الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية: حكمة، (الـ)


المسيحي مؤشر موسوعة إلكترونية

في العبرية : ح ك م هـ. في اليونانية : سوفيا.

1) العهد القديم.

أولاً : طبيعة الحكمة. تتضمّن الحكمة في العهد القديم، كما في الشرق، سمتين تكادان تتعارضان : هي صفة طبيعيّة في الانسان، وثمرة التربية والخبرة. هذا من جهة. ومن جهة ثانية. هي صفة الالوهة. ا يحتفظ بها لنفسه ولا يمنحها إلاّ بنعمة منه لبعض الأشخاص المميّزين. ويظنّ بعض الشرّاح أن السمة الثانية أقدم عهدًا من الأولى. بل إن الأولى التي نجدها بشكل خاص في الأدب الحكمي، تتفرّع من الثانية. غير أن السمتين تبدوان قديمتين في العهد القديم، وحكمةُ ا تترافق مع حكمة البشر. وُلدت حكمة البشر من الحسّ العام والخبرة، وتوسّعت أولاً في الأوساط الارستوقراطيّة، ثم في مدارس الفلاسفة. فارتبطت بالعقل والممارسة. وحكمة ا وُلدت من الاعتقاد بإله (أو بآلهة) يمتلك الحكمة كصفة خاصّة به. لا نجد هذه الحكمة إلاّ لدى الأنبياء وفي الأخبار الشعبيّة. هذه الحكمة هي قوّة سريّة، تأتي من ا، وتشبه الروح الذي تتوازى معه مرارًا. ولا تكون النظريّتان متقاربتين إلاّ في الأدب الحكمي المتأخر (أم 1-9 أي؛ جا؛ با؛ حك).

(أ) حكمة يقتنيها الانسان. الحكمة هي صفة عمليّة قبل كل شيء في اسرائيل. وهي لا تتضمّن مرارًا أي مضمون أخلاقيّ. فالصانع الحاذق هو حكيم ((خر 28:3؛ خر 31:3؛ 1مل 7 :14؛ إش 40:20؛ حز 27:8). ونقول الشيء عينه عن المستشار المحتال والمختبر ((2صم 13:3؛ 2صم 14:2؛ 20 :16)، والشيخ الغنيّ بالخبرات (أي 8 :8؛ 12 :12؛ 15 :10)، والعالم الذي يعرف القراءة والكتابة وتفسير الشريعة (إر 2:8؛ 8 :8-9). بين الكتبة الذين كانوا يبلغون إلى أرفع الوظائف في البلاط الملكي (2مل 25 :19)، كان هناك الحكماء الذين كان تأثيرهم كبيرًا (2صم 15:31، 37؛ 1مل 12 :6؛ 20 :8؛ أم 16:13-14).

منذ القرن 8، اعتُبر الحكماء من الطبقة الحاكمة، على مثال الكهنة والأنبياء والضبّاط في الجيش ((إش 3:3؛ إش 5:21؛ إر 8:8؛ حز 7:26). إن هؤلاء الحكماء ينقلون ثمرة خبرتهم ومعرفتهم إلى أبنائهم (طو 4 :2؛ 14 :10؛ (أم 13:1؛ أم 15:5؛ 31 :1؛ حكمة امينوفي المصريّة)، وإلى شبّان تاقوا إلى القيام بوظائف هامة (أم 30:11، 29؛ 25 :6-7؛ 29 :26). بعد سقوط الملكيّة، ظلّ الحكماء حاضرين في المجتمع. لم نعد نجدهم في البلاط الملكيّ، بل بين الكتبة الذين يدرسون شريعة موسى ويشرحونها (سي 39 :1-2، 8)، ويعلّمون حكمتهم في المدارس (سي 51 :23؛ رج أم 9 :1). تتكوّن هذه الحكمة من الذوق السليم والفهم والفطنة والبراعة. هي فنّ الحياة. تؤمّن السعادة في هذه الحياة (أم 14:15-16، 29؛ 22 :3). لهذا تُسمّى ينبوع السعادة (4 :23؛ 10 :11؛ 13 :14؛ 16 :22)، وطريق الحياة ((أم 6:23؛ أم 10:17؛ 15 :24)، و شجرة الحياة (3 :18؛ 11 :30).

تشدّد الحكمة مرارًا على النتائج المؤلمة لحياة من الفلتان، أكثر ممّا تشدد على وجهه الخطيئة (23 :1-2؛ 24 :6-10؛ (رج 2:16-19؛ رج 6:25-35؛ سي 31:19-21). وهي في الوقت عينه تعليم خلقيّ في خدمة المصلحة الشخصيّة، كما هي طاعة لروح دينيّة ((أم 20:22-24؛ أم 24:21؛ 25 :21-22؛ 29 :13). وهكذا تتماهى الحكمة مع الفضيلة، والحكيم والبار مع التقيّ (والعكس بالعكس، يتماهى البليد مع الخاطئ والكافر ). "رأس المعرفة مخافة الرب" ((أم 1:7؛ أم 9:10؛ سي 1 :11-21؛ 19 :20؛ أي 28:12-13). يصنع الحكيم ما يُرضي ا، ويتجنّب ما يغيظه ((أم 6:16؛ أم 8:13؛ 11 :20؛ 12 :22؛ سي 1 :27؛ حك 4 :10، 14؛ 7 :14، 28)، ويتمّ الشريعة (سي 15 :1؛ 19 :20؛ با 4:1؛ 4مك 1 :17). هذا الطابع الديني والخلقي للحكمة، ينكشف في الأمثال القديمة، التي وُلدت خارج الأوساط النبويّة. ولكن بتأثير من كرازة الأنبياء، التي دخلت إلى الطبقات الحاكمة بعد المنفى، توسَّع هذا الطابعُ في الأدب الحكميّ المتأخّر.

(ب) حكمة يعطيها ا. حسب تك 2-3، رُفضت معرفةُ الخير والشرّ للبشر، لأنهم أرادوا أن يكونوا مثل ا (تك 2 :17؛ 3 :5، 22). فمن تاق إلى هذه المعرفة أصاب تسامي ا (أي 15 :8؛ رج حز 28:1-5، 12). لهذا، فالحكمة التي يعرفها ا وحده في أعماقها، يصوّرها أي 28 :12-27 كشيء خفيَ عن جميع البشر (28 :21). ويعتبرها با 3:15-38، بعيدة عن متناول أيدينا. مجّد الأنبياء مرارًا هذه الحكمة الالهيّة (إإش 28:29؛ إإش 31:2؛ 40 :13-14؛ دا 2:20-23؛ رج مز 94:10-12؛ أم 19:21؛ 31 :30). فا، الرب السامي ومالك الحكمة، يعطيها لمن يريد : للصنّاع الذين يصنعون آنية العبادة ((خر 28:3؛ خر 31:3؛ 35 :31)، لأشخاص مميَّزين مثل يوسف (تك 41 :8، 38-39) ودانيال (دا 1:17؛ 4 :5-6، 15؛ 5 :11-14) وآخرين (حك 7 :20)، ولا سيّمـا لقوّاد شعبه مثل موسى (عد 11:17، 25) ومعاونيه (تث 1:13؛ عد 11:16-17)، للملوك (أم 16:10) داود (2صم 14:17، 20؛ رج 23:1) وسليمان (1مل 3 :11، 28) ومستشاريهم (2صم 16:23؛ رج إش 29 :14)، ولعزرا (عز 7:25) والملك المسيحانيّ (إش 11:2-5).

في هذه الأخبار الشعبيّة والنصوص النبويّة، تبدو الحكمة معرفة علويّة يمنحها ا. هي تشبه روح ا الذي ترتبط به مرارًا (تك 41 :8، 38؛ تث 34:9؛ إش 11:2-6؛ دا 4 :5-6؛ حك 7 :22). وفي الخطّ عينه يُسمَّى سحرة وعرّافو مصر (خر 7:11، 22؛ إش 19:3، 11؛ حك 17 :7) وبابل (إش 47:10-11؛ (إر 10:7؛ إر 50:35؛ دا 1:20؛ 2 :2)، والنادبات اللواتي يعرفن كيف يجعلن روح الميت تتكلّم (إر 9:16)، "حكماء". في الأدب الحكمي المتأخّر (أم 1-9؛ أي؛ جا؛ سي؛ با؛ حك)، تبدو الحكمة صفة انسانيّة تتوسّع بالخبرة وتأديب الحكماء وتعليمهم. ولكنها أيضاً عطيّة من ا (أم 2:6-27؛ مز 32:8؛ أي 11 :6؛ 32 :8، 18-20؛ جا 2:26؛ سي 1 :1؛ 24 :8؛ 39 :6؛ حك 7 :7، 27؛ 8 :21؛ 9 :17؛ با 3:27). بل يلهمها روح ا (أي 15 :11؛ 32 :18؛ سي 39 :6؛ حك 7 :7؛ 9 :17)، بحيث يحلّ الحكماء محلّ الأنبياء الذين غابوا "عن الساحة" (سي 24 :33؛ حك 7 :27). ويُنسب إلى هذه الحكمة نشاطات تربطها سائر الكتب المقدّسة بروح ا : خلق الأرض (أم 3:19-20؛ أي 26 :12؛ 28 :25-27؛ حك 1 :7؛ 7 :25؛ 9 :1-2؛ 14 :5؛ رج إش 11 :2-8)، حماية شعب ا (حك 10 :15-11 :2؛ رج إش 63 :11-14)، تربية البشر على الفضيلة ((أم 8:32-36؛ أم 9:1-12؛ سي 24 :18-22؛ حك 1 :4-5؛ رج نح 9:2، 29-30؛ زك 7 :12). وهذا التوازي عميق جدًا بحيث تتماهى الحكمة مع الروح (حك 1 :4-5؛ 7 :22-24؛ 9 :17).

ثانيًا : الحكمة اقنوم وشخص. في أي 28 :12-27 و با 3:9-4 :4، تبدو الحكمة الالهية بوضوح، على أنها صفة بها يخلق ا الكون ويديره. فالانسان لا يمتلكها ولا يستطيع أن يقتنيها بقواه الخاصة (سي 1:6-10). وحتى شعب اسرائيل الذي منحه ا الحكمة المتجسّدة في الشريعة، لم يمتلكها. فعوقب (با 3:9-12) لأنه ترك الشريعة ينبوع الحكمة (4 :1). وتُصوَّر الحكمةُ بشكل حيّ في (أم 1:22-33؛ أم 8:1-21؛ 9 :1-6. هي تعظ، تقف على ملتقى الطرقات (8 :2)، توبِّخ البشر وتلحّ عليهم (1 :20-23) أو تدعوهم لأن يسمعوا لها ويتبعوا نصائحها فيفعلوا مثل الفلاسفة الجوّالة (وبائعي التحف) الذين يحاولون اجتذاب الناس إليهم. في أم 8:22-31، تتميّز الحكمة عن ا. خُلقت قبل كل الخلائق، فوقفت بجانبه حين خلق الكون. فالحكمة الالهيّة التي خلقها ا قبل كل الخلائق، ويعرف أعماقها وحده (سي 1:4-9)، تمتدح نفسها في سي 24 :1-22. خرجت من فم ا، فجالت في السماء والأرض وما تحت الأرض، وأقامت في اورشليم حيث نمت وأعطت ثمارًا وافرة. الحكمة الالهيّة هي هنا شريعة موسى (24 :23) التي هي التعبير الصريح عنها، لأنها تخرج من فم ا. وأخيرًا يُقدّم حك 7 :22 - 8 :1 الحكمة على أنها كائن يخرج من ا (آ25-26)، كائن عاقل (آ22)، وهي تتدخّل كمشيرة في خلق العالم (8 :4؛ 9 :9)، وكعلّة لكل ما خُلق (7 :22؛ 8 :5؛ رج 9:9). هي تستطيع كل شيء (7 :27)، ترى كل شيء (9 :11)، تلج كل شيء (7 :22؛ 8 :7)، توجِّه (10 :10-11)، تحمي (10 :1) البشر. هي لهم مثل زوجة (7 :28؛ 8 :2-9). هي صورة ا (7 :25-26) وعروسه (8 :3)، وهي تجلس بقربه (9 :4).

رأى بعض الشرّاح في هذه النصوص الشعريّة صورة شخص إلهيّ، يتميّز عن ا، ويعمل بشكل مستقلّ عن ا. مثل هذه النظرة غير صحيحة. ففي أم 8:1-36؛ 9 :1-6، ليست الحكمة شخصاً حقيقيًا، ولا الجهالة التي تقابلها فتطغي البشر وتقودهم إلى الموت (9 :13-18). ونقول الشيء عينه عن سي 24 :1-22 الذي يشدّد على الطابع العقليّ والطابع اللاماديّ للحكمة الالهيّة، ويشخّصها، ولكنه لا يعتبرها شخصاً حقيقيًا. فصاحب سفر الحكمة هو إنسان يؤمن كل الإيمان بالتوحيد، فلا يمكنه أن يعتبر الحكمة مثل عروس تجلس بجانب ا على عرشه، وهي بالتالي لا يمكن أن تكون إلاهة. إذا نظرنا إلى هذه الصورة على أنها استعارة، نقول الشيء عينه عن سائر الصور.

إن معظم الشرّاح المعاصرين في العهد القديم، لا يرون في الحكمة الالهيّة شخصاً (وأقنومًا) إلهيًا، بل تشخيص شعري لصفة إلهيّة. في أم، سي، حك، عملُ الحكمة الالهيّة، شأنه شأن عمل كلمة ا أو روح ا، هو عمل ا نفسه (تك 9:1-2). وكذا نقول عن نشاط حكمة الانسان وكلمته وروحه. فلا تنفصل عن الانسان.

ثالثًا : التأثير الشرقيّ. إن تعليم بني اسرائيل حول الحكمة، حول شكلها وروحها وطابعها الخلقيّ والدينيّ، يشبه حكمة الشعوب الشرقيّة المجاورة. فبنو اسرائيل اعتبروا كل اعتبار حكمة أدوم (عد 8؛ إر 49:7؛ أي 2 :11؛ با 3:22-23) ومصر (1مل 5 :10؛ إش 19:11؛ تك 41 :8؛ أع 7:22) وبابل ((إش 44:25؛ إش 47:10؛ (إر 50:35؛ إر 51:57؛ دا-1 :20؛ 2 :24) وعرابية (أم 30:1؛ 31 :1). نستنتج أن هذه الحكمة الشرقيّة أثَّرت تأثيرًا كبيرًا على الحكمة في اسرائيل. إن أم 22:17-23 :11 يرتبط بحكمة امينوفي. وهناك عدد من الامثال تذكّرنا بحكمة أحيقار. غير أن شعب اسرائيل كيّف هذه الكتب والإيمان با الواحد، وركّز التعليم الخلقيّ في مفهوم البرّ وممارسة الشريعة. انطلق من تعليم خلقيّ يتوجّه إلى الطبقة الارستوقراطيّة، فوصل إلى علم أخلاقيّ يتوجّه إلى البشريّة كلها.

2) العهد الجديد.

إن الحكمة البشرية التي قدّرها العهد القديم حقّ قدرها، قد عظّمها العهد الجديد أيضاً (أع 7:22؛ 1كو(ر 3:10؛ ر 6:5؛ مت 12:42؛ رج لو 16 :8). فقيمتها ليست كبيرة إلاّ بقدر ما تتوجّه نحو الأخلاق أو الدين (لو 2 :40، 47، 52؛ مر 6:2؛ مت 13:54؛ رو 16 :19). فبولس ويعقوب يرفضان المعرفة البشريّة المحضة (1كور 1 :17-29؛ 2 :4-5، 17؛ رو 1 :22). أصلُ مثل هذه المعرفة هو الكائن البشري ( البدن أو اللحم والدم، والضعف البشري، 2كور 1 :12)، أو العالم (1كور 2 :6؛ 3 :19)، أو الشيطان (يع 3 :15). الحكمة الحقيقيّة هي عطيّة من ا (لو 21 :15؛ أع 6:3، 10؛ 7 :10؛ 1كور 12 :8؛ أف 1 :8-9، 17-18؛ كو 1 :9، 28؛ ي(ع 1:5؛ ع 3:17؛ 2بط 3:15). وهي تجعل الانسان جديرًا بأن يتقبّل وحي مخطّط ا الخلاصيّ (1كور 2 :6؛ أف 1 :8-9، 17-18)، وترفعه إلى العمل بحسب مشيئة ا (رو 16 :19؛ كو 1 :19، 28؛ 3 :16؛ يع 3 :13، 15، 17). المسيح المصلوب حماقة للامؤمنين، ولكنه قدرة ا وحكمة ا للمؤمنين (1كور 1:23-24). إنه الوحي الكامل لقدرة ا الفدائيّة، وللقرار الحكيم الذي به يريد ا أن يخلّص العالم بجهالة الصلب.

بما أن المؤمنين قد ضُمّوا إلى المسيح، فالمسيح هو لهم ينبوع الحكمة الحقّة، الحكمة الآتية من ا (1كور 1 :30). الحكمة هي صفة إلهيّة (رؤ 7:12؛ رج 5:12)، كما في العهد القديم. وهي تظهر في خلق الكون وفي تدبيره (كو 1:16-17)، كما تظهر بشكل خاص في مخطّط ا السريّ من أجل الخلاص (1كور 2:7؛ أف 3:10؛ لو 7:35؛ مت 11:19). نقرأ لو 11:49 (رج مت 23:34): "لهذا قالت حكمة ا". يرى بعض الشرّاح أن يسوع يورد كتابًا منحولاً اسمه "حكمة ا". وظنّ آخرون أن يسوع يسمّي نفسه "حكمة ا المتجسّدة". ولكن الحكمة في هذا النص هي بالأحرى قرار ا الحكيم كما كُشف بالمسيح (رج معرفة).







الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.