في العبريّة : أبراهام أو أبرام. الأب (الله) رفيع (رج أبيرام). في تك 17:1-8، صار أبرام أبراهام ليعني الاسم "أبا شعوب كثيرة".
أولاً : شخصه. ينتمي إبراهيم إلى قبائل البدو التي جاءت من بلاد الرافدين بين سنة 2000 وسنة 1700 ق.م. إلى بلاد كنعان. هناك تقليد يقول إنّ موطنه هو حرّان (تك 12 :1؛ 24 :4-7؛ يش 24 :2). وتقليد آخر يقول إن موطنه هو أور في كلداي (نح 9:7؛ يه 5 :6). ما الذي دفعه إلى الهجرة؟ أسباب دينيّة (يه 5 :9)، وقد تكون سياسيّة واقتصاديّة. ينسب تك 12 :1-3 هجرته إلى أمْر من الربّ. ويسمّيه تك 14 :13 إبرام العبراني. إذا عدنا إلى سلسلة التوراة، فهذا يعني أنّه من نسل عابر (تك 11 :16). وإذا عدنا إلى التاريخ، قلنا إنّه ينتمي إلى جماعة عابيرو (العابرين)، مع العلم أن نسل إبراهيم يشكّل قسمًا منها. إتّصل بواسطة أخيه ناحور بالأراميّين (تك 22:20-24)، وبابنه اسماعيل بالإسماعيليّين (تك 21 :18-21؛ 25 :12-18). وبابنه اسحق وحفيده يعقوب أو إسرائيل ببني إسرائيل. وبامرأته قطورة، بعدد من القبائل العربيّة (تك 25:1-4). وبابن أخيه لوط، بالموآبيّين والعمونيّين (تك 19:36-38). وصل إبراهيم إلى كنعان فأقام في شكيم (بلوطة ممرا)، في بيت ايل، في حبرون، في بئر سبع. واحتفظ لنا التقليدُ بذكر إقامة إبراهيم في مصر (تك 12 :10-13 :1). وعدَه الربّ بأنّه سيمتلك أرض كنعان كلّها، وعقد معه عهدًا كان الختان علامته الخارجيّة. نُسب إيمانُه الواثق إلى برّه (تك 15 :6؛ 1 مك 2 :52؛ غل3 :6؛ رو 4 :3). يلفت انتباهنا في حياته تدخّله البطوليّ في حرب الملوك الذين تحالفوا على المنطقة في أيام أمرافل، ملك شنعار، (في الواقع، هي حرب الإيمان ضدّ قوى العالم كلّه المتمثّلة بأربعة ملوك، والعدد أربعة يدلّ على الكون)، ولقاؤه مع ملكيصادق (هناك مَن يحسب النصّ تاريخيًّا وآخرون يحسبونه مدراشا). إذا عدنا إلى تك 25 :7-11 نرى أن إبراهيم مات وهو بعمر 175 سنة ودُفن في مغارة مكفيلة شرقي ممرا.
ثانيًا : اختار الله ابراهيم بصورة خاصّة جدًا، فظلّ ابراهيم أمينًا لهذا الإله الواحد حتى حين فرضت عليه هذه الأمانة تجرّدًا كبيرًا. أطاع الله، فترك موطنه واستعدّ لأن يضحّي بابنه الوحيد. فوعده الله مرارًا بأعظم البركات (تك12 :2؛ 17 :1-7؛ 22 :17 ي). وتميّز ابراهيم بإيمان هو ثقة بكلمة الله لا تتزعزع، لا قبول بحقائق مجرّدة. فحُسب له هذا الإيمان برًّا. فالبار هو من يقبل إرادة الله وتدبير عنايته ويكِّيف حياته وفقَ إرادته. وعد الله ابراهيم بنسل عظيم، فصار أبا الشعب اليهوديّ والأب الروحيّ لكلّ المؤمنين الحقيقيّين، وصار اسمه مباركًا في كلّ مكان. وغمره الله بنعمه في شخصه وفي أبنائه الذين منهم المسيح (رو 9 :5). وهكذا صار ابراهيم ينبوع بركات. وكما تبرّر بأمانته لله، تبرّر أبناؤه الروحيّون أيضاً، وسينالون البركات الإلهيّة بقدر ما يؤمنون إيمان أبيهم (تك12 :2 ي).
ثالثًا : تسيطر صورة ابراهيم على كامل تاريخ العهد القديم بسبب دعوته الخاصّة وطاعته لنداء الربّ. ابراهيم هو أبو شعب اسرائيل (تك 12 :1-3؛ 13 :14-17؛15 :5؛ 17 :1-21؛ 22 :16-18)، وشعب اسرائيل يفتخر بأبوّة ابراهيم (إش 41:8؛ مز 105:6؛ مت 3:9؛ لو 1 :73؛ 3 :8؛ يو 8 :33). وهذا الإكرام قد وصل إلى كماله بمجيء يسوع المسيح (رو 4 :16-19؛ غل 3 :16). ولهذا ألقى الرابينيّون مسحة من الجمال على حياة ابراهيم، فتحدّثوا عن عجائبه، وأكرموا قبره في حبرون أعظم إكرام. كان ابراهيم خادم الله وخليله بسبب إيمانه بالله الواحد وسط شعب وثنيّ، فاحتلّ مكانة فريدة في تاريخ الخلاص. إنه أب بالجسد لشعب إسرائيل، ولكن هذا أمر ثانوي في نظر القديس بولس. فأبوّة ابراهيم تستند أوّلاً إلى اختيار الله له، وهي قبل كل شيء أبوّة روحيّة. فالذين يقتدون بإيمانه الواثق بالله، هم أولاده بالمعنى الحقيقيّ وبطريقة أعمق من أبنائه حسب الجسد (رو 4 :16-19؛ 9 :7-9).
رابعًا : إن التقليد اليهوديّ ولاسيّما الأدب التلموديّ يعتبر ابراهيم ذلك الذي عرف وحفظ كل فرائض الشريعة حتى التي جاءت بعده. تقول مقالة بركوت إنه هو الذي نظّم صلاة الصباح وغيرها من الممارسات. وقال المدراش إنّ الملك نمرود رماه في النار فنجّاه الملاك جبرائيل. وبسبب ضيافته للرجال الثلاثة (تك 18)، أعطي اسمُه لكلّ المؤمنين. خُتن وهو ابن مئة سنة، فصار الشفيع الذي به تُمحى خطايا بني إسرائيل. وفي الكتب المنحولة، في الزمن الهليني، بدا ابراهيم كمؤسّس مدينة ومشترع شرائع.
وفي العصر الوسيط اعتبرته الفلسفة اليهوديّة (ولا سيَّما ابن ميمون) أول من أعطى السلطة لبني إسرائيل ليتّصلوا بالله اتّصالاً مباشرًا. ويُعتبر ابراهيم أنّه أدرك قمّة النبوءة مع موسى.
خامسًا : في النصّ القرآني يبدو ابراهيم الشخص الأوّل الذي أسّس الحنفيّة أو الدين الأصليّ والحقيقيّ للجنس البشريّ. إنّه أسّس الإسلام. فهو لم يعتنق اليهوديّة ولا المسيحيّة اللتين جاءتا في ما بعد. ويُنسب إلى ابراهيم أنه بنى مع اسماعيل معبد مكة، وهو أول هيكل أُسّس من أجل البشر. وهكذا استحقّ أن يُدعى خليل الله. وأبرز التقليدُ صراع ابراهيم ضد نمرود والمعجزات التي رافقت رسالته. أمّا الولد الذي همَّ بأن يقدّمه ضحيّة فما هو اسحق بل بالأحرى اسماعيل.
سادسًا : ابراهيم والتاريخ. إنّ الأخبار البيبليّة هي مرجعنا الأدبيّ الوحيد، في هذا المجال، وقد دُوّنت في زمن متأخّر. هنا نعود إلى البنتاتوكس أو الأسفار الخمسة. فالتحليل الأدبيّ يتيح لنا أن نتميّز المصادر (يهوهي، الوهيمي، كهنوتي). أما تك 14 فهو يعود إلى أصل آخر. ولكنّ الدراسات الحديثة تعتبر أنّها لا تستطيع أن تعود إلى أبعد من زمن الملكيّة. لهذا، اعتبر بعض الشرّاح أن لا قيمة تاريخيّة لكلّ ما قيل عن ابراهيم.
إنّ تاريخ التقليد والأركيولوجيا، وإن قال باستحالة إعادة تكوين "تاريخ ابراهيم" (بالمعنى الحديث للكلمة)، إلاّ أنه يقدّم موقفًا يدلّ على دقائق الأمور. ماذا يحمل تاريخ التقاليد؟ أبرز الشرّاحُ التاريخ القبل أدبي الطويل لأخبار الآباء (تكوّنت وانتقلت على مستوى التقليد الشفهي). لا شكّ في أنّه يجب ألاّ نضخّم الإمكانيّات التاريخيّة لنتائجها. فالتقاليد المستقلّة (أخبار العائلة الخاصة بـ"أبناء" ابراهيم واسحق ويعقوب ولوط) التي نكتشفها في البداية، لا تتيح لنا أن نقرأ تاريخ الآباء كتاريخ متواصل (كل مقطع يبقى مستقلاًّ، رج ف 14 مثلاً). فقِدَمُ التقاليد وأمانةُ نقلها جوهريًّا، لا يكفلان تاريخيّة مضمون هذه التقاليد (شخصيّة الآباء، مآثرهم). وكل ما نستنتجه هنا يبقى على مستوى الإمكانيّات. غير أنّ تاريخ التقاليد المباشر للآباء، وقد سبق نظام القبائل، والأخبار التي ننقلها، يساعدنا على الإحاطة بعض الشيء بالوجه السوسيولوجيّ والدينيّ الذي يميّز انتقال إسرائيل من البداوة إلى الحضارة.
وماذا تحمل الأركيولوجيا؟ لم تهتمّ الأوساط الأركيولوجيّة بدراسة التقليد، بل بإضاءة الأخبار البيبليّة بالاكتشافات الأركيولوجيّة. لا نجد أي شاهد خارجيّ يبرهن على وجود الآباء. غير أن الأركيولوجيا تقدّم عددًا من الإشارات تساعد على تحديد موقعهم في سياق تاريخيّ وجغرافيّ وكرونولوجيّ محدّد، وبالتالي على تثبيت التاريخيّة الجوهريّة للأخبار التي تتناولهم. ماذا نقول في هذه المعطيات؟ قد تكون هناك عشيرة من "بني" ابراهيم، وعت جذورَها الرافدينيّة التي تدور حول ممرا - حبرون. ونستطيع أن نقابلها مع أنصاف البدو، السائرين إلى الحضارة، الذين تتحدّث عنهم نصوص ماري في بداية الألف الثاني ق م. لهذا، نحدّد مجيء الآباء إلى فلسطين بين القرن العشرين والقرن الثالث عشر.
سابعًا : اللاهوت. إنّ التاريخ البيبليّ لابراهيم في الشكل الذي أعطاه التقليد اليهوهيّ، يدلّ على انطلاقة "تاريخ الخلاص". فيهوه قد دخل في تاريخ البشر الذي تسيطر عليه الخطيئة واللعنة (تك 2-11) : دعا الله ابراهيم (تك 12:1-3) وقدّم له وعودًا سوف تتحقّق حين يقيم الشعب في كنعان (مز 105 والعهد)، وهي تعني البشريّة كلّها. "ويتبارك بك جميع عشائر الأرض" (تك 12 :3؛ سي 44 :21؛ أع 3:25؛ غل3 :8). "فرحل أبرام، كما قال له الرب." (تك 12 :4). وراهن على حياته كلّها مستندًا فقط إلى كلمة الله. ولقد شدّد التقليد الالوهيميّ على إيمان ابراهيم (تك 15 :3-6؛ 22 :1-19) فنسب إليه أيضاً لقب "نبيّ" (تك 20 :7) الذي يعكس عظمة النبوءة في أيامه. وحمل المؤرّخ الكهنوتيّ العائش في المنفى تواريخَ (تك 12 :4 ب؛ 17 :17؛ 21 :5) تُبرز مفارقة الوعد وأمانة الله القديرة، وتشدّد (لينعش الكاتبُ الرجاء في عصره الضائع) على العهد الأبديّ مع ابراهيم ونسله (تك 17؛ خر 2:24؛ 6 :3-4؛ لا 26 :42)، العهد الذي علامته الختان (تك 17:10-14).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|