هو العنصر المادي في قسمة الجسد والنفس، أو في قسمة الجسد والنفس والروح، في المركّب البشريّ، حسب العالم الفلسفي اليوناني.
1) العهد القديم. لا نجد في العالم العبراني لفظة "الجسد"، بل * "بشر" (ب ث ر) الذي يدلّ بعض المرات على الانسان كله. وسوف ننتظر الكتابات اليهوديّة الهلنسيّة المتأثّرة بالفكر اليوناني كي نجد التعارض بين الجسد و* النفس (حك 8 :19-20؛ 9 :15). مقابل هذا، تلعب أجزاء الجسد البشري في الفكر العبري وكلامه دورًا كبيرًا، لا كلغة مصوّرة واستعارة، بل كأعضاء في الحياة النفسيّة والجسديّة. فغياب الثنائية "نفس - جسد" جعلت الكاتب ينسب إلى أعضاء الجسد، التي تتأثّر بتأثّرات متنوّعة، العواطفَ والأفكار التي نعتبرها عادة مرتبطة بالعقل.
لم يكن العبرانيّ يعرف شيئًا عن نظام الأعصاب، عن دور القلب في الدورة الدمويّة. ولكنه ربط بـ * القلب الفهم والذاكرة وما تقوم به هاتان الملكتان. و* الكبد الذي يفرز المرارة كان موضع الغضب. والكلى موضع القوّة الجسدية. لهذا قيل : "شدّ حيلك (حقويك)" (أي 38 :4؛ 40 :7). ثم إن كل عضو من أعضاء الجسد اعتبر وكأنه يمثّل الجسد كله. هتف إش 52:7 "ما أجمل على الجبال * أرجل المبشرين". هذا العضو يعبّر أفضل تعبير عن الرسول الذي يسرع حاملاً البشرى. هذه النظرة تبعدنا عن النظرة الحديثة التي تجعل وظيفة لكل عضو. إن مختلف أعضاء الجسم ستدرس في أماكنها : * الفم، * الذراع، * الشعر، * القلب، * الجمجمة، * الوجه، الركبة، * الحلق ( نفَس، نفس)، * اللسان، * اليد، * الاذن، * الرِجل، * الجبهة، * الصدر، * الغلفة، * العين، * الكلى، * الرأس، البطن. أما الأعضاء التناسلية فتذكر في تورية : الرجل (إش 6:2، يستر رجليه)، العري، اللحم والدم
2) العهد الجديد. احتفظ العهد الجديد بالألفاظ التوراتيّة كما انتقلت في السبعينيّة. فالاسم "سوما" (الجسد) يدلّ على الانسان كله، ولكنه لا يعني الانسان في ضعفه، كخليقة عابرة وخاطئة ( ساركس). لا يظهر التمييز بين "بسيخي" (النفس) و"سوما" (الجسد) كمركّبين في الانسان، إلاّ في الأسفار التوراتيّة التي دُوِّنت مباشرة في اليونانيّة (حك 8 :19-20؛ 9 :15). وتضمّن العهد الجديد أيضًا عودة واضحة إلى هذه النظرة الثنائية (مت 10:28؛ رؤ 6:9؛ 20 :4) والثلاثية (1تس 5:23؛ عب 4:12؛ رج 1كور 15 :44-45) في الانسان، وهي نظرة يونانيّة تقابل الجسد كعنصر مادي وفاسد، مع النفس والروح. ويبدو هذا التعارض واضحًا جدًا في مت 10:28، حيث الجسد (سوما) يُقتل، لا النفس (بسيخي). غير أن هذا التعارض بين الجسد والنفس تخفّ حدّته بواسطة الاعتقاد اليهودي بـ * قيامة الجسد (أو : البدن، اللحم). وعبارة الجسد والدم في أقوال تأسيس الافخارستيا (مت 26:26-28؛ مر 14:22-24؛ لو 22 :19-20؛ 1كور 11:23-27) تطرح سؤالاً خاصًا، لأننا انتظرنا عبارة اللحم (* البشر) والدم كما في العهد القديم (سي 14 :18؛ 17 :31؛ حك 12 :5) وفي العهد الجديد (مت 16:17؛ 1كور 15 :5؛ غل 1 :16؛ أف 6 :12؛ عب 2:14)، ولا سيّما في التقليد اليوحناويّ (يو 1:13-14).
هذه العبارة في لفظتين (الجسد والدم) التي لم نعتد عليها، تجد ما يوازيها عند * فيلون الاسكندراني. وهي تدلّ على تأثير التعليم البولسي في كلام حول "جسد المسيح"، واستباق التقليد البولسي (1كور 11:23-27) لتقليد الأناجيل الإزائيّة. في اللاهوت البولسيّ الذي يرتبط بالدور الذي ينسبه العهد القديم إلى مختلف أعضاء الجسد، يشكّل الجسد عدّة أعضاء ذات وظائف مختلفة، وقد جمعها الله (رو 12 :4-5؛ 1كور 12:12-23). واستعمال "سوما" (الجسد) للدلالة على وحدة مؤلّفة من أجزاء، لا يجد ما يوازيه في الأدب اليوناني السابق للعهد الجديد. ومن الواضح أن بولس لم يأخذ صورة الجسد من المثل الكلاسيكيّ الذي يقابل المجتمع بجسد موحّد في أعضائه المختلفة.
فإذا كان الجسد كمجموعة أعضاء نموذجًا لبولس في نظرته إلى * الكنيسة كجسم المسيح والمؤمنين الحيّ، كجسم المسيح السرّي (رو 12 :5؛ 1كو(ر 6:15؛ ر 10:17؛ 12 :12-13؛ أف 1 :23؛ 2 :16؛ 4 :4، 12، 16؛ 5 :23-30؛ كو 1 :18، 24؛ 2 :19؛ 3 :15)، فهذه الصورة أخذها الرسول، لا من جماعة المؤمنين التي رآها أمامه، بل من النظرة البيبليّة إلى الانسان الذي فيه يشكّل اللحم والدم والنسمة والأعضاء وحدة لا تنفصم. ثم إن "جسد المسيح" هذا لا يتماهى مع جسد المسيح القائم من الموت، ولكنه يقابله كل المقابلة (1كور 12 : 12-13، 27)، كما يقابل كل انسان الانسان الاولاني. وما يُثبت هذا التفسير هو أن بولس يرى في المسيح آدم الجديد (1كور 15 :45)، الانسان الآتي من السماء (1كور 15 :47)، وأنه يعلن ضرورة ارتداء صورة هذا الانسان السماوي لكل من يتعرف إلى الخلاص (1كور 15 :49). في هذا المنظور، يكون الجسد في خدمة مجد الله والمسيح (1كور 6 :20؛ فل 1 :20). لهذا لن يكون الفداء تامًا إن لم يمتدّ إلى الجسد بقيامة الموتى التي كانت مسجّلة في الانتظار الاسكاتولوجي لدى العالم اليهودي الفلسطيني (رو 8 :11؛ 1كو(ر 6:14؛ ر 15:12-57؛ 2كور 4 :14...).
غير أن هناك نصوصًا بولسيّة أخرى يبدو فيها الجسد كأداة الخطيئة ومركزها (رو 6 :6، 12-14؛ 7 :14-24؛ 8 :3، 13؛ 13 :14؛ أف 2 :3). يبدو هذا الموضوع الذي ينضمّ إلى موضوع الانسان الباطني والانسان الخارجيّ (رو 7 :22؛ 2كور 4 :16؛ أف 3 :16)، متأثرًا بالتعاليم الفيتاغوريّة التي تعتبر الجسد سجنًا يضبط النفس. لهذا هتف بولس : "من يخلّصني من جسد الموت هذا" (رو 7 :24)؟ غير أن هذا الجسد لا ينتهي في العدم، كما يقول الفكر اليوناني. بل هو مدعو إلى الحياة بواسطة القيامة، كما يقول الفكر اليهوديّ (رو 8 :11، 23؛ فل 3 :21). وهكذا نرى حصيلة الفكر البولسي بين هذين القطبين، قطب الهلينيّة في نهاية العصر القديم، وقطب بدايات الفكر اليهودي البعد بيبليّ.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|