1) العهد القديم. في اليونانية، إلبيس : هي انتظار السعادة وتخوّف من الشقاء. في العبرية تدل "ت ق و هـ " دومًا على انتظار الخير. فالرجاء يلعب في الحياة الدينيّة دورًا هامًا لدى شعب الله كما لدى الأفراد، لأن ديانة العهد القديم ترتكز على عهد يتضمّن الوعد. لهذا، فالرجاء في التوراة هو بشكل عام انتظار مليء بالثقة، بحماية الرب وبركته، وهي ثقة تكلفها مواعيد العهد. إذن، يرتبط الرجاء ارتباطًا وثيقًا بالايمان ويتوازى معه (مز 78:22).
إن الموضوع الرئيسي في الرجاء حتى احتلال كنعان، هو أرض الموعد (تك 15 :7؛ 17 :8؛ (خر 3:8؛ خر 6:4؛ تث 1:8). بعد ذلك، وبقدر ما كانت الاخطار تهدّد وجود الشعب في أرضه، صار الرجاء طلبًا لحماية الربّ. كانوا ينتظرون من يوم الربّ النجاة النهائيّة من كل شرّ وبداية عهد من السعادة والازدهار. وقد حارب الأنبياء هذا الرجاء المتهوّر : يستحقّ اسرائيل، بسبب خطاياه، لعنة يهوه لا بركته. وبازاء هذا التهديد بالعقاب الالهيّ، نما في الشعب أمل نجاة وقيامة اسرائيل أو أقله بقية اسرائيل. بعد دمار مملكة اسرائيل ومملكة يهوذا، وصل الرجاء إلى الذروة مع إرميا (31 :31-34؛ 32 :38-39) وحزقيال (16 :59-63؛ 36 :25-29) وإشعيا الثاني (55 :3؛ 59 :8؛ (6 :8). قدّم هؤلاء الأنبياء إعادة بناء الشعب كعهد جديد وتدشين نهائي لملك يهوه على اسرائيل وعلى العالم. ولهذا نال رجاء اسرائيل طابعًا اسكاتولوجيًا.
هكذا تطوّر مفهوم الرجاء في اسرائيل. فما هو لاهوت هذا الرجاء؟ الحياة في نظر الانسان تقوم في الأمل والرجاء. فإن غاب الرجاء غاب كل شيء (جا 9:4؛ مرا 3:18؛ أي 6 :11؛ 7 :6). عند ذاك نشبه ميتًا لم يَعُد له أمل بالحياة (إش 38:18؛ حز 37:11؛ أي 17 :15). فالانسان النقيّ له مستقبل ورجاء (أم 23:18؛ 24 :14)، له أمل لا يخيب لأنه يرتكز على الله ((مز 25:2؛ مز 28:7؛ 31 :7؛ 119 :116). وهو يستطيع أن يدعو الله "رجاءه" (إر 17:7؛ مز 61:4؛ 71 :5). إن الرجاء يستبعد القلق، ولكنه يترافق مع مخافة الله ((إش 7:4؛ إش 12:2؛ 32 :11؛ (مز 33:18؛ مز 40:4؛ 46 :3؛ أم 23:17؛ 28 :1). والانسان التقيّ حين يكون فقيرًا أو متضايقًا، يرجو بثقة كبيرة بأن ينال حماية الله وعونه (مز 13:6؛ 33 :18، 22؛ 119 :81، 123)، وأن يعود إليه حقّه (مز 9:19؛ 10 :17-18؛ 12 :6، 8؛ 72 :2، 4؛ 94 :15). والخاطئ التائب يرجو أن ينال غفران خطاياه (مز 5:9؛ 103 :1-8). ويتّخذ رجاؤه بعض المرات طابعًا اسكاتولوجيًا (إش 51:5؛ إر 29:11؛ (مز 16:10-11؛ مز 17:15؛ 75 :5-8). وهذا يُصبح واضحًا في العالم اليهوديّ اللاحق. فالحكيم، أي الانسان التقي، يرجو الخلود (حك 3 :4) وقيامة الجسد (2حك 7 :11، 14، 20) والخلاص لدى الله (4مك 11 :7). أما الخاطئ، فلا رجاء له (حك 3 :18)، وإن كان من رجاء فهو باطل وغشّاش (حك 3 :11؛ 5 :14؛ 16 :29؛ 2مك 7 :34).
2) العهد الجديد. تظهر اللفظة "إلبيس" مرارًا في العهد الجديد مع محتوى لاهوتي في الرسائل البولسيّة، في عب، 1بط، أع، 1يو، لا في الأناجيل ولا في رؤ. وفعل "أمل" (البيزاين) يرد في الأصل مع محتوى لاهوتيّ.
أولاً : الأناجيل الإزائية. لا تعليم واضحًا في الأناجيل الازائيّة عن الرجاء. غير أن تعليم يسوع هو تعليم مليء بالرجاء : فالانجيل الذي هو الخبر الصالح عن الخلاص الذي حمله يسوع وحقّقه، هو كرازة ملكوت الله المقبل، وهو ملكوت في جوهره اسكاتولوجيّ، مع أنه حاضر منذ الآن وفاعل في شخص يسوع (مت 12 :28 زو؛ لو 7 :28؛ 16 :16). فالمساكين والمتواضعون والمضايقون الذين يضعون رجاءهم في الله وحده (مز 10:10، 18؛ 12 :6، 8؛ 18 :3)، يعدهم يسوع بامتلاك خيرات الخلاص من ملكوت الله (مت 5:3-13؛ لو 6:21-26). فالتطويبات تعدهم بتحقيق مقبل لرجائهم. إن المسيح جاء يلبّي رجاء ويخيّب آخر. لبّى انتظار سمعان الشيخ الذي أكّد له الروح بأنه لا يموت قبل أن يرى المسيح المنتظر (لو 2 :26-32)، الذي تماهى في نظر التلاميذ الاولين مع الماسيا الذي وعد به موسى (يو 1 :45)، فعرفوه كذلك مع أنه ما أراد أن يعلنه الرسل (مر 8:29-30). غير أن الرجاء الذي جاء يلبّيه يختلف عن انتظار عدد كبير من معاصريه الذين لا يحتملون بصبر نير الوثنيين، ويتوقون إلى الخلاص من هذا النير. لهذا طُرح سؤال حول الجزية التي تُدفع أو لا تُدفع لقيصر (مر 12:13-14). كما طُرح سؤال عن انتظار الرسل في ساعة الصعود، حول زمن إقامة الملك في اسرائيل (أع 1:6).
ثانيًا : الرسائل البولسيّة. صوّر بولس الرسول في رو 8 :24-25 الرجاء كانتظار واثق وصابر لما لا يُرى (رج عب 11 :21)، لأشياء غير منظورة، لأنها تنتمي إلى المستقبل، ولأنها تتعدّى عالم المحسوس (2كور 4 :18). الرجاء هو انتظار وثقة وصبر. هذه المواقف الثلاثة لا تنفصل أبدًا، مع أن بولس يشدّد بالاحرى على الثقة تارة (1كور 15 :19؛ 2كو(ر 1:10؛ ر 3:12؛ فل 1 :20؛ عب 3:6)، وطورًا على الانتظار والصبر (رو 5 :4-5؛ 15 :4؛ 1تس 1:3؛ 5 :8). في العهد الجديد، يفترق الرجاء عمّا في العهد القديم لأنه يستند إلى الفداء الذي حقّقه المسيح. فالمسيحي الذي هو (أو : يحيا) في الروح (روم 5 :5؛ 8 :9)، يمتلك منذ الآن خيرات الخلاص : الفداء من عبودية البدن (اللحم والدم) والخطيئة (رو 8:2-3)، البنوّة الالهيّة والحقّ بالميراث (روم 8 :14-17؛ غل 4 :7)، التبرير الذي يحمل الحياة والمجد (رو 5 :9، 17-18؛ 8 :30؛ 2كور 3 :18)، الروح الذي يعطي الحياة الأبدية ويكفل قيامة الجسد (رو 8 :6، 8، 11، 21-22؛ غل 6 :8)، عربون الميراث الالهيّ في المجد الأبديّ (رو 8 :17-18؛ 2كو(ر 1:22؛ ر 3:18؛ 5 :5؛ أف 1:13-14).
إذن، يستند رجاء المسيحيّ إلى امتلاك الخيرات التي تخصّ ملكوت الله، والتي هي حاضرة ومقبلة، شأنها شأن هذا الملكوت. فهو "مخلّص في الرجاء" (رو 8 :24)، وهو ينتظر من المستقبل ملء وحي البنوّة الالهيّة والمجد (رو 5 :2؛ 8 :18-19؛ 2كور 4 :17؛ غل 5 :5). لهذا يضع المسيحيّ رجاءه في ملكوت الله (1كور 6 :9-10 :15؛ غل 5 :21)، في مجيء المسيح (1كور 1 :7؛ فل 3 :20؛ 1تس 1:3، 10؛ عب 9:28 : يع 5 :7-8)، في القيامة (1تس 4:13-14)، في الحياة الأبديّة (تي 1 :2؛ 3 :7)، في المشاركة في مجد المسيح (رو 8 :17؛ 2كور 3 :18؛ فل 3 :20)، وفي جميع خيرات الخلاص التي أعلنها الانجيل والتي تُنتظر في السماء (عب 6:18-19؛ 1بط 1:21). إذن موضوع الرجاء هو الله ذاته (1بط 1:21؛ 1تم 4:10) الذي هو أمين لمواعيده (1كور 1 :9؛ 1تس 5:24). هو يرتبط بالمسيح الذي هو رجاء المسيحيّ (1تم 1:1) ورجاء مجده الأبديّ (كو 1 :27). لهذا، مثلُ هذا الرجاء لا يخيّب المؤمن، بل يصير ينبوع فرح ويقين ومجد (رو 5 :2، 5؛ 2كور 3 :12؛ 11 :7)؛ عب 3:6). مع الايمان والمحبّة اللذين بهما يرتبط الرجاء ارتباطًا وثيقًا (1كور 13 :13؛ كو 1 :4-5؛ 1تس 1:4؛ 5 :8)، يكون الرجاء كل حياة المسيحيّ الباطنيّة (رو 15 :13). بهذه العلامة يتميّز المسيحي عن الذين لا رجاء لهم، عن الوثنيين (أف 2 :12؛ 1تس 4:13؛ 1بط 3:15).
ثالثًا : الكتابات اليوحناوية. لا تذكر الكتابات اليوحناويّة الرجاء سوى مرة واحدة (1يو 3 :3) : فهي تشدّد بالأحرى على الامتلاك الحاليّ للحياة الأبديّة، التي تتمّ في المؤمن بالايمان فتنقله من الموت إلى الحياة (يو 3 :15-16، 18؛ 5 :24؛ 8 :51؛ 11 :25-26؛ 1يو 3 :14). ولكن بما أن الحياة الأبديّة تُعطى لكل انسان، يبقى عليه أن يقوم في اليوم الأخير (يو 5 :28-29؛ 6 :39-40، 54). ومع أن المؤمن هو منذ الآن ابن الله، فلم يظهر بعد ما هو عليه الآن. عندئذ يصبح شبيهًا بالله الذي سيشاهده (هذا المؤمن) كما هو (يو 1 :12؛ 1يو 3 :1-3؛ رج 2كور 3 :18؛ فل 3 :21؛ كو 3 :24). إذن، ليس الرجاء غائبًا من الكتابات اليوحناويّة، بل هو أساس التنقية التي يمرّ فيها المؤمن إذا أراد أن يكون طاهرًا مثل الله.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|