يخبر التقليد أن الكنيسة الحبشيّة تأسّست في القرن الرابع على يد فرومنسيوس الذي أرسله اثناسيوس الاسكندراني. غير أن هذه الكنيسة تنتسب إلى الرسول برتلماوس وإلى القديس متى. امتلأت كلّها من تذكّرات بيبليّة ما زالت تحرّك ارتباط الجماعة المسيحية بأجدادها الساميين، فعرفت نفسها في ضابط مملكة كنداكة الذي روى العهد الجديد عماده على يد فيلبس (أع 8:27)، وفي ملكة سبأ التي روى 1 مل 10 :1-13 زيارتها إلى الملك سليمان، التي هي "مجد الملوك" (كبرا نغاست أو نجاست. نتذكّر لفظة النجاشي)، وفي منيليك الذي هو ابن زواج ملكة سبأ بسليمان وجدّ النجاسي هيلاسيلاسيه، "الاسد المنتصر من قبيلة يهوذا" الذي خُلع عن عرشه سنة 1974. وهكذا اعتبر ملوك الحبشة أنهم من نسل موسى وداود. كما أن أحد معابد اكسوم، العاصمة القديمة في البلاد، يحتفظ بعناية فائقة بتابوت العهد ولَوحَي الوصايا، وقد حمل فنيليك كل هذا من أورشليم وبشكل خفيّ حين أحرِق الهيكل.
أما الادب الحبشي (أو : الغعزي، الجعزي)، شأنه شأن الأدب القبطي، فيشدّد على الوعظ والنسك وحياة القديسين، فهو مليء بالتذكّرات والايرادات البيبليّة. والليتورجيا الحبشية التي هي بنت الليتورجيا القبطيّة، لم تترك أيضاً ما حمله إليها العالم السرياني، كما أغتنت خلال الاصلاح الذي تمّ من القرن الرابع عشر حتى القرن السادس عشر بعناصر أصلية تطعّمت بالكتاب المقدس، وأخذت وجهات من العالم اليهودي. إن هذه الليتورجيا الحبشيّة تستعمل استعمالاً كبيرًا القراءات الكتابيّة في القداس كما في الاحتفالات التي تجري في المناسبات. والحياة الرهبانيّة الحبشيّة التي أسّسها، كما يقول التقليد، ابّا اريغاوي (اريجاوي) ورفاقه الثمانية (القديسون التسعة) الذين لبسوا الاسكيم من يد باخوميوس مؤسّس الحياة الرهبانيّة الجماعيّة في مصر، هذه الحياة تحتفظ بالطابع الذي تسلّمته منذ القديم. فمع نظام قاسٍ من الصوم والتوبة والصلاة والعمل اليدوي، تحتلّ الكتب المقدّسة مكانة مرموقة. وقبل الثورة التي أطاحت بالنجاشي، استلهمت الكنيسة الحبشيّة خبرة الاقباط في مصر. فبدأت تجديدًا على مستوى الدراسات اللاهوتيّة والبيبليّة في الاديرة، فأرسلت عددًا من الشبّان إلى مراكز التعليم الديني في مصر واليونان واسطنبول.
وإذا عدنا إلى الحياة اليوميّة، نرى أن عددًا من العادات التي يراعيها المسيحيون في الحبشة، تجد جذورها في الكتاب المقدس، ولا سيّمـا في شرائع موسى. وهذا ما دفع بعض الدارسين إلى القول بأن كنيسة الحبشة صارت يهوديّة ثم مسيحيّة. ولكننا لا نستطيع أن نتحقّق من هذا القول، لا سيّمـا وأن كنيسة مصر تأثّرت هي أيضاً تأثرًا عميقًا بشريعة موسى وممارساتها. ولكن، مهما يكن من أمر، فهذه العادات التي لم تُدرس بعد بما فيه الكفاية، قد تشرّبت مناخًا بيبليًا حقيقيًا. وإليك بعض الامثلة : ممارسة الختان قبل المعمودية (على ما كان يطلب المتهوّدون في بداية الكنيسة)، تقدمة بواكير كل غلال الأرض إلى "سيّد الكون"، رفض أكل لحم الحيوانات التي لم يسل دمها أو التي هي غير طاهرة بحسب الشريعة، طقوس الزواج مع مواكب "أصدقاء العريس" (رج يو 3 :29 : يوحنا المعمدان هو صديق العريس، وتذكّرات عرس قانا الجليل، يو 2 :1-12)، واجب الأخ أن يتزوّج أرملة اخيه (شريعة السِلفيّة. تتزوّج المرأة سلفها، أي شقيق زوجها، وهكذا يؤمّن الأخ لاخيه نسلاً يذكر اسمه. رج تث 25 :5-6)، رقصات الكهنة الليتورجيّة، الاعياد الخاصة التي يُحتفل بها اكرامًا لاشخاص من العهد القديم مثل آدم، نوح، ابراهيم، داود، سليمان، تكريم السبت إكرامًا خاصاً.
وفي النهاية نلاحظ أن اللائحة القانونيّة للاسفار المقدسة، الذي تثبّتت في بداية القرن السادس، تتضمّن في ما تتضمن : كتاب اخنوخ. صعود إشعيا.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|