(أ) المضمون. بُني صف حسب رسمة الكتابات النبويّة العاديّة. نبوءة شرّ، أقوال على الامم، إعلان الخلاص.
1) إن المقطع الموجّه ضدّ أورشليم (1 :2-2 :3) يتضمّن خمسة أقوال تعلن مجيء يوم الرب كعقاب للتلفيق والجشع (1 :4-17). بعد هذا، نقرأ نبوءتين (1 :18؛ 2 :1-2) وتنبيهًا واحدًا (2 :3).
2) القسم الأوسط هو خطبة تهديد ضدّ الأمم : الفلسطيون، موآب وعمون، مصر، أشورية (2 :4-15).
3) ويتوجّه القسم الثالث ضد أورشليم (3 :1-8) ورؤسائها الفاسدين. يبدأ فيتّهم (3 :1-5)، ثمّ يعلن الحكم (3 :6-8). لماذا فُصل القسم الثالث عن القسم الأوّل؟ لأنّ التهديدات الموجّهة إلى الأمم تشكّل تنبيهًا لأسرائيل.
4) وعدان. واحد للأمم (3 :9-10)، وواحد لأورشليم (3 :11-13).
5) الخاتمة. تبدأ بدعوة إلى الفرح (3 :14ي) وتنتهي بكلام تعزية (3 :15-20).
(ب) الجذور يقول الشرّاح بصحّة ووحدة صف، ما عدا بعض الزيادات التي جاءت بعد المنفى. صفنيا شاعر مبتكر، وهو يعرف كيف يرسم اللوحات الملموسة ويخلق جوَّ التهديد. أما موضوع رسالته : حرب على التلفيق الدينيّ الموجود قبل إصلاح يوشيا. كان هذا التلفيق مشبعًا بروح العالم وبالانحطاط الخلقيّ. هل رأى صف في أحداث خارجيّة (الاسكوتيون : رج هيرودوتس التاريخ 1 :103) مقدّمة لتدخل الرب؟ لا يبدو الأمر معقولاً. إنّ أهميّة صف اللاهوتيّة ظاهرة في الميدان الأخلاقي والاسكاتولوجي. فمن الناحية الأخلاقيّة، هو يحارب الكبرياء ويدعو الأرض إلى البرّ والتواضع (نكاد نكون في جوّ مسيحيّ). ومن الوجهة الاسكاتولوجيّة، نرى أن أفكاره خاضعة لسلطان يهوه. إنّ يد الربّ تعاقب يهوذا بل العالم كلّه والطبيعة (1 :3). وليس هدف تدخّل يهوه الدمارَ، بل التطهير والاحتفاظ بشعب متواضع ووديع. لهذا نستطيع أن نسمّي صفنيا الواعظ عن الخضوع والانصياع لإرادة الله.
(ج) تكوين الكتاب. يعكس هذا السفر وضعًا نستطيع أن نحدّده في الزمن. روحه تعارض أشورية. وما زالت أشور ونينوى قويّتين (2 :15، أنا، أنا وحدي). وإن الأشوريين ما زالوا يؤثّرن على ديانة يهوذا وشعائر العبادة في أورشليم : عبادة الكواكب (1 :15)، طريقة اللباس لدى الطبقة الحاكمة (1 :8). وهكذا سبق صف سقوط نينوى (612) فعاد إلى فترة كانت أشورية في أوجها. وقد يكون الزمن زمن منسّى وأمون (ق 1 :4-5 مع 2مل 21 :3-5)، بين سنة 687 وسنة 640. ويمكن أن يكون صف دوّن خلال ملك يوشيا القاصر (640-632) : لا يُذكر الملك بعد، لأنه غائب من الحياة العامّة. فيشير النبيّ فقط إلى الوزراء والأمراء الذين كانوا أقوياء خلال الوصاية على الملك. ولكن السنوات الأول لبلوغ يوشيا إلى الحكم توافق بشكل أفضل تاريخ تدوين صف. نال الملك الشاب (منذ سنة 626) عون اليهوذاويين فحاول التخلّص من النير الأشوريّ، وذلك بتأثير من الحزب المحالف لمصر، وهذا تيّار عرفه إرميا (2 :18، 35-36). وكان في هذا الخط الضبّاط الذين قتلوا أمون المتحالف مع الأشوريين (2مل 21 :23). وساندتهم مصر مع بساميتيك الأول الذي أتى على السلالة النوبيّة (السلالة 25 التي ينتقدها صف 2 :12)، وطرد الأشوريين من أرضه، ونظّم حملات عسكرية خارج مصر في بنتابوليس الفلسطينين بمعاونة اليهوذاويين.
هذا الانقلاب في الوضع السياسيّ وجد صدى طيّبًا لدى أهل الشمال الذين طردهم سرجون الثاني سنة 720)، فلجأوا إلى أورشليم. واستقبلهم حزقيا وبنى لهم مدينة جديدة (1 :10) شمال أورشليم، عند سفح تلّة الهيكل. إن "ابنة صهيون"، أي الحيّ الذي أقام فيه المنفيّون، تتألم من تجار أورشليم فيدبّ فيها اليأس. ولكنها تتشجّع حين تسمع بخبر فشل الأشوريين في مصر وموت أشور بانيبال سنة 630 (3 :17-20). وبما أن صفنيا كان من هذه الجماعة، فهو نبيّ هذا الرجاء. وهكذا نستطيع القول إن صفنيا أطلق نبواته سنة 630، وفي بداية حكم يوشيا.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|