أولا : إلى من كتبت، وما هي ظروف كتابتها؟ يظهر الظرف من مضمونها. ضعُف ايمان القرّاء، وبعضهم امتنع عن المشاركة في الاجتماعات الدينية (10 :24). يبدو أنهم انجذبوا بشعائر العبادة اليهودية، لأن الكاتب يُعنى بأن يبيّن القيمة النسبية لهذه الشعائر. اذاً يعتبر عدد من الشرّاح أن عب توجّهت إلى مسيحيين متهودين وهذا ظاهر من استعمال براهين مأخوذة من العهد القديم. لا شك في أن الوثنيين المهتدين عرفوا التوراة (كما في غل) واهتموا اهتماما كبيرا بالطقوس اليهودية (غل 4 :9؛ 5 :1). الا اننا لا نزال نقول ان عب تتوجّه إلى المسيحيّين المتهودين لا سيما وان عنوان الرسالة اكيد منذ سنة 200. من الاكيد ان المسيحيين المتهودين ظلوا يأتون إلى الهيكل بحيث كانوا يحسون بالحنين إلى احتفالاته. ولكن ليس من الضروري ان نبحث عن قرّاء عب في أورشليم (من الصعب ان نطبق 6 :10 على جماعة اورشليم التي اهتمت بفقرائها). ثم ان جماعة اورشليم لم يكن على رأسها مدبر "هيغومينيس" (13 :7، 17) بل حكم ملكي. قالوا : قرّاء عب كانوا في فلسطين أو في آسية الصغرى، أو في رومة (13 :24) أو الاسكندرية.
ثانيًا : المضمون والتأليف. الافكار الرئيسية في عب هي : كهنوت المسيح، التناسق بين العهد القديم والعهد الجديد، المسيحي منفيّ على الأرض.
(أ) تصوّر عب الفداء بشكل دراما عبادية. المسيح هو كاهننا الأعظم (3 :1؛ 4 :14؛ 8 :1؛ 9 :21) والوسيط بين الله والبشر (5 :1). إنه خالق الكون (1 :1-3) وفوق الملائكة (1 :4-14؛ 2 :5-17). صار شبيهًا بنا في كل شيء (2 :16-18؛ 5 :7). هو يستطيع أن يتألم معنا ويتشفّع من أجلنا (4 :15؛ 5 :2؛ 7 :25). وكما أن رئيس الكهنة اللاوي دخل قدس الأقداس حاملا دم الذبيحة ليُتم به المصالحة (9 :7؛ رج لا 16 :14ي)، هكذا دخل المسيح المعبد السماوي (4 :14؛ 6 :19؛ 9 :24) ليقدّم إلى الآب دمه الخاص (9 :12؛ 12 :24). مات المسيح مرة واحدة، ولكنه ما زال يقدم ذبيحته لله.
(ب) كل هذا نكتشفه في المقابلة مع العهد القديم. عب هي أولى محاولة واسعة لتفسير العهد القديم في معنى كرستولوجيّ (على ضوء يسوع المسيح). يستعمل الكاتب نصوص العهد القديم لا ليبرهن عن أفكاره فقط، بل ليستقي إيمانه في شخص يسوع وعمله. العهد القديم هو في نظره كتاب مسيحي لا يُفهم الا على ضوء واقع يجعله يتمّ (7 :11) في العالم الآتي، أي في عالم العهد الجديد. إن العبادة القديمة هي شبه ومثل (9 :9؛ 11 :9). إنها صورة مسبقة (8 :5؛ 9 :23) لليتورجيا السماوية التي وهي وحدها حقيقية، التي هي الاساس (منها تستقرض سائر العبادات اسمها) : 8 :2؛ 9 :24. العهد القديم هو ظل (8 :5؛ 10 :1). ليس هو فقط صورة الواقع العتيد، بل يرتبط به برباط عضوي كما بصلة وجوده.
(ج) لا يدخل المسيح وحده إلى المعبد السماوي. إنه يدخل كقائد (2 :10؛ 6 :20) وراع (3 :20) يفتح الطريق للمؤمنين (10 :19). تعتبر عب الحياة المسيحية حجًا إلى المعبد السماوي (4 :16؛ 12 :22) وتطوافًا ليتورجيًا يرافق فيه المؤمنون المسيحَ الكاهن الأعظم. نحن على هذه الأرض منفيّون. ونحن نسير إلى البيت الأبوي (11 :13) حيث مسكن الحبر الازلي (3 :2-6؛ 10 :21). حياتنا هي خروج جديد نحو أرض الموعد (13 :13ي). والطريق الذي نتبعه هو طريق الايمان (10 :22؛ 11 :6) بالمعنى الواسع للكلمة : قبول بالحقيقة الموحاة (12 :25)، الثبات (3 :7-4 :13؛ 6 :11؛ 10 :32-36؛ 12 :1-3)، الثقة القوية بعناية الله على مثال الآباء (ف 11). لا تتبع عب مخططًا منطقيًا، أو بالاحرى هي تتبع مخططا خاصا بها يقوم على التكرار وتسلسل عدد من المواضيع يتوسّع فيها الكاتب حسب خطوط مركّزة. ليست الرسالة مقالة لاهوتية. إنها عظة مكتوبة (13 :22؛ رج أع 13 :15). ويُبرز طابعَها الوعظيّ نصوصٌ مثل هذه : 2 :5؛ 5 :11؛ 6 :4. وتضخيمات خطابية (6 :4-6). وإن الاعتبارات اللاهوتية تُستعمل لتسند التنبيهات، وهي تتناقص عندما نقترب من النهاية. الموضوع الاساسي هو كهنوت المسيح (7 :1-10 :18). يهيّئه عرضٌ عن طبيعته الانسانية والالهية (1 :5-10)، ويتبعه تحريض على الايمان (10 :19-13 :21). وأهم الفواصل التحريضية الاخلاقية هي : 3 :1-4 :16؛ 5 :11-6 :20. وهناك توطئة كلاسيكية (1 :1-4) وكلمة شخصية بشكل توقيع (13 :22-25).
ثالثًا : نسب الشرق عب دوما إلى بولس. وقدمت مصر شهوداً قديمين من أجل هذه النسبة. بانتين (حوالي سنة 180). اكلمنضوس الاسكندراني واوريجانس (يقول : سكرتير بولس). في الغرب ترد عب باكرا عند اكلمنضوس الروماني الذي لا يشير إلى كاتبها. واعتُبرت حتى سنة 350 غير قانونية وبالتالي غير بولسية. بين سنة 350 و 400 دخلت عب في القانون بتأثير من الشرق. هناك 3 اعتراضات على صحة نسبتها إلى بولس. أ( اللغة والاسلوب. لغة صحيحة واسلوب متوازن بعيد عن طريقة بولس العنيفة. ب( عب تورد نص السبعينية وهذا ما لا يفعله بولس دوما. ج( المضمون. لا شك في أن هناك أفكارا بولسية في عب : المسيح وسيط الخليقة ( :2ي؛ رج كو 1 :15)، اتضاعه (2 :14-17؛ رج فل 2 :7)، ارتفاعه فوق الملائكة (1 :13-14؛ رج أف 1 :20ي). ولكننا نبحث من دون جدوى عند بولس عن كهنوت المسيح الذي هو موضوع الرسالة الاساسي، كما نبحث من دون جدوى في عب عن مواضيع بولس الرئيسية.
حاول اوريجانس أن يجد حلا لهذه الصعوبات فاقترح وجود سكرتير. قال : الافكار هي افكار بولس الرسول، أما التعبير والتدوين فهما خاصان بشخص تذكَّر تعليمَ الرسول. فدوَّنه وزاد عليه ملاحظاته الخاصة (اوسابيوس). ولكن هذا الجواب يبدو ضعيفا. فلا بد من القول إن كاتب عب كان حرًا كل الحرية، وان بولس اكتفى بالتوقيع. من كتب هذه الرسالة؟ قالوا : لوقا، اكلمنضوس، اسطفانس، سيلا، برنابا. ولكن الشخص الاوفر حظاً اليوم هو ابلوس. والاسباب هي : ?(1)? هو يهودي. ?(2)?من الاسكندريّة، شأنه شأن فيلون وفصيح اللسان (أع 18:24). ?(3)?كان قديرًا في شرح الكتاب المقدس. ?(4)? كان يُسكت اليهود بحججه. ?(5)? كان يعلّم تعليمًا صحيحًا ما يختصّ بيسوع. ?(6)? تمتّع بسلطة كبيرة في الكنائس (1كو(ر 1:12؛ ر 3:4-6؛ 4 :6) كانشريك بولس في الرسالة (تي 3 :13).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|