أو شبأ يربط التقليد الكهنوتي سبأ بحام عبر كوش (تك 10 1أخ 1 :9). ويربطه التقليد اليهوهي، إما بسام عبر يقطان (تك 10 :28 1أخ 1 :22). وإما بابراهيم عبر يقشان (تك 25 :3 1أخ 1 :32). أما السبأيون (يوء 4 :8؛ رج أي 1 :15 حز 27:22-32؛ 38 :13). فهم شعب من التجّار، عاشوا في جنوبي الجزيرة العربية المشهورة بذهبها وحجارتها الكريمة (مز 72 :10،15) وعطورها وبخورها (إش 60:6؛ إر 6:20؛ حز 27:22-24). عرفت ملكة سبأ بحكمة سليمان المشهورة فجاءت إلى أورشليم تسأله، وحملت معها غنى بلادها وعقدت معه اتفاقات تجارية (1مل 10 :1-132أخ 9 :1-12). تُذكر على أنها في العهد الجديد ملكة اليمن أو ملكة الجنوب. هي وثنية أصغت بانتباه إلى أقوال سليمان، وهذا ما لم يفعله معاصرو يسوع ليسمعوا حكمة المسيح (مت 12 :42 لو 11 :31).
السبأيون في أي 1 :15 هم بدو أعتادوا السلب والنهب. هي "ش ب ا" في العبريّة والعربي الجنوبي. "س ب ا" في الأكادي. وكذلك في العالم اليوناني والروماني. هي أهم مملكة قديمة في جنوب الجزيرة العربيّة، وقد دخلت تاريخَ الشرق الأوسط في القرن 8 ق.م.
بعد أن ذكرنا ما يقوله الكتاب المقدّس عنها، وقبل أن نعود إلى التاريخ، نعرف أنّ سبأ اشتهرت بتجارة الأطايب. قابلت منطقة سبأ الأولى وديانُ اليمن الشمالي وهضابه، في منطقة صنعاء الحاليّة. وقد اتّصلت هذه المملكة بـ "الهلال الخصيب" منذ القرن 8 ق.م. فقد وصلت قوافلها في ذلك الوقت إلى شرقيّ الأردن، الذي يبعد 2000 كلم عن مأرب، عاصمة سبأ القديمة. كانت المسيرة تطلب من القافلة ستة أسابيع أو شهرين، لأنّ المحطّات الحاليّة للقوافل تتراوح بين 45 و 50 كلم. أما أصل هذه التجارة فيعود إلى الألف الثاني، لأنّ البخور والمرّ اللذين تنتجهما بشكل خاص الجزيرةُ العربيّة الجنوبيّة، تشهد لهما أوغاريت منذ القرن 13. كما وُجدت اوستراكات تحمل كتابة عربيّة جنوبيّة في كامد اللوز، في طبقة أركيولوجيّة تعود إلى القرن 13. غير أنّنا نجهل ذاك الوسيط في العلاقات بين سبأ والشرق الأوسط.
أمّا العلاقات التجاريّة بين الجنوب العربي وأورشليم فيعود أقلّه إلى القرن 7 ق.م. فقد وُجدت ثلاث أوستراكات (مع حروف العربيّة الجنوبيّة) في مدينة داود، وعادت إلى القرن 7. كما وُجد في بيت ايل ختم جنوبي عربي يعود إلى العصر نفسه. قد يكون مز 72 قد دوّن في ذلك الوقت، وهو مزمور ملكيّ يشير إلى هدايا "ملوك سبأ" (مز 72:10، 15). وزيارة ملكة سبأ في 1مل 10 :1-10، 13؛ 2أخ 9:1-9، 12، تندرج اندراجًا تامًّا في معرفتنا حول عرابية القديمة في القرن 7 ق.م. وتُذكر العلاقات التجاريّة بين سبأ وصور في تلك الحقبة، في حز 27:22-23 (رج حز 38 :13). يورد حز 27:22 بين المنتجات الآتية من سبأ "وبأفضل أنواع الطيب". فهذه الأصناف الكماليّة، ولا سيّمَا البخور، قد اشتهرت بها عرابية الجنوبيّة. لهذا، جُعل السبأيون في نسل يقطان (تك 10 :28؛ 1أخ 1:22) أو يقشان (تك 25 :1-2؛ 1أخ 1:32) مع اسم "قطورة" الذي يعني في الأراميّة "بخور" (رج قتر في العربيّة). ثمّ إن خبر زيارة ملكة سبأ يشدّد على ثلاث دفعات، على أنّ الجمال كانت محمّلة بالأطياب (1مل 10 :2، 10؛ 2أخ 9:2، 9). وحسب إر 6:20، يأتي البخور من شبا. وحسب إش 60:6، حمل "السبأيون" الذهب والبخور. وذكر أي 6 :19 "ركبان سبأ".
لا شكّ في أنّ السبأيّين مارسوا بعض المرّات السلب والنهب (أي 1 :15). ولكن يبدو أن ما يميّزهم هو تجارة المقايضة. لهذا، حملت ملكة سبأ معها "كل ما كانت تبتغيه" (1مل 10 :13؛ 2أخ 9:12). ونشير إلى أنّ الأطياب هي في المكانة الأولى بين الهدايا التي حملها السبأيون إلى ملوك أشورية.
وماذا يقول التاريخ عن سبأ، هذه المملكة العريقة؟ سنة 733، تسلّم الملك الأشوريّ، تغلت فلاسر، للمرّة الأولى، علامة الخضوع من أعضاء قافلة سبأية. سبقت أسماءَ سائر القبائل العربيّة المذكورة إشاراتٌ إلى اسم مكان. أمّا قبيلة سبأ فسبقها "رجل". هذا يعني أننا أمام مجموعة متجوّلة أو قافلة. سنة 716 ذكر سرجون الثاني "ييطا عماره" من أرض سبأ. وتحدّث سنحاريب عن هدايا كريبئيل، ملك سبأ. نحن هنا أمام اسميَ ملكين نقرأهما في مدوَّنات عرابية الجنوبيّة، مع لقب سبأي : مكرِّب. حين نقرأ أوستراكات كامد اللوز، لا نعود بالمدوّنات السبأية إلى القرن الخامس، كما قال بعضهم. فالنصوص السبأية المعروفة اليوم (قرابة 3000 نصّ) تعود بنا إلى القرن 8-7. ولكن لم تعد تذكر النصوص البيبليّة مملكة سبأ بعد القرن السادس، ولا النصوص البابليّة الحديثة. فيبدو أنّ "طريق الأطياب" قد تسلّمتها مملكة أخرى. هي مملكة معن الواقعة شماليّ غربيّ سبأ، والتي كوّنت في نهاية القرن الرابع مستوطنة في العبلة (ددان البيبليّة) لتأمين الطريق حتى غزّة عبر النقب (1أخ 4:41). كانت قمّة ازدهار بني معن في القرن 3 ق.م.، فحملوا البخور حتى مصر وجزيرة ديلوس اليونانيّة. بعد ذلك، سيحلّ محلّهم الانباط الذين ينتمون إلى قيدار.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|