في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 2 "إن لم يبنِ الربُّ البيت فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون. إن لم يحفظ الربُّ المدينة فباطِلاً يسهرُ الحارِس. باطِلٌ هو لكُم أن تُبكِّرُوا إلى القِيام مُؤخِّرين الجُلُوس آكلين خُبزَ الأتعاب. لكنَّهُ يُعطِي حبيبَهُ نوماً. هوذا البنون ميراثٌ من عندِ الربّ ثمرةُ البطنِ أُجرةٌ. كَسِهامٍ بيدِ جبَّار هكذا أبناءُ الشبيبة. طُوبَى للذي ملأَ جُعبَتَهُ منهم. لا يخزَون بل يُكلِّمُون الأعداءَ في الباب."
هذا المَزمُورُ القَصير، الذي ينبَغي أن يُحسَبَ رَفيقاً للمَزمُور 128، هو المزمور الوحيد الذي كتبَهُ سُليمان. قد نتوقَّع أن يكونَ مزمورُ سُلَيمان عن البِناء، لأنَّ سُليمان كان بنَّاءً عظيماً. فسُليمان لم يبنِ فقط الهيكل، الذي سُمِّيَ على إسمِهِ، بل بنى أيضاً مُدُناً وحدائقَ عامَّة، وبنى أساطيل سُفُنٍ وبنى إسطبلات للمئات من خيلِهِ. رُغمَ ذلكَ، يُخبِرُنا سُليمانُ أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن يبنِيَ الإنسانُ باطِلاً: "إن لم يبنِ الربُّ البيت، فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون." (1) ما يقولُهُ سُليمان في هذا المزمور هو أنهُ من المُمكِن أن نتعَب ونجتهِد ونبني، ولكن باطِلاً، لأنَّهُ من المُمكِن أن نهتمَّ ونجتهِدَ لبِناءِ الشيء الخطأ. إن مزمورَ سُليمان هذا هُوَ أشبَهُ بكَلِماتِ حِكمَةِ سُلَيمان الأخيرة في سفرِ الجامِعَة، والتي فيها وعظَ بهذا المِقدار عمَّا فعلَهُ في حياتِهِ باطِلاً وبِدُونِ جَدوَى. وعندما ينتَقِلُ من إستِعارَةِ البِناءِ إلى الإستِعارَةِ الجميلَةِ عنِ الأولاد، يَقُولُ للأهلِ أنَّ أكثَرَ الأُمورِ أهَمِّيَّةً التي بإمكانِهم أن يعمَلُوها، هو عندما يبنُونَ حياةَ أولادِهم. فلَرُبَّما كانَ سُلَيمانُ يَقُولُ لنا أنَّهُ يتمنَّى لو أنَّهُ قَضَى وقتَهُ وهُوَ يبنِي حياةَ أولادِهِ بدلَ أن يُشيدَ الأبنِيَة التي إشتَهَرَ بها. يَقُولُ سُلَيمانُ: "كَسِهامٍ بِيَدِ جَبَّار، هكذا أبناءُ الشَّبيبَة." (4) السِّهامُ في هذه الإستِعارَة هي أولادُكُم، وأنتُم القَوس. إنَّ الزُّخمَ والوُجهَةَ التي ينطَلِقُ بها أبناؤُكُم نحوَ هذا العالم تَتَحَدَّدُ من قِبَلِ القَوسِ الذي يُطلِقُها إلى هذا العالم. هذا القَوسُ هُو منزِلُ الأهل. الحقيقةُ الكُبرى في المزمور 127 تُوجدُ في الجملة الإفتتاحية: "إن لم يبنِ الربُّ البيت فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون." هُناكَ أشياء لا يستطيعُ أحدٌ أن يعملَها إلا الله وحدَه. اللهُ وحدَهُ يقدِر أن يخلُقَ حياةً جديدةً في قلبِ أولادِكَ. فالإيمانُ هو فقط عطيةٌ من الله. فبمعنىً ما، اللهُ لا يستطيعُ أن يبنِيَ حياةَ ولَدِكَ، إلى أن تدعَهُ يعمَلُ ذلك. وهذه الحقيقَةُ مُغَلَّفَةٌ في إستِعارَةٍ جميلة. فسُلَيمانُ يَقُولُ أنَّ اللهَ "يُعطي حبيبَهُ نَوماً." فطالَما نحنُ مُتَيقِّظُون، لا يستَطيعُ اللهُ أن يضعَ الطَّاقَةَ في أجسادِنا. ولكن عندما نُصبِحُ سَلبِيِّينَ ونخلُدُ للنَّوم، يُصبِحُ اللهُ فاعِلاً ويضَعُ حياةً جديدَةً في أجسادِنا. طَبِّقْ هذه الإستِعارَة على مَسُؤوليَّاتِكَ وتحدِّياتِكَ كوالِدٍ لأولادِكَ. الصفحة 1 من 4 عندَما تَقُومُ بمشارِيعَ وأعمالٍ، هُناكَ شَيئانِ يُمكِنُ أن تربَحَهُما – المال والخُبرَة. وعندَما يَقُومُ أهلُ هذا العالم بمَشاريعٍ وأعمال، أبناءُ العالم يَربَحُونَ المال، وأبناءُ اللهِ يكتَسِبُونَ الخُبرَة. لقد أعطانا اللهُ سِفرَ الأمثال لِكَي لا نقضِيَ حياتَنا مُتَعَلِّمينَ كُلَّ شَيءٍ من خُبرَتِنا الذَّاتِيَّة. إنَّ سِفرَ الأمثال هُوَ أكثَرُ سفرٍ عملِيٍّ في الكتابِ المُقدَّس. كتبَ سُلَيمانُ ثلاثَةَ آلافِ مثَل (1مُلُوك 4: 29- 34). وهُوَ يُشارِكُ معَنا تقريباً ألفاً من أمثالِهِ في هذا السِّفرِ الكتابِيِّ المُوحَى بهِ منَ الله. وكانَ سُليمانُ يُعتَبَرُ أحكَمَ إنسانٍ عاشَ على الأرض. في سفرِ الأمثال، قامَ هُوَ وأكثَرُ مُعاصِريهِ حِكمَةً بإظهارِ كيفيَّةِ العَيشِ في جوانِبِ حياتِنا العمليَّة. ولقد كتَبَ سُلَيمانُ أكثَرَ من ألفِ نَشيدٍ. في سفرِ الأمثال، نَجِدُ أقَلَّ من ألفٍ من أمثالِهِ، ونجِدُ نشيداً واحِداً من أناشِيدِه مَوجُوداً في الكتابِ المُقدَّس، ألا وهُوَ سفرُ نَشيدِ الأنشاد. ولكنَّ سُليمان لم يَكتُبْ كُلَّ الأمثالِ المَوجُودَةِ في سفرِ الأمثال. بل جمعَ حِكماً كتبَها حُكماءُ غَيرَهُ أيضاً، وقامَ حُكَماءُ آخرُونَ بِجَمعِ بَعضِ أمثالِ سُليمان التي نَجِدُها في هذا السِفر. الإصحاحاتُ التِّسعَةُ الأُولى تُعَبِّرُ بِوُضُوحٍ عن القَصد منَ السِّفر، الذي هُوَ تعليمُ الحكمة. نَجِدُ أمثالَ سُليمان في الإصحاح 10:1 والإصحاح 22: 16. وأمثالُ الحَكيمِ نَجِدُها في أمثال 22: 17- 24: 34، وأمثالُ سُليمان التي جمَعَها حُكَماءُ حزقِيَّا، نَجِدُها مجمُوعَةً في أمثال 25- 29. يحتَوِي الإصحاحُ الثَّلاثُونَ على أمثالِ أَجُور، ويحتَوي الإصحاح 31 على أمثل الملك لَمُوئيل، التي سَمِعَها من أُمِّهِ. الإصحاحاتُ 1- 10 كُتِبَت للشُّبَّانِ؛ والإصحاح 11- 20 كُتِبَت لِلعَامَّة؛ والإصحاحات 21- 31 كُتِبَت لِلحُكَّام. رُغمَ أنَّ سُلَيمان كانَ معرُوفاً كأحكَمِ رَجُلٍ عاشَ على الأرض (1مُلوك 4: 31)، ولكنَّهُ كانَ أيضاً أكبَرَ فاشِلٍ عاشَ على الأرض. وكما أشَرتُ في دراسَتِنا للأَسفارِ التَّاريخيَّة، تُعتَبَرُ المملَكَةُ المُنقَسِمَةُ وحملاتُ السَّبِي المُتتالِيَة عواقِبَ خطايا سُليمان، بدل أن تَكُونَ عواقِبَ خَطِيَّةِ أبيهِ داوُد. فكَيفَ يُمكِنُ لإنسانٍ كانَ فاشِلاً إلى هذا الحَدّ، أن يُعَلِّمَ شعبَ اللهِ كيفَ ينبَغي أن يَعيشُوا؟ تُوجَدُ بعضُ الأجوِبَة على هذا السُّؤال. إنَّ حِكمَةَ هذه الأمثال لا تتعلَّقُ بما إذا كانَ كاتِبُها قد طَبَّقَها على حياتِهِ الشَّخصيَّة؛ فهِيَ تُقَدِّمُ حكمَةً مُوحىً بها منَ الله. أيضاً هذه الأمثال، والمَزمُور 127، وسفر الجامِعة، كُتِبَت من قِبَلِ سُليمان لتعليمِ الشُّبَّانِ أن لا يعمَلُوا كما عمِلَ هُو. فلقد تعلَّمَ سُليمانُ الكَثيرَ من خلالِ أخطائِهِ، وأرادَ أن يُمَرِّرَ حكمَتَهُ التي كلَّفَتْهُ الكثيرَ ليَتَعَلَّمَها، أرادَ أن يُمَرِّرَها للآخرين، ولا سِيَّما للشُّبَّان. بينما يُقدِّمُ سُليمانُ القصدَ من كتابَةِ سفرِ الأمثال، كتبَ يَقُولُ ما معناهُ: "أُريدُكُم أن تَتَعَلَّمُوا هذه الحقيقة العَظيمة: أنَّ عملَ الخَيرِ هُوَ أكثرُ حياةٍ تتحلَّى بالحكمة. ... لهذا عليكُم أن تأكُلُوا الثِّمارَ المُرَّة النَّاتِجَة عن سُلُوكِكُم بِحَسَبِ ما تَرتَأُون، وأن تختَبِرُوا أهوالَ الطَّريق التي إختَرتُمُوها. ... لأنَّ مخافَةَ اللهِ وطاعَتَهُ هي أُمُورٌ أساسيَّةٌ للحكمة. ومعرِفَةُ اللهِ تُنتِجُ كُلَّ أنواعِ الفَهم الأُخرى." (أمثال 4:11؛ 1: 31؛ و9: 10) بطريقَةٍ ما، إنَّ هدَفَ إرسالِيَّةِ سُليمان هُو مُلَخَّصٌ لإختبارِ حياتِهِ. فلقد عرَفَ أنَّهُ سَقَطَ، ولكنَّهُ أرادَنا أن نعرِفَ أن نتعلَّمَ الحِكمَةَ من خلالِ السُّقُوط وعواقِبِهِ. إحدى أكثَر الطُّرُق فعالِيَةً للتَّعَلُّم، هي بأن نتعلَّمَ من خلالِ رَدَّاتِ الفِعلِ على العواقِبِ الوخيمة لِخَيَاراتِنا الغَبِيَّة والخاطِئة. فعندما نختَبِرُ أهوالَ الطُّرُق التي نختارُها، ندفَعُ ثمناً باهِظاً لنَكسَبَ الحكمَةَ الثمينة، ونتأكَّدُ أنَّ "حياةَ السُّلوكِ المُستَقيم هي الأكثَرُ حِكمَةً." عندما يُخبرُِنا اللهُ عن شَيءٍ ما أنَّهُ صحيح، يَقُولُ لنا ذلكَ لأنَّهُ يُحِبُّنا. وهُوَ يُريدُنا أن نعملَ المُستَقيم، لأنَّهُ يعلَمُ أنَّ عواقِبَ العمَلِ المُستَقيمِ هِي صالِحَة. عندما يُعلِنُ اللهُ عن أمرٍ ما أنَّهُ خطأ، يُعلنُ هذا لأنَّهُ يعرِفُ عواقِبَ إنزلاقِنا لإقتِرافِ هكذا خطأ.
|