في اليونانية : مستيريون. رج مواين، أغلق فمه. هو طقس خفيّ يتيح للمتدرّجين أن ينالوا الخلاص. يقابل الارامية "راز" (في السريانية : رازا).
1) العهد القديم والعالم اليهودي. لا تظهر اللفظة إلا في كتابات التوراة المتأخّرة (2مك 13 :21؛ سي 22 :22؛ 27 :16، 21؛ حك 6 :22؛ 14 :15، 23؛ طو 12 :7، 11؛ يه 2 :2). نحن في شكل عام أمام معرفة أسرار الطبيعة وأساس الحكمة. في دا 2:19-23، 27-30، 47؛ 4 :9 (حسب تيودسيون) نحن أمام أحلام بها يكشف الله لملك بابل، بواسطة أناس ملهمين، مشاريعه في المستقبل.
في 1 أخن، اتّخذت اللفظة مدلولاً اسكاتولوجيًا : إن الله ينقل أسراره لابن الانسان (49 :2)، بواسطة كائن سماويّ يكشف خططه الموجودة منذ الأزل (9 :6) والمخفيّة في السماء (1 :2؛ 81 :4؛ رج 4 عز 2 :1). وهكذا يستطيع الأبرار أن يعرفوا مصيرهم.
2) العهد الجديد. إن استعمال اللفظة في العهد الجديد يتمّ في خطّ العالم اليهودي بشكل طبيعيّ. فالسرّ هو مشروع الله لخلاص العالم. والمسيح هو الذي جاء يكشفه، لا مرسلٌ بسيط من السماء. ومخطّط الله هذا يبقى خارج العقل البشري ولا معنى له بمعزل عن ابن الله. ويتوزّع مضمون اللفظة في المفرد أو الجمع في اربع مقولات خاصة :
أولاً : سرّ الانجيل. يدلّ "السر" هنا على الكرازة بالانجيل. هي سرّ لأن الانجيل كمشروع الله، ظلّ خفيًا لأجيال البشر. أعلن يسوع لتلاميذه أسرار الملكوت. أما سائر السامعين فلا يستطيعون الآن أن يدخلوا في وحي مباشر (مت 13:11؛ مر 4:11؛ لو 8 :10). وحسب بولس الرسول (1كور 4 :1)، نحن وكلاء أسرار الله. لقد اعطي للرسول أن يعرّف الناس إلى الانجيل. وقد عرّفنا الله سرّ مشيئته (أف 1 :9). في أف 6 :9 (ق كو 4 :3). يقول بولس : "صلّوا حتى...منحني الله، أعلن به بجرأة سر البشارةلمسيح)". وحين نال المسيحيون في كولوسي الكرازة الرسوليّة، نالوا الفهم ليعرفوا الاسرار، بالمسيح الذي فيه خفيَت كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 2 :2). وحين يمارس الشمامسة خدمتهم، عليهم أن يحفظوا سرّ الايمان في ضمير نقيّ (1تم 3:9). بعد صوت البوق الملائكي السابع، يتمّ سرُّ الله (رؤ 10:7).
ثانيًا : سرّ الله الذي كُشف. يشدّد العهد الجديد مرارًا على أن سرّ الله الذي صوِّر منذ البدء، قد ظلّ مخفيًا زمنًا طويلاً وبقي مجهولاً لدى رؤساء هذا العالم. أما اليوم وبسبب مجيء المسيح، فقد كُشف هذا السرّ بالروح، لا للقديسين وحسب، بل للوثنيين الذين وجِّه إليهم الانجيل (رو 16 :25؛ 1كور 2 :7؛ أف 3 :4-5، 9؛ كو 1:26-27). الانجيل سرّ لأنه خفيّ، ولأنه يأتي من آخر هو الله. وطابعه كسرّ قد زال الآن.
ثالثًا : أسرار خاصة. وتدلّ لفظة "سرّ" أيضاً على حقيقة خاصة أبقاها الله خفيّة، ثم كشفها للمؤمنين. هذا يدخل في إطار الفداء الذي حقّقه. وهذه الأسرار هي متعددة : (1) تقسية جزئية لاسرائيل أمام كرازة الانجيل، مع أن كل شيء كان يهيِّئ الشعب المختار لتقبّل البشارة، هي سرّ (رو 11 :25). فهذه التقسية تفتح طريق الخلاص للوثنيين. (2) دعوة الوثنيين الحاليّة التي لم يكن يتوقّعها أحد، هي سرّ يبلبل العادات والتقاليد (أف 3 :3). (3) الطبيعة الحقيقيّة للزواج الذي هو في علاقة مع المسيح والكنيسة، ويتأسّس على كلمة الخلق (تك 2 :24؛ يصيران جسدًا واحدًا). هي سرّ عظيم (أف 5 :32). (4) لا يموتون كلهم ساعة مجيء ابن الله، بل يتبدّلون في لحظة. هذا هو السرّ الذي أعلنه بولس لأننا نكون أمام وحي لم يُسمع به. (5) ما هو معلن في 1تم 3:16 كـ "سرّ التقوى" هو إقرار احتفالي بإيمان يتركّز على المسيح : المسيح تجلّى في الجسد، كُرز به في الأمم، أومن به في العالم... (6) سر الكواكب السبعة في يد المسيح (رؤ 1:20) قد كُشف للرائي : هم ملائكة الكنائس السبع في آسية.
وهناك أيضاً في تسمية "السرّ"، (1) وحي قدرة الشرّ التي لا تستكشف، "سرّ الاثم" الذي يعمل، لأن الشرّ قديم وهو يستعيد الحياة منذ وقت أحسّ فيه أن يسوع المسيح فشّله (2 تث 2 :27). (2) اسم الشيطان الذي يقرأه الرائي على جبين المرأة هو سرّ : بابل. يستعيد لذاته نبوءة المنفى القديمة ضد بابل المدمِّرة (رؤ 17:5، 7). ونلاحظ أيضاً في 1كور 13 :2 أن "الاسرار" تُجمل كل المعارف التي يستطيع الانسان ان يتوق إليها : "حين أعرف كل الأسرار وكل العلم". هذا ما يضمّ الأسرار المسيحيّة والأسرار الوثنيّة.
رابعًا : أسرار وثنيّة وأسرار مسيحية. كانت لفظة "سرّ" قريبة من المسيحيين في العصر الرسوليّ. فهناك ديانات شاملة انتشرت فعلّمت أن الخلاص يرتكز على نقل طقوس سرّية. في هذه الظروف، نستطيع القول إن العماد والافخارستيا قد اعتبرا في هذا الظرف كطقوس التنشئة واعتبرا كطقوس وثنيّة تشير إلى غسل التطهير والوليمة الجماعيّة حيث المدعوّون "يأكلون" الاله. ولكن إذا كانت الطقوس تسمح لنا بمثل هذه المقابلة، فالاهداف تختلف كل الاختلاف : عند الوثنيين، تعطي الطقوس المقدّسة للمتدرّج رجاء الخلود والمهارة في الآخرة. أما بالنسبة إلى المسيحيّين فهناك فرق كبير : تتمّ طقوس الأسرار بالمسيح. هو أولاً في قلب السرّ، هو شخص تاريخي رآه الشهود على الأرض، وليس هو كائنًا سماويًا "ظهر". يسوع المسيح ليس فقط مترئّس الحفلة وذاك الذي يعطي ذاته في روحه وجسده. إنه يطلب مقابل هذا تعلّق الايمان : يُقبل العماد كعلامة الوحدة مع الربّ في موته وقيامته. والعشاء الأخير هو أقرار بحضور روحي وواقعي للمخلّص الذي وهب ذاته لأخصّائه وما زال يهبها.
خامسًا : السرّ والاسكاتولوجيا. إن مخطّط الله "السري" يبقى في جزء منه مجهولاً لدى "القديسين". و "الدينونة الاخيرة" هي التي تكشف تحقيقه كشفًا واضحًا. سرّ التاريخ هو بين يدي الله وحده. والله وحده يكشف في يوم من الأيام أن حكمة الله تعمل منذ بدايات العالم.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|