1) جبل سيناء. واحد من الاسمين (الثاني هو حوريب) اللذين أعطاهما بنو اسرائيل لجبل الله، حيث ظهر يهوه على موسى وقطع عهدًا مع بني إسرائيل. يشتقّ الاسم من العبريّة "سنه" أي العليقة (رج خر 3 :1-12). ولكنه قد يكون أيضاً صفة تتعلّق بعبادة سين في هذا المكان. يجعل التقليد كلّه موقعَ سيناء في جزيرة سيناء (اليوم : بادية التيه) ولكنه منقسم بين جبل سرحال وجبل موسى، وهما قمّتان لسلسلة من الجبال تقع في جنوبيّ غربيّ جزيرة سيناء. لا نستطيع أن نتحقّق من صحة هذا التقليد بواسطة النصوص، لا سيّما وأن الجميع يحسبون حساب الافتراض الذي يقول إنّ الخروج لم يتمّ عبر الجنوب (عبر سيناء) بل عبر الشرق (قادش). ثمّ إن براهين الذين يحدّدون موقع سيناء جنوبيّ خليج العقبة ليست مقنعة.
اجتذبت جزيرة سيناء انتباه المصريّين منذ القديم، لأنّهم وجدوا فيها النحاس وغيره (مناجم مغارة سرابيط الخادم). ولهذا ترك فيها المصريّون آثارًا عديدة تدلّ على حضورهم، وبينها كتابات عديدة : بعضها في الحرف الهيروغليفي والبعض الآخر في ما سمّي بداية الأبجديّة. إنها قد تعود إلى القرن 19 أو 18 وهي عمل عمّال مناجم ساميّين (كنعانيين). أما مجموع الكتابات التي اكتشفت فهو 25 كتابة يعود معظمها إلى القرن 15. الأبجديّة كنعانيّة (فينيقيّة)، واللغة كنعانيّة شعبيّة، والنصوص نذور عمّال المناجم. واكتُشفت أيضاً كتابات من بداية الأبجديّة في تل الدوير (لاكيش)، في شكيم، في جازر، في جبيل.
حين التقى الربّ بموسى للمرّة الأولى في العليقة الملتهبة (خر 3:2-4)، كشف عن ذاته وحمَّل موسى مهمّة تخليص شعبه. وهناك على جبل الله زار هرون أخاه موسى. إنّ سيناء هي إحدى المحطات الكبرى لبني إسرائيل بين الخروج من مصر وأرض الميعاد (خر 16:1، 19، 1-2؛ 33 :1-6...). هناك التأمت جماعة الصحراء (خر 19:7-15؛ تث 4:10). هناك كلّم الله شعبه ((تث 1:6؛ تث 4:15؛ 5 :2). هناك نزل بمجده وسط البروق والرعود والجبل المدخّن. كلّم الله موسى وأراه شيئًا من مجده (خر 33:18-23)، وأعطاه وصايا لشعبه (خر 20:1-21)، وعقد عهدًا مع ذبيحة (خر 24 :1 ي). قضى موسى على الجبل 40 يومًا و 40 ليلة (خر 24:18) بينما ظلّ الشعب في أسفل يعبد العجل الذهبي (خر 32:1-10). أعطى الله موسى لوحي الوصايا فوضعهما في تابوت العهد (خر 25:16، 21؛ 40 :20؛ تث 10:2-5). إنّ الأحداث والشرائع المكتوبة في خر 19-40 ولا 1-27 وعد 1-10 تبدو مرتبطة بسيناء. مثلاً : لقاء موسى ويثرون (خر 18:5)، إحصاء الشعب (عد 1:19)، موت ناداب وأليهو (عد 3:4)، الاحتفال بالفصح (عد 9:5)، تقريب التقدمات (لا 7 :38) والمحرقات (عد 28:6). حين أقام الشعب في أرضه صار جبل صهيون (من حيث تأتي الشريعة. إش 2 :3) جبل سيناء الجديد (مز 68:17-18). وفي نظر بولس يمثّل سيناء العهدَ القديم الذي أُبطل الآن (غل 4 :24-26). ورغم الأحداث والتشريعات، نسي بنو إسرائيل أين يقع حقًّا جبل سيناء. أما جبل موسى حيث يذهب الحجّاج فارتفاعه : 2245 مترًا.
2) شبه جزيرة سنياء
هذا على مستوى الكتاب المقدس. ولكننا نودّ أن نتوسّع في كلامنا عن شبه جزيرة سيناء، لا على الجبل فقط، وذلك على مستوى الجغرافيا وعلى مستوى الطرق.
أولاً : الجغرافيا. حسب الاستعمال الحاليّ، جزيرة سيناء هي أوسع ممّا كانت عليه في القديم. وهي تفصل فلسطين عن الدلتا المصريّ. هي جزيرة مساحتها 58000 كلم مربّع. وهي أوسع من الدلتا وقريبة من فلسطين. شكلها شكل مربّع منحرف، طول وجهها الشرقيّ (على خليج العقبة) 220 كلم، والجنوب الغربي 450 كلم منها 300 كلم على خليج السويس و 150 على مدّ المضيق. إذا وضعنا جانبًا منطقة مضيق السويس، تنقسم شبه جزيرة سيناء ثلاث مناطق من الشمال إلى الجنوب. الأولى، السهل الساحليّ الرمليّ، عرضه 20 كلم تقريبًا. الثانية، الهضبة الكلسية، بادية التيه، عمقها 220 كلم. الثالثة، جبل من الغرانيت مثلّث الشكل قاعدته 150 كلم وضلعه 180 كلم على الخليجين.
ونبدأ بالحديث عن مضيق السويس. مضيق السويس الذي هو أكثر انخفاضاً من الحدود الشماليّة الشرقية لجزيرة سيناء، قد تطوّر بسبب الرمل الذي تراكم، وبسبب ما تمّ فيه من عمل بشريّ. والطرف المتوسطيّ قد انخفض مترًا واحدًا ونيّف. وما كان في الماضي أرضاً ثابتًا يصل إليه المطر في الشتاء، صار رمالاً متحركة يسهل السير عليها ولا تحمل أي خصب. والمدينة القديمة سين (بيلوسيون اليونانيّة) التي كانت عاصمة منطقة خصبة لم تعد سوى تل منعزل (تل فرامه). في هذه المنطقة، شمالي القنطرة، يجري القنال بين أراضٍ شيدّت عليها الطرقات وسكّة الحديد فاوقفت تلال الوحول. وحول القنطرة نجد منخفضاً آخر لا يقلّ عمقًا، طوله 40 كلم من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. هو بحيرة بلّه في الخرائط القديمة. ويظنّ علماء الأثار أننا أمام مياه النيل التي كانت تسقي مدينة سيلي (القريبة من القنطرة) وتصل إلى سربونيس. قد يكون هذا طريق حورس (شيحور، يش 13 :3؛ 1أخ 13:5، الطريق من مصر إلى كنعان). وتصبح الأرض ثابتة حتى الاسماعيليّة، على شاطئ بحيرة التمساح، ثم حتّى البحيرة العظمى، البحيرة المرّة. في أيامنا، تصل إلى الاسماعيليّة قناة مياه حلوة تسقي المدينة والجوار. هذا ما صنعوا في وادي طوميلات الذي كان في الماضي يصب في البحيرة المرّة العظمى. مع المنطقة المائيّة التي تحيط بها (55 في الطول، 5 في العرض)، نحن أمام مدخل مصر من جهة الصحراء. إذا كانت السلطة المركزيّة قوّية، يُدافع عن هذه المنطقة عسكريًا وهي تُستعمل زراعيًا. وفي الحالة المعاكسة، يجعل منها الرعاة مراعي لهم في الصيف، ويستفيدون من الوضع ليتغلغلوا إلى الدلتا. نحن هنا في ارض جاسان التي تذكرها البيبليا.
والبحيرتان المرتان صارتا طبقة مائيّة طولها 35 كلم تمرّ فيها القناة التي صارت على مستوى البحر. في الزمن القديم، كانت المياه تجرى في وادي طوميلات فتصل إلى البحر الاحمر وتُحدث المستنقعات. والطريق المائيّة التي تكوّنت بهذا الشكل سلكها ارتحششتا وداريوس ملكا الفرس، ثم البطالسة والرومان، فصارت سالكة بجيوشهم. فربطت البحر بقلب مصر. ونسير إلى جبل عتيقة (أو عتاقه) في الطريق الجنوبيّ، الذي يعلو 871 م عن سطح البحر، ويُشرف على الجوار. وقد يكون هو بعل صافون. على مدّ مضيق السويس وحتى في سربونيس، كانت المياه ترتفع أو تنخفض حسب الضغط الجوي، الآتي من الريح أو الشمس أو المدّ والجزر. أما الموقع البيبلي لعبور البحر (سوف) فلا نستطيع أن نحدّده.
ثم نتحدّث عن السهل الساحليّ. فشاطئ البحر المتوسط الصحراوي برمله، قد عرف في الماضي نشاطاً تجاريًا وسياسيًا، ولا سيّمـا في زمن المملكة المصريّة الحديثة والحقبة اليونانيّة والرومانيّة. ننطلق من الشرق ونترك من جهة الشاطئ الفلسطيني، منطقة واسعة مرويّة تسير من عسقلان إلى غزة وتصل إلى رفح. هذا ما تدلّ عليه الحدود الدوليّة اليوم. أما إذا سرنا بعض الشيء نحو الغرب، فنصل إلى وادي العريش الذي تصله بعض المياه خلال السنة. هو "سيل مصر" (كما في البيبليا، عد 34؛ يش 15 :4، 47) الذي شكّل حدود أرض كنعان. ونبتعد 30 كلم فتنفتح بحيرة شاطئيّة طولها 80 كلم هي سبخة بردويل (بحيرة سربونيس كما يقول اليونان). كانت في الزمن القديم، تتيح للسفن المسطّحة أن تختبئ من العواصف وتوصل المؤونة إلى مراكز الشاطئ في كل فصول السنة. في منتصف البحيرة الأرضيّة التي تحاذي المنطقة الشاطئيّة، نجد تلّة هي جبل جلس أو راس كسرون. وجد هناك المنقّبون بقايا مدينة يونانيّة ورومانيّة عظيمة، تتجاوب مع ما قيل في القديم عن جبل كاسيوس. فهيكل زوش كان الامتدادَ الطبيعيّ لهيكل فينيقي مكرّس لبعل صافون. أما طرف هذه البحيرة فيصل إلى منطقة مضيق السويس.
والمنطقة التالية هي الهضبة الكلسيّة. فالصحراء المركزية (هي في قلب جزيرة سيناء)، بادية التيه، هي هضبة كلسيّة مرتفعة في الجنوب بكتلة من الغرانيت. هناك مرتفعات من 1000م تمتدّ على 100 كلم مع قمّة تصل إلى 1620م. تتوجّه الصخور نحو الجنوب. وفي اتجاه الشمال تنحدر الهضبة بشكل منظّم حتى السهل الساحلي الذي تحيط به مرتفعات متقطّعة. أما الوسط فمنخفض واسع يرتبط بوادي العريش. ويُشرف على الشمال جبال النقب (1035م في هر رمون). في الغرب، تحاذي المضيقَ مرتفعات فيها ثلاثة معابر : ختميّة تجاه اسماعيلية. متلا تجاه السويس. جِدِّي بين الاثنين. نجد هنا منحدرات تلائم الرياح الرطبة الآتية من الشمال الغربي. لا تتلقّى برّية التيه إلاّ قليلاً من المطر حتى في فصل الشتاء، وهذا المطر ينزل سريعًا في الطبقة الكلسية. لهذا تكون المراعي ضئيلة. أما الطرق فما عرفت سوى قوافل صغيرة. ومع ذلك هناك عدّة واحات صغيرة لجأت إليها القوافل بانتظار أن تصبح مراكز عسكريّة وإداريّة. خلال شهرَي الشتاء، يطلع العشب ويطعم صغار القطعان (أي الغنم). وقد ينبت بعض النبات البرّي من أجل الانسان. هذا هو المنّ التي تحدّث عنه التقليدان الالوهيمي والاشتراعي ((عد 11:6؛ عد 21:5؛ تث 8:3). وبعد زمن المطر، يستطيع الانسان أن يتجوّل وسط آبار يسهل فتحها في الوديان الرملية.
قبل العصور الحديثة، أقامت هناك ثماني قبائل من البدو تضم بضعة آلاف من السكّان وتقيم في هذه البرّية فتحافظ على صورة نجدها بعض المرات في التوراة.
ونصل في النهاية إلى الجبل الغرانيتي. هو يختلف كل الاختلاف عن سائر الجزيرة، فيرتفع بمعدّل 1000م. فوق سطح البحر. وهناك قمم تتعدّى 2000م.، وتمتدّ على طول 80 كلم (من جبل سربال إلى جبل صباغ) وعرض 20 كلم (جبل جدّة العلة حتى جبل موسى). تنفصل هذه السلسلة الجبليّة عن الهضبة الكلسيّة بمنطقة منخفضة نجد فيها الجير والرمل. هي منطقة جافة. لهذا لا تمرّ فيها القوافل. ولكنها غنيّة بمناجم فيروز استغلّها المصريون في المملكة القديمة والمملكة المتوسطة في سرابيط الخادم. أما الجبل فيعرف في قممه المطر والثلج، ويقيم فيه سكّان قليلون يعيشون من تربية المواشي والجنائن المرويّة. ومن نقطة ماء إلى نقطة ماء تنتقل القطعان والقوافل. لا تنفصل هذه المنطقة عن العربيّة السعودية إلاّ بخليج عرضه عشرون كلم تقطعه الطوّافات. في العصور القديمة، تركت قوافل الأنباط وثمود مدوّنات على صخور سيناء الشرقيّة. وقد نستطيع القول إن قبائل مديان مرَّت في هذه الطريق.
ثانيًا : الطرق. نستطيع اليوم أن نرسم طرقًا عبر كل جزيرة سيناء. ولكن في العصور القديمة، لم تكن المشكلة في أن نجعل الناس والبهائم يعبرون، بل أن نؤمّن لهم الطعام والماء. لهذا كانت هناك بعض الطرق في التاريخ القديم. (1) الطريق الساحلية. هي "طريق أرض الفلسطيين" (خر 15:22). لها محطات في المدن. في عدد من الآبار، وتأتيها المونة في البحر. ولكن الممالك تراقبها مراقبة دقيقة. (2) طريق شور. بعد عبور البحر (خر 15:22)، أخذ موسى هذه الطريق ووصل إلى جوار قادش برنيع (تك 20 :1). واليوم، نجد طريقًا حديثة تنطلق من اسماعيليّة إلى بئر سبع. في أخبار الخروج، نستطيع أن نحدّد حدث السلوى على هذه الطريق أو على التي ذكرناها قبلا : من المعلوم أن طيورًا عديدة من السلوى تطير فوق البحر فتحطّ تعبة لاهثة على الأرض، فيلتقطها البدو بأيديهم. (3) طريق فاران. أشارت البيبليا إلى طريق بواسطة فاران (اليوم : واحه فايران الحلوة، 1مل 11 :18)، عبر الجبال الغرانيتيّة. نجدها اليوم في طريق سياحيّة نراها على الخرائط، وتمرّ 15 كلم إلى شمال سيناء (الذي يعرفه) الحجّاج (جبل موسى) مع تفرعّات على طرفَي شاطئ البحر. هناك إشارات عديدة تدلّ على أن الكتّاب البيبليين تطلّعوا إلى هذه الطريق كطريق الخروج، أقلّه في التدوين الكهنوتي وفي صيغة البنتاتوكس النهائية. إن المن الذي تصوّره الوثيقة الكهنوتية هو نتاج شجرة الأثل التي تنبت في الجبل الجنوبي (خر 16:14-23؛ عد 11:7-8). وهناك اتّصل موسى بمديان ((خر 3:1؛ خر 18:1؛ عد 10:29). واسم بحر سوف يجعلنا نتوجّه إلى البحر الاحمر في خط السبعينيّة ويوسيفوس، والعدد الكبير من المحطَّات التي ذكرها عد 33:16-35 بين سيناء وعصيون جابر. إن الحجّاج المسيحيين الذين كانوا كثرًا في تدوين أخبارهم، ورثوا ما قاله أسلافهم اليهود. لفتوا النظر إلى مشاهد رائعة، فأخفوا ما كانت عليه هذه الأماكن في الأصل.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|