1) العهد القديم. في العبرية، الشعب هو "ل أ م"، "ج و ي"، "ع م". تُستعمل هذه اللفظاتُ الثلاث عادة في صيغة الجمع وفي توازٍ ترادفيّ (مز 47:4؛ 96 :3، 10؛ 105 :44؛ 106 :34-35). ولكن الاختلاف في المعنى سيبرز شيئًا فشيئًا من خلال النصوص.
أولاً : ل أ م. دلّت اللفظة في الأصل على جمهور الشعب الكثير (أم 11:26؛ 24 :24). هي عتيقة ولا تُستعمل إلاّ في النثر. هي لا تنطبق أبدًا بشكل محدّد على شعب اسرائيل إلاّ في إش 5 :4.
ثانيًا : ج و ي. دلّت اللفظة في الأصل على "العشيرة" أو "القبيلة". وهذا المعنى نجده في استعمال عتيق في 2أخ 15:6 أو حز 35:10. يعتبر "ج و ي" أن له جدًا مشتركًا، حقيقيًا أو مفترضاً (تك12 :2؛ 35 :11). وتنطبق الكلمة في الواقع على نسل ابراهيم (تك 17 :4-5، 16) ويعقوب (تك 35 :11)، وتدلّ على شعب اسرائيل (خر 19:6؛ تث 4:6؛ إر 31:36). ولكنها لا تظهر أبدًا في عبارة "شعب يهوه". في الجمع، صارت اللفظة تدل على الشعوب أعداء اسرائيل (مز 9:6، 16، 20-21). "ج و ي م" هم اللايهود من الوجهة الجماعيّة والدينيّة (عز 6:21). وتعمّم هذا المفهوم في الحقبة البعدبيبليّة، فقابلت "اتنوس" (الأمم الوثنية) في السبعينيّة وفي العهد الجديد.
ثالثًا : ع م. تدلّ اللفظة (في العربيّة : مع) على فكرة الكليّة (كل الناس)، على حشد من الناس، وهي تستعمل في علاقة مع النظم السياسيّة والمدنيّة والدينيّة، ولا سيّمـا في معنى التجنيد العام، المحفل العام، السكّان، جماعة المؤمنين، المجموعة الدينيّة. غير أن المدلول الأوليّ للفظة "ع م"، الذي ندركه في البعض العبارات المجمدّة (تك 25 :8؛ خر 31:14)، هو القريب (رج العمّ في العربية، وهو شقيق الأب) إلى الانسان بقرابة الدم.
(أ) جماعة المواطنين. إن "ع م" تدلّ على مجموعة المواطنين في مدينة ينعمون فيها بكل الحقوق المدنيّة (را 4:4، 9).مثلاً شعب أورشليم (2أخ 32:18). اجتمعوا ليّتخذوا قرارًا فشكّلوا جماعة الشعب المسمّاة "ع م". في قض 10 :18، "ع م" هو مجموعة سكّان جلعاد الذين قرّروا أن يعيّنوا يفتاح قائد حرب (قض 11 :11). في هذه المجموعة يتصرّف الشيوخ بملء السلطان (قض 11 :5-11). ونجد وضعًا مماثلاً في 1صم 10:17، 22-24 حيث دُعي "ع م" إلى المصفاة، موضع تجمّعات قبيلة بنيامين، وقرّر أن يرفع شاول إلى الملكيّة. أما "ع م" الذي اجتمع في شكيم (1مل 12)، فهو جماعة قبائل الشمال التي تدخّل شيوخُها لدى رحبعام كممثّلين للشعب. إن أراد الكاتب أن يقول إن رأيًا برز من الجماعة كلها، يقول "جميع الشعب" (1مل 20 :8) حيث نرى كل جماعة شعب السامرة يتدخّلون لدى الملك مع كل الشيوخ الذين يتكلّمون باسمهم. وبدل "كل الشعب"، يقال "كل اسرائيل" إذا كان الحديث عن مملكة الشمال. مثلا، أُعلِن عمري ملكًا بفم "جميعهم" (حرفيًا : كل إسرائيل) (1مل 16 :16). ولكن كان انقسام في "ع م" اسرائيل (1مل 16 :21)، فكانت الحرب الأهليّة.
(ب) شعب الأرض. إن الجماعة العامة لمواطني يهوذا قد تسمّوا باسم خاص : ع م. ها. ارص : شعب الأرض. 2مل 14 :21؛ ق 23 :30. "شعب يهوذا" (حرفيًا : شعب الأرض) هذا يتميّز (أو : يعارض) الملك والأمير (2مل 16 :15؛ حز 7:27؛ 45 :22)، يعارض الملك ووزراءه (إر 37:2)، والوجهاء والكهنة والأنبياء ((إر 1:18؛ إر 34:19؛ 44 :21؛ حز 22:24-29). بل إن "شعب الأرض" يتميّز عن أورشليم، مدينة الملك (2مل 11 :20؛ رج إر 25 :2) التي تألّفت بشكل خاص من المواطنين، والجنود المرتزقة وعيالهم، وموظّفي القصر وخدّام الهيكل. اذن، يتكوّن شعب الأرض في جوهره من أهل الريف. وفي أي حال، هو يعلن كلاً من يوآش (2مل 11 :14، 18). ويوشيا (2مل 21 :24) ملكًا. وهو الذي يقرّر تدمير هيكل بعل في أورشليم وإعدام كاهن بعل وعثليا (2مل 11 :18-20). وهكذا يظهر شعب الأرض كالمحامي عن التقاليد المحلّية ضد التأثير الخارجيّ الذي حمله محيط عثليا.
بعد المنفى، شعب الأرض هم الفقراء الذين ظلّوا في يهوذا وما ذهبوا إلى المنفى (2 ل 24 :14)، فامتزجوا بغير اليهود، وصاروا شعبًا يجهل الشريعة أو لا يمارسها، شعبًا يعيق ممارسة السبت وإعادة البناء الوطنيّ والدينيّ (عز 9:1-2، 11؛ 10 :2، 11؛ نح 10:29، 31-32). وفي النهاية دلّت عبارة "شعب الأرض" على السامريّين (عز 4:14)، وعلى سكان فلسطين الذين ليسوا بيهود ((عز 3:3؛ عز 9:1؛ نح 9:30؛ تك 23 :12-13؛ عد 14:9)، وعلى أهل البلاد (تك 42 :6 : مصر).
(ج) الجمهور. استعملت لفظة "ع م" في معنى أوسع من "جماعة الشعب، فدلّت على جمهور وحشد من الناس كما في تث 13:10؛ (إر 19:14؛ إر 26:7؛ 28 :5. وحده السياق يساعد على التمييز بين المعنى العام ومعنى جماعة الشعب.
(د) شعب في السلاح. قد تستعمل "ع م" وحدها فتعني شعبًا في السلاح، شعبًا يهبّ للدفاع عن البلاد ((عد 20:20؛ عد 21:33؛ 1صم 14:28-29). ونجد بعض المرات عبارة "رجال أشداء" (حرفيًا : شعب حرب) (يش 8 :3، 7؛ 11 :7). وفي حقبة "حروب الرب" (عد 21:14؛ (1صم 18:17؛ 1صم 25:28؛ سي 46 :3)، فالشعب في السلاح يُسمّى "شعب الرب" (قض 5 :13). في الحقبة الملكيّة، تميّز جيش الشعب هذا من المرتزقة الذين يشكّلون جنودًا محترفين، وهم "قادة الملك" (حرفيًا : عبيد الملك) (2صم 11:11). وقد يتماهى الشعب في السلاح مع جماعة الشعب، لأننا نراه وهو يعلن عمري ملكًا (1مل 16 :15-16). خلال حصار أورشليم على يد سنحاريب، صعد جيش الشعب ودافع عن الأسوار (2مل 18 :26؛ إش 36:11). و "ع م" يدلّ أيضاً على الشعب المسلّح (الرجال) (تك 32 :8؛ 33 :15؛ 35 :6). ولكننا لم نعد أمام شعب في السلاح.
(هـ) شعب يهوه. "ع م" هو الجماعة الدينية، جماعة مؤمني يهوه (خر 3:12؛ عد 11:29؛ قض 20 :2). تسمّيهم النصوص "شعبي"، "شعبك"، "شعبه" ((خر 3:7؛ خر 5:1؛ 18 :1؛ تث 32:9). وهناك حديث عن "الشعب المقدّس" (تث 7:6؛ 14 :2). عن "شعب مقدّس للرب إلهكم الذي اختاركم له من بين جميع الشعوب" (تث 7:6؛ 14 :2)، عن "شعب ميراث" الله. هذا ما يقابل اللفظة اليونانية القديمة لاووس التي أحيتها السبعينية فطبّقتها على الشعب المختار، وعارضتها مع "إتني" أي الأمم.
(و) الشعب الغريب. أخيرًا تدل "ع م" على شعب غريب : كوش (إش 18:2)، مصر (إش 30:5). وفي صيغة الجمع، يقف الغرباء تجاه اسرائيل ((إش 2:3؛ إش 8:9؛ 12 :4).
2) العهد الجديد. إن العهد الجديد تبع بشكل عامّ السبعينيّة فسمّى الأمم (سائر الشعوب، الغرباء)، اثني ((مت 10:18؛ مت 20:19؛ 28 :19؛ أع 14:16؛ 21 :21). ولكنه في مرات أخرى ترك السبعينية، فظلّ أمينًا للاستعمال الشعبيّ اليونانيّ فاستعمل "لاووس" للحديث عن الشعب ((مت 4:23؛ مت 26:5؛ 27 :25، 64؛ (مر 11:32؛ مر 14:2؛ أع 3:9؛ 4 :1، 17، 21). وتبع لوقا السبعينيّة فدلّت لفظة "لاووس" على اسرائيل ((أع 4:10؛ أع 5:34؛ 13 :24)، ثم على المسيحيّين الذين جاؤوا من اسرائيل (أع 18:10)، بل على الوثنيين الذين تماهوا بدعوتهم مع اسرائيل (أع 15:14). حين يتكلّم بولس لغته الخاصة، فهو يجهل "لاووس". أما عبارة "شعب الله " في رسائله فتنحصر في مجموعة إيرادات العهد القديم في رو 15 :10-11؛ 1كو(ر 10:7؛ ر 14:21؛ 2كور 6 :16. ورث بولس من السبعينية والعالم اليهوديّ طريقتهما في تسمية الأمم "إتني". وهذا يكشف لنا فكره الحميم : فهذا الاستعمال الذي ترتبط به مجموعة شعوب الأرض (رو(م 1:5؛ م 15:11؛ غل 3 :8)، يفترض ضمنيًا وجود شعب مختار ومميَّز. ما أراد بولس أن يستعمل لاووس، واحتفظ بلفظة "إتني" من أجل الأمم على غرار ما في العالم اليهوديّ، فاستعمل "غانوس" ليدلّ على الشعب بشكل عام، دون أن يكون لكلامه لون لاهوتيّ أو دينيّ (غل 1 :14؛ 2كور 11 :26؛ رج فل 3 :5).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|