أوّلاً : عموميّات.
(أ) الكلمة. في العبريّة : أدون. الأراميّة : مارا. اليونانيّة : كيريوس. تعني السيّد، الذي يتصرّف بشيء أو شخص. يُستعمل في هذا المعنى بالنسبة إلى البشر وإلى الآلهة. يكون الواحد سيّد عبد أو حيوان أو شيء (تك 24 :12؛ مت 10:24؛ لو 19 :33؛ غل 4 :1). ومرارًا لا يميّز النصّ بين المالك (العبريّة : بعل. اليونانيّة : دسبوتيس) والسيّد. ويُعطى لقبُ سيدي (العبريّة : أدوني، الأراميّة : ماري) لا لسيّد عبد وحسب، بل لأشخاص مهمّين (تك 23 :6) وللرابينيّين (رابي).
(ب) في مصر وفي البلدان الساميّة، كان الملك يُعتبر دومًا سيّد الأرض والعباد. هؤلاء يسمّون عبيده وخدّامه (تك 40 :20؛ 41 :10، 37-38؛ خر 10:7؛ 1صم 16:15 ي؛ 2صم 14:5، رسائل تل العمارنة، كتابات سامية عديدة). وإنّ عبارة سيّدي أو سيّد هي لقب ملكي حقيقي. أعطي هذا اللقب لملوك مصر المؤلّهين كما أعطي لملوك بلاد الرافدين ودويلات الشرق الأوسط الذين لم يكونوا يسمّون نفوسهم آلهة. إذًا، لا مدلول دينيًّا له في حدّ ذاته. إنّه يعبّر عن سلطان الملك المطلق على عبيده. ولكن نال الإمبراطور الرومانيّ للمرّة الأولى لقب السيّد (كيريوس) في المقاطعات الشرقيّة (أع 25:26). رفضه أوغسطس وطيباريوس لأنّه علامة تملّق. أما خلفاؤهما ففرضوا واجبات العبادة لشخصهم. لم يرفض اليهود ولا المسيحيّون أن يسمّوا الإمبراطور كيريوس مع أنّهم رفضوا كل عبادة له. هذا يعني أنّه لم يكن مدلول دينيّ لكيريوس في حدّ ذاته.
ثانيًا : الرب الإله.
(أ) عبدت الديانات المصريّة والساميّة الآلهة كأرباب على الأرض والشعب والمصير، لهذا سمّوهم "سيدي، ربي". هذا ظاهر في الكتابات العديدة وفي أسماء الأشخاص المؤلّفة من أدون (السيّد) أو عبد مثلاً : أدوني بازق، أدوني صادق، أدونيا، عبديئيل (في الأكاديّة : أبدي ايلي أي الخادم)، عوبديا (عبد يهوه).
(ب) العهد القديم. يسمّى يهوه الربّ لأنه خلق شعبه فصار مُلكه وصار يأمره بطريقة شرعيّة. فوق ذلك، خلّصه من عبوديّة مصر (خر 19:4-6؛ مز 100:3؛ إش 1:24؛ 6 :1، 8؛ 43 :1، 21؛ 60 :21) وهو ربّ الأرض كلّها (يش 3 :11، 13؛ مي 4 :3). مجده يملأ الأرض لأنّه خلق السماء والأرض (تك 1 :1؛ (مز 93:2؛ مز 95:4؛ إش 6:3). إنّه رب الأرباب (تث 10:17؛ مز 136:7). هذا يفسّر لماذا حلّ لقب الربّ محلّ يهوه ولماذا ترجمت السبعينيّة يهوه : كيريوس. إنّ استعمال كيريوس للدلالة على الله أمر غريب على العقليّة الدينيّة عند اليونانيّين. فقد اختلف اليونانيّون عن الساميّين ولم يعبدوا آلهتهم ككائنات شخصيّة وخالقين وأرباب البشر والعالم، ولا كأسياد المصير، بل ككائنات قويّة تنتمي إلى عالم البشر ولكنّهم يخضعون للقدر ذاته الذي يخضع له البشر. لهذا لا يسمَّى الالهةُ اليونانيّون أربابًا قبل الفترة الهلينيّة، حين دخل إلى اليونان آلهة الشرق ودياناته وأفكاره. وفي القرن الأوّل ق.م. انتشرت عبارات مثل كيريوس سرابيس، كيريوس اسكليبيوس، كيريوس ايزيس. وبعد هذا سيعارض بولس الرسول آلهة وأرباب العالم الهلينيّ مع الآب والاله الواحد والربّ الواحد (1كور 8 :5).
(ج) العهد الجديد. يسمّى الله "ربّ" أو "الربّ" خاصة في إيرادات العهد القديم (مر 12:11، 36؛ يو 12 :38؛ أع 2:34؛ رو 4 :8؛ 9 :28) وفي أماكن أخرى (مت 1:20، 24؛ 2 :13، 19؛ لو 1 :11؛ 2 :9، 1 كور 10 :9 ]المسيح في قراءة، والربّ في قراءة ثانية[ عب 7 :21) حيث الربّ يعني الله كما في السبعينيّة. وقد يكون للكلمة المعنى الأوّل (مت 11 :25= لو 10 :21؛ أع 17:24؛ 1تم 6:15؛ رؤ 1:8؛ 11 :17) فتعبّر عن سلطان الله المطلق. إنّه ملك العالم (1تم 6:15)، إنّه خالق العالم (مت 11:25؛ أع 17:24؛ رؤ 1:8).
ثالثًا : الرب يسوع
يسمّي متى ولوقا ويوحنا يسوع (سيّد ومعلم وربّ) قبل القيامة. ويسمّى أيضاً "ربّي"، "ربنا". ولكن هذا الاستعمال نادر لدى مرقس (مر 7:28؛ 11 :3). إنّ نصوص مر 9:5 (رج مت 17:4؛ لو 9 :33)؛ 11 :21؛ 14 :21-23؛ مت 26:49؛ يو 1 :38، 49؛ 3 :2 تحتفظ باللقب الآرامي : رابي أو رابوني. لا شكّ في أنّ التلاميذ والمعاصرين أعطوا يسوع لقب "رابي". هذا هو اللقب المعطى للرابينيّين والأشخاص المهمّين. وفي نظر التلاميذ كان يسوع السيّد والمعلّم (مر 11:3؛ لو 19 :31؛ 22 :11). "معلّم" "سيّد" (مت 23:8، 10). ولكنّه كان أيضاً مسيح الله (مت 16:16؛ مر 8:29؛ لو 9 :20). وكان الرسل ينتظرون أن يشاركوه في سلطانه (مر 10:36؛ مت 20:21). هذا هو معنى اللقب في مت 21:3؛ مر 11:3؛ لو 19 :31 وبطريقة أوضح أيضاً في لو 1 :42؛ 2 :11؛ أع 2 : 36.
إنّ كرامة يسوع الملوكيّة تفوّقت على كرامة داود الذي عرف أنّ المسيح هو ربّه (مت 22 :44 ب وز؛ رج مز 110 :1) لأنّ سلطان الله الملوكي ظهر في يسوع (مت 12:28؛ لو 11 :20). ولكن يسوع لم يدخل في مجده إلاّ بموته وقيامته (لو 24 :26؛ عب 2:9؛ 1بط 1:11). عند ذلك دخل في الممارسة الكاملة لسلطانه الملوكيّ وربوبيّته. إنّ الله أقام يسوع المصلوب مسيحًا كالربّ وكديّان الأحياء والأموات (يو 5 :22؛ أع 2؛ 36؛ 10 :41). وأعطاه كلّ سلطان ورفعه (مت 28:18؛ مر 16:19؛ (أع 2:33؛ أع 5:31؛ 7 :55؛ أف 1 :20-21؛ رج مت 26 :64). منذ ذلك الوقت يشارك يسوع الله في سلطانه الملوكي نفسه. والتلاميذ ينتظرون سيّدهم مثل خدّام المثَل ((مت 24:42-51؛ مت 25:14-30؛ مر 13:33-37؛ لو 12:35-28) ويطلبون مجيئه بعبارة مارناتا (تعال يا ربنا : 1كور 16 :22؛ رؤ 22:20). أخذ بولس هذا الدعاء من جماعة أورشليم المسيحيّة كما أخذ عبارة "إخوة الربّ" (1كور 9 :5؛ رج غل 1 :19). هذا هو أصل عبارة "ربنا يسوع المسيح" حيث نحتفظ بالمعنى الأوّل لكلمة ربّ فندلّ على سلطان المسيح الممجّد وسيادته. كلّ هذه النصوص تدلّ على أنّ المسيح الممجّد كان يحيَّى في جماعة أورشليم كالرب.
وفي هذا المعنى عينه يسمّي بولس يسوع الربّ. إنّ المسيح مات وقام ليكون ربّ الأموات والأحياء (رو 14 :9). إنّه رأس كل رئاسة وكلّ سلطان (كو 2 :10؛ رج أف 1 :20-22). كل شيء خضع له (1كور 15 :28؛ اف 1 :29؛ عب 2:5-8؛ رج مز 8 :6). إنّه الربّ الذي يأمر ويقبل (1كور 14 :37؛ 16 :7) الذي هو سيّد حياة عبيده (رو 14:4-8) الربّ الذي يفتخرون بخدمته (رو 14 :18؛ 1كور 7 :22؛ كو 3 :22) والذي سيدينهم (1كور 4 :4؛ 1تس 4:6؛ 2تس 1 :9...). صار "عبد يسوع المسيح" لقب شرف (رو 1 :1؛ يع 1 :1؛ 2بط 1:21)، كما أنه في البلاط الملكيّ يدّل على لقب "خادم الملك" (2صم 15:34؛ 16 :6...) على موظّف رفيع. في نظر بولس إن سبب تمجيد المسيح هو طاعته الكاملة حتى الموت (فل 2 :9-11). في هذا الوقت أعطى الله يسوع المسيح اسمًا هو اسم الربّ. فالذي ينال الاسم ينال أيضاً الكرامة التي توافق الاسم. إذًا نال المسيح السلطان المطلق الذي أمامه تنحني كلّ ركبة كما أمام سلطان الله المطلق (رج آش 45 :23). فالمسيح الممجّد يشارك الله في سلطانه المطلق وقدرته. بحيث يقدر بولس أن يقول إنّ يسوع جُعل بقيامته ابن الله (رو 1 :4). لهذا يطبّق العهد الجديد على المسيح نصوصًا يسمّى فيها يهوه الربّ (ق مر 1:2 وإش 40 :3؛ ق رو 10 :13 ويوء 3 :5؛ ق 1كور 10 :9 ومز 95 :8؛ ق 1بط 2:3 ومز 34 :9؛ ق 1بط 3:14-15 وإش 8 :12-13...).
بهذه الصورة ينال لقبُ الربّ المنطبق على المسيح مدلولاً لاهوتيًّا. لا لأنّه يعبّر عن طبيعة المسيح (تيوس = الله) بطريقة مباشرة، بل لأنّه ينسب إلى المسيح سلطان الله المطلق. ولكي يكون الإنسان مسيحيًّا، عليه أن يعترف أنّ يسوع هو الربّ (1كور 12 :3؛ رج 1يو 4 :1-3). وهذا الاعتراف لا يتمّ إلاّ بتأثير الروح القدس (1كور 12 :3). ولكن المسيحيّ يعترف برب واحد : يسوع المسيح الوسيط الوحيد في عمل الخلق وفي فدائنا (كو 1؛ 16، يو 1 :3). كما يعترف بإله واحد، الآب، المبدأ الوحيد والنهاية لكلّ الكائنات المخلوقة (1كور 8 :6). إذًا يرذل بولس الالهة العديدين والأرباب العديدين لدى الوثنيّين. بهذه الكلمات يعبّر عن اشمئزازه من العبادات التي بها يكرّم الوثنيّون الآلهة وأسياد السماء والإمبراطور الذي يُعبد كربّ على الأرض. كانت نتيجة هذا الموقف صراعًا مع السلطات الرومانيّة التي حاولت أن تفرض على المسيحيّين أن يقرّوا بسلطان الإمبراطور الإلهي.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|