والكتاب المقدّس. يعود اسم أرمينيا إلى الملك أرامي الذي أسّس سلالة أورارطو وعاصر أشوربا نيبال الثاني، ملك أشورية (884-859). فإلى أرض أورارطو جاءت شعوب من تراقية وفريجية (تركيا الحاليّة)، بين سنة 612 و585 فكانت ولادة الشعب الأرمنيّ. وبعد بضعة أجيال جاءت شعوب هندو أوروبيّة فامتزجوا بالسكّان وفرضوا عليهم حضارتهم. وهذا ما يقسّر ميزات اللغة الأرمنيّة بالنسبة إلى اللغات السامية.
كان الأرمن وثنيّين، فمزجت ديانتهم أمورًا جاءت من أورارطو ومن فريجيّة، وانطبع كلّ هذا بالطابع الفارسيّ. أمّا دخول المسيحيّة إلى أرمينيا فبدأ ببطء رغم عمل تبشيري ناشط منذ منتصف القرن الثاني أو نهايته، عبر الكنيسة السريانيّة التي انطلقت رسالتها من الرها. غير أنّ اهتداء أرمينيا ككلّ يعود إلى غريغوريوس المنّور الذي تربّى في قيصريّة كبادوكيّة وجاء يحمل البشاره إلى وطنه. اضطهده أولًا الملك تيريدات الثالث (297-330). ولكن لما اهتدى الملك اهتدت معه أرمينيا بشكل رسميّ، حوالي سنة 314، وهكذا صارت المسيحيّة الديانة الرسميّة.
1) ترجمة الكتاب المقدّس إلى الأرمنيّة
حين كان غريغوريوس يعظ، كان يستعمل اللغة الأرمنيّة. ولكن بما أن لا كتابة أرمنيّة، فكان يقرأ الكتاب المقدّس في السريانيّة أو اليونانيّة. وفي بداية القرن الخامس استنبط الأبجدية الأرمنيّة، في الرها، مشتوتز، والكاثوليكوس ساهاك وتلاميذه. اتصلوا بالمراكز الدينيّة والحضاريّة في عصرهم، في أنطاكية والرها وأورشليم والقلسطنطينيّة والإسكنديّة. وبدأت حركة الترجمة.
أوّل سفر من الأسفار المقدّسة نُقل إلى الأرمنيّة كان سفر الأمثال. ثم نُقل العهد الجديد كله. وفي النهاية، العهد القديم. ويبدو أن العمل تمّ حوالي سنة 414. تأثّرت هذه الترجمة تأثيرًا كبيرًا بالنصّ السريانيّ الذي انطلقت منه. ولكن منذ سنة 436، بدأت ترجمة ثانية استندت إلى اليونانيّة ولا سيّما إلى الكودكس الإسكندرانيّ والكودكس السينائيّ.
بقي لنا من الترجمة الأولى سفرا الأخبار، سفرا المكابيّين، نشيد الأناشيد، يشوع بن سيراخ. واحتفظ كتاب صلاة الفرض بمقاطع من سفر المزامير. وهكذا كانت ترجمة البيبليا الأرمنيّة نقطة انطلاق لنشاط أردبيّ كبير تميّز بأعمال أصيلة أو بترجمات عن الآباء السريان واليونان. وطُرح سؤال حول أساس ترجمة الكتاب المقدس. يبدو أن الانطلاق كان السريانيّة العتيقة، في ما يخصّ الأناجيل مثلًا، ثمّ أعيد النظر في الترجمة رجوعًا إلى اليونانيّة.
2) أعمال حول الكتاب المقدّس
منذ بداية الأبجديّة الأرمنيّة في أوائل القرن الخامس، قامت نخبة من الآباء بترجمة الكتاب المقدّس وتقسيره وترتيبه ونسخه ونشره. ذكرنا أوّل من ذكرنا الكاثوليكوس غريغوريوس المنوّر الذي انطلق من الترجمة السريانيّة والترجمة اليونانيّة. في القرن الخامس قام القدّيس ساهاك والقدّيس سورب بترجمة الكتاب المقدّس بعهديه. قام الأسقف بيدروس (500-557) بتفسير المواضيع المعقّدة في الكتاب المقدّس. وعمل انانيا شيراكاتسي (615-690) على تنظيم أسفار الكتاب المقدّس وتقسيمها إلى فصول وآيات. في القرن الثامن، نشر الأسقف كريكور ارشاروني (650-729) قراءات العهد القديم والعهد الجديد. وقدّم الأسقف استيبانوص تفسيرًا لأيام التكوين الستّة، وتفاسير للأناجيل الأربعة. في القرن التاسع، فسّر الأرشمندريت هامام سفر الأمثال وسفر أيوب. في القرن العاشر قام الأسقف خوسروف بتفسير المزامير والراهب القدّيس كريكور بتفسير نشيد الأناشيد.
وننهي هذه اللائحة مع الأرشمندريت كريكور داتيفاسي (1344-1409) الذي ميّز الأسفار القانونيّة من الأسفار غير القانونيّة، وقام بتفسير الأمثال والمزامير ونشيد الأناشيد وإشعيا ومتى، ومع الأرشمندريت فوسكان يرفانيشي (1614-1674) الذي كان أوّل من اهتمّ بطبع الكتاب المقدّس في اللغة الأرمنيّة. طُبع كله بعهديه القديم والجديد وللمرّة الأولى، في امستردام (هولندا) سنة 1666.
وترجمت الكنيسة الأرمنيّة تفسير افرام للإنجيل الرباعيّ أو الدياتسارون، كما ترجمت تفسيرًا آخر لانجيل نُسبت إلى أفرام.ونقلت أيضًا لأفرام تفسير أعمال الرسل ورسائل القدّيس بولس التي ضاعت في السريانيّة. كما نقلت عن يوحنّا الذهبيّ الفمّ عظاته عن إشعيا؛ وعن هاسيخيوس، أسقف أورشليم، تفسير أيوب؛ وفي الخط عينه، نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، السلسلة الأرمنيّة حول الرسائل العامّة. مع العنوان التالي، "مجموعة شرح الرسائل الكاثوليكيّة السبع". بعد المطلع يستقي الجامع مواده من نرساي، ديديمس، كيرلّس الإسكندراني، أوريجانس، ساويروس الأنطاكيّ، ابوليناريوس، يوحنا الذهبي الفمّ... ونذكر أيضًا فيما نذكر سلسلة أرمنيّة تفسيريّة حول البنتاتوكس لوردان أروالشي (1200-1271). وحول اللاويّين وأيوب ليوانيس واناكان (1181-1250)، وحول إشعيا وأعمال الرّسل لجورج سكاوراشي (1245-1301). نُقلت هذه السلسلات أكثر ما نقلت عن اليونانيّة، شأنها شأن عدد من السلسلات السريانيّة التي عادت بشكل خاص إلى تيودورس المصيصي وغيره.
وهكذا يبدو أن التراث الأرمنيّ استقى الكثير من الحضارات المحيطة به. وإن هو قدّم عملًا أصيلًا، فقد ارتبط فيه بمدرسة أنطاكية التي تشدّد على التفسير الحرفيّ لكي تجعل من التفسير الكتابيّ عظة تكتشف فيها شخص المسيح وعمله في الكنيسة.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|