الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: جمعيّات الكتاب المقدّس

ظلّت كلّ نسخات الكتاب المقدّس حتى القرن الخامس عشر، مخطوطة باليد. لهذا كان العمل مكلفًا وطويلاً. وما كان يستطيع أن يقتني بيبليا إلاّ قلّة قليلة جدًّا، لا سيّمَا وأنّ عدد الأميّين كان الأكثريّة. ودخلت المطبعة بحروفها المتحرّكة فتبدّل الوضع. ففي نهاية القرن الخامس عشر طُبعت البيبليا اللاتينيّة في ميانس في ألمانيا بيد غوتنبرغ (1400-1468). ومع ذلك، ظلّت البيبليا غالية الثمن، ولكن بدأت تُنشر نسخات العهد الجديد. وحتى القرن الثامن عشر، كان توزيع الكتاب المقدّس عمل الشركات التجاريّة. ولكن بعد ذلك الوقت، تأسّست جمعيّات مرسلين اهتمّوا بتوزيع الكتب المقدّسة. مثلاً : جمعيّة إنماء المعرفة المسيحيّة التي تأسّست سنة 1698. جمعيّة نشر الإنجيل في الخارج (1701). الجمعيّة السكوتلنديّة لنشر المعرفة المسيحيّة (1709). جمعيّة إنماء المعرفة المسيحيّة بين الفقراء (1750). جمعيّة مساندة وتشجيع مدارس الأحد (1785). ولكن كل هذه الجمعيّات لم تجعل اهتمامها الأول والوحيد توزيع الكتب المقدّسة. ثمّ إنّ عملها انحصر داخل الجزر البريطانيّة. أما أول منظّمة اهتمّت بشكل حصريّ بتوزيع الكتاب المقدس فهي مؤسّسة كنستاين البيبليّة. وفي سنة 1675، أعلن أحد التقويّين الألمان (فيليب يعقوب سباز) : "علينا أن نهتمّ بأن نؤمّن لشعبنا اقترابًا أوسع من كلمة الله". وجوابًا على هذا التحدّي، تكوّنت منظمة تتوخّى الإشراف على طبع الكتاب المقدس، في هالي (ألمانيا) سنة 1710، وذلك بمعاونة سبانر وكنستاين... بعد موت كنستاين أخذت المنظمة اسمه، وسنة 1712 ظهر العهد الجديد في اللغة الألمانيّة، وسنة 1713 الكتاب المقدس كلّه. وخلال القرن التاسع عشر، نُشرت ثلاثة ملايين كتب مقدسة وعهود جديدة في الألمانيّة والتشيكيّة والبولونيّة واليونانيّة، ووُزّعت بشكل خاص في ألمانيا وأوروبا الشرقيّة. إنّ منظمة كنستاين التي ما زالت تعمل حتى الآن، كانت في شكل من الأشكال أول جمعيّة من جمعيّات الكتاب المقدس التي حاولت أن توصل الكتاب المقدّس إلى الناس بسعر مخفّض. غير أنها اكتفت أن تعمل في منطقة محدّدة، ولم تحاول أن تخرج منها. ولكنّنا لا نستطيع أن نقول الشيء عينه عن جمعيّة الكتاب المقدّس التي تأسّست في لندن سنة 1780. حصرت نشاطها في توزيع البيبليا في البحريّة والجيش. بعد ذلك بدّلت اسمها فصارت : جمعيّة الكتاب المقدّس من أجل البحريّة والجيش. وهكذا دلّت على حدود أهدافها. كما تأسّست في فرنسا جمعيّة بيبليّة فرنسيّة سنة 1792. ولكنّ عملها توقّف بسبب الثورة الفرنسيّة. وحُلَّت بشكل رسميّ سنة 1803. ومع أنّ هاتين الجمعيّتين الأوليين قد دلّتا على وعي عميق للحاجة إلى نشر الكتاب المقدّس وتوزيعه، إلاّ أنهما لا تستطيعان أن تقولا إنهما أسّستا حركة "جمعيّات الكتاب المقدّس". فقد برز شيء جديد في أساسه ومختلف في السنوات الأولى للقرن التاسع عشر مع تأسيس جمعيّة الكتاب المقدّس في بريطانيا وفي الخارج، التي استفادت كل الافادة من التطوّر على مستوى النقل والاتصالات. ففي 7 آذار 1804، اجتمع 300 شخص في لندن وأخذوا على نفوسهم بأن يعملوا من أجل نشر الكتاب المقدّس كوسيلة تبشير. طبعت هذه الجمعيّةُ الكتابَ بدون شروح ولا حواشٍ، وبدأت توزّعه في العالم كلّه. وتوسّعت وتوسّعت، وتنظّمت مجموعات محليّة في لندن وبرمنغام (انكلترا) ليساندوا الجمعيّة الجديدة، فاعتُبروا مؤازرين لها. وفي سنة 1816، كانت مجموعات المؤازرين 200 مجموعة في الجزر البريطانيّة. في ذلك الوقت، تأسّست جمعيّات بيبليّة محليّة ووطنيّة في هولندا والدانمارك واسوج ونروج وفنلندا وايسلندا وروسيا. وكانت تتسلّم مساعدة من الجمعيّة البريطانيّة. وتأسّست جمعيّات في كندا، ونيوزيلندا. وعرف عمل "الجمعيّة البريطانيّة" ازدهارًا كبيرًا في الخارج : في أفريقيا، في الشرق الأوسط، في الهند والصين. وكانت مشاريع ترجمات ولا سيّمَا في الصين... وهكذا لم يمضِ على تأسيس الجمعيّة 13 سنة حتى كانت قد نشرت 1300000 نسخة من الكتاب المقدس في 66 لغة عبر العالم كلّه. في سنة 1816 تأسّست "الجمعيّة البيبليّة الأميركيّة" في الولايات المتّحدة : 130 جمعيّة محلّية، 15 جماعة من النساء، في 24 ولاية. ولكن أعمال كل مجموعة كانت محدودة. ولعبت المضاربات دورها. عند ذاك، برزت الحاجة إلى توحيد الجهود، فكان اجتماع في أميركا ضمّ 56 مندوبًا. وهكذا تمّ تأسيس جمعيّة الكتاب المقدّس في أميركا في نيويورك، في 8 أيار سنة 1816، وامتدّت الحركة ونضجت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وبرز خطان. الأول أخذ بأهداف المرسلين وشرع يعمل على المستوى العالمي. والثاني ظلّ على المستوى الوطنيّ أو المحليّ. وكانت في تلك الحقبة صراعات طائفيّة وخلافات حول الترجمات، ومزاحمات بين الجمعيّات الوطنيّة من أجل النفوذ في بلدان الرسالات، وانقسامات محليّة. كل هذا أعاق خلق منظّمة على مستوى عالميّ. ولكن خلال القرن العشرين ظهرت الضرورة إلى تشارك على مستوى جمعيّات الكتاب المقدّس في الرسالة ولا سيّمَا في الصين. ووافقت الجمعيّة الأميركيّة سنة 1919 على مشروع اتحاد جمعيّات بيبليّة وطنيّة. وعُقدت حلقة في أمستردام (هولندا) سنة 1939 وقدّمت اقتراحًا في هذا المضمار. ولكن تحقيق هذا المشروع تأخّر إلى ما بعد الحرب العالميّة الثانية. استعيد الاقتراح سنة 1946 يوم اجتمعت 12 جمعيّة بيبليّة أوروبيّة مع الجمعيّة الأميركيّة، وأسّسوا بشكل رسمي جمعيّات الكتاب المقدس. ومنذ ذلك الوقت انتظم نشاط كل جمعيّة وطنيّة داخل ما يسمّى "جمعيّات الكتاب المقدّس المتّحدة". أما عدد الجمعيّات والمكاتب المحليّة فيفوق المئة اليوم. إنّ جمعيّات الكتاب المقدّس شجّعت أساليب جديدة للترجمة ومنها في لغة مبسّطة في أكثر من 150 لغة. وكانت ترجمات شاركت فيها فرق عمل من طوائف مختلفة، عملت في 300 ترجمة ونيّف. وفي سنة 1968، كانت مبادئ بين الكنيسة الكاثوليكيّة وجمعيّات الكتاب المقدّس المنطلقة من العالم البروتستانتي حول "مبادئ المشاركة بين الطوائف من أجل ترجمة الكتاب". كانت الجمعيّات موضوع شجب من قبل العالم الكاثوليكي، حين تأسّست، ولا سيّمَا في بداية القرن التاسع عشر، لانّ الحدود ضاعت بين عمل على مستوى الكتاب المقدّس الذي هو قاعدة حياة لجميع المسيحيّين، بل يتوجّه إلى جميع البشر، وبين استمالة مسيحيّين من سائر الطوائف مستعملين الكتاب المقدس لهذه الغاية. لهذا اتّخذت الكنيسة الكاثوليكيّة مبادرة انطلقت من أمانة سرّ اتحاد المسيحيّين في رومة برئاسة الكردينال بيا، فأسّست * الرابطة الكاثوليكيّة العالميّة لرسالة الكتاب المقدّس التي جمعت مختلف التجمّعات البيبليّة الكاثوليكيّة في الولايات المتحدة وكندا وانكلترا وألمانيا، وانطلقت تؤسّس تجمّعات أخرى في بلدان عديدة من أجل مشاركة بنّاءة مع جمعيّات الكتاب المقدّس لنشر كلام الله وإيصاله إلى جميع المؤمنين. هنا نذكر على مستوى الشرق أن العمل الكتابي بدأ سنة 1827. وتأسيس الجمعيّة في لبنان كان سنة 1966. وانضمّت إلى الجمعيّات العالميّة سنة 1984. في فلسطين بدأ العمل سنة 1816. وكان تأسيس الجمعيّة سنة 1966. وفي الأردن، تنظم المكتب سنة 1972. وفي مصر بدأ سنة 1818، وتكوّنت الجمعيّة سنة 1961. وانضمّت مصر إلى الجمعيّات سنة 1980. في السودان بدأ العمل سنة 1866 وتأسّست الجمعيّة سنة 1967. الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية