المدن الخمس. اسم أعطي لخمس مدن هاجمها ملوك الشمال، حسب الخبر المدراشي في تك 14 : سدوم، عمورة، أدمة، صبوييم، بالع (التي هي صوعر بحسب حاشية في 14 :2-9). تقع جنوبيّ شرقيّ البحر الميت (تك 14 :3). هناك تقليد من الشمال يذكر أدمة وصبوييم اللتين عاقبهما الربّ (هو 11 :8). أما تقاليد الشمال فتذكر مرارًا سدوم وعمورة (تك 18 :20-19 :28؛ إش 1:9-10؛ 13 :19). تمّ الجمع بين المدن الأربع في تث 29:23 (سدوم وعمورة وأدمة وصبوييم) (وثيقة اشتراعيّة) وفي تك 10 :19 (وثيقة كهنوتيّة). أما صوعر (تك 19 :22) فقد ذُكرت كمدينة موآبيّة. كانت مأهولة في نهاية الحقبة الملكيّة (إش 15:5؛ إر 48:34). نقّب المنقّبون هذه المنطقة في بدّ الضراع وغيرة وفيفا وخنازير. ظهرت آثار دمار بالحريق، تعود إلى البرونز القديم الثالث. كما وُجدت مدافن قرب خربة سافي. ظلّ تذكّرُ ما حدث لهذه المدن عالقًا في الأذهان، فوُضع في خبر إيتيولوجي في تك 19.
2) بنتابوليس الفلسطيّين. هي مدن الفلسطيّين. أشدود، أشقلون، عقرون، جتّ، غزة.
بنتاتوكس (المجلّدات الخمسة، الأدراج الخمسة). من القانون اليهوديّ (أو : اللائحة القانونيّة للأسفار) "هي بنتاتوخس ببلوس"، الكتاب المؤلّف من خمسة أدراج أو خمس لفائف، التي كانت تؤلّف معًا وحدة وتحمل اسم كتاب موسى (نح 3:1)، شريعة موسى (2أخ 23:18)، الشريعة (نح 8:2). وسار يهود الاسكندريّة في ذلك على خطى اليهود المتكلّمين بالعبريّة، الذين سمّوا كلاًّ من هذه الأسفار "خمس أخماس الشريعة" فأقرّوا بذلك أن هذه الأسفار الخمسة (تك، خر، لا، عد، تث) تشكّل وحدة واحدة. نشير إلى أن هذه الأسفار الخمسة تسمّت بأسماء أخرى في العبريّة، تسمّت باسم الكلمة الأولى : في الرأس، في البدء (بريشيت). أسماء (شموت، هذه أسماء). ودعا (ويقرا، ودعا موسى). في البريّة (بمدبر، وكلّم الله موسى في البريّة). تلك هي الكلمات (إله هدباريم) التي قالها موسى لكلّ إسرائيل. وتحدّث العالم الفلسطينيّ أيضاً عن أسفار موسى الخمسة. نستطيع القول بشكل عام إن البنتاتوكس قدّم أجزاء من تاريخ يبدأ مع خلق العالم وينحصر شيئًا فشيئًا ليصل إلى شعب إسرائيل، وينتهي بموت موسى. هذا الخبر يحيط بشكل إطار بأجزاء تشريعيّة وطقوسيّة طويلة. وهكذا يشكّل التاريخ والفرائض وحدة هي الشريعة، هي تعليم أساسيّ يُشرف على كلّ حياة بني إسرائيل وإيمانهم.
كيف تكوّن البنتاتوكس؟ إنّ التقليد اليهوديّ الذي دوّنه التلمود مستعيدًا ما قاله يوسيفوس المؤرّخ وفيلون الاسكندرانيّ والعهد الجديد، قد اعتبر البنتاتوكس وحدة أدبيّة واحدة ونسبها إلى موسى. غير أن الكاثوليك وغير الكاثوليك بدأوا يشكّون بهذا التقليد منذ القرن السابع عشر في أوروبا. نذكر ريشار سيمون (1712)، جان استروك (1753). فهم الشرّاح أن البنتاتوكس كتاب تركّب من عناصر مختلفة، ولم تجمع عناصره المتعدّدة إلاّ بعد موت موسى. وأشار بعض النقّاد في القرنين 18-19 إلى أخبار دوّنت مرتين، إلى تكرارات، إلى تناقضات (رج مثلاً تك 7-8 وخبر الطوفان، خر 14 وعبور البحر الأحمر)، إلى اختلافات على مستوى اللغة والأسلوب. وإذ لاحظوا أن عددًا كبيرًا من شرائع البنتاتوكس لم تكن تمارس بعد موسى، بل لم يكن يمارسها أتقياء متعلّقون بيهوه إله إسرائيل. فكانت النتيجة التي فرضت نفسها فقالت إن هذه الشرائع لم تكن موجودة في زمن موسى، وبالتالي أن موسى لم يجعلها بشكل قوانين منسّقة. واعتبر هؤلاء النقّاد أن محتوى عدد كبير من هذه الشرائع تطوّر على مرّ العصور، فحوّلتها الظروف عمّا كانت عليه في أيام موسى.
لا نستطيع هنا أن نفصّل مختلف الحلول التي أعطيت لهذه المسألة. فنكتفي بالإشارة إلى الخطوط الكبرى في هذه المسألة. في القرن التاسع عشر سيطرت نظريّة المراجعيّة، أي المبنيّة على مراجع أربعة. بحسب هذه النظرية وُلد البنتاتوكس حين جُمعت "كتب" دوّنها أربعة "كتّاب" : اليهوهي (يذكر الله باسم يهوه أي الرب الذي هو). الالوهيمي (يذكر الله باسم الوهيم الذي هو جمع الجلالة لاسم الله). الاشتراعي (نجد آثاره بشكل خاص في تثنية الاشتراع). والكهنوتي (الذي ارتبط بعالم الكهنة وما امتلكوا من وثائق في الهيكل). كان اليهوهي والالوهيمي "مؤرّخين" فمثّلاً أقدم التقاليد، واستلهما إلى حدّ بعيد عقليّة الأنبياء، فكوّنا تقليدين متقاربين في القرن التاسع وما بعد، واحد في مملكة الشمال بعاصمتها الأخيرة السامرة، وواحد في مملكة الجنوب بعاصمتها أورشليم. كان الأول أساسَ المقاطع الأخباريّة في التقليد الاشتراعيّ. والثاني أساسَ المقاطع الأخباريّة في التقليد الكهنوتيّ. وبعد دمار السامرة ومملكة الشمال، حمل اللاويّون تقليدهم وجمعوه مع التقليد اليهوهي فكان تقليد واحد سمّي "يهلوهي" (أي يهوهي والوهيمي). بعد ذلك الوقت بقليل "نشر" يوشيا سفر التثنية الذي فرض نفسه مرجعًا للحياة الدينيّة في إسرائيل (هذا لم يصل إليه اليهلوهي مع أنّه ضمَّ تقاليد الشمال وتقاليد الجنوب). وخلال المنفى، دوّن كهنة أورشليم من جديد تاريخ إسرائيل، فأدخلوا فيه مواد تشريعيّة قديمة، وفي الوقت عينه متجذّرة في تقليد قديم. أخيرًا، أدرج "الكتّاب" أجزاء من اليهوهي والإلوهيمي في هذه المجموعة، وضمّوا إلى كل هذه المجموعة تث الذي دخل في التاريخ الاشتراعي. انتهت هذه النسخة الأخيرة، نسخة الكهنوتي، قبل إصلاح عزرا الذي فرضها بشكل نهائيّ.
قُدّمت هذه الفرضيّة في أشكال مختلفة : ظنّ البعض أنه اكتشف في اليهوهي والالوهيمي والكهنوتي مراجع قديمة جدًّا. وأنكر آخرون أن يكون للإلوهيمي استقلاليّة عن اليهوهيّ. وما تمّ الاتّفاق أيضاً على الزمن الذي فيه دوّن تث. وأخيرًا نظر كل من النقّاد إلى تدخّل المدوّنين الذين تعاقبوا على "تدوين" البنتاتوكس، بطريقة مختلفة. كان في أساس هذه الفرضيّة أفكار مسبقة على المستوى الفلسفيّ والدينيّ فتحفّظت الكنيسة الكاثوليكيّة ورفضت فرضيّة المراجع الأربعة في وثيقة من اللجنة البيبليّة ظهرت سنة 1906. ولكن حين تخلّصت الفرضيّة المراجعيّة من العناصر التي شوّهتها، عادت اللجنة البيبليّة وأخذت بها في وثيقة نُشرت سنة 1948 : قبلت بوجود مراجع (أو : مصادر) في البنتاتوكس، كما قبلت بنموّ تدريجيّ للشرائع والأخبار على مرّ العصور. وجاء بعد ذلك من رأى في هذه المراجع تقاليد شفهيّة أكثر من وثائق مكتوبة. فقد دوّنت هذه التقاليد في حقبة متأخّرة. تقاليد قريبة بعضها من بعض. فهي تعود في جوهرها إلى زمن صار فيه بنو إسرائيل شعبًا، وكان ذلك في زمن موسى. في هذا المعنى، نستطيع القول بالأصل الموسويّ للبنتاتوكس.
كانت ردّة الفعل عنيفة على تحليل أدبيّ كاد أن يفتّت النصّ. وجاءت اكتشافات الأركيولوجيا (علم الآثار ) فبيّنت الطابع القديم لعدد من الظواهر المتوازية التي نجدها في كلّ الشرق القديم. فاعتبرت بعض المدارس أننا لسنا أمام وثائق دوّنت الواحدة بعد الأخرى، بل تجاه تقاليد متوازية لعب فيها الشفهي الدور الأول. استعمل اليهوهي والالوهيميّ التقاليد التاريخيّة، واستند الاشتراعيّ إلى كتابات العهد. أمّا مجموعة التقاليد الكهنوتيّة (توروت) فأعطت حز 40-48 والتقليد الكهنوتيّ. وتأثّر موقف آخر بالتاريخ التكوينيّ، ففصل تث عن التقليد الكهنوتيّ واعتبره الكتاب الأول في مؤلّف تاريخيّ مستقلّ يتضمّن تث، يش، قض، 1-2صم، 1-2مل. أما الالوهيمي واليهوهيّ فيعودان إلى وثيقة أساسيّة كاملة أو ناقصة. وانحصرا مع الكهنوتيّ في تك، خر، لا، عد، بحيث لا نستطيع أن نتكلّم عن هكساتوكس (تك، خر، لا، عد، تث، يش). أما اليوم، فهناك تيّار حديث يعتبر أن لا وجود إطلاقًا للمرجع الالوهيمي. وأن المرجع اليهوهيّ قد دُوّن في صيغته الأخيرة بعد المنفى. وان الاشتراعي امتدّ إلى أبعد من تث فوصل إلى نصوص من سائر أسفار موسى الخمسة. وعرف أقلّه "ثلاث نسخات". واحدة قبل المنفى، وثانية خلال المنفى، وثالثة بعد المنفى. أما الكهنوتيّ، فلم ينل بعدُ الدراسة الكافية، مع العلم أنه يذهب أبعد من أسفار موسى الخمسة ليصل إلى التاريخ الكهنوتيّ مع 1-2أخ، عز، نح.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|