يسمّى جا في العبريّة : قهلت. إنّه اسم الفاعل المؤنث لكلمة "قهل" (تكلّم أمام الجميع، المؤنّث يدلّ على الوظيفة). هو الذي يتكلّم في جماعة الشعب، هو الواعظ.
أولاً : المضمون. يتضمّن جا العنوان (1 :1) والخاتمة (12 :9-14)، وبينهما سلسلة من الاعتبارات على بطلان أشياء هذا العالم كما تقول بداية الكتاب وخاتمته : باطل الأباطيل، كل شيء باطل (1 :2؛ 12 :8). ووسط هذه الاعتبارات، نجد أمثالاً وعبَرًا حول قصر الحياة وعدم جدوى العمل وفشل المحاولات البشريّة. كل هذا يستند إلى خبرة الكاتب. فهو يستخلص مرارًا : تنعَّمْ بالحياة وبخيرات هذه الدنيا، هذه هي الثمرة الوحيدة التي يجنيها الإنسان من كلّ أتعابه (2 :4؛ 3 :12، 22؛ 5 :17؛ 8 :15؛ 9 :7؛ 11 :7). ولكن الكاتب ليس مادّيًّا محضاً، لأنّ التنعّم بالحياة هو عطيّة من الله (2 :26؛ 5 :8 ي). وهو يعلم أنه سيقدّم حسابًا أمام الله عن كل أعماله وعن استعماله للخيور الماديّة (3 :17؛ 11 :9؛ 12 :4). فتعليمُه المادّي والمتشائم عن الحياة، يرجع في قسمه الأكبر إلى أفكاره السوداء عن الحياة بعد الموت (9 :7-10؛ 11 :9). فخيبة أمل هذه الحياة لم تصحّحها نظرة إلى السعادة في الآخرة. دُوّن جا في العبريّة، لا في الأراميّة، وتأثّر كما يقول بعضهم بالفينيقيّة. دوّن في زمن متأخّر، وجعله بعضهم يتأثّر بالعالم اليونانيّ بعد اسكندر المقدوني، أي في القرن الثالث ق.م.
ثانيًا : أصل الكتاب.
(أ) لا نعرف صاحب جا. نسمع شخصًا يتكلّم. اسمه قهلت. يتكلّم عنه الكاتب في صيغة الغائب (1 :2؛ 7 :27؛ 12 :8-10). هذا يعني أنه شخص آخر (12 :9-14). لا يذكر اسم سليمان، ولكن نحسّ أن قهلت هو سليمان نفسه. لهذا قال الأقدمون : سليمان كتب جا. ولكن التشكّي من وضع الإدارة ومن وضع النظام الاجتماعيّ (3 :16، 4 :1، 5 :7، 8 :10)، والتلميحات إلى أحداث لاحقة (9 :13-16، 4 :13-16، 10 :16-17)، والتعابير المطبوعة بالأراميّة، تجعلنا نقول إنّ جا دوّن بعد سليمان بزمن طويل. دوّن في القرن الثالث ق.م.، وقد وُجدت قرب البحر الميت مقاطع منه تعود إلى القرن الثاني ق.م.
(ب) لا نجد تدرّجًا منطقيًّا في الأفكار. ولكنّنا نجد وحدة في الكتاب. بعضُ آباء الكنيسة اعتبروا أنّ الاعتبارات المشكّكة هي أقوال الخصوم. ورأى آخرون في جا حوارًا يعرض أفكاراً متعارضة. وظنّ آخرون أنّ الكتاب تشوّه... نقول إنّ الكتاب تأثّر بالعالم اليونانيّ. لا ينظر الكاتب إلى الماضي ولا إلى المستقبل، بل إلى الحاضر. فالحاضر هو بين أيدينا، ونحن نستفيد منه ونحن نحاسَب عليه. وعلى ضوء الحاضر، يبدو كلّ شيء باطلاً، لأنّه ذهب ومضى، أو لأنّه لم يحصل بعد. يشدّد جا على خيبة أمل الحياة الأرضيّة وعلى الحزن الذي ينتظرنا في الجحيم. ولكنّه يعلمنا موقفًا دينيًّا أمام الخالق. يريد الكاتب أن يعلّم القارئ ألاّ يضخّم أي شيء، ألاَّ يضع رجاءه في أمور عابرة، بل أن يقوم بالواجبات التي يفرضها الله وأن يتنعّم بأفراح الحياة. هذه هي إرادة الله، وهذه هي سعادة الإنسان. فلا يطلب الإنسان أكثر لأنه يحاول أن يلج أسرار الله، وهذا لا يمكن أن يكون. يستوحي جا أفكاره من العالم اليونانيّ، ويقرأ هذه الفلسفة الجديدة على ضوء أسفار العهد القديم.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|