القرص الشمسيّ. إله مصري يمثّل الشمس كلّها. يقابل رع، امون رع، أوزيريس، سيت الذين هم مقاربات مختلفة للشمس. لم يكن لأتون سطر ولا تماثيل ولا أيّة علامة حسيّة. إذا أرادوا أن يدركوا قوّة الحياة في الشمس كانوا يقولون رع، ويلفظون أسماء إله هليوبوليس. وكانوا يرفعون الصلوات إلى أمون رع وإلى الصور الأخرى التي يظهر فيها سيّد النور، والتي تتّخذ جسدًا بشريًّا وتتحلّى بصفات فرديّة ليعبدها البشر. ولكنهم كانوا يقولون أتون ليتحدّثوا عن الكوكب، عن الشمس كما تراها عين الناظر. ولكن جاء بعض اللاهوتيين في هليوبوليس وجعلوا جوهر اللاهوت في الكوكب المنظور لا في الآلهة التقليدية. وهكذا وُلد حوالي سنة 1450 الإله أتون الذي عبده أمينوفيس الثالث عبادة خاصة. ولكن ابنَ هذا الملك تخلّى فجأة عن شفاعة أمون رع، ملك الآلهة ورب المملكة وأبي السلالة وأكبر ملاكي مصر. لقد رفض أمينوفيس الرابع أن يتعامل كأسلافه مع كهنوت وقح يريد أن يَعبد في أمون، الإلهَ الذي لا يعرف وجهات معروفة. ترك أمينوفيس اسمه الذي يعني رضى أمون، وصار أخناتون أي الذي رضي عنه أتون، وجعل في تل العمارنة مركز ديانته الشخصيّة. محا الملك كل ذكر لأمون. وما عاد يهتم ابنُ أتون الجميل وامرأته نفرتيتي الا بتقريب التقادم إلى الشمس المنظورة وينبوع كل عناية.
قبل أن يكون أتون اسم إله، هو يدلّ على الوجهة المنظورة للشمس، على القرص المشعّ في الشمس. مع تحوتمس الرابع وامينوفيس الثالث دلّ القرنُ على القوّة الالهيّة التي تقيم في القرص الشمسيّ، فعُبد كإله جديد بين الآلهة. حين خلف أمينوفيس الرابع (1364-1349) والده، فرض عبادة أتون دون غيره من الآلهة. وترك طيبة ليقيم في اخناتون (أفق أتون، تل العمارنة الحالية). اذن، لم يستنبط امينوفيس الرابع إلهًا أراد أن يكون ابنَه وصورته ونبيّه الوحيد. ويُطرح السؤال : لماذا هذه الهرطقة؟ لماذا هذه الفترة الخاصة في قلب تاريخ مصر؟ أراد إنسانٌ متصوّف أن يشرك عبيده في خبرة روحيّة شخصيّة. وحين بدّل اسمه من امينوفيس (رضى أمون) إلى اخناتون (من أرض أتون)، بدا وكأنه نال وحيًا حقيقيًا عن إلهه، فقال له في مديح كتبه : "أنت في قلبي. وليس أحد يعرفك سوى ابنك وحيد رع الذي أتَحْتَ له أن يفهم طرقك وقدرتك". هل نستطيع أن نتحدّث عن مونوتاويّة (عبادة الإله الواحد) تجاه هذا الإله الذي حُصرت فيه العبادة؟ الجواب هو كلاّ، وذلك رغم الظواهر. فالبنتيون المصريّ تألّف من آلهة عديدة هي تجلّيات قدرة إلهية واحدة. ففي المدائح الموجّهة إلى فتاح أو رع، أو أمون، كانوا يسمّونهم : "السيد الكوني". فالديانة هي حصيلة عبادات محلّية قديمة. لهذا يجب أن نتكلّم عن حلوليّة، لأن الإله الخالق حاضر في كل شيء. لهذا لا يصوَّر الإله الخالق بشكل إنسان ولا بشكل حيوان. وفي بداية الإصلاح الدينيّ الذي تمّ بشكل متدرّج، لم تُحصر العبادة في أتون. فهو يُسمّى "رع حركتي" الذي يتمجّد في الأفق باسم شو الذي هو في القرص الشمسيّ. هنا يُطرح سؤال : ما الذي أخذته عبادة الشمس من تعليم هليوبوليس؟ الشيء الكثير بلا شك. فالقرص الشمسي، صاحب الايادي الألف المعطية، يُعبد في القصر كما يعبد في هليوبوليس. أعني : في هيكل لا سقف له يغمره النور كما يُعبد في مكان مظلم وسرّي. في هذا المجال نتذكر تأثير والدي اخناتون عليه (امينوفيس الثالث وتييي) وخاله عانن الذي كان عظيم الكهنة في هيلوبوليس. ورث اخناتون مملكة امتدت إلى أبعد من مصر، فبدا واقعيًا حين أخذ بإله شامل تعبده جميع الشعوب، شعب مصر والشعوب المرتبطة بمصر. ثم أراد أن يُلغي قوة كهنة أمون الذين اغتنوا كثيرًا في عهد أسلافه فصاروا دولة ضمن الدولة. وهذا ما يفسّر اختيار عاصمة جديدة. ولكن هذه "الهرطقة" ماتت بموت ذاك الذي أطلقها.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|