في العبريّة "ك ف ر". في اليونانيّة "هيلسكوماي" الذي يعود إلى فكرة تقول : بسط شيئًا ليغطّيه، ليخفيه. وبالتالي، محا، طهّر، نقّى. فاللفظة تميّز التيّار الكهنوتي، لأنّ التيّار الاشتراعي يفضّل لفظة "الغفران" و"المصالحة". ك ف ر" أي حصل بواسطة الطقس على التطهير من الخطيئة، محا الخطيئة، هدّأ، أزال غضب الذي أغاظه (رج أم 16 : 14؛ لا 9 : 7؛ 16 : 6؛ مز 65 : 4). و"كُفر" (غرامة، تعويض) هو الثمن الذي ندفعه لكي ننال البقاء في الحياة، لكي لا نموت (خر 21 : 30). ويدلّ على الحلّ والتكفير (عا 5 : 12). وأخذ إسرائيل بالأسلوب الأنتروبومورفي (يشبّه الله بالإنسان) فنسب إلى الله الغضب (أف، الأنف في العربيّة، منه يخرج دخان الغضب، لهذا تصعد رائحة تهدّئ هذا الغضب) وهو غضب يُرى على وجه الإنسان. فأمام عصيان الشعب، يشتعل "أنف" يهوه (خر 4 : 14). وغضبه الذي يميّز الإله الغيور، هو بقدر الهوّة التي تفصل حبّه عن الإغاظة التي سبّبها له شعبُه الخائن (إر 23 : 19؛ مز 76 : 8). فلا بدّ من تهدئة غضب الربّ لكي يرضى علينا من جديد (2صم 21 : 14). بالإضافة إلى الاغتسال والتطهير (عد 19 : 1-10) وتهيئة ماء التطهير مع رماد البقرة الحمراء، تبدو طقوس التكفير في جوهرها رشًّا للدم على آنية العبادة وعلى الشعب، كما أنّ هناك طقس تيس المحرقة : يُرسل إلى البرّيّة تيس لعزازيل وتوضع عليه كل ذنوب الشعب نحو أرض عقيمة (لئلاّ تنبت من جديد). هذان الطقسان يُصنعان في عيد الغفران العظيم أو يوم التكفير (يوم كيبور والكفارة) (لا 16). وتُزاد عليهما ذبائحُ التعويض عن الاثم ترافقها غرامة (لا 5 : 14-26) وذبائح عن الخطايا (ا ش م. ح ط ا ت) تحدّدت شروطُها في لا 4 : 1-5 : 13. في كلّ طقوس التكفير هذه، سواء كانت احتفاليّة أو عاديّة، سواء كانت عن خطيئة علنيّة أو خاصّة، يلعب الدم المراق دورًا كبيرًا : بما أن الدم هو الحياة (لا 17 : 11)، فحياة الحيوان تقدّم عن حياة الإنسان. نحن هنا أمام طقس إحلال كما أمام طقس شفاء وتطهير، لأن الدم يشفي، يعطي الحياة من جديد، وينقّي من النجاسة التي تسبّبها الخطيئة.
هذا في العهد القديم. وماذا في العهد الجديد؟ عجزت طقوس العهد القديم عن أن تحقّق بشكل نهائيّ الحلّ من الخطأ : يجب أن تعاد كل سنة. وعادت الرسالة إلى العبرانيّين إلى ممارسة يوم التكفير لتعرض القيمة الفدائيّة النهائيّة لذبيحة المسيح (عب 9 : 12). فالمسيح دخل بموته مرّة واحدة إلى قدس الأقداس، وهكذا أتمّ التطهير من الخطايا بدمه الخاص (عب 1 : 3)، والتكفير عن خطايا الشعب (عب 2 : 17). إنّ كرستولوجيّة عب عادت أيضاً إلى أناشيد عبد الربّ المتألّم (إش 42 : 1-2؛ 49 : 1-2؛ 50 : 4-5؛ 52 : 13-14) كما عادت إلى إعلان العهد الجديد الذي تحدّث عنه إر 31 : 31-34. ونجد تعبيرًا عن التعليم عينه في أخبار تأسيس الافخارستيّا (مت 26 : 26-29 وز). فالافخارستيّا تشير إلى مشاركة واتّحاد بدم المسيح (1كور 10 : 16) الذي يحقّق العهد الجديد (1كور 11 : 25). هذا الدم المراق عن الكثيرين لمغفرة الخطايا (رج رؤ 19 : 13 حيث الفارس يرتدي معطفًا مغطّسًا بالدم). وقد كُتب أيضاً أنّ دم المسيح هو كفّارة (هيلستيريون) عن الخطايا في 1يو 2 : 2؛ 4 : 10. المسيح هو "هليوس" أي أداة تكفير (رو 3 : 25). اختلف العهد الجديد عن العهد القديم الذي يستعمل أكثر من مئة مرّة ألفاظ "الكفّارة"، ولكنّه تحدّث عن هذا التعليم مشدّدًا على عمل المسيح الذي مات مرّة واحدة عن الكثيرين، لكي يكون لنا جميعًا إمكانيّة الاقتراب من الله.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|