(أ) في العهد القديم. تدلّ كلمة شيطان (شطن في العبريّة) بشكل عام على الخصم، على المتّهم في المحكمة (مز 109:6)، وتدلّ أيضاً على الذي يعارض رجلاً آخر بعض الوقت (1صم 29:4؛ 2صم 19:23؛ 1مل 5 :18؛ 11 :14، 23، 25؛ سي 21 :27؛ مت 16:23). وحتى ملاك الرب الذي يقف في طريق بلعام وجحشته يسمّى شيطانًا (عد 22:22، 23؛ رج مت 16 :23). ولكن الكلمة تنطبق بصورة خاصة على كائن علوي مهمّته أن يتّهم الناس بلا رحمة أمام منبر الله ويقف في طريقهم (شطن مع أداة التعريف). في أي 1 :6-2 :7 يبدو الشيطان أمام الرب كواحد من أبناء الله يوم اجتمعوا أمام الله. عاد بعد الدوران في الأرض وتكلّم مع الرب واستأذنه ليمتحن تقوى أيوب بكل أنواع المصائب. ويلعب الشيطان دورًا مماثلاً في رؤية زك 3 :1ي : يرسل اتهامًا على يشوع رئيس الكهنة، ولكن ملاك الرب يردّ الاتهام.
في 1أخ 21:1 تُستعمل كلمة شيطان للمرّة الأولى بدون أداة التعريف، كاسم علم فتدلّ على المجرب. فالشيطان يدفع داود لكي يقوم بإحصاء الشعب. نلاحظ أن النص الموازي في 2صم 24:1 ي ينسب مبادرة هذا العمل إلى غضب الرب. وهكذا توصّل العهد القديم تدريجيًّا إلى مفهوم الشيطان. لا تميّز النصوصُ القديمة بين ما يفعله الله وما يسمح به، لهذا نسبت إلى غضب الله ما لا يعمله الله بل يتحّمله. ورؤية ميخا بن يملة (1مل 22 :19ي) تذهب أبعد من ذلك : أراد الرب أن يضلّل أخاب فاستعمل روح كذب جعله في فم أنبياء أخاب. ولكن هذا الروح جزء من جند السماء. في أي 1-2 يتكلّم الشيطان مع الرب بحريّة ويتصرّف بموافقته. ويبدو في زك 3 العدوَّ الدائم للتيوقراطيّة. في 1أخ 21 صار الشيطان أبا كل شر وعدوَّ الله اللدود. وفي نهاية زمن العهد القديم نرى الشيطان في حيّة تك 3 (حك 2 :24). من كل هذه المعطيات يظهر أن صورة الشيطان لم تؤخذ عن الثنائيّة الفارسيّة (أهريمان مبدأ الشر. هو مستقل عن اله النور، أهورا مزدا).
(ب) في أقوال الرابينيّين، تميّز الشيطان (اسم علم) عن الملائكة الساقطين وارتبط بملائكة العقاب (أخنوخ). اسمه بليعال وخاصة شمائيل. يحاول أن يبلبل علاقات الله مع شعبه فيدفع الناس إلى الخطيئة ثم يشكوهم أمام الله، وهكذا يعرقل مخطّط الله الخلاصي. هناك نصوص تماثل بين الشيطان وحيّة تك 3 فتتحدّث التراجيم والمدارش عن الحيّة القديمة.
ترد لفظة شيطان بعض المرات في كتابات قمران (مد 4:6؛ مب 1:8)، ويلعب بليعال دورًا هامًا. الشيطان هو رئيس الملائكة المتمرّدين في استشهاد اش (2 :2) وفي وصيّات الآباء ( و ص جاد 4:7؛ و ص (دان 3:6؛ دان 5:6؛ 6 :1) وفي انتقال موسى (10 :1) وكتاب اليوبيلات (10 :11؛ 23 :29؛ 50 :5). حسب توسفتا : "يرافق الشيطان الرجل الشرير" (شبت 17 18 :3). وحسب رابي يوسي بن زمرا (القرن 2 ب م )، دفع إبليس الشيطان ليفرض على ابراهيم أن يذبح اسحق. اسمه في يوب 17 :16؛ مستيما، وحسب تل بابل (قدو شيم (8أ) اتخذ إبليس صورة امرأة ليجرّب رابي عقيبة (50-135ب.م.)
(ج) في العهد الجديد. يسمّى الشيطان ستاناس (شيطان) أو ديابولوس (ابليس). لا اسم علم له إلا اسم بليعال (رج أيضاً بعل زبوب). وهناك أسماء أخرى : (سيّد) هذا العالم (يو 14 :30) المتهم (رؤ 12:10)، الشرير (مت 13:19؛ أف 6 :16؛ 2 تس 3 :3)، العدوّ (مت 13:39؛ لو 10 :19). تتضمّن فكرة الشيطان في العهد الجديد ميزتين : إنّه الملاك الجاحد (2بط 2:4؛ يهو 6) وعدو الله العظيم وسيّد هذا العالم. إنّه سيُغلب أمام المسيح ومملكته. يستعمل الشيطان ممالك هذا العالم (لو 4 :6)، إنه القويّ المسلّح (مت 12 :29 وز). منذ البداية يحاول أن يجرِّب البشر (1تس 3:5؛ مت 4:3؛ 1كور 7 :5) ويقودهم إلى هلاكهم (يو 8 :44). فيصبحون عبيده بخطيئتهم (عب 2:14؛ 1يو 3 :8، 10). الخطيئة مناخه الطبيعي (1يو 3 :8) وهو أصلها (2كور 11 :3؛ يو 8 :44) ومحرّكها (1تس 3:5؛ مت 4:1) حتى يومنا (أف 2 :2). الأرواح الشريرة تخضع للشيطان (مت 25:41؛ 2كور 12 :7؛ اف 2 :2؛ 6 :12؛ رؤ 12:9). هو يلهم عبادة الأوثان والسحر لدى الوثنيّين (أع 13:10). إنه سيّد هذا العالم (يو 12 :31؛ 14 :30؛ 16 :11؛ 1يو 5 :9) بل إله هذا العالم (2كور 4 :4). ويسمّى الشيطان أيضاً الحية كما في حك 2 24 (2كور 11 :3؛ رؤ 12:29). ولكن المسيح نزع سلطانه (مت 12 :28ي وز؛ يو 12 :31). وقد بدأ هذا النصر بمجيء المسيح على الأرض (لو 10 :18) وموته على الصليب (يو 12 :31) وسيتمّ عند مجيئه (رؤ 12:12). ويظهر هذا النصر بصورة واضحة في إخراج الشياطين من الممسوسين. لهذا يستطيع أن يوجّه هجماته على أول مرحلة من مراحل ملكوت الله كما ظهر في شخص يسوع (تجربة يسوع : مت 4:1 ي وز). وشرُّه الخفيّ (سلطان الظلام في كو 1 :13) هو الذي عمل في خيانة يهوذا (لو 22 :3؛ يو 6 :70؛ 13 :2، 27). وهو يحارب عمل تلاميذ يسوع (لو 22 :31) والجماعة المسيحيّة الفتيّة (أع 5:3) وكرازة الرسل (1تس 2:18) بل يُحسب المسؤول عن بعض الأمراض (لو 13 :16؛ 1كور 5 :5؛ 2كور 12 :7). وهو ينصب فخاخًا للجماعات المسيحيّة وهي لا تقدر أن تقاومه إلاّ بقوّة الإيمان (رو 16 :20؛ اف 6 :16؛ 1بط 5 :8...). وفي الأيام الأخيرة، وبعد أن يقيّد ألف سنة، نراه يضاعف جهوده ليدمّر مملكة الله ويطغي الشعوب (رؤ 20 :7ي). فالمسيح الدجال (انتيكرست) هو أداته (2تس 2:9). ولكن سيأتي دماره النهائيّ في مستنقع النار (رؤ 20:10؛ يهو 6؛ 2 بط 2 :4). كل هذا يبيّن أنّ العهد الجديد يتحدّث عن كائن شرير له كل سمات الشخص البشريّ. وان تفسير صورة الشيطان تفسيرًا سيكولوجيًّا يتعارض ونصوص العهد الجديد.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|