هناك مقاطع عديدة من التوراة تتحدّث عن الختان. ففي تك 17، أسّس ا الختان كعلامة للعهد بينه وبين ابراهيم ونسله، من خلال عمل يُمارس في جميع الذكور في يومهم الثامن (آ10-14). وهكذا خُتن جميعُ الرجال والأولاد الذكور، بل خُتن ابراهيم نفسه وهو ابن 99 سنة، كما خُتن ابنه اسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة، في ذلك اليوم الذي تأسّس فيه النظام (آ23-27). وما إن وُلد لابراهيم ابنه الثاني، اسحق، حتى ختنه في اليوم الثامن لولادته (تك 21 :4). وفي لا 12 :3 كلّم ا موسى طالبًا منه أن يختن كل ذكر في اليوم الثامن بعد ولادته. ولكن في خر 4:24-26، اعتبر عدد من الشرّاح أنّ موسى لم يكن مختونًا. وفي يش 5:2-9، يقول النصّ إنّ العبرانيّين الذين وُلدوا في الصحراء بعد الخروج من مصر، لم يكونوا مختونين. أمر ا، فختنهم يشوع بن نون بسكاكين من الصوان (نجد مثل هذه السكاكين من صوّان في خر 4 :25)، وذلك قبل دخولهم إلى كنعان، أرض الميعاد.
إذن يبدو أنّه كان تطوّر في ما يتعلّق بهذا العمل الذي فيه تُقطع الغلفة. وبما أنّ الألفاظ العبريّة التي تدلّ على العريس (خر 4:25) والزوج والصهر والحمي، وعلى الارتباط بالزواج (تك 34 :9)، تعود كلّها إلى الجذر العربيّ "ختن". وبما أنّ الحديث يدور دومًا في هذه الأحوال عن الختان، فالختان كان في البداية تنشئة للزواج. وكان يمارَس في زمن الخطوبة. غير أنّ هذا المدلول اختفى، حين صارت العمليّة تتمّ حالاً بعد الولادة. ونتذكّر في أوغاريت أنّ اليوم الثامن هو عتبة في حياة الطفل، مع نهاية العيد الذي يدلّ على ولادته. وإذا عدنا إلى خر 22:28-29، الذي نفسّره تذكّرًا لذبيحة جزئيّة (ذبيحة فداء)، فتقدمة الأبكار والحيوان التي نقرِّبها من تقدمة البكر لدى البشر (نحن أمام أثر لطقس يطلب الخصب والانتاج)، يجب أن تتمّ في اليوم الثامن بالنسبة إلى الحيوان.
ولكنّ الأهميّة الدينيّة للختان لم تظهر كطقس انتماء إلى جماعة إسرائيل إلاّ ببطء وبشكل تدريجيّ. فشرائع البنتاتوكس تشير إلى هذا الطقس بشكل عابر عارض، بمناسبة المشاركة في الفصح (خر 12:44-48)، بمناسبة تطهير المرأة بعد أن تلد ولدها (لا 12 :3)، وفي مقابلة مع أولى ثمار (بواكير) الشجر (لا 19 :23). في الواقع، سوف ننتظر المنفى (587-538 ق.م) وما بعده، ليصبح الختان العلامة التي تدلّ على الانتماء إلى الربّ وإلى الشعب. كيف نفسّر ذلك؟
عاش المنفيّون وسط شعوب لا يمارسون الختان، وترك جيران فلسطين هذه العادة في الحقبة عينها. لهذا أخذ بها بنو إسرائيل. وبعد ذلك، وجب على العبرانيّين أن يحاربوا العادات اليونانيّة التي أخذت تجتاح أرضهم، فتعلّقوا بهذا الطقس مع أنّه كان يثير هزء الوثنيّين. وقد منعه السلوقي أنطيوخس الرابع إبيفانيوس في فلسطين وعاقب بقساوة كل من قاوم قراره (1مك 1 :6-61؛ 2مك 6 :10). واليهود الذين لحقوا بركب الهلينيّة، حاولوا أن يُخفوا علامة ختانهم فخضعوا لعمليّة جراحيّة (1مك 1 :15). وكما في شعب إسرائيل، كذلك في الشعوب المجاورة.
فاستعمال سكين من الصوان يدعونا إلى أن نعود بالختان إلى حقبة قديمة جدًّا، ساعة لم تكن بعد وُجدت الأدوات المصنوعة من المعادن. وإذا عدنا إلى بعض النصوص الكتابيّة، نفهم أن مجمل جيران إسرائيل لم يمارسوا الختان (ق(ض 14:3؛ ض 15:18؛ 1صم 14:6؛ "الفلسطيين. وفي الاصل : غير المختونين"؛ رج 31:4. 17 :26، 36؛ 18 :25، 27؛ 31 :4؛ 2صم 1:20؛ حز 28:10؛ 32 :19، 32). ولكن حسب إر 9:24-25، يبدو أن مصر ويهوذا وأدوم وعمون وموآب والعرب قد عرفوا الختان. أمّا في ما يخصّ المصريّين، فالختان معروف لديهم في المملكة القديمة والمملكة الحديثة : هذا ما نجده في بعض النصوص والصور، وفي معطيات وصلت إلينا في المومياء ات. إن كانت أي شهادة لا تتيح لنا بأن نعرف إن كان هذا الطقس محصورًا بالكهنة (الذين كان الفرعون رئيسهم)، أو شاملاً الشعب كلّه، فمع ذلك اختلفت الممارسة بين حقبة وحقبة. ففي المملكة الحديثة، يبدو أن فرعون نفسه لم يختن. مقابل هذا تعلمنا الصور بعمر المرشّح للختان. لم يكونوا أطفالاً، بل صبيانًا عمرهم بين ثمانية وعشرة أعوام، وربّما مراهقين بدأ نضوجهم الجنسيّ. ويبدو أنّ العمليّة في مصر اقتصرت على جرح في القلفة لا قطعًا لها. وهناك رأي آخر يعتبر أنّها كانت تقطع. من أين جاء طقس الختان هذا؟ ربّما من الجزيرة العربيّة.
وننهي كلامنا عن الختان، مشدّدين على المعنى المجازي. كانوا يتكلّمون عن أشجار مثمرة غير مختونة (أي لا تُقطف ثمارها. لا 19 :23) وعن شفاه لا مختونة (أي كمن لا يستطيع أن يفتح فمه، خر 6 :12-30)، وعن اذان (إر 6:10)، وعن قلب غير مختون (لا 26 :41؛ تث 10:16، لا يقدر أن يفهم، لأنه مغلق ). رج حز 44:9؛ إر 9:25؛ رج أع 7:51. وكان كلام عن لحم غير مختون في كو 2 :13 (غير مختونين في الجسد، أي لا تنتمون بعد إلى الله، كما الولد اليهوديّ الذي لم يُختن بعد). وكانت إشارة إلى غلفة الاشجار المثمرة (لا 19 :23، أي ثمار السنوات الأولى التي هي مكرّسة فيُمتع الانسان من أكلها)، وإلى غلفة القلب (القاسي إر 4 :4) التي يجب أن تُنزع. لهذا يجب أن يُختتن القلب (تث 30:26، كما قامت رو 2 :29 التي ميّزت بين ختان القلب وختان الروح من جهة، وختان ظهر في الجسد. فختانة الروح تدلّ على حياة نعيشها في الأمانة لله، فتبعدنا عن حياة حسب حرف الشريعة. وتكلّمت كو 2 :11 عن ختان لا يكون بالايدي، بل بختان المسيح الذي هو نزع جسد الخطايا. فبالايمان بالمسيح الذي خُتن هو نفسه (لو 2 :21) صار الختان نافلًا، بلا فائدة، فقال بولس الرسول : "ففي المسيح يسوع لا الختان ولا عدمه ينفع شيئًا، بل الايمان العامل بالمحبة" (غل 5 :6). وقال أيضًا : "فلا الختان ولا عدمه ينفع الانسان، بل الذي ينفعه أن يكون خليقة جديدة" (غل 6 :15). وقد حارب بولس بقوّة أولئك الذين يريدون أن يفرضوا الختان على الوثنيين المهتدين إلى الايمان (رو4 :12؛ غل 2 :2؛ 5 :6). وقد أخذ"مجمع" أورشليم بنظرته (أع 15:1-20) قال خصومه : "لا خلاص لكم إلّا إذا خُتنتم على شريعة موسى" (آ1). فقال بطرس : "نحن ( اليهود) نؤمن أننا نخلص بنعمة الربّ يسوع (لا بالختان) كما هم ( الوثنيون) يخلصون.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|