(أ) الاسم. يحمل سفرا صموئيل اسمًا مختلفًا في التقليد العبريّ عمّا هو في التقليدين اليوناني واللاتيني. اسمه في التقليد اليهودي : صموئيل. هذا يدلّ على أن سفري صموئيل ألّفا في البداية كتابًا واحدًا. وحين نُقل إلى اليونانيّة، قُسم لأسباب عمليّة إلى جزءين متساويين سُمّيا الملوك الأول والملوك الثاني. وهكذا كانا القسم الأول لمؤلَّف سيكمّله الملوك الثالث والملوك الرابع. وسارت الشعبيّة اللاتينيّة على خطى السبعينيّة اليونانيّة. وأخذ النص العبريّ بالتقسيم (دون الاسم) بعد سنة 1448. لا يسمّى سفرا صموئيل كذلك لأنّ صموئيل كتبهما. فهذا التقليد التلمودي يعود إلى 1أخ 29:29. ولا لأنّهما يتحدّثان عن صموئيل، لأنّ كلّ من شاول وداود يلعب دورًا أهم من دور صموئيل. لم يستطع التقليد اليهوديّ أن ينسبه إلى داود، لأنه صاحب المزامير، ولا إلى شاول لأنّه رُذل. وهكذا لم يبق إلا اسم الشخص الثالث المهمّ في الكتاب. لهذا سُمّي كتاب صموئيل بسفريه الأوّل والثاني.
(ب) المضمون. يروي كتاب صموئيل خبر شعب اسرائيل في أهم أوقاته. إن اثنتي عشرة قبيلة لم تكن تكوّن مجموعة دينيّة ولم تكن تعمل معًا بقيادة رئيس (أو قاض ومخلّص) إلاّ حين تكون في خطر. هذه القبائل شكّلت وحدة سياسيّة بقيادة رئيس هو الملك. يظنّ الشرّاح عامة أن هذا التطوّر تمّ تحت الضغط الذي شكّله الفلسطيّون على وجود اسرائيل. هذا الرأي صحيح، ولكن يجب أن لا ننسى أن شعب اسرائيل تأثّر بحضارة الممالك التي جاورته : موآب، عمون، أدوم. وتمنّى أن يتكيّف الحكم كما في هذه الممالك. مثلُ هذا الاعتبار يفسّر وجود نصّ مثل 1صم 8:5 ويفهمنا فشل ملكيّة ابيمالك (قض 9 :6) ومعارضة الأوساط الدينيّة للملكيّة. فهذه الأوساط خافت من أن تكون الروابط السياسيّة بين القبائل عاملاً يُضعف الروابط الدينيّة وتحلّ الدولة محلّ مملكة الله. أما المتكلّم باسم المعارضة فكان صموئيل. ولكنه لم يقدر على الوقوف بوجه التيار، فقبل متطلّبات الرأي العام.
لم يكن الملك الأول، شاول، على قدر المهمّة. مات في المعركة تاركًا لخلفه بلدًا كاد يذوب لو لم يبرز رجل عظيم أقرّت به قبيلتُه ثمّ كلّ اسرائيل ملكًا. هذا الرجل داود، توصّل أقلّه لوقت محدَّد، إلى أن يوحّد كل قبائل العبرانيّين ويجعل منها دولة عظمى. ولقد رأى كاتب صموئيل في هذا التاريخ نتيجة تأثيرات لدى أناس قادهم الله وتلقّوا الدعوة منه. خانوا دعوتهم فرُذلوا. وهذا لا يطبَّق فقط في العالم السياسيّ بل في العالم الدينيّ أيضاً. فبعد أن فقد شاول حظوته، أعطى الله محلّه لداود الذي احتلّ فيما بعد، هو وسلالته، في تاريخ الخلاص، مكانة رفيعة. هذا ما حدث لعالي ونسله الذين فقدوا حظوتهم، فدفع الله محلّهم الكاهن صادوق، ومن أجل هذين المختارين بنى الله بيتًا يدوم (1صم 2:25؛ 2صم 7:16). وإذا ربطنا الأحداث بالأشخاص الرئيسيّين، نستطيع أن نقسم كتاب (سفري) صموئيل أربعة أقسام : عالي وصموئيل (1صم 1-7)، صموئيل وشاول (1صم 8-15)، شاول وداود (1صم 16-2صم 1)، داود وحده (2صم 2-20) حتى نهاية ملكه مع ما رافق هذا الملك من فوضى سبّبها طموحُ أبنائه. ويشكّل ف 21-24 ملحقات. إنّ تاريخ الخلاص يعطي سفري صموئيل طابعهما الخاص ووحدتهما.
(ج) أصل الكتاب. من خلال هذه الوحدة نكتشف تنوّعًا كبيرًا في المواد التاريخيّة. ففي 1صم خاصة ترد الأحداث عينها مرات عديدة ولكن في وجهات مختلفة (ق 1صم 9 (مع 10:17-27؛ مع 11:12-15؛ ق 15 :31؛ 10 :10-12 مع 19-24. ق 16 :14-23 مع 17:55-58؛ ق 18 :17-19 مع 18:20-27؛ ق 1صم 17 مع 2صم 21:19؛ ق 2صم 20:12-17 مع 23:16-18؛ 24 :21-23...). بعد 2صم 8 تصبح هذه الظاهرة نادرة بحيث إن 2صم 9ي يختلف عما قبله. ونلاحظ تبلبلاً في تسلسل الأحداث. ففي 1صم 7:13، نرى أن الفلسطيّين قد هُزموا نهائيًّا. ولكننا نرى في ف 13ي الحرب سجالاً بين الفلسطيّين والإسرائيليّين. نرى داود مع الفلسطيّين في 1صم 17ي بينما نرى سقوط شاول بأيديهم في ف 31. في 1صم 9:8 لا يعرف صموئيل شاول مع أن صموئيل كان رئيس كل اسرائيل (7 :13)، وأنه زار المنطقة التي يقيم فيها شاول (7 :16). في 1صم 17:55 لا يعرف شاول داود مع انه كان في خدمته (2صم 14-23). ونكتشف سمة أخرى في 2صم. هنا نفهم أن يكون النقّاد الذين رأوا مراجع في البنتاتوكس تحدّثوا عن تقليد يهوهي والوهيمي في كتاب صموئيل. فجاء الكاتب الاشتراعي وجمع المواد وزاد المرجع الكهنوتيّ 2صم 2:27-36. ولكن يبدو أن الصحيح هو أن صموئيل (حتى 2صم 8) يجمع عدّة تقاليد ترجع إلى أوساط متنوّعة وتتّسم بطابع شعبي. كانت علائق بينها فجُمعت بطريقة من الطرق. مثلاً كل ما يتعلّق بصموئيل كقاض. ولكن هذه المعطيات لم تكن وحدة أدبيّة إلاّ خلال المنفى بواسطة يد اشتراعيّة وجدت قصّة عائلة داود (2صم 9-20) التي دوّنت حالاً بعد موت هذا الملك. ولكن اليد الاشتراعيّة لا تظهر في صموئيل كما في قض والملوك. اكتُشفت في بريّة يهوذا مقاطعُ عديدة من كتاب صموئيل.
(د) التعليم. الفكرة الروحيّة الموجودة في أساس صموئيل هي فكرة الاختيار كما توسّعت فيها الأوساط الاشتراعيّة : اختار الله شعبًا ليحقّق فيه مخطّطه الخلاصيّ. وهذا ما نقول عن الأفراد الذين بهم تظهر إرادته الخلاصيّة. ثمّ إنّ للشعب والأفراد واجبات تجاه الله. وتبدو العلاقات بين الله والإنسان بشكل عهد بادر إلى عقده الله نفسه. وفي كلّ تاريخ الخلاص هذا يلعب داود دورًا كبير الأهميّة وتظهر نبوءة ناثان (2صم 7) معاصرة لفجر التيّار المسيحاني.
إنه وإن لم يكن الطابع الاشتراعيّ واضحًا، فالكتاب (1صم، 2صم) يدلّ على لاهوت العهد من الوجهة الاشتراعيّة. فوجه داود الذي هو قلب الكتاب (1صم 16-2صم 25) يُعطي زمنه سمة الأمانة التي تجعله قريبًا من يشوع. غير أن الفصول الأولى يتحدّد موضعها في المنظار الديني عينه. إن شعب اسرائيل يريد ملكًا مثل جميع الأمم (1صم 8:5، 20)، وكأنه نسي أن يهوه وحده هو الملك (1صم 8:7؛ 12 :12). فملك بني اسرائيل لا يمكن أن يكون إلّا تابع الربّ وأداة مخطّطه في شعبه. وتطلب منه أمانة تامّة للربّ (1صم 12:14-15، 24-25؛ 1مل 2 :3-4؛ تث 17:18-20). أما مأساة شاول فكانت أنه سمع لصوت الشعب الذي نادى به ملكًا، وما سمع لصوت الرب (1صم 15:1-11، 22-23). فرفض الرب شاول، لأن شاول رفض ربّه (1صم 15:23). أما داود، فكان مثال الملكيّة في شعب اسرائيل، مع أنه كانت له أخطاؤه (2صم 12-20) : تكرّس للرب بكليّته، فكان "عبده" (2م 7:12) السامع لانبيائه (1صم 22:5؛ (2صم 7:1-16؛ 2صم 12:1-13؛ 24 :11-19) حتّى إن وبّخوه. ودلّ نجاحه على أن الرب معه (2صم 5:10، 12). به ملك الربّ في أورشليم، التي صارت بواسطة تابوت العهد (2صم 6) المدينة المقدسة، مدينة داود، مدينة الربّ. وكان لهذه الأمانة جزاؤها الخيّر. فنبوءة ناثان (2صم 7:8-16) أكدت للملك دوام سلالته. وهذا المثال الملكي الذي اعتبر الكاتب أن داود عاشه، سيكون المقياس ليحكم على خلفائه. هذا ما نراه في كتاب الملوك.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|