباعَهُ. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً، "وجميعُ الذين يُريدُونَ أن يَعيشُوا بالتَّقوى في المسيح يسُوع يُضطَّهَدُون." (2تيمُوثاوُس 3: 12) 26-الألَمُ يُطَهِّرُ إيمانَنا. كتبَ بُولُس قائِلاً: "الذي بهِ تبتَهِجُونَ معَ أنَّكُم الآن إن كانَ يَجِبُ تُحزَنُونَ يَسيراً بتجارِبَ مُتَنَوِّعَة. لِكَي تَكُونَ تَزكِيَةُ إيمانِكُم وهِي أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفانِي معَ أنَّهُ يُمتَحَنُ بالنَّار تُوجَدُ للمَدحِ والكرامَةِ والمَجد عندَ إستِعلانِ يسُوع المسيح." (1بُطرُس 1: 6- 7). فكما يُنَقَّى الذَّهَبُ بالنَّار، هكذا إيمانُنا أيضاً، الذي هُوَ أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفَانِي، يُنَقَّى بنارِ آلامِنا. 27-عِندَما نتأَلَّمُ، نتبَعُ بذلكَ مِثالَ مُخَلِّصِنا. كتبَ بُطرُس يَقُولُ بأنَّنا مَدعُوُّونَ لنقتَفِيَ خُطُواتِهِ. (1بُطرُس 2: 21) فلقد عانَى من نِزاعِ الصَّليب لأجلِ خلاصِنا. وأخبَرَنا صراحَةً أنَّهُ علينا أن نحمِلَ صَليبَنا وأن نتبَعَ مِثالَهُ (لُوقا 9: 23- 25؛ 14: 25- 35). فعندَما نتحمَّلُ الألَمَ لأجلِ المسيح، نَكُونُ بذلكَ نقتَفي خُطُواتِهِ. 28-الألَم يفتَحُ أحياناً البابَ لِمَلَكُوتِ الله. عندَما إضطُّهِدَ بُولُس وبَرنابا في رحلاتِهِما الإرساليَّة، شَجَّعُوا المُؤمنينَ الآخرينَ بالقَول، "ينبَغي أنَّهُ بِضِيقاتٍ كثيرة ندخُل ملكوت الله." (أعمال 14: 22) رُغمَ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن نتألَّمَ لكَي ندخُلَ إلى ملكوتِ الله، ولكنَّ كثيرينَ يأتُونَ إلى الإيمان من خلالِ بابِ الألَمِ والضِّيق. 29-يتوجَّبُ علينا جميعاً أن ندخُلَ الأبديَّةَ عبرَ مَوتِنا وقِيامَتِنا. قالَ يسُوعُ لإمرأَةٍ في جنازَةٍ مُعَيَّنة، أنَّ مُشكِلَتَينا اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المَرَضُ والمَوت، يُمكِنُهما أن يَكُونَا الطَّريقَ الذي يُؤدِّي بنا إلى حياتِنا الأبديَّة. (يُوحَنَّا 11: 20- 32) بإمكانِنا أن نُحَوِّلَ من هاتَينِ المُشكِلَتَين إلى تذكَرَةِ سَفَرٍ إلى بيتِنا السَّماوِيّ، وذلكَ بالإيمانِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ الحَلّ الوَحيد لمَشاكِلِنا. ولكنَّ اللهَ لا يستطيعُ أن يُزيلَ المرضَ والمَوت، لأنَّ هذا سيحرِمُنا من طَريقِنا الوحيد للخُرُوجِ من هذا العالم. هذا سببٌ آخر يُفسِّرُ ألمَنا في بعضِ الأحيان. 30-فلسفَةُ المَوت الكِتابِيَّة. لكي يُثبِتَ الرَّاعي سُلطَتَهُ، غالِباً ما يضرِبُ الخِرافَ على قَرنِها ضرباتٍ خَفيفَة لكي يجعَلَها تربُضُ أرضاً. فبِحَسَبِ قَولِ داوُد، يُصبِحُ اللهُ راعِيَنا عندَما يُربِضُنا. (مَزمُور 23: 2). وعندَما تُوضَعُ هذه العلاقَة في إطارِها الصحيح، عندَها يَقُودُنا اللهُ إلى مياهِ الرَّاحَةِ، وإلى المراعِي الخُضر، فيفِيضُ كأسُنا رَيَّا. وعندما نَقُومُ مُجدَّداً، فإنَّ هذه المراعي تتحوَّلُ إلى مراعٍ صفراء يابِسَة، وتُصبِحُ المياهُ معكُورَةً، وكأسُنا فارِغَةً. المَوتُ هُوَ الرَّاعي الصَّالِح الذي يجعَلُنا نربُضُ ونرقُدُ في المَوت، لكي يستَطيعَ اللهُ أن يُورِدَنا إلى المراعِي الخُضر التي لا تَيبَسُ، وإلى مياهِ الرَّاحَةِ التي لا تتعكَّرُ، وإلى الكأسِ التي لا تفرَغُ. لكي نَنالَ هذه القِيَمَ الأبديَّة، علينا أن نختَبِرَ هاتَينِ المُشكِلَتَينِ اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المرَضُ وا لمَوت. هذا هُوَ التَّفسيرُ الكِتابِيُّ النِّهائِيُّ لسماحِ اللهِ لنا بأن نتألَّمَ أحياناً. لدى كلِمَةِ اللهِ الكَثير لِتَقُولَهُ لنا عن الألَم، لكن هُناكَ الكثيرُ منَ آلامِ شعبِ اللهِ التي لا نفهَمُها. الكَلِمَةُ التي نستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في هذا العالم هي، "لِماذا؟" أمَّا الكَلِمَةُ التي سنستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في السَّماءِ فسَتَكُونُ كلمة التَّعجُّب، وبعدَ التَّعجُّبِ لعشرَةِ آلافِ سنَةٍ، سوفَ نبدَأُ بالقَولِ "هَلِّلويا." إنَّ الجوهَرَ الحقيقيّ لرسالةِ الكاتِب نجدُهُ في الإصحاحِ الحادِي عشر من هذه الرسالة. فالإصحاحُ الحادي عشرَ من عبرانيين يُعرَفُ بِ"إصحاحِ الإيمان" في الكتابِ المقدَّس. يبدَأُ الإصحاحُ في الواقِع في نهايَةِ الإصحاحِ العاشِر، عندما يبدَأُ بإعطاءِ قُرَّائِهِ جُملَةَ أسبابٍ من أجلِها ينبَغي عليهم أن لا يطرَحُوا إيمانَهم جانِباً (عبرانِيِّين 10: 35). فهُوَ يقُولُ أنَّهُم لا ينبَغي أن يتخلُّوا عن إيمانِهم لأنَّ الإيمانَ خلَّصَهم. ويحُضُّهُم على أن يُعيدُوا التفكير بتلكَ المرحلة التي فيها آمنُوا وخلُصُوا. هذا هُوَ جوهَرُ موضُوع هذه الرِّسالة – لا تطرَحُوا إيمانَكُم، لأنَّ الإيمانَ خلَّصَكُم. يبدُو أنَّهم إختَبَرُوا التوبَةَ الحقيقيَّة والرجُوعَ إلى شخصِ المسيح الذي كانَ مُرافَقاً بالمحبَّةِ الأُولى الصافِية للمسيح. لقد ذكَّرَهُم بذلكَ الإختِبار، وكيفَ إحتَمَلُوا خسارَةَ كُلِّ شَيء، عالِمينَ أنَّهُم سينالُونَ مُجازاةً أفضل في السماء. والآن، ينصَحُ الكاتِبُ أن نرجِعَ ونُفكِّرَ بالإختِبارِ الأساسيّ للإيمانِ والخلاص، وأن نُفكِّرَ بما عناهُ لنا، وأن نُدرِكَ أنَّنا خَلُصنا بالإيمان. لهذا، مهما حدَثَ، علينا أن لا نتخلَّى عن إيمانِنا الذي
|