1) الهدف. كان الأشوريّون والبابليّون يُجلون الشعوب المقهورة كليًّا أو جزئيًّا إلى بلاد الرافدين. هكذا يُضعفون قوَّة الأعداء، ويستعمرون أرضهم بما يفيض من سكّان عندهم أو بجيش يسرّحونه. وكانت شعوب الجلاء تعيش في المنفى. وهذا التدبير صار أمرًا عاديًّا منذ أيام تغلت فلاسر الثالث، كما تقول المدوّنات الأشوريّة. وقد أصاب هذا التدبير مرارًا بني اسرائيل فذهبوا إلى السبي.
2) جلاء سكان مملكة اسرائيل (الشمال) ومملكة يهوذا (الجنوب). بعد الحرب بين فقحيا ملك اسرائيل وتغلث فلاسر ملك أشورية، أُجلي سكّان المدن المحتلّة إلى أشورية سنة 734 وسنة 732 (2مل 15 :29). لا نعرف شيئًا عن مصير هؤلاء المسبيّين الأوّلين. في إطارهم دوِّن سفر طوبيا بمعطيات تاريخيّة غير دقيقة. وبعد حرب هوشع ملك اسرائيل ضد شلمنصّر ملك أشورية وسقوط السامرة، سنة 722، أجلى سرجون الثاني عددًا كبيرًا من بني اسرائيل إلى حلح على نهر خابور (في بلاد الرافدين العليا) وفي مدن ماداي (2مل 17 :6؛ 18 :11؛ طو 3 :7؛ 5 :6). وإذا عدنا إلى الأرقام الأشوريّة، نعرف أن عدد المسبيّين هو 27280 شخصًا. ولكنّنا لا نعرف شيئًا عن مصيرهم. لا شكّ في أنّهم اندمجوا بالسكان هناك، وامتصّهم المحيطُ الذي أقاموا فيه (كانت تنقيبات في جوزان ونمرود فدلّت على وجودهم في القرن السابع). وحلّ محلّهم في مملكة اسرائيل مستوطنون جاؤوا من بابل وكوت وعوّا وحماة وسفروايم، أي من مناطق احتلّها الأشوريّون (2مل 17 :24-41). هذا النصّ يبيّن لماذا كان السامريون مزيجًا من الغرباء. وحسب الأرشيف الأشوريّ، قام الملك سنحاريب بحملة أخذ فيها عددًا من المسبيّين من مدن يهوذا ولاسيّما من لخيش، سنة 701 (2مل 18 :13). وإذ أراد أسرحدون ثمّ أشور بانيبال قمع المتمرّدين، نقلا عددًا من السكان خلال القرن السادس (عز 4:2-10؛ إش 7:8). ويُذكر سبي في السنة الثالثة للملك يوياقيم في 2أخ 36:6؛ دا 1:1، ولا يُذكر في مرجع آخر. فقد يكون نبوخذ نصر سبى الملك (موقّتًا) ووجهاء بني اسرائيل ليكون ابناؤهم في خدمة الملك. هذا هو إطار سفر دانيال في الفصل الأول.
ومهما يكن من أمر، ففي السنة الحادية عشرة لحكم الملك يوياقيم (والأولى للملك يوياكين)، سنة 597، جلا نبوخذ نصر العديد من بني اسرائيل : الملك، العائلة المالكة، البلاط، النبلاء، الجنود، الصنّاع، ولكنّهم لم يأخذوا الكهنة (2مل 24 :10، 17). واختلف عدد المسبيّين : حسب 2مل، من 7000 إلى 10000. حسب إر 52:28 :3023 شخصًا. لا يُقال شيء عن إقامتهم في بلاد الرافدين. يرى حز 3:15 أنهم أقاموا في تل أبيب. وكتب إرميا إليهم رسالة محذّرًا إياهم من نبوءة تتحدّث عن عودتهم القريبة، وداعيًا إياهم لكي يعرفوا أن إقامتهم ستدوم في البلاد (إر 29). في السنة الحادية عشر للملك صدقيا، في بداية صيف 587، وحين أخذ نبوخذ نصر أورشليمَ بشكل نهائي، أخذ ما تبقّى من سكان أورشليم والهاربين من الجيش (أسر صدقيا وقُتل ابناه أمام عينيه). وترك صغار القوم الذين لا يملكون شيئًا. فأعطاهم القائد البابلي حقولاً وكرومًا (2مل 25 :1-21؛ إر 39:1-10؛ 52). يرى إر 52:29 أن مسبيّي أورشليم كانوا 832. ثمّ يذكر موجة أخيرة من المسبيّين (745 من أهل يهوذا) سنة 582، وذلك حين واجه نبوخذنصر ثورة جديدة في يهوذا.
3) التفسير اللاهوتي. عاش المسبيّون سبيهم كعبء ثقيل. تركوا أرضهم. اقتُلعوا من محيطهم. خسروا أملاكهم، وعرفوا العذاب الكثير. ما عادوا يستطيعون أن يمارسوا ديانتهم، لأنّ الديانة ترتبط بالأرض (1صم 26:19). وخبرةُ الجلاءات المتعاقبة كانت خبرة الذلّ والإهانة. ويصوّر إشعيا الليل الذي فيه تسير قافلة المنفيّين الجائعين والمثقلين (8 :21-22). كما يصوّر الشبّان والشيوخ الذين يؤخذون عراة وحفاة (5 :13) برؤوسهم ولحاهم المحلوقة (7 :20). ولقد ندّد الأنبياء بقساوة هذه المعاملات (عا 1:6-9)، وأنبأوا فاعليها بدمار صاعق (نا 2 :4-3 : 19 : إر 50-51) أو بمصير مماثل ((عا 4:2-3؛ عا 5:27؛ 6 :7). ولكن مأساة الجلاء هذه هي أيضاً، حسب نصوص عديدة، عقاب خيانات الشعب الكبيرة تجاه الله ((تث 4:27-28؛ تث 29:21-27؛ 2مل 17 :7-23؛ إر 5:15-19؛ 19 :1-20 : 6؛ حز 12:8-16)، أو هي محنة سيلد منها شعب جديد (حز 36:37). وحسب عز 2:54، عاد خمسون ألف شخصٍ تقريبًا إلى أرضهم بعد قرار كورش الذي أعلن سنة 539. أما الراجعون فهم بأكثريّتهم من سكان يهوذا. رج * المنفى.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|