مقدمة : متى تكوّنت الامبراطورية الرومانية؟ أقام الناس في موقع رومة منذ القرن 8. ودليلنا إلى ذلك البيوت التي وُجدت على جبل بلاتينوس. أقامت فيها مجموعات لاتينيّة وسابينيّة على مختلف التلال، فخضعت للاتروسكيين الذين قاموا بأعمال كبيرة في ما سيصبح مدينة في القرن 6. بعد إلغاء المملكة الإتروسكية، عرف الرومان حقبة من المراوحة. غير أن الحروب المتواصلة ضد جيرانهم، أتاحت لهم أن يضمّوا إيطالية كلها إلى حكمهم سنة 272 ق.م. وكانت الحرب الفونيقيّة أولى الحروب عبر البحر : كورسيكة، سردينية، صقلية، اسبانية، افريقية، وذلك من سنة 241 حتى سنة 146 ق.م. وفي الوقت عينه، تدخّل الرومان مع رودس وبرغامس، فوصلوا إلى الشرق (1مك 8:1-11). وسنة 189، مُني انطيوخس بهزيمة حاسمة أجبرته على دفع جزية باهظة. ثم احتلت رومة مكدونية، وأخائية وآسية. وبثينية والبنطس وكيليكية وسورية وكريت وقيريني، ومصر. وفي نهاية القرن الأول ق.م.، كانت رومة على رأس امبراطورية امتدت من انكلترا إلى الفرات، ومن نهر الرين إلى افريقية.
(أ) تذكر التوراة العبريّة الرومانيّين، باسم كتيم (دا 11:30). ولكن السبعينيّة واللاتينيّة ترجمت كتيم : الرومانيّين. حين سمع اليهود للمرّة الأولى حديثًا عن فتوحات الرومانيّين (1مك 1 :10؛ 7 :1 : رهائن في رومة)، أثّرت فيهم القوّة الجديدة (1مك 8:1-6)، فحاول المكابيّون أن يجدوا فيهم حلفاء يدافعون عنهم ضدّ تسلّط السلوقيّين. ولكنّنا نشكّ في القول إنّ الرومانيّين اتّخذوا مبادرة هذه المعاهدة (2مك 11:34-38). يجب أن نقول إنّ يهوذا (1مك 8:17-32) ويوناثان (1مك 12 :1-4، 16) وسمعان (1مك 14:16-24) سعوا إلى هذه المعاهدة التي لم تُعقد إلاّ في أيام يوحنا هرقانوس الأوّل، والتي كان من بنودها أن يوضع يهود الشتات تحت حماية الرومانيّين (1مك 15:15-24). ولكن ما عتّمت صداقة رومة أن صارت تبعيّة. فحين تخاصم الأخوان هرقانوس الثاني وأرسطوبولس الثاني حول العرش ورئاسة الكهنوت، حمل الموفد الرومانيّ سكاوروس قضيّتهما إلى رومة (65 ق.م.)، ثمّ إلى بومبيوس (63 ق.م.). فاستفاد بومبيوس من الظرف، واحتلّ أورشليم، ونظّم سلطة رومة على اليهوديّة. وفي سنة 40 اعترف الرومانيّون بالملك هيرودس الأول ابن انتيباتر ملكًا على اليهوديّة. وبعد موته (4 ق.م.) قُسّمت مملكته بين أبنائه الثلاثة. ولم تمضِ عشر سنوات حتى عُزل ارخيلاوس (6 ب.م.)، وحكم اليهوديّة والٍ رومانيّ. وكان أيضاً ملك آخر هو هيرودس أغريباس الأوّل (41-44). ولكن بعد موته دخلت البلاد في الإدارة الرومانيّة، وحكمها والٍ روماني.
(ب) اليهود في رومة. بعد احتلال رومة (63 ق.م.) أرسل بومبيوس عددًا من اليهود كأسرى حرب إلى رومة. بعضهم أخليَ سبيله، والبعض الآخر لبث في رومة حيث التقوا أبناء جنسهم. وإذ كان شيشرون يدافع عن فاليريوس (59 ق.م.)، قال إنّ عليه أن يكون حذرًا في أقواله لئلاّ يشعل الثورة لدى اليهود. ويُذكر أنّه خلال قنصليّة فلاكوس (62 ق.م. )، كان اليهود يرسلون الذهب كلّ سنة من إيطالية إلى أورشليم. أقام اليهود في الحيّ الذي وراء نهر التيبريس. وكان يوليوس قيصر راضيًا عنهم، لأنهم كانوا قد ساعدوه. وحين أزيلت التجمّعات التي لم تستطع أن تبرّر وجودها، سُمح لليهود أن ينتظموا في جماعة منفصلة. وهكذا نعم اليهود والديانة اليهوديّة بوضع شرعيّ في رومة، وكان الإمبراطور أوغسطس راضيًا عنهم. كانت الجالية كبيرة : انضمّ 8000 يهوديّ من رومة إلى موفدي اليهوديّة المطالبين بإلغاء وصيّة هيرودس الأوّل. في أيام طيباريوس (14-37 ب.م.)، طُرد اليهود من رومة على أثر فضيحة ماليّة، ولكن طيباريوس نفسه طلب في سنة 31 أن لا يتعرّض أحد من بعد لليهود. لم يترك اليهود كلّهم رومة، والذين تركوها، ذهبوا إلى الجوار بحيث إنّهم عادوا بأعداد كثيرة عند أوّل إشارة. ونلاحظ الأمر عينه في أيام كلوديوس (41-54). بدأ فألغى امتيازاتهم، ثمّ طردهم (أع 18:2). وحين جاء بولس إلى رومة حوالي سنة 61، حاول أن يردّهم إلى الإنجيل (أع 28:17). يبيّن أع 28:21 أنّ العلاقات كانت متواصلة بين يهود رومة وأورشليم.
(ج) احتفظ لنا التقليد ببعض المعطيات عن جذور الجماعة المسيحيّة في رومة. قال إن بطرس وبولس أسّسا جماعة رومة. ولكن من الممكن أن يكون المستوطنون الرومانيّون (يهود، متقو الله) قد بشّروا أوّلاً في رومة (سمعوا خطبة بطرس يوم العنصرة في أورشليم، أع 2 :10،14). نمت الجماعة المسيحيّة بسرعة (رو 1 :8، 15 :14) بفضل شخصيّة بطرس وبولس. بعد قرار كلوديوس (49-50) لم يبق في رومة إلاّ الوثنيّون المهتدون. وهذا الواقع كرّس القطيعة مع العالم اليهوديّ بحيث إنّ المهتدين من الوثنيّة شكّلوا أكثريّة الجماعة. لهذا، حين وصل بولس إلى رومة (حوالي 60)، لم يجد رؤساء اليهود في المسيحيّة إلاّ شيعة تقاوَم في كلّ مكان (أع 28:22). لم ينجح بولس كثيرًا مع اليهود الذين أقاموا في رومة. منذ ذلك الوقت بدأ العداء بين المجمع والجماعة المسيحيّة. لم تُعتبر المسيحيّةُ شيعة يهوديّة، فصارت خارج الشرعيّة. سنة 58 نوى بولس أن يزور جماعة رومة (أع 19:21)، ولكنّه جاء بعد ذلك كسجين (أع 28:14؛ رج 23:11). وكان قد كتب إلى الجماعة رسالة هي الرسالة إلى أهل رومة.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|