تربية المواشي هي مع الزراعة مصدر العيش الأساسيّ في فلسطين، في الزمن البيبلي. وإن "م ق ن ه" (المقتنيات) تدلّ على ما يملك الإنسان من أرض ومواشٍ.
هناك تربية على مستوى واسع، وتربية عل مستوى ضيّق. عُرفت الأولى في شرقيّ الأردنّ مع قبيلتي رأوبين وجاد (أرص. م ق ن ه، أرض تصلح للمواشي، عد 32 : 1-4، 16، رج تث 3 : 19؛ 1أخ 5 : 9-21). في منطقة موآب (2مل 3 : 4)، في أرض عوص وسط "أبناء المشرق" أي في أرض الأراميّين (أي 1 : 1-3). وأخيرًا، لدى المديانيّين (قض 6 : 3-5). هذا في شرق الأردنّ. وفي غرب الأردنّ، مورست تربية الماشية على مستوى واسع في النقب وعلى حدود بريّة يهوذا (1صم 17 : 15؛ 25 : 2؛ رج 2أخ 14 : 14؛ 26 : 10)، في منطقة أقام فيها العماليقيّون في بداية الحديد (1صم 15 : 21). كانت تنتقل هذه القطعان على حدود الأرض المزروعة، في مناطق لا تتقبّل الكثير من المطر. تنتقل من نقطة ماء إلى أخرى (الآبار بشكل خاص)، وهي تعدّ بعض المرّات آلاف الضأن (ص أ ن في العبريّة). مثلاً عدّ قطيع نابال 3000 من الغنم، 1000 من المعز (ع ز ي م، 1صم 25 : 2). وقطيع أيوب 7000 من الغنم و3000 من الجمال (ج م ل ي م)، و 500 فدان من البقر (ب ق ر) و500 من الاتن (أتونوت، أي 1 : 3). في الواقع كانت هذه القطعان المستنجعة تتضمّن صغار البهائم وكبيرها : الضأن، المعز، الحمير، الجمال (رج تك 32 : 15-16).
أمّا التربية على مستوى ضيّق، فارتبطت بالزراعة وتوسّعت في المناطق المرويّة. فإذا كان المُلك كبيرًا (ولا سيّمَا في السهل) أو صغيرًا، كان يتنوّع القطيع من بضع وحدات من الضأن والبقر، إلى قطعان هامة من البقر (1مل 19 : 19؛ 2أخ 26 : 10).
عرف تاريخ بني اسرائيل تربية المواشي مع الانتجاع، وكان هذا نشاطَهم الرئيسيّ حين أقاموا في الخيام منذ أيام ابراهيم الذي كان له "غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال" (تك 12 : 16؛ رج 13 : 2-7). ونقول الشيء عينه عن لوط (تك 13 : 5) واسحق (تك 26 : 14). وبدت راحيل راعية تقود القطيع إلى البئر (تك 29 : 9). ونقول الشيء عينه عن بنات رعوئيل (خر 2 : 16). أمّن يعقوب حياته، و"اشترى" امرأتيه حين كان راعيًا لدى لابان، فاستعمل أساليب ذلك العصر من أجل إنماء قطيعه من الغنم والمعز (تك 30 : 25-43). وأبناء يعقوب رعوا قطيعَ والدهم (تك 37 : 12-17). وحين نزلوا إلى مصر، في أرض جاسان، قدّموا نفوسهم على أنّهم رعاة، يهتمّون بالقطعان منذ صغرهم (تك 46 : 31-32؛ 47 : 1-6). وموسى نفسه رعا غنم يثرون (خر 3 : 1). وراقب داود قطيع والده (1صم 17 : 15). وعاد ناثان النبي إلى خبرة الرعاة، فروى مثل الغنيّ الذي سرق نعجة الفقير، وهكذا حرّك عند داود العاطفة الدينيّة ودعاه إلى التوبة.
في الحقبة الملكيّة، ظلّت تربية المواشي موردًا اقتصاديًّا هامًا في البلاد. وقد حاول الملوك الحكماء أن يُكثروا قطعانهم : ذاك كان وضع سليمان (جا 2 : 7) وعزيا (2أخ 26 : 10) وحزقيا (2أخ 32 : 28). قيل عن حزقيا : كان له مرابض لكل نوع من الدواب وحظائر للماشية. فالغنم يعطي الصوف واللبن. وكان جزّ القطيع مناسبة عيد في العيلة (1صم 25 : 4-5؛ 2صم 13 : 23-24). وتحدّثت النصوص أيضًا عن تربية الدجاج و الحمام و النحل. أمّا تربية الخنازير (حيوانات نجسة، تث 14 : 8) فلا نراها إلاّ في مناطق غير يهوديّة (مت 8 : 30-31؛ لو 15 : 15-16).
لعب الراعي دورًا هامًّا في الحضارة البيبليّة : إنّ تقدمة هابيل راعي الغنم، فُضّلت على تقدمة قايين المزارع. وفي كلّ سنة، كان الاحتفال بالفصح يذكّر الشعب بأصول اسرائيل الرعائيّة من خلال ذبح حمل (تث 16 : 2). ووجب على مربّي المواشي أن يقدّم البواكير من ضأنه وبقره (خر 13 : 12-13؛ 22 : 29). ونظّمت شرعة العهد المسائل القانونيّة المتعلّقة بتربية الضأن والبقر (خر 21 : 28-22 : 14). وبشكل عام، تبدو صورة الراعي في رمزيّة الملوك، وهي تنطبق على الله في العهد القديم كما في العهد الجديد.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|