يروي تك 3 كيف أن العيلة البشرية الأولى، قد دفعتها الحيّة، فعارضت أمر الله وأكلت من شجرة معرفة الخير والشرّ، فطُردت من الجنّة التي وضعها الله فيها. كان خبر الخلق (تك 2 :4ب-24) مقدّمة لخير السقطة. وتحدّث تك 4 عن حياة البشريّة على الأرض فجاء امتدادًا لهذا الخبر.
1) قراءة تك 2-3. ^ اولاً : مقاربة تاريخيّة نقدية. إن نظرية المراجع ترى في هذا المقطع فكر كاتب واحد يسمّيه النقد المرجع اليهوهي (يسمّي الله : يهوه). ففي فورة سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وحضاريّة ودينيّة، عرفها عهد سليمان، قدّم الكاتب الملهم تعبيرًا جديدًا عن إيمانه بالنظر إلى مشاكل عصره.
وحين نقرأ تك 2-3، نجد أننا أمام نصّ متشعّب. هناك تكرارات : الاسم المعطى للمرأة (2 :23؛ 3 :20). لباس أبوينا الاولين (3 :7، 21). العقاب (3 :14-19، 22-40). وتتميّز الآيات الأخيرة في ف 3 بايقاع شعري يجعلنا في سياق قول نبويّ. ونضيف وجود شجرتين خاصتين، كما نذكر تنوّع أسماء الله. فللنصّ تاريخه قبل أن يدوّن، وإن اختلفت نتائج البحث. هناك من يرى خبرًا عتيقًا تبعه الخبر اليهوهي الذي أعيدت صياغته في زمن المنفى بيد مدوِّن قريب من المدرسة الاشتراعيّة (3 :14، 16، 18أ، 19). وجاء ملحقان أخيران (3 :15، 18ب) أضافهما المدوِّن الأخير للبنتاتوكس. واعتبر آخرون أن هذا النصّ قد دوِّن في زمن المنفى.
ثانيًا : مقاربة بنيويّة. وعى كتاب آخرون أننا أمام فرضيات، فربطوا مختلف عناصر النصّ كما هو الآن أمامنا. فاكتشف تحليل مؤسَّس على البنى النحويّة، رسمة دائريّة في سبعة أقسام مع حجر الغلقة في فعل "أكل" (3 :16). وأخذوا بعين الاعتبار بنى العراماطيق السرديّ، فرأوا ستة أخبار قصيرة، وكل خبر يقابله خبر (2 :4ب، 7 و3 :22-24؛ 2 :8-17 و 3 :8-21؛ 2 :18-24 و2 :25-3 :7). واغتنى النهج البنيوي بالبلاغة السرديّة. فالنظر إلى عناصر البلاغة والتحرك في وظيفة الأشخاص وبنية الخبر من حيث المعنى، كل هذا أعطى معنى كاملاً : على مستوى أعمق، يتماهى السامع شخصيًا مع هذا الرجل وهذه المرأة، يُدعى لكي يرى البُعد الكوني في خطيئته الخاصة.
ثالثًا : مقاربة تحليلية وسوسيولوجيّة. ودُرس النصّ في أعماقه السيكولوجيّة على أساس التحليل النفسي. وجعل في رباط بالمجتمع الذي وُلد فيه بواسطة مقاربة من النمط التاريخيّ والجدليّ (لا اللاهوتي، وذلك عمدًا). وقُرئ تك 2-3 أيضًا على ضوء العلوم البشريّة. وهكذا اغتنت قراءة هذين الفصلين من سفر التكوين.
2) رموز ومواضيع. ^ أولاً : نصوص موازية من الشرق. إن تك 2-3 يبدو في تاريخه الأول، مرتبطًا بتمثّلات دينيّة من الشرق الأوسط القديم، وقد حملتها السطر والحكايات، كما حملتها رمزيّة شعائر العبادة الكنعانيّة. (1) فهناك الجنّة. إن حكاية "ادافا" البابلونية ربطت بين المواضيع الثلاثة التي هي الجنة المقدّسة، والشجرة المقدسة، وماء الحياة. نقل اليهوهي خبره في إطار جنّة عجيبة، فرسم نظرة سطريّة إلى جنّة الله حيث يعيش الانسان حياة حميمة مع الله. (2) الشجرة المقدسة. انتشرت عبادة الشجرة المقدّسة في فلسطين منذ الألف الثاني. هي صورة عن قوّة الحياة، وهي تلتقي مع آلهة ترتبط بالخصب والحبّ والأمومة. (3) الحيّة. نجد الحيّة في سياق شعائر عبادة الخصب. ومع الحكمة، كان للحية سلطان على مستوى إطالة أيام الانسان (جلجامش 11 :285-289). (4) الكروبيم. الكروبيم يصوّرون في عالم الشرق. هم "جنّيات" نصفهم إله ونصفهم بشر، وهم يسهرون عند باب الهياكل والقصور. (5) شعلة السيف الملتهبة. هناك نصّ يتحدّث عن دمار مدينة خنوسا يعود إلى عهد تغلت فلاسر الأول (1112-1074 تقريبًا)، فيعطينا صورة عن شعلة السيف الملتهب (تك 3 :24).
ثانيًا : نصوص موازية من التوراة. وهناك عناصر مأخوذة من التقليد البيبلي تساعدنا على فهم رموز تك 2-3. (1) الفردوس. نجد موضوع الفردوس في نبوءة حزقيال حول سقوط ملك صور (حز 28؛ رج تك 3). (2) تقليد العهد. صيغ تك 2-3 في محيط "هضم" العناصر الأساسيّة في بنية العهد. أدرك الكاتب مبادرة الله. وفعل "غرس" وفعل "حرس" اللذان يعودان إلى الجنّة في 2 :15، يرتبطان بخدمة الله. والتحريم عُبِّر عنه في اسلوب الدكالوغ التعليمي (خر 20:1-17)، والعقاب يلتقي مع تعابير تأتي في صيغة اسم الفاعل في شرعة العهد (خر 21:13-17). الاتهام الالهي يشبه اتهام النبيّ للشعب ويضمّ كلامًا حول الأمانة للعهد. واللعنات تحيلنا إلى لعنات شكيم (تث 27:15-26). (3) المواضيع الحكميّة. وتركت الاعتبارات الحكمية طابعها، وإن لم تكن كافية لتفهمنا مجمل النصّ. فمعرفة الخير والشرّ تلعب الدور المفتاح في عقدة الخبر. فالحيّة "محتالة" (تك 3 :1)، والثمرة شهيّة لاقتناء الفهم (تك 3 :6؛ رج أم 16 :22). وكان الراوي ماهرًا في التلاعب على الألفاظ، وفي الدراسة السيكولوجيّة، فشابه معلّمي الحكمة. فطرح هو أيضًا سؤالاً حول أصل الحكمة الحقيقية. (4) الوضع الملوكيّ لآدم. جُعل آدم ملكًا على الخليقة. شارك في عمل الله فأعطى اسمًا للحيوانات وتعرّف إلى امرأته. فهو يشبه الملك الذي في أورشليم : هو وكيل الله على الأرض وممثّل الشعب لدى الله. وحسب المبدأ القديم الذي يشدّد على التضامن بين أعضاء العشيرة ورئيسها، تجسّد عبيد هذا الملك في شخصه. وخبر عدن يتيح لنا أن نعيد قراءة تقلّبات تاريخ شعب العهد بالنسبة إلى أرض الموعد التي هي فردوس خسره الشعب حين ذهب في طرق المنفى.
3) السقوط. ^ أولاً : تك 2-3 والتاريخ. إذا كان اليهوهي قد استقى الرموز من السطر والحكايات لدى البلدان المجاورة، فقد حوّل مدلولها وبقي بعيدًا عن ديانات الشعوب المحيطة بشعبه. فجعل من الحيّة خليقة الله، وقدم خبر خلق المرأة التي هي غير "المنشِّئة" التي تتحدّث عنها ملحمة جلجامش. إذن، ليس تك 2-3 خبرًا سطريا، ميتولوجيا، في المعنى الحصري للكلمة. وليس خبرًا تاريخيًا بالمعنى الحديث حيث نعيد بناء ما حصل بشكل أكيد.
فمحلّ المؤرّخ يقف اللاهوتيّ الذي يكتشف تفكير المؤمنين في الوجود البشريّ. فمهما عدنا إلى الوراء في الزمن، نلاحظ قطيعة عميقة سبّبها استعمال سيّئ للحرية البشرية التي يحترمها الله ولا يُكرهها. هنا يتحدّد موقع الحدث التاريخي الذي أراد حدث عدن أن يؤسّسه. فلفظة " آدم" هي مفرد جماعي وهي تدلّ على الانسان بشكل عام. وسوف ننتظر حقبة بعد المنفى ليصبح آدم اسم علم.
ثانيًا : تجاوز الوصيّة ونتائجه. وأعطيت شروح : عبور الانسان من حالة البرارة، الخاصة بالصبا، إلى عمر البلوغ الذي يتميّز بالمعرفة الجنسيّة وخبرة الضعف البشري. وشرح آخر : اكتشف الانسان حين خطئ أنه انفصل عن الله بحريّته. وشرح ثالث، هي ظاهرة اجتماعيّة : التقهقر الروحيّ للبشريّة كنتيجة تطوّر الحضارة الماديّة. كل هذه الشروح غير كافية. فالحدث الوارد هنا، هو تجاوز أمر فرضه الله. هو يشير إلى السؤال الجذريّ حول الحدود بين الله والانسان. فطلبُ الحكمة والخلود هو فشل، إذا كان الانسان وحده. فالله هو الذي يمنح الحكمة والحياة. ومن أراد أن يدرك الحكمة التامّة، ويصير مثل الآلهة، ينكر الحدّ المفروض على الخليقة، وهو حدّ لا نستطيع أن نتعدّاه. فالله هو الله، والانسان هو الانسان. وظهرت حالاً نتائج الخطيئة. فتحت عيون أبوينا الأولين حول وضعهما الحقيقيّ. وتحطّم التناسق على كل المستويات. وإذا كان الموت والعمل لم يظهرا في ذلك الوقت (رج 2:15؛ 3 :19)، فهما يتّخذان مدلولًا جديدًا (3 :17-19، 22). والتوازن بين عناصر الخليقة قد تحطّم (3 :14-15). لا شكّ في أن الخطيئة لم تكن على المستوى الجنسيّ، ولكن المرأة أُصيبت في أمومتها وفي علاقتها بزوجها. ووحدة الزوجين (نجد عنها مثالاً في 2 :23-24) سيصل إليها الانسان بعد صراع مرير وغير أكيد. وستكشف أخبار أخرى عن الخطيئة وتجاوز الوصيّة (تك 4 :1-17؛ 6 :1-4؛ 11 :1-9) تكاثرَ هذه الفوضى التي هي نتيجة تغرّب أساسيّ : طُرد الانسان من الجنّة، فخسر الحياة الحميمة مع الله. ولكن الله هو الله، وهو يترك للانسان الساقط امكانيّة إعادة الرباط معه. إن إرادة الله هذه هي أساس تاريخ الخلاص.
ثالثًا : السقطة في التقليد البيبلي اللاحق. لم تجد هذه الصفحة مدى لها في التوراة قبل المنفى. بعد حز 28:12-19؛ أي 15:7-8، نذكر سي 25 :54؛ حك 2 :24. وفي العهد الجديد، هناك 1تم 2:13-14؛ يو 8 :44؛ رو 5 :12-21؛ 1كور 15 :20-22.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|