1) في العهد القديم. ^ أولاً : لفظة عبد هي لفظة ملتبسة. فالعبريّة، شأنها شأن سائر اللغات السامية، لا تمتلك لفظة خاصة تقابل مفهوم العبد. فلفظة "ع ب د" (خادم، في العربيّة هناك علاقة بالعرق الأسود) التي تعني الخادم، قد تعني أيضًا علاقة تبعيّة، علاقة الملك الخاضع لسيّده الملك الأعظم (2صم 10:19؛ 2مل 16 :7 : رج 1مل 20 :32)، علاقة الوزير بالملك (تك 40 :20؛ 41 :10، 37-38؛ 50 :7؛ 1صم 8 :14-15؛ 2مل 22 :12)، علاقة المرتزقة بالنسبة إلى سيّدهم (2صم 2:12-13، 15، 30-31؛ 3 :22)، علاقة الخادم بالنسبة إلى سيّده (تث 15 :17؛ 2صم 9 :10). ونقول الشيء عينه عن لفظة "أمة"، عبدة (في العبرية أ م هـ). هي الخادمة (تث 15:17) والزوجة الثانية (تك 20 :17؛ خر 21:7-8). وفي الإطار الديني يدل "ع ب د" على علاقة ارتباط الملك الحاكم تجاه الملك الالهيّ الذي هو ممثّله ونائبه ((مز 18:1؛ مز 36:1؛ 89 :4-21؛ 2صم 7:5، 8؛ 1مل 3:6-9)، على علاقة المؤمنين بإلههم (مز 34:23؛ 69 :37)، على علاقة الانبياء (بالله) (2مل 9 :7؛ 10 :10؛ إر 7:25) الذين هم خدّام الله. وللمؤنث "ا م هـ " (الأمة) المفهوم الديني عينه : الاحترام الواجب لشخص من الأشخاص : أنا عبدك، أنا في خدمتك، طوع أمرك (تك 32 :19؛ 33 :5؛ 1صم 1:16؛ 25 :24).
ثانيًا : العبوديّة في شعب اسرائيل. بما أن لا لفظة خاصة تدلّ على العبد في زمن العهد القديم (إن فعل "ع ب د" في السريانيّة مثلاً يعني : فعل، عمل، صنع، وكذا في العبرية. في العريبة : خدم، خضع، لازم)، فمن الصعب أن نميّز بين عمل العبيد في السخرة (2صم 12:31) وعمل مأجور (1مل 9 :7، لقاء أجرة). والسبي أو الجلاء (2مل 15 :29) ليس مرادفًا للعبوديّة، وأخْذ الاسرى في الحرب لا يتضمّن تكوين هذه القطعان من العبيد الذين عرفهم اليونان أو رومة فكانوا سببًا متواصلاً للفوضى في المجتمع. ونعطي مثلاً على ذلك بالأرقام، يرتكز على الملكيّة الزراعيّة الصغيرة، كما كان الأمر في فلسطين القديمة. لم يكن العمّال العبيد ضروريّين لاقتصاد البلاد، بل كانوا يشكلون خطرًا. لهذا كانوا يقتلون الرجالَ من الاسرى (عد 31:7؛ تث 20:13)، ويستبقون على النساء والاطفال (عد 31:9؛ تث 20:14؛ 1صم 30:2-3). ويأخذون الصبايا بشكل خاص (عد 21:29؛ 31 :17-18؛ ق(ض 5:30؛ ض 21:11-12؛ رج تث 21:11-13؛ قض 21 :22)، ليكنّ في خدمة سيّدة البيت (تك 16 :1-2؛ 30 :3، 9؛ 1صم 25:24؛ يه 10 :5) ويُعطَين للزوج سريّة (تك 16 :2؛ 30 :3، 9). كان العبيد، سواء كانوا أسرى حرب أو أشخاصًا لم يستطيعوا أن يدفعوا ديونهم، موضوع تجارة ومقايضة (حز 27:13؛ عا 1:6، 9؛ يوء 4 :3، 6).
في الزمن الهلنستي، كان تجّار العبيد يتبعون جيش أنطيوخس الرابع ابيفانيوس ليشتروا اليهود الأسرى (1مك 3 :41؛ 2مك 8:10-11). والسعر الذي نجده في لا 27 :3-7 قد يعطينا بالقياس (رج تك 37 :28؛ خر 21:32؛ 2مك 8 :11؛ زك 11 :12) فكرة عن الأسعار المعمول بها في فلسطين. فقد كانت الشريعة تسمح للاسرائيليّ أن يشتري عبيدًا جيء بهم من الخارج أو غرباء يقيمون في البلاد (لا 25 :44-45؛ رج خر 12:44؛ لا 22 :11؛ جا 2:7). ويتميّز العبدُ المشترى بالفضّة عن العبد المولود في البيت (تك 17 :23، 27؛ لا 22 :11؛ رج إر 2 :14) من والدين عبدين (خر 21:4) أو من زواج ربّ البيت مع أمة من إمائه. هؤلاء الاولاد يخصّون السيّد (مثل صغير البقرة أو النعجة)، ويضاعفون عدد عبيده بسعر بسيط، فيرتبطون به بعد أن تربّوا في بيته. يُفرض على العبيد الختانة (تك 17:12-13) وراحة السبت (خر 20:10؛ 23 :12) والمشاركة في الولائم الذبائحيّة (تث 12:12-18) وفي الأعياد الدينيّة (تث 16:11، 14) ولا سيّما عيد الفصح (خر 12:44) الذي يُستبعد منه الضيفُ والعامل المأجور (خر 12:45). ويستطيع عبد كاهن من الكهنة أن يأكل من التقادم المقدّسة (لا 22 :11)، وهذا لا يحقّ للضيف والعامل المأجور (لا 22 :10). وهناك حالات يستطيع فيها العبد أن يرث سيّده (تك 15 :3؛ أم 17:2؛ سي 10 :25) وأن يتزوّج ابنته (1أخ 2:34-35). تحدّثت الشريعة عن تحرير العبيد في حالات خاصة (خر 21:26-27؛ تث 21:11-14). ولكن الغرباء يظلّون في العبوديّة طوال حياتهم. وكانوا ينتقلون إلى الوارث بعد موت سيّدهم كما ينتقل إليه مُلك من أملاكه (لا 25 :46).
ثالثًا : العبيد الاسرائيليون. من جهة المبدأ، يحرّم على بني اسرائيل أن يستعبدوا أبناء جنسهم (خر 21:16؛ لا 25 :46؛ تث 24:7؛ 2أخ 28:8-15). ولكن الاسرائيليّ الذي لم يستطع أن يدفع دينه، أو جُعل رهنًا شخصيًا، تُفرض عليه السخرة لفائدة اسرائيليّ آخر ((خر 21:2؛ خر 22:2؛ لا 25 :39-43؛ تث 15:12؛ 2مل 4 :1-7؛ نح 5:2-5) أو لفائدة غريب يُقيم في البلاد (لا 25 :47-53). أن يكون سيّده اسرائيليًا أو غريبًا، فهو يستعيد حريته في السنة السابعة (تث 15:12؛ إر 34:14) أو في السنة اليوبيلية (لا 25 :40-41، 45)، هذا إذا لم يدفع الدين قبل ذلك الوقت (لا 25 :48-53؛ 2مل 4 :7؛ نح 5:8، 11). فإن تخلى العبد عن حقّه لأن ليس له من يقوم بأوده، تُثقب أذنه عند عتبة الباب علامة تعلّقه بعائلة سيّده (تث 15:16-17). تُذكر عادةُ وسم العبد في البيبليا بشكل غير مباشر (إش 44:5؛ رؤ 13:16-17)، ولكنها واضحة في الجماعة اليهودية الاراميّة التي عاشت في جزيرة الفيلة (الفنتين) في القرن 5 ق.م. كما في بلاد الرافدين.
رابعًا : الحماية القانونيّة. في بلاد الرافدين، كان للعبيد أن يلجأوا إلى التشريع ضد عنف جائر. واحتفظت الشرائع البيبليّة بعناصر حقوق اسرائيلية تجاه العبيد (أي 31 :13). مثلاً، إن قلع السيّد عين عبده أو كسر له سنًا، يحرّره تعويضًا له (خر 21:26-27). لا تحدّد الشريعة إن كان هذا الإجراء يُطبَّق في جميع الحالات أم فقط على الاسرائيليّ الذي أجبر على السخرة لدين لم يقدر أن يفيه. وهناك شكّ مشابه في شريعة خر 21:20، التي تسمح بانتقام الدم إذا ضرب سيّد عبده حتى الموت. ولكن إن ظلّ العبد حيًا يومين أو ثلاثة، هذا يعني أن السيّد لم يفعل عن سابق تصوّر، وأن خسارة عمل هذا العامل تُعتبر عقابًا له (خر 21:21). قال سي 33 :15 إنهم خلائق الله، شأنهم شأن أسيادهم. ولكن العبد قد يهرب، حتّى وإن عومل معاملة حسنة (1صم 25:10؛ 1مل 2 :39؛ سي 33 :33). كان يحقّ للسيّد، بشكل عام، أن يستعيد العبد الهارب (1مل 2 :40؛ رج 1صم 25 :10). ولكن، إن كان الهارب هو من مملكة اسرائيل (أي من الشمال) وقد لجأ إلى مملكة يهوذا (في الجنوب)، فالمنع يتحدّث عن تسليمه إلى السلطات الاشوريّة التي كانت تسوس المقاطعات القديمة في مملكة الشمال منذ العقود الاخيرة في القرن 8.
2) العهد الجديد يعكس العهد الجديد واقع العالم اليوناني والرومانيّ، وفيه بدت العبوديّة ظاهرة عاديّة. لهذا وضعت الأمثال الانجيلية أمامنا عبيدًا على "المسرح" (مت 24:45-51؛ لو 12 :42-48؛ 17 :7-9). أما الرسائل البولسيّة فذكّرت بواجبات وحقوق الأسياد والعبيد (أف 6 :5-9؛ كو 3 :22-4 :1؛ 1تم 6:1-2؛ تي 2 :9-10؛ فلم 8-21؛ رج 1بط 2 :18-20). وشّدّد بولس على أن وضع العبد هو بلا أهميّة بالنظر إلى التحرير الروحيّ الذي يحمله المسيح (1كور 7 :21-24؛ رج 12:13؛ غل 3 :28؛ أف 6 :8؛ كو 3 :11). ثم إن المستوى الاجتماعي للعبيد جعل الرسول يتحدّث عن الله الذي أخذ صورة العبد (فل 2 :7) فخلّص المؤمنين من عبوديّة الخطيئة (رو 6 :6) والعالم (غل 4 :3) ليمنحهم نعمة التبنّي (غل 4 :5؛ رج يو 8 :32-36).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|