في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 3 عندما ذهبَ بُولُس إلى مدينَةِ أثينا، احتدَّت رُوحُهُ فيهِ إذ رأى الشعبَ في كُلِّ مكانٍ يعبُدُونَ الأصنام (أعمال 17: 16)." قالَ أحدُ المُؤرِّخِين أنَّهُ كانَ من الأسهَل إيجاد إلهٍ من إيجادِ رجُلٍ في مَدينَةِ أثينا التي زارَها بُولُس. وذلكَ بسببِ كثرة عبادَةِ الأصنامِ فيها الذي أقلَقَت بُولُس جداً، لأنَّهُ يعرِفُ أنَّ هذه الأصنام ليسَت آلِهة، وأنَّ هؤلاء الناس لن يعرِفُوا اللهَ الحقيقيّ من خِلالِ هذه الأَوثان. لقد شكَّلَ هَمٌّ أساسيٌّ نمُوذَجَ ستراتيجيَّتهِ الإرساليَّة في المُدُن التي بَشَّرَها. فلَقَد ذهَب أوَّلاً إلى المجمَع، وأعَلن لليَهُود أنَّ: "يسُوع هُوَ المسيح." كانَ بُولُس مُعلِّماً للنامُوس، وكانت لديهِ وثائق تُبرهِنُ هذا. لهذا، كانَ يذهَبُ إلى المجمَع ليحصَلَ على إذنٍ بالكلامِ والتعليم. ثُمَّ كانَ يَعِظُ ويُعلِّمُ الإنجيلَ لليهُود. كانت هذه دائماً ستراتيجيَّةُ بُولُس، "لليهودي أوَّلاً، ثُمَّ لليُوناني." (رُومية 1: 16). فحتَّى ولو أنَّ بُولُس مدعوٌّ ليخدُمَ للعالم غير اليهودي، إلا أنَّهُ كانَ مُثقَّلاً جداً تجاهَ الشعبِ اليهودي، ولذلكَ دائماً كانَ يذهَبُ أوَّلاً لتَبشيرِ اليهود. بإمكانِنا أن نفهَمَ لماذا ذهبَ دائِماً ليكرِزَ لليهُود أوَّلاً، عندما نقرَأُ وصفَهُ للثِّقل الذي كانَ على قلبِهِ تجاهَ اليهود في رِسالتِهِ إلى أهلِ رُومية (9: 1-5). الجزءُ الثاني من ستراتيجيَّتِهِ، هُوَ أنَّهُ كان يذهَبُ إلى السُّوقِ ويكرِزُ بالإنجيل حيثُ كانَ الناسُ يتجمَّعُونَ بأعدادٍ كَبيرَة. نقرأ، "وأمَّا الأثينيُّونَ أجمَعُون والغُرَباء المُستَوطِنون فلا يتفرَّغُونَ لِشَئٍ آخر إلا لأن يتكلَّمُوا أو يسمَعوا شيئاً حديثاً." (أعمال 17: 21) لقد كانَ اليونانِيُّونًَ متَفلسِفِينَ، وأحبُّوا المُحاجَجَةَ في مواضيع فكريَّة عميقَة، خاصَّة الجديدة منها. وهكذا كانَ بُولُس يذهَبُ إلى السُّوقِ كُلَّ يَومٍ، ويُشارِكُ الإنجيلَ معَ أيٍّ شخصٍ يسمَعُهُ. بُعدٌ آخر في ستراتيجَّتِهِ، كانَ أن يُقدِّمَ الإنجيلَ للقادَةِ ذوي التأثير في المُجتَمَع. فبِما أنَّ بُولُس كانَ أحد أعظَم مُفَكِّري عصرِهِ، كانَ فعَّالاً جداً في الوُصُولِ إلى هؤلاء القادَة. وبينما كانَ يُطبِّقُ ستراتِيجيَّتَهُ في أثينا، دُعِيَ عرَضاً إلى مكانٍ جميلٍ مُمَيَّز على تلَّةِ مارس، التي كانت تُعرَفُ بآريُوس باغُوس. كانَ آريُوس باغُوس مكانَاً لا يُدعَى إليهِ إلا أشخاصٌ مشهُورونَ للمُقارَعة. وكان المكانُ يُستَخدَمُ أيضاً كقاعَةِ محكَمة، وكانَ مُشرِفاً على مدينَةِ أثينا. عندما دُعِيَ بُولُس ليتكلَّمَ في آريُوس باغُوس على تلَّةِ مارس، ألقَى عِظَةً في مُنتَهى البَلاغة. بدأَ بالقول: "أيُّها الرجالُ الأثِينيُّون أراكُم من كُلِّ وجهٍ مُتَدَيِّنونَ كثيراً. لأنَّني بينما كُنتُ أجتازُ وأنظُرُ إلى معبُوداتِكُم وجدتُ أيضاً مذبَحاً مكتُوباً عليهِ: لإلهٍ مجهول. فالذي تتَّقُونَهُ وأنتُم تجهَلُونَهُ هذا أنا أُنادي لكُم بهِ." (22، 23). لقد كانَ تصرُّفُ بُولُس في غايَةِ الذَّكاء. مدَحَ بُولُس شعبَ أثينا لكَونِهم مَُتَديِّنين. ثُمَّ قالَ لهُم ما معناهُ، "رأيتُ أنَّ أحدَ آلهِتِكُم كانَ مكتُوباً تحتَهُ ما يعني أنَّهُ يُوجَدُ على الأقلّ إلهٌ واحِدٌ أنتُم تجهَلُونَهُ. هذا هوَ الإلهُ الذي سأُخبِرُكُم عنهُ." ثُمَّ وعظَ بُولُس أنَّنا نحنُ ذُرِّيَّةُ الإله خالِقِ السماءِ والأرض. لهذا، لا يُمكِن أن يُصنَعَ اللهُ من ذهَب أو فضَّة أو حجر أو خشب. هُنا يقتَبِسُ بُولُس من شُعرائِهم اليُونانِيِّين، لأنَّهُ حتَّى شعراؤُهُم قالُوا أنَّنا ذُرِّيَّةُ اللهُ. ومن ثَمَّ إقتَبَسَ من شُعَرائِهم، وفي نهايَةِ عظتِهِ، أعلنَ موت وقِيامَة يسُوع المسيح. وعندما وعظَ بُولُس عنِ القِيامة، نقرَأُ: "ولمَّا سمِعُوا بالقِيامَةِ من الأموات كانَ البَعضُ يَستَهزِئُونَ والبَعضُ يَقُولُون سنسمَعُ مِنكَ عن هذا أيضاً. وهكذا خرجَ بُولُس من وَسَطِهم. ولَكِنَّ أُناساً إلتَصَقُوا بهِ وآمنُوا. منهُم دِيونِيسيُوس الأريُوباغِيّ وامرأَةٌ إسمُها دامِرس وآخرُونَ معَهُما." (32- 34) يختَلِفُ المُفسِّرونَ حولَ طريقَةِ تقييم عِظَةِ بُولُس على تَلَّةِ مارس. يعتَقِدُ بعضُ المُفسِّرين أنَّ بُولُس إستسلَمَ للضُّغُوطات الفكريَّة للحضارَةِ اليُونانيَّة، عندما إقتَبَسَ من فلاسفتِهم وشُعَرائِهم، ولهذا كانت الحصيلَةُ التبشيريَّةُ هزيلَةً جداً. فلا نَجدُ رسالَةً إلى أهلِ أثينا، ولا نرى بُولُس يُشيرُ إلى كنيسةٍ أسَّسَها في أثينا كما في سائِرِ المُدُن، مثل كُورنثُوس وأفسُس. هُناكَ مُفسِّرُونَ آخرونَ يُخالِفُونَ هذا الرأي. أنا شخصيَّاً مُقتَنِعٌ أنَّ بُولُس نما في فلسفةِ وعظِهِ التَّبشِيريّ نتيجَةً لإختِبارِهِ في أثينا.
|