في العبريّة : ارص. وتقابل العربيّة أرض. ثم ا د م هـ وتقابل في العربيّة الأديم أي ما ظهر من الأرض. نقرأ في تث 6:3 : أرض (ارص) تدرّ لبنًا وعسلاً. وفي تث 31:20 : أرض (ا د م هـ) تدرّ لبنًا وعسلاً. اللفظة الأولى تدلّ على واقع كوسمولوجي، والثانية على المادة التي بين يدينا، على التراب الذي يُزرع. في اليونانيّة : "غي".
1) في العهد القديم. ^ أولاً : الأرض خليقة الله. ان الكوسموغونيا البعدمنفاويّة في تك 1 :1-2 :3، تقدّم صورة فيها بعض الغموض عن خلق الأرض (ا ر ص). بادئ ذي بدء تبدو الأرض معارِضة للسماء منذ الخلق الأول، ومشكّلة معها الكون (1 :1). وهي تظهر كأنّها تمتزج، بشكل لا ترتيب فيه ولا نظام (توهو وبوهو) مع غمر المياه (قد يكون هناك مقاربة على مستوى المعنى مع تهوم أو الغمر وتوهوم). ولكن بعد ذلك (تك 1:6-10) تصبح الثنائيّة التي تسكن في الخلق شيئًا آخر : فالأرض تعارض هنا البحار (الاوقيانوس) وسط هذا الاتساع الذي تخرج منه بشكل يابسة (ي ب ش هـ). نحن ضحيّة التباس في لفظة "ارص" التي تمثّل في الحالة الأولى "الكرة الأرضيّة" وفي الحالة الثانية الأرض اليابسة (يون 2 :11) والثابتة (رج مز 146:6 مع الأرض والبحر والسماء). في كوسموغونية تك 2 :5-7 القديمة، تبدو الأرض صحراء قاحلة عقيمة، وعلى حدودها يغرس الله جنّة يجعل الإنسان يعيش فيها. ومهما يكن من أمر، فالأرض، في التقليدين الكهنوتي واليهوهي، قد خلقها الله (تك 1 :1؛ 2 :5) وهو سيّدها المطلق (مز 24:1-24؛ إش 40:22)، كما يعرف حدودها (إش 40:12)، ويستطيع أن يهزّها كما يشاء في زلزال. والأرض بعظمتها (أي 38:4-30) تمجّد الله (مز 66:1-14؛ دا 3:74).
ثانيًا : الأرض أصل الحياة. هناك الإنسان. في تلاعب على الكلمة له معناه (ادمه الأرض. آدم الإنسان)، يذكر تك 2 :7 أن الإنسان خرج من الأرض والطين (هناك من يتحدّث عن ادم أي احمر أو يربط اللفظة بالدم. بما أن الدم هو الحياة، نفهم علاقة الأرض بالإنسان) اللذين يستعملهما الفخاريّ (إش 45:9؛ 1مل 7 :46؛ رج إر 18 :6). في مصر، دلّت كوسموغونية الفنتين (جزيرة الفيلة) على إله برأس كبش (خنوم) يجبل البشر كما يفعل الخزّاف. لهذا فالإنسان الذي أخذ من الأرض، يعود إلى الأرض (أي 1 :21؛ جا 5:14؛ سي 40 :1) التي هي أم البشر التي تخرج منها كل حياة (مز 139:15). وقد يكون هذا السببَ في أن العبرانيّين يجعلون تراب الأرض على رؤوسهم في الحداد (1صم 4:12). هذه النظرة قد ألهمت الليتورجيا في بعض الطوائف، يوم اثنين (أو أربعاء) الرماد : "أذكر يا إنسان أنك تراب وإلى التراب تعود" (رج تك 3 :19).
وهناك الحيوان والنبات. الأرض هي بطبيعتها (تك 8 :12) خصبة ومنتجة، وذلك بإرادة الله. هي تلد حياة النبات (تك 1:11-12) والحيوان (تك 1:24-25). وحتى عصافير "السماء" قد كوّنت من الأرض (تك 2 :19. تذكّر إنجيل توما المنحول هذا النصّ فتحدّث عن يسوع الذي صنع من الطين عصافير وجعل فيها الحياة).
ثالثًا : الأرض منطقة الإنسان. منذ البداية أُوكل بها. فالأرض التي هي ملك الله، قد سلّمت إلى الإنسان لكي يسود عليها (سي 17:1-4) ويسكنها (تك 1:28-30)، لكي يهتمّ بها فيفلحها وينعم بخصبها الفردوسيّ (تك 2 :15). هي أرض الأحياء ((مز 27:13؛ مز 421:6؛ نش 38:11) حيث يتحرّك البشر والحيوانات (لا 11 :41)، وينامون (تك 2 :13)... والتلاحم قويّ جدًّا بحيث إن الأرض تدلّ بعض المرات على سكّانها (تك 6 :11؛ 9 :13؛ إش 34:1؛ تث 32:11). ولكن ضاع التناغم بين الأرض والإنسان بسبب السقطة، بسبب الخطيئة. في الأساس، زالت الأرض تحت حكم المبادئ اللامتبدّلة التي جعلها الله منذ البدء ليدلّ على قدرته (تك 8 :22؛ أي 38 :1ي). ولكن علاقة التناغم التي وُضعت منذ البدء بين الإنسان والأرض قد تشوّهت بسبب الخطيئة الأصليّة. فبعد أن تمرّد الإنسان، طُرد من الجنّة المحيطة بالأرض إلى منطقة تقع في وسط الأرض لا تعرف خصب الجنّة (ق 2 :9؛ 3 :17-18). وصارت الزراعة أجرة الخطيئة، والأرض هزيلة (عد 13:20)، قاحلة (تث 32:10)، مالحة (أي 39 :6)، من حديد (لا 26 :19). صارت محنةً للإنسان، تنتج له الشوك والعوسج (تك 3 :18). وعليها سيتألم قبل أن يعود إليها (حك 15:8-15).
ومع ذلك، فالإنسان يبقى متضامنًا مع الأرض. فجميع أعماله وكل حياته ولغته، قد طُبعت بالأرض (هو 10 :12-13؛ إش 28:23-29). ولكن الأرض صارت في أغلب الأحيان خصم الإنسان. وكبرت نجاسة الأرض ساعة تحوّل الفلاّح قايين إلى قاتل. دنّس الأرض بالدم، فرُذل من الأرض، وأجبر على أن يكون تائهًا شريدًا (تك 4 :12). وقد وصلت لعنة الأرض إلى ذروتها في تك 6-7 ووجدت خاتمة منطقية، وإن لم تكن نهائيّة، في الطوفان الذي هو مسيرة تعارض المسيرة التي نقرأها في تك 1 :7. وتشتّتت الشعوب في أربعة أقطار الأرض (تك 11 :9) التي احتلّها الأفراد (زك 13 :5؛ مز 49:12؛ أي 31 :38) أو الجماعات. وهكذا صارت تلك الأرض ملك أمّة أو قبيلة (تث 34:2) أو مدينة. وهناك منطقة جغرافيّة محدّدة (مز 42:17) صارت أرض إنسان أو عائلة، فأحسّ الأفراد أنّهم في بيتهم (مز 10:30؛ إش 14:17). وحين يبتعدون عنها ويُنفون، يشعرون كأنّهم اقتُلعوا من جذورهم (با 2:30، 32؛ را 1 :1ي). وفي كنعان، أقام الآباء في أرض اعتبروا أنّها قُسمت لهم، ووعدهم بها الله (تك 12 :7). هي أرض تدرّ لبنًا وعسلاً (خر 3:8). سار فيها هؤلاء الآباء ولم يقيموا فيها (تك 17 :8). ولما دُفن فيها ابرهيم، في مغارة المكفيلة، دشّن امتلاك الأرض من أجل أبنائه (تك 23:19-20). هي أرض خصبة (غ 9:25؛ 1مل 14-15) يرتبط امتلاكها بالمحافظة على شريعة الله (تث 7:13؛ زك 8:12-14). هي أرض الله، الأرض المقدّسة (إش 14:2؛ 2أخ 7:20). أرض الموعد التي إليها يعيد الله شعبه (حز 20:42؛ عا 9:15)، التي يعيد إليها خصب الفردوس (إش 30:23)
2) العهد الجديد. يسوع هو أولاً رجل الأرض. على مدّ الأناجيل نرى أن يسوع يعيش حياة حميمة مع الأرض. أمثاله تذكر الحقولَ والزرع والحصاد والكرم والوزنة المخفيّة والحيوان. ومع ذلك، فيسوع لا يتعلّق بالأرض، بل يتجرّد منها. فيسوع هو ربّ الأرض لأنه الله (كو 1 :15-20؛ أف 4 :10). وله ملء السلطان عليها (مت 28:18). لهذا فما هو من الأرض هو صالح ومقدّس، ونحن نخطئ حين نحلف بالأرض التي هي عرش الله (مت 5:35). ومع ذلك، فيسوع قد طلب من سامعيه أن يتجرّدوا من أمور الأرض، أن يتركوا ما يملكون من أجل الملكوت (مر 10:29-30)، ملكوت السماوات (مت 5:3)، الذي هو الملكوت الأول والأخير (مت 6:33)، والهدف هو أن تجد مشيئةُ الله على الأرض الصدى عينه الذي تجده في السماء (مت 6:10). من أجل هذا، على المسيحيّين أن يكونوا ملح الأرض (مت 5:13) وشهود المسيح في كل أقطار العالم (أع 1:8). وما علاقة الأرض بالاسكاتولوجيا المسيحيّة؟ إنّ الأرض في حالتها الحاضرة ستزول (مت 24:37) وتدمَّر (2بط 3:10)، فيحلّ محلّها أرضُ جديدة في إطار سرّ الفداء الذي ينعم به البشر (رؤ 21:1)، يحلّ ملكوت التجديد المسيحاني الذي يتبع المجيء (2بط 3:13) الذي به سوف تساعد الأرض الله لكي يحارب قوى الشرّ (رؤ 12:16).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|