أوّلاً : المضمون
(أ) هناك ثلاث نبوءات مؤرّخة.
1) الأولى (1 :1-6) مؤرّخة في الشهر 8 من السنة 2 لداريوس (سقط اليوم). تدعو إلى التوبة وتعد الشعب بأن الربّ سيعود إليهم.
2) الثانية (1 :7-6 :8) مؤرّخة في اليوم 24 من الشهر 11 من السنة 2 لداريوس ومدوّنة في لغة المتكلّم. أراد النبيّ أن يشجّع الشعب، فأورد ثماني رؤى ليليّة : الفرسان الأربعة (1 :7-15)، القرون الأربعة (2 :1-4)، رجل مع حبل مساحة (2 :5-9)، تنقية يشوع رئيس الكهنة (3 :1-6)، منارة الذهب (4 :1-6أ، 10ب-14)، اللفيفة (الدرج) الطائرة (5 :1-4)، المرأة في القفّة (5 :5-11)، مركبات الحرب الأربع (6 :1-8). وترتبط بالرؤى بعضُ الأقوال النبويّة : 1 :16-17؛ 2 :10-17؛ 3 :8-10؛ 4 :6ب-10أ.
3) الثالثة (7 :1-8 :23) مؤرّخة في اليوم 4 من الشهر 9 من السنة 4 لداريوس. تجيب إلى سؤال : هل يجب أن يُعمل أيضاً بصوم الشهر الخامس (ذكرى حريق الهيكل رج 2مل 25 :8)؟ يحيط بالجواب الحصري على السؤال (8 :18 ي) أقوال الربّ، وبينها قول غير مؤرّخ موجّه "اليّ" (7 :4-8 :1).
(ب) ثلاثة أقوال غير مؤرّخة وذات طابع اسكاتولوجي. الأوّل (9 :1-11 :3) شعريّ. يصوّر مجيء ملكوت يهوه، وهذا المجيء يرافقه دمار قوى الأرض وتجمّع الشعب المشتّت. الثاني (11 :14-17 و 13 :7-11) نثري. يقدّم مثل الراعي. احتقر القطيعُ الراعي الصالح فانسحب الراعي. ثمّ جاء الراعي الرديء. وإن موت الراعي الصالح يدشّن عمل التطهير المضني. الثالث (12 :1-14 :21) نثري أيضاً، يصوّر مرّتين الهجوم على أورشليم. في ف 12-13 يجدّد الربّ الهجوم، وتندب المدينةُ ذاك الذي طعنوه، ثمّ تطهّر من خطيئتها. في ف 14 نقرأ ستّة أقوال (وكلّ قول يبدأ بهذه العبارة : في ذلك اليوم) تتكلّم عن احتلال المدينة (آ1-5)، عن تحوّل يهوذا (آ6-1)، عن مصير الوثنيّين (آ12-15)، عن مملكة يهوه (آ16-21).
ثانيًا : كاتب زك.
لا يشكّ أحد من الشرّاح في صحّة القسم الأوّل (1 :1-8 :23). إنّه تقرير مؤرّخ عن اختبارات زكريا النبويّة مع أقوال يهوه (1 16-17؛ 2 :10-17؛ 3 :8-10؛ 4 :6ب-10) وأقوال نبويّة (6 :9-15؛ 7 :4-8 :1؛ 8 :2-17، 20-23). وشكّ الشرّاح في صحّة القسم الثاني (ف 9-14) : لا عناوين في هذا القسم ولا تاريخ. وهو يتضمّن عناصر مأخوذة من أنبياء سبقوه. في القسم الأوّل، كلّ شيء يتركّز على إعادة البناء. التدشين هو بداية الخلاص. زربابل يجسّد الانتظار المسيحانيّ. أمّا القسم الثاني، فلا يتكلّم عن إعادة بناء الهيكل، بل يعلن عن تيوقراطيّة مباشرة وملك عتيد لا يُذكر اسمه. من المرجح أنّ كاتب ف 9-14 ليس كاتب ف 1-8. ولكن يختلف الشرّاح في التعرّف إلى زكريا الثاني.
ثالثًا : التعليم.
(أ) في القسم الأول (ف 1-8). يركّز الكاتب انتباهه على إعادة بناء الهيكل الذي هو أساس الانتظار المسيحاني. أثّر فيه عاملان : نبوءات قديمة ولاسيّما نبوءة حزقيال، وخدمة معاصره النبي حجاي. استعاد زكريا من الأنبياء الذين سبقوه الدعوة إلى التوبة. والتجديد الأخلاقي الذي هو شرط جوهريّ لتحقيق الخلاص المسيحانيّ هو مهمّ إلى درجة يجعل الشعب يستغني طوعًا عن أيام الصوم والتوبة. ويضمّ إلى الكرازة الاخلاقيّة موضوع حجاي الذي هو الخلاص القريب. فيرى بداياته في عودة المنفيّين وفي قصدهم أن يعيدوا بناء الهيكل. لن يتحقّق الخلاص إلاّ حين ينتهي العملُ في الهيكل. حينئذٍ يدخل الله في مسكنه ليُظهر قدرتَه من هناك على العالم كلّه. يختلف زكريا عن حجاي، فينسب الكرامة المسيحانيّة إلى رئيسين : واحد روحيّ وآخر عوامي. ويبدو أنّه أخذ هذه الفكرة من حزقيال، كما أخذ منه فكرة التشديد على تسامي الله. فالله الخفيّ لا يدركه إلاّ الملائكة : إنّهم الوسطاء الذين يحملون صلاة البشر إلى أمام وجهه، ويخبرونه بما يحدث على الأرض. كما ينقلون إلى البشر (وبالتالي إلى زكريا) وحي الله. مثل هذه المسافة بين الله والبشر عملت على إضعاف أهميّة النبوءة.
(ب) القسم الثاني (ف 9-14). يرسم زمن الخلاص الاسكاتولوجيّ، ويشدّد على عدم جدوى النبوءة. بما أنه لن يعود نبيّ في أيام الخلاص (حلّت محلّه الشريعة السامية)، يكتفي زك بأن يردّد أقوال الأنبياء الذين سبقوه. وتطوّرت صورة المسيح : إنّه المحامي عن المعذّبين. ثمّ إن خطيئة أورشليم ستُمحى بسبب صدقها في بكائها على مقتل رئيسها (12 :10).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|