1) السبعينية
هذه الترجمة اليونانيّة الأولى للتوراة العبريّة، يعود اسمها إلى خبر يقول بأن علماء من اليهود دُعوا إلى الاسكندرية لكي يقوموا بها. وتحدّثت رسالة ارستيس عن 72 عالمًا (6 من كل قبيلة)، وكذلك فعل الآباء فسُمّيت الترجمة السبعينية.
(أ) أصل هذه الترجمة
وُلدت هذه الترجمة في الاسكندريّة. واذا أخذنا بما قاله ارسطوبولس ورسالة ارستيس، يكون البنتاتوكس قد تُرجم في عهد بطليموس الأول فيلدفوس (285-246)، في منتصف القرن الثالث ق.م. نستطيع أن نبرهن أن عددًا من الاسفار (أشعيا مثلاً) تُرجم في مصر خلال القرن الثاني ق.م. ومن المعقول أن تكون سائر الاسفار قد ترجمت هناك، وإن كان سفر الجامعة قد ترجم في اسرائيل حسب نهج أكيلا في القرن الثاني ب.م.
في نهاية القرن الثاني ق.م. أشار حفيد بن سيراخ الذي أقام في مصر وترجم عمل جدّه إلى اليونانيّة، إلى ترجمة للشريعة والأنبياء وسائر الكتب (أو أقله بعض الكتب) حسب التوزيع اليهوديّ للاسفار المقدسة (توره، نبييم أو الانبياء، كتوبيم أو الكتب) (رج سي المقدمة 8-10).
في بداية القرن الأول المسيحيّ، روى فيلون الاسكندراني في "حياة موسى"، أن يهود مصر كانوا يأتون كل سنة إلى جزيرة فاروس "ليكرموا المكان الذي فيه أضاء للمرّة الأولى نورُ هذه الترجمة، ويشكروا لله هذا الاحسان القديم والجديد دائمًا".
يرى بعض العلماء أنه كانت عدة ترجمات يونانيّة للأسفار المقدسة. أما نجاح السبعينيّة فيعود إلى أن الكنيسة الأولى قد اختارتها. ولكن يجب أن نعترف أننا إذا جعلنا جانبًا أكيلا وسيماك اللذين ترجما في زمن متأخّر، فكل الاشكال اليونانيّة المعروفة تشكّل مراحل لترجمة واحدة. ويبدو أن المترجمين حاولوا في بعض المرات أن يسهبوا، أن يتوسّعوا في النصّ، ليشرحوه على ما في الترجوم. ولكن يجب أن نخفّف هذه الملاحظة باخرى تأتينا من قمران. فاكتشافات المخطوطات العبريّة هناك، دلّت على وجود نصوص تختلف عن النصّ العبري الماسوري، وتبدو قريبة من نماذج السبعينيّة. إذن، حين تختلف السبعينيّة عن النصّ الماسوري، فلأن هذا النموذج القديم جدًا كان مختلفًا عن النص العبري الذي هو اليوم بين أيدينا.
وُجدت في قمران وفي مصر مقاطع يهوديّة من السبعينية، وإحدى ميزاتها هي أنها تستعمل الحروف العبرية (الابجديّة العبريّة القديمة المتفرّعة من الفينيقيّة أو الحروف المربّعة) لتكتب الاسم الالهي المربع الحروف (ي هـ و هـ ). إذن، التاريخ القديم للسبعينيّة هو تاريخ ترجمة يونانيّة أولى أعيد النظر فيها مرارًا قبل أن تتّخذ شكلاً ثابتًا وقريبًا من النص الماسوري. ولكن ما عتّمت هذه الترجمة أن خسرت مكانتها في العالم.
إن لم يكن في البدء عدة ترجمات لكتاب واحد (ومن يقدر أن يبرهن عن صحّة هذا القول؟)، فقد وُجد عدّة مترجمين. وتفحّصُ طريقة الترجمة والالفاظ المستعملة، يكشف أيادي مختلفة نجدها في الكتب والمجموعات، وهذا ما يدلّ على إعادات نظر جزئية. فمترجم إرميا وحزقيال والانبياء الصغار (هو، عا...) لا يمكن أن يكون مترجم إشعيا.
ونستطيع أن نقترح كرونولوجيا نسبيّة. بدأت أول حملة في الترجمة مع أسفار الشريعة الخمسة (التوراة في المعنى الحصري). وعملُ هؤلاء الروّاد ترك طابعَه على الترجمات اللاحقة. فقد وجب على المترجمين الأولين أن يختاروا بشكل حاسم الكلمة اليونانيّة التي تقابل الكلمة العبرية (مثلاً : ك ب و د دوكسا مجد). وجاء بعد البنتاتوكس الانبياء ثم سائر الكتب. وقد يكون هناك مترجم واحدٌ عمل في سفر الامثال (صيغة هلينيّة) وأيوب. أما دا الذي دُوّن سنة 164، فقد تُرجم سريعًا ترجمة حرّة عن نص يختلف عن النصّ الذي بين أيدينا. لهذا، حلّ محل هذه الترجمة الأولى ترجمة أكثر حرفيّة هي ترجمة تيودوسيون. وبعد ذلك، ترجم مرا، نش، را، باسلوب يشدّد على الحرفيّة. أما سفر الجامعة فيقودنا إلى نهج أكيلا. وهكذا لا تشكّل التوراةُ اليونانيّة السبعينية مجموعة متناسقة، بل هي تبدو نتيجة مجهود طويل ومناهج متعدّدة.
وحين جعل المسيحيون من هذا الكتاب توراتهم، كان قد ضمّ زيادات على دانيال واستير وارميا مع سفر باروك ورسالة ارميا. كما ضمّ كتبًا لم يأخذ بها العالم اليهوديّ الرسمي (1مك، طو، يه، سي)، وأخرى دوّنت مباشرة في اللغة اليونانية (2مك، حك).
إن المقاطع العديدة (مرات كودكسات كاملة) التي اكتُشفت في رمال مصر وحُفظت في مجموعات شستر بتي في دوبلين (ايرلندا)، وفراير في واشنطن (الولايات المتحدة)، وبودمر في جنيف (سويسرا)، تتيح لنا أن نكوّن فكرة عمّا كانت عليه البيبليا اليونانيّة القديمة. بدأت الترجمة فانتشرت بشكل لفائف من البردي محدودة بطولها وعرضها. ومع تعميم الكودكسات التي هي أسلاف كتُبُنا (دفتر واحد سميك جدًا، ثم عدّة دفاتر منضّدة ومرصوصة)، بدءًا بالقرن الثاني والثالث ب.م.، تمكّن "الناشر" من جمع عدد من الأسفار البيبليّة. ومع استعمال الرق في القرن الرابع والخامس، كان لنا هذه الكتب الرائعة التي هي السينائي والفاتيكاني والاسكندراني التي تضمّ في دفّتيها كل العهد القديم والعهد الجديد.
(ب) ترجمات جديدة
وأعيد النظر في هذه الترجمة، وظهرت ترجمات جديدة. انطلقت الترجمة الأولى من نصوص عبرية اختلفت عن النصّ الذي تثبّت في العالم اليهودي خلال القرن الثاني ب. م. هذا واضح في ما يخصّ 1 و 2صم وإر، وذلك بفضل اكتشافات قمران. وبدأ العالم اليهودي باكرًا يعيد النظر في هذه الترجمة، بشكل عابر أو منظّم، في مصر أولاً ثم في اسرائيل، بناء على طلب المعلّمين في فلسطين.
بعد ذلك، جاء تيودوسيون وأكيلا وسيماك، فأعادوا قراءة السبعينيّة أو ترجموا من جديد النصّ العبريّ. هذه الترجمات هي يهوديّة، لا مسيحيّة. وقد استُعمل أكيلا في العالم اليهودي أقله حتى زمن يوستنيانس، كما تقول "البشرى" 146 التي أعلنت سنة 553.
(ج) نسخات مسيحيّة قديمة
أما الجانب المسيحيّ فظلّ يجلّ السبعينيّة كل الاجلال. ولم يأخذ بالترجمات الجديدة إلا نادرًا. مثلاً دا حيث حلّ تيودوسيون محلّ السبعينية. أي التي كانت ترجمته الأولى قصيرة جدًا (لم يفهم المترجم النص فتركه. أو هو اعتبره تكرارًا) فأُ كملت بترجمة تيودوسيون. غير أن ضرورة الدفاع تجاه العالم اليهودي، دفعت المسيحيين إلى الأخذ بعين الاعتبار بالاختلافات الموجودة بين النص العبري الثابت والسبعينيّة. وإذ أراد أوريجانس (وُلد في الاسكندرية، توفيّ سنة 251) أن يسهّل المقابلة، بدأ في قيصريّة فلسطين (على البحر ) عملاً ضخمًا جدًا : نظّم في ستة عواميد النصّ العبري، نسخه في حروف يونانيّة (كانت تلك المحاولة الأولى لتشكيل التوراة ووضع الحركات)، ثم وضع أكيلا، سيماك، السبعينية، تيودوسيون. وبما أن العمل جُعل في ستة عواميد، لهذا سمّيت هذه المحاولة : الهكسبلة. غير أن هذا العمل الجبّار قد ضاع ولم يبق منه إلاّ بعض النتف.
وانطلق اوريجانس من هذا العمل ليقدّم نسخة تامة للسبعينيّة. بدأ هو، وتبعه بمفيلوس معلّم اوسابيوس القيصريّ (القرن الثالث) ثم أوسابيوس نفسه (265-340). في هذه النسخة المؤسّسة على العمود الخامس في الهكسبلة، جُعلت علامات فارقة فوق النصّ للدلالة على الاختلافات مع النصّ العبريّ، لزيادة الكلمات الناقصة في النص اليوناني، للاشارة إلى كلمات يونانيّة غير موجودة في العبريّة. وهذه النسخة التي هي أقرب إلى النص الماسوري من السبعينيّة القديمة، قد أخذ به كتّاب فلسطين مثل اوسابيوس، وهاسيخيوس الاورشليمي، كما أخذ بها المتأثّرون بفلسطين مثل باسيليوس اسقف قيصريّة في تركيا.
ونُسبت نسخةٌ أخرى للسبعينيّة إلى الكاهن والشهيد لوقيانس الانطاكي الذي تُوفيّ سنة 311-312. ما كان دور هذا الكاهن؟ لا ندري. ولكن ما هو أكيد هو أن المخطوطات تورد لأسفار التوراة نمطَ النصّ الذي يورده آباء أنطاكية (يوحنا فم الذهب، تيودوريتس)، والذي يتميّز بصحّة القواعد. لهذا من الافضل أن نتكلّم عن "النص الانطاكي". هذا النصّ يحتفظ بشكل قديم جدًا للسبعينية. وهذا ما نتيقّن منه عندما نقابل مقاطع خاصة مع المؤرّخ يوسيفوس أو مع نص اللاتينيّة العتيقة.
ونذكر شخصاً آخر اسمه هاسيخيوس ذاك الاسقف المصريّ الذي مات خلال اضطهاد ديوكلاسيانس (303-311) للكنيسة. هاسيخيوس هو صاحب نسخة للسبعينيّة (والعهد الجديد في اليونانيّة) قد انتشرت في مصر، دون أن نستطيع التعرّف إليها في المخطوطات التي في حوزتنا.
فانطلاقًا من هذه الكنوز التي جُمعت بمبادرة مسيحيّة، وصلت التوراة المنطلقة من قيصرية وانطاكية إلى كل العالم المسيحيّ. وقد طلب الامبراطور قسطنطين (+ 327) من أوسابيوس القيصريّ (+ 339) تأمين خمسة كتب بيبليا لكنائس عاصمته الجديدة، القسطنطينيّة. وطلب الامبراطور كونستان (+ 350) الطلب عينه من اثناسيوس، أسقف الاسكندريّة. وقد يكون المخطوط الفاتيكاني شاهدًا على هذه المبادرة الأخيرة. لا شكّ في أن المسيحيين لم ينتظروا مساندة الامبراطور لكي ينسخوا السبعينيّة، ولكن هذه المساندة ساعدت على نشر المخطوطات الكاملة بسبب كلفتها الغالية.
استخدم معظم كتّاب العهد الجديد الترجمة اليونانية للعهد القديم، كما استخدمها آباء الكنيسة وأول المترجمين من اللاتين والاقباط... هذه الترجمة لعبت دورًا رئيسيًا في بداية الكنيسة بحيث إن بعض اللاهوتيين اقترحوا أن تعتبر (مُوحى بها) شأنها شأن النص العبريّ.
2) أكيلا
(أ) صاحب هذه الترجمة
أكيلا وثني، وُلد في سينوب على البحر الاسود. عاش في أيام الامبراطور هدريانس (117-138). وتقول بعض المراجع القديمة إنه كان قريب الامبراطور الذي سمح له بأن يقيم في أورشليم. اهتدى إلى المسيحيّة قبل أن يرتد إلى اليهوديّة من جديد. كان تلميذ رابي اليعازر ورابي يشوع أو تلميذ رابي عقيبة (+ 135). قد نستطيع أن نماهيه مع اونكلوس الذي هو صاحب ترجوم أرامي حرفيّ لأسفار موسى الخمسة.
(ب) ميزة هذه الترجمة.
إن ترجمة العهد القديم بيد أكيلا التي تمّت على ما يبدو سنة 128-129، هي ترجمة بطريقة الترسيم والكزّ. بالاقتفاء الحرفي للنصّ العبري : فكل كلمة من النصّ العبري تقابلها في ترجمة أكيلا كلمة وكلمة واحدة يونانية. وهذه الكلمة هي التي تُستعمل دومًا كل مرة يرد ما يقابلها في النص العبريّ. أما نتيجة هذه الحرفيّة المفرطة، فهي غياب كل اسلوب أدبي، بل أخطاء على مستوى النحو. وأساليب الترجمة التي استعملها أكيلا دلّت على أن عمله يرتبط بمبادئ التفسير التي توسّع فيها المعلّمون في القرن الثاني المسيحي، ولا سيّمـا رابي عقيبة (مثلاً ترجم "ات" بالاداة اليونانية "سين" التي تعني "مع" والحفاظ على صيغة المفعول به مع أن سين هي حرف جرّ ). نحن هنا في عالم تفسير رابي عقيبة مع الاداة العبرية التي تتضمّن الشيء أو تستبعده.
بالاضافة إلى ذلك، دلّت ترجمة أكيلا على أنها هجوميّة ومناوئة للمسيحيّة. فقد أحلّ أكيلا دومًا محل كلمة "كرستوس" (المسيح) كلمة "ايلايمانوس" (الممسوح). في إش 7 : 14 استعمل أكيلا لفظة "صبية" لا "عذراء" كما في السبعينية، ليحرم المسيحيّين من أساس تلميح إلى بتوليّة مريم.
(ج) تأثير هذه الترجمة
هذه الترجمة حلّت محلّ السبعينيّة في الاوساط اليهوديّة المتكلّمة باليونانيّة، بعد أن خسرت السبعينية مكانتها بسبب استعمال المسيحيين لها. وهكذا لعبت ترجمة أكيلا بالنسبة إلى السبعينية، الدور الذي لعبه ترجوم أونكلوس بالنسبة إلى ترجوم يوناتان لدى اليهود المتكلّمين بالاراميّة، وظلّت تستعمل في المجامع التي تصلّي في اليونانية حتى زمن يوستنيانس (البشرى 146). غير أن بعض المسيحيين أمثال أوريجانس وإيرونيموس، قد أعجبوا بترجمة أكيلا بسبب حرفيتها.
(د) شهود هذه الترجمة
ان ترجمة أكيلا قد حُفظت أكثر من سائر الترجمات اليونانيّة، ما عدا السبعينية. أما المقاطع التي وصلت إلينا فتعود إلى مرجعين رئيسيين : ترجمة أكيلا نفسها بشكل أجزاء وُجدت في خزانة القاهرة (1مل 20 : 7-17؛ 2مل 23 : 11-27؛ مز 90 : 17-103 : 17؛ أم 17 : 16-19 : 3) أو في بردية امهرست (مصر ) التي تعود إلى القرن الثالث وتتضمن تك 1 : 1-5. أما المرجع الثاني فهو هكسبلة اوريجانس في عمودها الثالث المخصَّص لأكيلا. هناك مقاطع صغيرة وُجدت في مخطوطات نجدها في كمبريدج (انكلترا)، الفاتيكان، أو في آباء الكنيسة مثل اوسابيوس القيصري وتيودوريتس القورشي والسلسلات التفسيريّة.
بالاضافة إلى ذلك، يبدو أن سفر الجامعة الذي نقرأه في السبعينيّة، يعود إلى أكيلا كما يقول بعض العلماء. ووُجدت مقاطع من ترجمة أكيلا في نسخ النص العبري في الحرف اليوناني، في هامش الترجمة السريانية للهكسبلة، وفي هامش الترجمة الارمنيّة.
3) تيودوسيون
(أ) صاحب الترجمة
لا نستطيع أن نوفّق بين الشهادات القديمة عن تيودوسيون : يبدو أنه عاش في ايام الامبراطور كومودس (180-192). أصله من البنطس أو أفسس. انتمى إلى البدعة المرقيونيّة قبل أن يصبح مرتدًا يهوديًا. أو كان من جماعة الابيونيين. ما تحتفظ به النصوص (خصوصاً ايريناوس) هو أن تيودوسيون جاء بعد أكيلا غير أن العلماء يعتبرونه سابقًا لأكيلا. فترجمُته جزء من مجموعة عملت في القرن الأول المسيحي، في فلسطين، بدفع من معلّمي فلسطين، فصاغت ترجمة يونانيّة للتوراة جاءت بشكل تدقيق في النصوص انطلاقًا من المخطوطات، وقد يكون تيودوسيون احد تلاميذ هلال، يوناتان بن عزيئيل، الذي عاش حوالي سنة 30-50 واعتُبر (خطأ) أنه صاحب ترجوم ارامي عن الانبياء.
(ب) مدى هذه الترجمة وميزاتها
لسنا متأكدين أن تيودوسيون ترجم التوراة كلها. ثم إن ترجمته ليست حرفيّة مثل ترجمة أكيلا التي تقاسمها مبادئُ الترجمة نفسها. وقد تميّزت في أنها تركت الكلمات العبريّة في النصّ اليوناني، وما حاول أن تجد لها ما يقابلها.
(ج) تأثير هذه الترجمة
إن ترجمة تيودوسيون قد زاحمت السبعينيّة مرارًا في الأوساط المسيحيّة. وهناك استشهادات عديدة من العهد القديم في العهد الجديد، قريبة من نصّ تيودوسيون. أما أوريجانس فقد ملأ في الهكسبلة كل فجوات السبعينية (في العمود الخامس) بترجمة تيودوسيون (العمود السادس) ليكون مطابقًا للنصّ العبريّ (العمود الأول).
(د) شهود هذه الترجمة
احتفظ التقليد المباشر بنصّ تيودوسيون في سفر دانيال. فمعظم مخطوطات السبعينية تجعل نصّ تيودوسيون في متنها. أما نسخة دا في السبعينية فلم تُحفظ إلا في برديّة تعود إلى القرن الثاني أو الثالث، وفي كودكس خيسيانس. هناك من رفض أن يكون تيودوسيون صاحب دا الذي نجده في المخطوطات. ولكنها فرضية لم تفرض نفسها.
أما بالنسبة إلى سائر اسفار العهد القديم، فالتقليد المباشر لترجمة تيودوسيون قد ضاع كله. فلم يبقَ إلا نتف في هكسبلة اوريجانس وصلت إلينا بشكل مباشر أو في هوامش بعض المخطوطات (كودكس مرخليانس)، أو في كتب الشرّاح، أو في السلسلات التفسيريّة. إن مقاطع تيودوسيون جُعلت في العمود السادس من الهكسبلة. ولكن قد تكون أيضاً في العمود السابع كما هو الأمر بالنسبة إلى الانبياء الاثني عشر. وجُعلت في العمود الخامس لتملأ فجوات السبعينيّة، وقد أشير إليها بنُجيـمة. هناك مخطوطات للسبعينيّة قد اغتنت بما في تيودوسيون في أي، أم، أش، إر، حز. أخيرًا، نجد مقاطع من تيودوسيون في السريانيّة (في هامش الهكسبلة السريانية) وفي الارمنية (في هامش المخطوطات).
4) سيـماك
(أ) صاحب الترجمة
لا نستطيع أن نستند إلى المراجع القديمة التي تجعل سيـماك ابيونيًا، وتعتبر ترجمته توراة الابيونيّين. فهي تضمّ الانبياء الذين لم يدخلوا في القانون الابيوني. بل يجب أن نعتبر سيـماك سامريًا ارتدّ إلى اليهوديّة حوالي سنة 150 وُختن مرة ثانية. كان تلميذ رابي مئير الذي كان بدوره تلميذ رابي عقيبة. وقد نماهيه مع سومكوس بن يوسف الذي يذكره التلمود. تعود ترجمته إلى سنة 165 أو بعد ذلك الوقت بقليل.
ب) ميزة هذه الترجمة
هي ترجمة للعهد القديم تتمتّع بمستوى أدبي رفيع، وقد تكيّفت مع قرّاء هليّنيين لا يعرفون العبريّة. وهكذا أزال سيـماك كل الصيغ العبرية التي وُجدت في السبعينيّة وأكيلا وتيودوسيون (مثلاً حرف الواو حل محلّه اسم الفاعل مع فعل).
(ج) تأثير هذه الترجمة
هذه الترجمة التي دُوّنت في يونانيّة أصيلة، قدّرها حقّ قدرها الشرّاحُ اليونان ولا سيّمـا اوسابيوس القيصريّ الذي أسّس عليها نظرية الوحي التدريجي في ما يتعلّق بالوحي الالهي. بما أن السبعينية سبقت مجيء المسيح فقد أخفت حقائق كشفتها ترجمة سيـماك التي جاءت فتكلّمت بوضوح. وكما قدّر المسيحيون ترجمة سيـماك، كذلك قدّرها يهود الشتات اليوناني، ولا سيّمـا في مصر، وظلّوا يستعملونها حتى بداية القرن الرابع.
(د) شهود هذه الترجمة
إن ترجمة سيـماك قد زالت كلها تقريبًا في التقليد المباشر، ما عدا مقطعين في رقّ يعود إلى القرن 3-4، وقد وُجد في الفيوم وهو يخصّ مجموعة الارشيدوق راينر. هي : مز 68 : 13-14، 30-33؛ 80 : 11-14. أما سائر أجزاء ترجمة سيـماك فنجدها في هكسبلة اوريجانس أو في كتب الشروح (تفسير اشعيا لاوسابيوس القيصريّ)، أو في السلسلات التفسيريّة اليونانيّة. كما نجد مقاطع في الهكسبلة السريانيّة والهكسبلة الارمنيّة.
5) الخامسة (كونتا في اللاتينيّة).
هي ترجمة يونانيّة نجهل صاحبها. اكتشفها اوريجانس في نيكوبوليس (قرب اكسيوم) وادخلها في الهكسبلة في عمود سابع (إضافة إلى الستة عواميد). ما هو مدى هذه الترجمة؟ طالت المزامير وربّما أكثر من المزامير. ولكننا لا نجد فيها البنتاتوكس. أما الخمسة وثلاثون مقطعًا التي نجدها في المخطوط الفاتيكاني (بربارينوس 549، هو سلسلة حول هوشع)، فتعود إلى "نسخة بحسب العبرانيين" قد عرفها كيرلس الاسكندراني. اذن هذه الترجمة الخامسة قد تضمّنت ربما أيوب ونشيد الأناشيد. وربما الانبياء الصغار. قد تكون تمّت هذه الترجمة بدفع من المعلّمين في فلسطين، وهي قريبة ممّا في تيودوسيون. وقد سبقت أكيلا. يبدو أن نصّ الانبياء الصغار قد وُجد سنة 1952 في "نحل عابر"، كما وُجدت مقاطع من الخامسة في حوار يوستينوس مع تريفون.
6) السادسة (سكستا في اللاتينيّة).
هي ترجمة يونانيّة نجهل اسم صاحبها. اكتُشفت في جرّة قرب اريحا. أدخلها اوريجانس في الهكسبلة بعد الخامسة بعد أن شكّل عمودًا آخر زاده على الاعمدة السابقة (فصارت الهكسبلة في ثمانية عواميد). اعتبر اوسابيوس أنه وجد فيها فقط المزامير. وقال ايرونيموس : والانبياء الصغار أيضاً. وقد وصلت إلينا استشهادات من السادسة بالنسبة إلى نش، خر، أي. السادسة هي ترجمة يهوديّة، وقد ضاعت إلاّ بعض مقاطع في الهكسبلة.
7) السابعة
تحدّث عنها ايرونيموس بالنسبة إلى أي، مز، مرا، نش. ولكننا لا نجد الآن أي مقطع من هذه الترجمة. كما أنه لا يبدو أنه كان في الهكسبلة عمود آخر أضيف إلى العواميد السابقة. هناك مراجع تتحدّث عن تأويل وتفسير، وقد نكون أمام السبعينيّة كما نشرها لوقيانس الانطاكي.
8) النص العبريّ
نجد في التفاسير اليونانيّة وفي مخطوطات السبعينية لفظة "هبرايوس" أي العبريّ. هذا ما يدلّ على نصّ التوراة في العبرية (العمود الأول). أو على نسخ النصّ العبري بالحرف اليوناني (العمود الثاني). أو على ترجمة. نجد هذه الترجمة بالنسبة إلى تك، خر، حز، إر، أش، دا، أي. ليست هذه الترجمة ترجمة أكيلا. يبقى علينا أن نبحث عن صاحبها. نشير هنا إلى أن اوريجانس يتحدّث عن "العبري" فيدلّ على معلّم عبرانيّ عاشره في الاسكندرية، وكان يهوديًا اهتدى إلى المسيحيّة.
9) النص السوريّ
عاد المفسرون اليونان إلى ترجمة "السوري" الذي نكتشفه في مقاطع تك، خر، مل (1، 2، 3، 4 كما في السبعينيّة)، أش، إر، حز، الانبياء الصغار، مز، مرا. من هو "السوري" ؟ قال بعضهم : البسيطة وقد انتقلت بطريقة شفهيّة. وقال آخرون : هو صوفرونيوس السوري الذي ترجم إلى اليونانيّة بعض المقاطع من اللاتينيّة الشعبية التي عمل فيها ايرونيموس. يبدو أن الترجمة تمّت بعد سنة 330. لهذا يجب أن نبحث عن صاحبها.
10) السامريّ
في مخطوطات الهكسبلة، نجد صفة "السامري" مع البنتاتوكس. يرى بعضهم أننا أمام البنتاتوكس السامري الذي نُقل إلى اليونانيّة؛ وآخرون أننا أمام الترجوم السامري الذي نقل إلى اليونانيّة. هناك برديّة انطينوبوليس التي تضمّ تك 37 : 3-4، 8-9؛ ومقاطع من تث 24-29. ومدوّنة يونانيّة وعبريّة في مجمع سامري في تسالونيكي فيها عد 6 : 22-27. إن المقاطع اليونانيّة التي نجدها في هاتين الوثيقتين لا تقابل السبعينيّة، بل نصاً قريبًا من البنتاتوكس السامريّ. وقد اعتبر أحدهم اننا أمام إعادة نظر سامرية في نصّ السبعينيّة.
11) يوسيف
هناك مقاطع نُسبت إلى يوسيف (وهو غير المؤرّخ يوسيفوس) في بعض أسفار العهد القديم (يش، 1و2صم، 1 و2مل، مز، إر ). نحن أمام مترجم يوناني من سورية عاش في القرن الخامس. لم يعرفه ايرونيموس. أما تيودوريتس فيذكره. تأثّرت ترجمته باللاتينيّة الشعبيّة أو أقلّه بالتقليد التفسيريّ الذي ألهم ترجمة ايرونيموس. ليست هذه الترجمة إعادة نظر في السبعينيّة، بل ترجمة جديدة عن العبريّة تتميّز بالحرية بالنسبة إلى الحرف، وبالصفات الأدبيّة التي تجعل الاسلوب شيّقًا.
12) الهكسبلة
الهكسبلة (ستة عواميد) هي عمل هامّ قام به اوريجانس، اللاهوتي الكبير ومفسّر الكتب المقدّسة في الاسكندريّة (185-250). بدأ عمله في الاسكندرية قبل سنة 220 وكمّله بعد سنة 225 في قيصرية فلسطين. وهكذا يكون قد قضى مع معاونيه سحابة 25 سنة في هذا العمل.
هذه التوراة المسدّسة العواميد، تتضمّن من الشمال إلى اليمين الامور التالية : النص العبري للعهد القديم بحرف عبري. نسخ النص العبري بحرف يوناني. ترجمة أكيلا اليونانية. ترجمة سيماك اليونانية. السبعينية. ترجمة تيودوسيون اليونانيّة. ومع المزامير، زاد اوريجانس عمودين وضع فيهما "الخامسة" (كونتا) و "السادسة" (سكستا). وبالنسبة إلى الانبياء الصغار، نش، أي، وربما 1و2صم، 1 و2مل، وُجد عمود إضافي (الخامسة).
لا نستطيع إلاّ أن نقدّر أهمّية هذا العمل حيث كل عمود يتضمّن معلومات عديدة. لم يصل إلينا النص العبري المكتوب بالحرف العبريّ. ومع العمود الثاني، حصلنا على شهادة فريدة للفظ العبري في السامرة في منتصف القرن الثالث. ونقرأ ترجمة أكيلا والتصاقها حرفيًا بالاصل العبريّ. قام بها الكاتب في زمن هدريانس بطلب من رابي عقيبة. العمود الرابع هو عمود سيماك الذي كان سامريًا على ما يبدو واهتدى إلى اليهوديّة فصار تلميذ رابي دئير. والعمود السادس هو عمود تيودوسيون الذي نرى فيه يوناتان بن عزيئيل وسلف أكيلا. في العمود الخامس أورد اوريجانس ترجمة السبعينيّة كما أخذت بها الكنيسة، فاعتبرها اوريجانس (مع عدد من الآباء) موحى بها. ولكن حين واجه اليونانيّ مع النصّ العبريّ، ضمّ تعليقات وحواشي نقديّة تستلهم نهج أهل الاسكندرية في دراسة النصوص (مثلا هوميروس) منذ أيام ارسترخس. وهكذا دلّ اوريجانس على الزيادات وعلى الفجوات، فاستعان بنصّ تيودوسيون.
ماذا قال العلماء في الهكسبلة؟ أرادها اوريجانس وسيلة في الجدال مع اليهود. وقالوا : أراد أن يصل إلى نصّ التوراة الاصليّ. وتساءلوا : هل وُجدت إزائية يهودية قبل هكسبلة اوريجانس وتضمّنت النص العبري في الحرف العبري، والنصّ العبري في الحرف اليوناني، وأكيلا وسيماك؟ هل بدأ اوريجانس فألّف التتربلة أو المربّعة العواميد (أكيلا، سيماك، تيودوسيون، السبعينية) في الاسكندرية؟ ثم تابع في قيصريّة فوصل إلى الهكسبلة مع العمودين اللذين زادهما؟ هل وُجد العمود الأول حقًا (النص العبري)، أم هل نحن أمام فرضيّة، لا سيّمـا وأنه لم يصل إلينا أيّ نصّ منه؟ ما هي أهمّية العمود الثاني الذي ينسخ النصّ العبريّ في حرف يوناني؟ لماذا رتّب اوريجانس الترجمات كما رتّبها؟ هل تدلّ "التتربلة" على نسخة مبسّطة للهكسبلة، أو على الترجمات الاربع التي عُرفت في الاسكندرية؟ وتُطرح أيضاً أسئلة : ما هو مصير العمود الخامس الذي وُضعت فيه السبعينيّة؟ هل كان هناك حقًا نصُّ أوريجاني للسبعينية مع نجيمات، أم أن بمفيلوس وأوسابيوس القيصريّ هيّـأا هذا النصّ؟ وأخيرًا، ماذا وُجد في العمود السادس؟ نصّ تيودسيون أم عدّة ترجمات؟ كلها أسئلة تنتظر أجوبة.
حُفظت الهكسبلة في مكتبة قيصريّة فلسطين، وقد عاد إليها عدد من الآباء اليونان واللاتين مثل ايرونيموس.خلال السنوات 630-640، زال هذا الكتاب النفيس، فلم يبق منه إلا مقاطع ونتف وُجدت في الفاتيكان وكمبريدج وميلانو... وفي التفاسير اليونانيّة والسلسلات التفسيريّة.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|