. هذا هو كتاب أخبار الأيام.
أولاً : اسمه. في العبرية : دبري هيمِّيم : الحوليات. في اليونانية : باراليبومان، أي ما أغفله أسفار صموئيل والملوك. ولكن إذا عدنا إلى التسمية اليونانية، نجد أنها ليست صحيحة، لأن كتاب الأخبار لا يكمّل الكتب التاريخية السابقة. وسمّى القديس ايرونيموس الكتاب "كرونيكا" (في صيغة الجمع : أخبار). وهكذا استعمل في اللغات الغربية وانتقل إلى العربية، فصار لنا سفر أخبار الأيام الأول وسفر أخبار الأيام الثاني. واسمه في السريانية البسيطة : سفر تدبير أيام ملوك يهوذا، المدعو سفر دبريمين أي سفر سيرة الأيام.
ثانيًا : المضمون. يبدأ أخبار الأيام بآدم وينتهي مع المنفى في بابل. ترد الحقبة السابقة لداود بشكل سلسلة أنساب ترافقها بعض التفاصيل التاريخيّة (1أخ 1-9). هذه الفصول هي توطئة. وبعد إشارة سريعة إلى سقوط شاول، يروي المؤرّخ مطوّلاً خبر مُلك داود على كل اسرائيل، ويشدّد بصورة خاصة على ما فعله من أجل شعائر العبادة وبناء الهيكل. وهو يُغفل الأحداث التي تُشوّه سمعةَ الملك. مثلاً : الصراع على السلطة، خطيئة داود، ثورة أبشالوم (1أخ 10:29). ويقدّم المؤرخ أيضاً خبر سليمان بالتفصيل وفي صورة مثالية (2أخ 1-9). ويخصِّص ما تبقّى من الكتاب (2أخ 10-36) لملوك يهوذا فيروي بالتفصيل عهد كلّ من يوشافاط وحزقيا ويوشيا بسبب الإصلاح الديني الذي قاموا به.
ثالثًا : المراجع. يذكر الكاتب حوالى عشرين مؤلفًا يحيل إليها الكاتبُ القارىءَ الذي يريد أن يوسّع معلوماته. لم يصل إلينا أي من هذه المؤلفات. ثم إن المؤرّخ لا يذكر كتابًا قانونيًا واحدًا بصورة واضحة وبالشكل الذي نعرفه فيه. ولكننا لا نشكّ أنه رجع إلى أسفار موسى الخمسة (تك، خر، لا، عد، تث)، وإلى التاريخ الاشتراعي (يش، قض، صم، مل). ولكن إذا قابلنا كتاب الأخبار بهذه الكتب، نجد أنه تصرّف في مراجعه، فترك جانبًا كل ما لا يخدم غرضَه، وأنه قدّم صورة مثالية لبعض الأشخاص، وأنه حين يبتعد عن نصّ الأسفار السابقة فهو يفعل ليشدّد على فكرة دينية.
رابعًا : الهدف. حين أعاد المؤرّخ كتابة التاريخ، لم تكن نيّته أن يُكمل معطيات أسفار موسى والتاريخ الاشتراعي. اسرائيل هو بالنسبة إليه جماعة دينيّة والشعب المختار الذي علّمه الله نفسُه كيف يخدمه في شعائر العبادة وكيف يكوّن جماعة يحكمها ملك يحصل على سلطته من الله فيحلّ محلّ الله على الأرض. إذًا، موضوع الكتاب هو الدولة الثيوقراطيّة في تهيئتها وتأسيسها في أيام داود، في سقوطها ومحاولات إعادة بنائها وإصلاحها. وفي نظر الكاتب، تحقّقت هذه الثيوقراطيّة (حكومة "إلهيّة" يشرف عليها رجال الدين) بصورة مثالية في أيام داود الذي نال لبيته وعدًأ بملك أبديّ. وهكذا يكون داود النموذج الذي يجب على كل الملوك أن يتبعوه. ولكن بما أنهم لا يفعلون، صارت الاصلاحات ضرورية وإن لم تصل إلى الهدف. وفي الروح التي الهمت الأنبياء (إش، حز)، ينتظر المؤرّخ تحقيق هذا المثال في المستقبل. وهدفه أن يُبقي عند قرّائه الإيمان والثقة بمواعيد الله (1أخ 17:11-14) رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب حوالى سنة 300 ق.م.
خامسًا : القيمة التاريخيّة. هناك أوساط فكرية شكّت منذ زمن بعيد بالقيمة التاريخيّة لسفري الأخبار. لاموا الكاتب لأنه جعل في الماضي أفكار عصره وظروفه ليستطيع أن يكتب تاريخًا نموذجيًا. ولكن بما أننا نقرّ اليوم بِقدَم بعض النظم الاسرائيليّة، نحكم على صدق ما يحمله إلينا هذا الكتاب من معلومات تساعدنا على التعرّف إلى تاريخ شعب إسرائيل. وإذ نقرأ كتاب الأخبار، يجب أن لا ننسى هدف الكاتب، ونتذكّر أنه كتب أول ما كتب تاريخًا دينيًّا أستند فيه إلى مراجع لم تصل إلينا. احتفظت لنا التوراة بنصّ واضح لكتاب الأخبار، ولكن هناك أسماء وأرقامًا تشوّهت فوجب مقابلتها بسائر أسفار التوراة.
سادسًا : تأثير كتاب الأخبار. يتحدّث كتاب الأخبار عن إسرائيل كجماعة دينيّة تحمل الوعد الذي أعطيَ لداود. هذه الفكرة أثّرت تأثيرًا عميقًا في الفريسيين الذين عملوا لإدخال الكتاب بين الأسفار القانونيّة، وفي جماعة قمران الذين اعتبروا أنهم الجماعة التي فيها يحيا النموذج الذي يقدّمه سِفرا الأخبار وإن لم يكن لهم ملك. والجماعة المسيحيّة الأولى الخارجة من العالم اليهوديّ (أو المتهوّدين) أحسّت أن هذا النموذج تحقّق فيها بمجيء المسيح. ولهذا لا نعجب إن وجدنا في إنجيل متى والرسالة إلى العبرانيين اشارات كثيرة إلى سفري الأخبار الأول والثاني.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|