في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
"إختبرني يا الله، واعرِفْ قلبي. إمتحنِّي واعرفْ أفكاري. وانظُرْ إن كانَ فيَّ طريقٌ باطِلٌ واهدِنِي طريقاً أبديَّاً." (مزمُور 139: 23, 24) مِثالٌ آخر عن مَزمُورِ الصَّلاة، حيثُ يتكلَّمُ المُرَنِّمُ المُوحَى معَ اللهِ عنِ الإنسان، هُوَ مَزمُورُ الصَّلاة المئة والتَّاسِع والثَّلاثُون. في هذا المَزمُور، نَجِدُ اللهَ بأنَّهُ المُرشِدُ القَدير. عندما كَلَّمَ اللهُ شاوُل من خلالِ صَمُوئيل أنَّهُ وجدَ بديلاً لهُ لِيَحِلَّ محَلَّ المَلِكِ الأوَّل لإسرائيل، وصفَ اللهُ داوُد بأنَّهُ رَجُلٌ بِحَسَبِ قَلبِ الله، الذي يعمَلُ مشيئَتَهُ. وبما أنَّ داوُد أرادَ أن يسلُكَ في مَشيئَةِ اللهِ في حياتِهِ، صلَّى هذه الصلاة الجميلة لله. جوهَرُ هذه الصلاة نَراهُ يُصَلَّى في العَدَدَينِ الأخِيرَين. فإذا قَسَمنا باقي المَزمُور إلى مقاطِع، كلُّ مقطَعٍ سيُرينا من هُوَ اللهُ الذي صلَّى لهُ داوُد هذه الصلاة – ولماذا وجَّهَ داوُد صلاتَهُ لهذا الإله. عندما صَلَّى داوُد هذه الصلاة، كان يُوجَدُ الكثيرُ منَ الآلِهَةِ والأصنامِ التي كانت تُوجَّهُ الصلاةُ لها. في المقطَعِ الأوَّل، يُخبِرُنا داوُد أنَّهُ يُصَلِّي لإلهٍ يعرِفُهُ. فمَعرِفَةُ اللهِ بِداوُد غيرُ مَحدُودَةٍ. صَلَّى داوُد قائِلاً: "يا رَبُّ قدِ إختَبَرتَني وعَرَفتَني." (1) قد تَقُولُ أنَّكَ تعرِفُ شخصاً مشهُوراً، لَرُبَّما قائِداً سِياسيَّاً في بَلَدِكَ. ولكن، ألَن يَكُونَ الأمرُ ذا تأثيرٍ أقوَى لو قالَ رَجُلُ السِّياسَةِ هذا في العَلَن أنَّهُ هُوَ الذي يَعرِفُكَ شَخصيَّاً؟ لقد أُعجِبَ داوُد بالحقيقَةِ المَجيدة أنَّ اللهَ رَبَّ الكَون يعرِفُهُ شَخصيَّاً. عندما تذهبُ لاستشارةِ مُحلِّلٍ نفسي، سوفَ يكونُ هذا المُحلِّلُ محدوداً بمقدار المعرفة عن نفسِكَ الذي تكشِفُهُ له، ومقدار انفتاحِكَ لهُ وإخبارِكَ إياهُ عن نفسِك. هذه الأمور سوفَ تحدُّهُ مهما كان بارِعاً. أما اللهُ فهو يعرِفُ تاريخَكَ الإجتماعي بشكلٍ كامل لأنَّهُ الإله الذي يعرِفُك بالتمام. يقولُ داوُد، "يا الله، أنتَ عرفتَ جُلوسي وقِيامي. فهِمتَ فِكري من بعيدٍ. مَسلَكِي ومَربَضِي ذرَّيتَ وكُلَّ طُرُقِي عرفت." (مزمُور 139: 3ب). المقطَعُ الثاني في هذا المزمور (6- 12) يُخبِرُنا أن داود يُصلِّي إلى الله الذي لن يستطيعَ أن يهرُبَ منهُ أبداً. صَلَّى داوُد قائِلاً: "أينَ أذهبُ من رُوحِكَ ومن وجهِكَ أينَ أهرُب؟" فبِأَيَّةِ سُرعَةٍ عليكَ أن تُسافِرَ لكَي تهرُبَ من وَجهِ الله؟ وإلى أيِّ مكانٍ بَعيدٍ بإمكانِكَ أن تهرُبَ؟ وإلى أيِّ مُرتَفَعٍ أو هاوِيَةٍ تستطيعُ أن تَسمُوَ أو تنخَفِض، لكي تهرُبَ من وجهِ الله؟ يُوَجِّهُ داوُد هذه الصلاة للإلهِ المَوجُودِ في كُلِّ مكانٍ، والذي لا مَفَرَّ منهُ. يُظهِرُ المَقطَعُ الثَّالِثُ (13- 16) أنَّ داوُد يُصَلِّي للهِ الذي خلَقَهُ. لقد خاطَبَ داوُد اللهَ قائِلاً، "لأنَّكَ أنتَ إقتَنَيتَ كُليَتَيَّ، نَسَجْتَني في بَطنِ أُمِّي... رأت عيناكَ أعضائي وفي سِفرِكَ كُلُّها كُتِبَتْ يومَ تصوَّرَتْ إذ لم يكُنْ واحِدٌ منها." (مَزمُور 139: 13، 16).فقَبلَ أن نُوجَدَ، خَطَّطَ اللهُ لكُلِّ أيَّامِنا في سِفرٍ. فَكِّرْ بذلكَ بينَما تُخَطِّطُ لأيَّامِكَ، أسابِيعِكَ، وشُهُورِكَ على مُفَكِّرَتِكَ السَّنَويَّة. هذا يعني أيضاً أنَّهُ لا يُوجَدُ ما يُسَمَّى بالمُصَادَفَة البَشَرِيَّة. فنحنُ جميعاً نُوجَدُ بمُوجَبِ خُطَّةِ العِنايَةِ الإلهيَّة. فَكِّرْ بذلكَ بيَنما يُخَطِّطُ النَّاسُ للإجهاض. مقطَعُ رابِعٌ (17، 18)، يُظهِرُ أنَّ داوُد يُوَجِّهُ صلاتَهُ إلى اللهِ الذي يُفَكِّرُ بهِ. نتعلَّمُ من داوُد أنَّ أفكارَ اللهِ من جِهَتِنا هي عزيزَةٌ جدَّاً ولا عَدَّ ولا حصرَ لها (17). أحد أكثر التَّعابير الحميمة المُؤَثِّرَة هي أن نَقُولَ لمَن نُحبّ أنَّنا نُفَكِّرُ بهِ دائماً. فاللهُ يُفَكِّرُ بنا أكثَر ممَّا نُفَكِّرُ بِنُفُوسِنا. وأخيراً، يُوَجِّهُ داوُد صلاتَهُ إلى اللهِ الذي يحميهِ (19- 22). فهُوَ يسأَلُ اللهَ في هذا الإطار أن يقضِيَ على أعدائِهِ. وهُوَ يُصَلِّي صلاتَهُ طالِباً الحمايَةَ بِثِقَةٍ عظيمَةٍ أنَّ اللهَ سيُساعِدُهُ على القَضاءِ على أعدائِهِ. بعدَ تفصيلِ هذه الصِّفَة عنِ الله الذي صلَّى لهُ داوُد، يُصَلِّي داوُد جوهَرَ صلاتِهِ عندَما يطلُبُ منَ اللهِ أن "يختَبِرَهُ ويعرِفَهُ وينظُرَ إن كانَ فيهِ طريقٌ باطِلٌ شِرِّيرٌ (23، 24). لقد قدَّمَ داوُد هذا الطَّلَبَ منَ اللهِ الذي لا يستطيعُ أن يهرُبَ منهُ، ومنَ اللهِ الذي يَعرِفُهُ، والذي صنعَهُ ويُفَكِّرُ بهِ وسيَحَميِهِ. هذا هُوَ الإلهُ الذي نُوَجِّهُ لهُ كُلَّ صَلَواتِنا. عندما لا تَكُونُ مُتَأكِّداً حيالَ دوافِعِ قَلبِكَ، ولكنَّكَ تُريدُ أن تسلُكَ في الطَّريقِ الأبديّ لمشيئَةِ اللهِ لحياتِكَ، إقتَرِبْ من عَرش ِالمُشير القَدير الذي صَلَّى داوُد لهُ. أُطلُبْ منهُ أن ينزِعَ السدَّةَ أو الغِطاءَ عن قَلبِكَ، وأن يُريَكَ الدَّوافِعَ التي لا ينبَغي أن تَكُونَ موجُودَةً في قَلبِكَ. أُطلُبْ منهُ أن ينزِعَ السَّدَّةَ عن ذِهنِكَ، وأن يُظهِرَ لكَ الأفكارَ التي لا ينبَغي أن تَكُونَ مَوجُودَة فيهِ، لأنَّكَ تُريدُ أن تسلُكَ في الطَّريقِ الأبديِّ بِحَسَبِ إرادَةِ اللهِ لِحَياتِكَ.
|