في العبرية : ص د ق هـ. في اليونانية : ديكايوسيني. إن المدلول البيبليّ يختلف بعض الشيء عمّا في العدالة. فـ "الصدقه" البيبليّة والشرقيّة هي أيضًا فضيلة تقوم بأن نردّ لكل واحد ما يخصّه. وهي أيضًا صفة تجعل كل سلطة أو لقب أو فعل أو حدث أو شيء موافقًا لما يطلبه الحقّ أو العُرف أو جوهر الشيء، فإن سقط مطر الخريف حسب "صدقه" (يو 2 :23) فهذا يعني أنه يتجاوب مع انتظار يرتكز على خبرة السنوات العاديّة. والقياسات والأوزان "عادلة" (لا 19 :36؛ حز 45:10)، إن كانت موافقة للقواعد المعترف بها. وإذا كان الخلف الذي يقيمه الله لداود يوصف بأنه "نبت صدّيق" (إر 23:5)، فهذا يعني أنه يكون نسلاً شرعيًا لداود. وكذا نقول عن "معلّم البرّ" في قمران. هو "المعلّم الشرعيّ".
1) عدالة الله. تقاس عدالة الله بشكل خاص في العلاقة بين أعمال الله والمواعيد التي أعطيت للآباء، بين ما يعد به العهد واعلانات الأنبياء. الله عادل (بار) إذا كان منطقيًا مع نفسه. فإذا تجاوز الشعبُ المختار أو بعض أعضائه الشريعة، تقوم عدالة الله بمعاقبتهم (مز 51:6). والانتصارات الحربية التي حازها بنو اسرائيل في حرب مقدّسة على الكنعانيين، تسمّى "أعمال برّ" الرب (قض 5 :11؛ رج 1صم 12 :7-8)، لأنها تتوافق مع وعد الله الذي كفل لشعبه المختار امتلاك أرض الموعد. وكان الرب بارًا مع داود حين وضع حدًا لثورة أبشالوم الذي قتله يوآب (2صم 18:31)، لأن داود هو الملك الشرعيّ، وابنه شخص تمرّد عليه. ويمين الرب التي تسند نسل ابراهيم المنفي في بابل هي "عادلة" (أش 41:10)، لأن تدخّله وفداءه يتوافقان مع مواعيد الخلاص وإعلانات الأنبياء. في هذا المنظار، صار عملُ الله الخلاصيّ تجلّي برّه وصدقه.
ونقول الشيء عينه عن العهد الجديد، حيث العودة إلى عدالة الله نادرة. فبحسب 2بط 1:1 نال المؤمنون الإيمان "ببرّ إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح". وهكذا صارت عطيّة الإيمان النتيجة الملموسة لبرّ الله، أي أمانته لمخطّطه الخلاصي. وحين يكون الله أمينًا لهذا الخطّ، فهو يدلّ على برّه. لهذا تُذكر أمانة الله وبره (وعدله) معًا في 1يو 1 :9-10 حيث يبرّر الله الانسان المستعدّ، فيغفر له خطاياه إن هو اعترف بها. إن موقف الله هذا يتوافق مع قاعدة قديمة نجد تعبيرًا عنها في لا 5 :5-6؛ مز 32:5؛ أم 28:13. وعند بولس، لا يُذكر برّ الله إلاّ في رو 1 :17؛ 3 :5، 21، 25-26؛ 10 :3؛ 2كور 5 :21). فبرّ الله الذي تجلّى في الانجيل (رو 1 :16-17؛ 3 :21-22) هو في نظر بولس، صفة الله الذي يتصرّف بحسب مخطّطه الخلاصي كما تشهد له الشريعة والأنبياء (روم 3 :21). وتقوم خطيئة اليهود بحسب بولس، في أنهم رفضوا أن يقولوا بأن الشريعة تقود إلى المسيح. فخلقوا نظامًا خاصًا بهم، خلقوا برّهم الخاص (رج فل 3 :9) وانقطعوا عن شريعة المسيح التي هي النهاية المثاليّة للشريعة وغايتها (رو 10:3-4). فاذا كان المؤمنون قد "صاروا برَّ الله " في المسيح، أي "في الإيمان بالمسيح" (2كور 5 :21؛ رج فل 3 :9)، فهذا يعني أن برّ الله اتخذ في المسيح وفي تلاميذه شكلاً ملموسًا.
2) عدالة الملك. تُقاس العدالة (أو البرّ) الملكية بحسب مبادئ الله عينها. فالعدالة هي سند العرش الملكيّ ((إش 9:6؛ إش 16:5؛ (أم 16:12؛ أم 20:28؛ 25 :5؛ 29 :14) كما هي سند عرش الله ((مز 89:15؛ مز 97:2؛ إش 33:5). ترتبط هذه الفكرة بالايديولوجيا الملكيّة في الشرق القديم : بحسبها يختار الله الملك لأنه "يحبّ العدل" (مز 45:8). هو يُدعى لكي "يملك في العدل" (إش 32:1)، "ويقيم الحقّ والإنصاف" أو العدل (2صم 8:15؛ 1مل 10 :9؛ إر 22:3، 15؛ 23 :5؛ 33 :15؛ خر 45:9؛ 1أخ 18:14؛ 2أخ 9:8). حسب 1مل 3 :28، نعم الملكُ سليمان "بحكمة إلهية لكي يقيم العدل". في هذه النصوص تمتلك "صدقه" معنى عامًا، ولكن النداءات "للحكم بحسب العدل" (لا 19 :15؛ إش 11:3-5؛ أم 31:9)، والتلميحات إلى القضاة الذين يدوسون العدالة (عا 5:7، 10؛ إش 5:7، 23)، ثم الاشارات إلى "الأحكام العادلة" (تث 16:18) و"القاضي العادل" (مز 7:12)، كل هذا يفهمنا أن "ممارسة الحقّ والعدل" لا تعني فقط أن الملك أو ممثّليه يمارسون السلطة القضائيّة حين يعلنون الأحكام، فيعاقبون أو يكافئون. هذه العبارة تعني أن على الملك، بالنظر إلى وظيفته، أن يسهر لكي تطبَّق بدقة قواعدُ الحياة الاجتماعيّة والعدالة التوزيعيّة والجزائيّة، مع مراعاة حقوق الفقراء والضعفاء (مز 72:12-13؛ إش 11:4). وقد تعني العبارة، كما في بلاد الرافدين في الألف الثاني ق.م.، أن للملك الحقّ بأن يعلن الإعفاء من الديون، على مثال النصوص التشريعيّة حول السنة السبتيّة. وتدلّ تنديدات الأنبياء (إر 34:12-22) بما فيه الكفاية، أن الواقع لم يطابق دومًا هذا المثال.
3) عدالة (أو برّ) الانسان. يُدعى المؤمن العاديّ "لكي يمارس الحقّ ويعمل بالعدل في كل وقت" (مز 106:3؛ رج إش 64:4؛ حز 18:19). إن وجب عليه أن يحضر أمام القضاة مع غريم له، "فيحكم القضاة بينهم ويبرئون البريء ويحكمون على المذنب" (تث 25:1؛ رج خر 23:1؛ 2صم 15:4). ولكن هذا الوضع العام لا يستنفد مدلول العدالة الفرديّة التي تتجاوز الأطر القاسية لعدالة توزيعيّة وجزائيّة، بل تتعدّى ممارسة الشريعة ممارسة دقيقة (مز 19). والذين استعلموا عن الشرائع العادلة، طلب منهم الرب "أن يقطعوا الربط الجائرة، أن يكسوا العراة" (إش 58:6-7؛ رج 58:10؛ حز 18:5-9، 15-17). والمرأة القديرة "تبسط كفيّها إلى البائس، وتمدّ يديها إلى المسكين" (أم 31:20). وأكّد أيوب أنه "ارتدى العدالة لباسًا" لأنه نجّى الفقير من الضيق، وساعد اليتيم، والمعذّب والأرملة، وقاد الأعمى وأسند الأعرج (29 :12-17؛ رج 22:5-9؛ 31 :6-21). وحسب مز 112:9 : "من كان سخيًا وأعطى المساكين، يدوم برّه إلى الأبد". وتكمن مأساةُ البار المتألّم (الذي هو أيوب) في أن أعمال الرحمة التي عملها لم تحفظه من الشرور، وذلك حسب ما كان يرجوه من المجازاة الزمنيّة (إش 3:10-11؛ حز 3:20-21).
وهكذا نرى أن برّ الانسان يتماهى مع الصدقة والمحبّة. وهذا ما نجده في طو 4 :7-11؛ 12 :8؛ سي 3 :30؛ 7 :10؛ 12 :3؛ 29 :12 حيث "صدقه" العبرية و"ديكايوسيني" اليونانيّة لا تعنيان "البرّ والعدل والصدق"، بل الصدقة والاحسان إلى المحتاج (هذا ما نجده في أدب الرابينيين). هذا التطوّر على مستوى المعنى هو في خط مدلول "صدقه"، لأن الغنى والفقر يطلبان بشكل طبيعي، أن يساعد الغنيّ الفقير. فهذا عدل، كما كان من العدل أن يعفو داود عن خصمه شاول (1صم 24:8)، الذي يفرض الطابع القدسي الذي يرتديه، بأن لا تُرفع يد عليه (1م 24:13؛ 26 :9-11).
وفي العهد الجديد جاءت النظرة إلى برّ الانسان شبيهة بنظرة العهد القديم والرابينيين. فالبرّ الذي يتحدّث عنه مت 6:1-3؛ 25 :37-39، 46؛ 1يو 3 :10، هو في الواقع ممارسة المحبّة والصدقة. وإن تكلّم مت 5:20 عن برّ يسمو على برّ الكتبة والفريسيين، فهو يجعلنا قريبين من نظرة الأسيانيين (نج 5:4-5) حيث الشرعة الجزائيّة في هذه الجماعة تحدّد عقوبات للعضو الذي يهين قريبه أو يكلّمه باحتقار. في الواقع، هو برّ يرادف المحبّة. ولكن الاغاظات ضد هذه المحبّة تستحقّ الدينونة. وهناك معنى خاص في مت 3:15 : إذا كان المسيح يتممّ "كل برّ" (مشيئة الله) فيسمح ليوحنا بأن يعمّده، فلكي يتوافق بكليّته مع المخطّط الخلاصيّ الذي يجعله يتّضع حتى يصير انسانًا مثل سائر البشر (فل 2 :7).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|