تبدو جماعة الشعب كنظام سياسيّ منذ الحقبة السابقة للملكيّة. وهي تسمّى عادة "هاعم"، "كل هاعام"، الشعب، كل الشعب، وتتميّز عن الشيوخ الذين يتكلّمون باسمها. ويستعمل العهد القديم أيضاً لفظة "ق هـ ل" ليدلّ على جماعة الشعب. في 1مل12 :3 نقرأ : كل قهل يشريل "أي كل جماعة اسرائيل". هي جماعة شعبيّة لقبائل الشمال. في نح 8:2 تبدو "قهل" متماهية مع الشعب (كما في نح 8 :1)، وهي تتألّف من رجال ونساء وجميع الذين بلغوا "سنّ الرشد". نجد مثلاً في قض 10 :18 : "شعب جلعاد اختار يفتاح كقائد حرب" (قض 11 :1)، بعد أن قام الشيوخ الذين يمسكون بالسلطة، بالمشاورات (قض 11 :5-11).
إنّ جماعة الشعب هي التي رفعت شاول إلى الملك أولاً في المصفاة حيث انعقدت جلسات قبيلة بنيامين (1صم 11:15). وحسب الكاتب الملهم،الرب هو الذي يختار. والهتاف الشعبيّ "يحيَ الملك" (1صم 10:24) يشهد على أساس القول المأثور : صوت الشعب صوت الله. ونجد ذات الامتياز لجماعة الشعب الذي يمارس سلطته في شكيم حيث "كل جماعة اسرائيل" (1مل 12 :3) أو "جميع الشعب" (1مل 12 :12) يرفض أن يعترف برحبعام، ويختار يربعام ملكًا على كلّ اسرائيل (1مل 12 :20). وقد تمّ تسليمه السلطان في "الجماعة" الذي تسمّى هنا "ع د هـ" (في السريانيّة عدتا، البيعة، من بايع) (1مل 12 :20). وبعد مجيء عمري الذي نادى به الشعب المسلّح ملكًا (1مل 16 :15-16)، كان انشقاق داخل جماعة الشعب، فآل إلى حرب أهليّة في مملكة الشمال (1مل 16 :21-22).
في مملكة يهوذا (عاصمتها أورشليم)، تميَّزت الجماعة العامّة للمواطنين العائشين في الحقبة الملكيّة عن سكان مدينة أورشليم الملكيّة فدعوا، "ع م. هـ ا ر ص" أي شعب الأرض (أي المزارعون والفلاحون. ق 2مل 14 :21 مع 2مل 23 :30). فهذه الجماعة جماعة "شعب الأرض (يهوذا)" أعلنت يوآش ملكًا (2مل 11 :14-18؛ 2أخ 23:13)، ثمّ يوشيا (2مل 21 :24؛ 2أخ 33:25). وهذه الجماعة هي التي قرّرت أيضًا تدمير بيت البعل في أورشليم، وتنفيذ حكم الإعدام بكهنة بعل والملكة عثليا (2مل 11 :18-20؛ 2أخ 23:17، 21).
وهكذا بدت جماعة الشعب كحارسة للتقاليد المحليّة التي تدافع عنها ضدّ التأثير الخارجي الذي حمله معه محيط عثليا. ولعبت جماعة الشعب أيضاً دورًا فاعلاً بعد المنفى، في يوم ولادة اليهوديّة (نح 8). وفي عهد المكابيّين ساعة عادت اليهوديّة مستقلّة نوعًا ما، فجماعة الشعب العظيمة هي التي قرّرت أن تمنح سمعان ونسله سلطات وراثيّة كملك وعظيم كهنة وقائد الأمة (1مك 13 :42؛ 14 :46-47). والعبارات اليونانيّة التي تدلّ على هذه الجماعة هي ترجمة لما في العبريّة : هو لاوس (الشعب). باس هو لاوس (كل الشعب). واستعمال "لاوس" الذي أعطته السبعينيّة معنًى خاصًّا "الشعب اليهوديّ" قد يدهشنا للوهلة الأولى. فاللغة اليونانيّة تمتلك لفظة خاصة (ديموس، من هنا الديموقراطيّة)، تدلّ على جماعة المواطنين الأحرار وتنطبق أيضاً على جماعة الشعب اليهودي في 1مك 8 :29؛ 14 :20؛ 15 :17. غير أنّ هذه المقاطع تعود إلى وثائق رسميّة دوّنت في الأصل في اليونانيّة. فاستعملت ألفاظًا عرفتها نظم العالم الهلنستي. مقابل ذلك، عكس 1مك 13 :42؛ 14 :46 الاستعمال العبريّ وترجم "هاعم" بـ "هو لاوس" بشكل شبه آليّ. في الواقع "هو لاوس" و"هو ديموس تون بودايون" هما تسميتان مختلفتان لذات جماعة الشعب في أسفار المكابيّين.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|