أولاً : المضمون. بعد العنوان والمقدمة نقرأ ثمانية أقوال ضد دمشق وغزة وصور وأدوم وعمون وموآب ويهوذا واسرائيل (1 :3-2 :16)، وأربعة اتهامات ضد اسرائيل تبدأ كل واحدة بهذه العبارة : "اسمعوا يا بني اسرائيل هذه الكلمة" ( 3 :1-5 :6؛ 8 :4-14). هذا المقطع الأخير يرتبط ارتباطا مباشرا مع 5:6. بعد هذا نقرأ ثلاثة تهديدات لاسرائيل. ويبدأ كل تهديد بهذه العبارة "ويل" (5 :7-6 :14). ثم خمس رؤى (7 :1-9 :14 : الجراد، الجفاف، خيط البناء، سلة الثمار الناضجة، يوم يهوه) يقطعها الجدال مع امصيا الكاهن (في صيغة المخاطب : 7 :10-17. وُضع الجدال بين الرؤية الثالثة والرؤية الرابعة لأن موضوع الجدال والرؤية الثالثة هو واحد) والاتهام (8 :4-14 : وُضع بين الرؤية الرابعة والرؤية الخامسة لسبب نجهله). بعد هذا نقرأ في عاموس نشيدًا (9 :5ي؛ إن 4:13 و 5 :8ي هما نتف نشيد)، واتهاما لاسرائيل (9 :7-10)، ووعدًا بالخير (9 :11-15).
ثانيًا : اصل الكتاب. لا شكّ في أصل الرؤى ومجمل الأقوال التي ترد في عا. هذه المقاطع قد رتّبها كاتب فأقحم فيها خبر الجدال مع أمصيا. وهكذا تبلبل الترتيب الاول. هناك شك في القول ضد يهوذا (بسبب اسلوبه) والمدائح (موضوع الخلق، لا ترتبط بالنص). ولكننا لا نشك بـ 9 :11-15 الذي هو وعد قيل باسلوب هوشع (هو 2 :14-23) وبصورة مأخوذة من الريف.
ثالثًا : اللاهوت. نجت مملكة اسرائيل من تسلّط دمشق فعرفت الرخاء. ولكن برز الفرقُ بين الأغنياء والفقراء، بين حياة كسولة يعيشها الملاّكون الكبار الظالمون للشعب الدائسون لحقوقه، وبين وضع يائس لأناس ليس لهم من يدافع عنهم. أما في النطاق الديني فهناك تعبير ديني منغلق على ذاته. يكفي أن نقدم الذبيحة للرب وبعد هذا نفعل ما نشاء. احتجَّ عاموس على هذه التجاوزات الاجتماعية والدينية، وارتفع صوته ضد غرور عصره الذي ظنَّ أن يهوه يرضى بمثل هذه العبادة الخارجية. الحق والعدالة هما في نظر عاموس أهم من هذه الديانة التي تكتفي بالمظاهر الخارجية. واذ تتعدّى مملكةُ اسرائيل وسائرُ الممالك شرائعَ العدالة الطبيعية، تتعدّى حقوقَ الرب السامية وتهيِّئ الدرب لسقوط لا مفرّ منه. لتعليم عاموس قيمة دائمة لعصرنا ولكل عصر. الرب يطالب بالعدالة الاجتماعية ويعاقب من يمتهنها. الامتياز الاجتماعي يحمّل الانسان مسؤولية اكبر. فعلى الافراد والامم أن يعيشوا حسب المعرفة التي تقبّلوها، ويفهموا أن لا قيمة لشعائر دينية لا ترافقها حياة اخلاقية ترضي الله.
هذا بالنسبة إلى أرض يهوذا واسرائيل. ولكن عاموس يخرج من هذا الاطار الضيّق، ويقدّم رؤية شاملة عن التاريخ. فالرب، إله شعب اسرائيل، يهتمّ أيضًا بسائر الأمم، فيوجّه التاريخ ويعلن أن هذه الشعوب هي له (9 :7). وإن هم لم يعرفوا الشريعة الموسويّة والوصايا السنائيّة، فعليهم أن يراعوا الشريعة المكتوبة في ضمير كل انسان. فالربّ هو سيّد كل الأمم وديّانها (1 :3-2 :3). وإذا كان من تمييز لشعب اسرائيل الذي اختاره الرب (3 :2) وحرّره من عبوديّة مصر وسلّمه في وحيٍ تعليم الشريعة والانبياء، فلكي يفهمه مسؤوليّته.
غير أن هذا الشعب لم يتجاوب مع نداء الربّ، ونسي متطلّبات العهد وداس العدالة. لهذا، فهو سوف يزول (8 :2).ويوم الرب الذي انتظروه يوم خلاص سيكون يوم ظلمة (5 :18-20) يبقى فيه الله صامتًا ولا يفعل شيئًا (8 :11-12). ولكن النبيّ ما زال متيقنا أن هذا الاله الذي يعاقب، هو الذي يخلّص أيضًا. إن لم يكن الجميع، فبقيّة (5 :15؛ 9 :8...) منها يخرج شعب جديد (9 :11-15).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|