هو العشاء الأخير (عشاء الربّ، أو العشاء الربانيّ) الذي أخذه يسوع مع تلاميذه قبل توقيفه بقليل، وذلك ليلة موته (1كور 11 :23-25؛ مر 14:12-25؛ مت 26 :17-29؛ لو 22 :7-20؛ يو 13 :1ي). عبارة "العشاء الأخير" لا نجدها في العهد الجديد، كما لا نجد عبارة العشاء السري.
1) تقاليد متعدّدة. إنّ التذكّرات المتعلّقة بعشاء يسوع الأخير، وُجدت في تقليدين أدبيين مختلفين. الأول، يتّخذ شكل وصيّة (إنسان قبل موته) أو خبر عشاء وداعيّ. يتضمّن فعلات يسوع الذي يودّع تلاميذه (دعاهم، أكل معهم، غسل أرجلهم) ويقول خطبة هي بشكل وصيّة تتطلّع إلى الماضي وإلى المستقبل. تفسّر الخطبةُ الأحداثَ السابقة والآتية، وتدعو التلاميذ إلى موقف حياتيّ من الخدمة والمحبة على مثال يسوع. انطبع هذا التقليد بما في يو 13-17، ونحن نجد آثاره في لو 22 :15-18؛ مت 26:29؛ مر 14:25. والتقليد الثاني هو الشكل العباديّ أو الخبر الليتورجيّ الذي تأثّر بممارسة الجماعات المسيحيّة. نظر الكاتب الملهم إلى عشاء يسوع الأخير في هذا الشكل الأدبيّ كأساس الممارسة الافخارستيّة لدى المسيحيّين. والطابع الليتورجيّ واضح بشكل خاص في 1كور 11 حيث يريد بولس أن يصلح الممارسة العباديّة لدى الكورنثيّين. لهذا، عاد إلى التقليد الذي تسلّمه حول العشاء السري. وهكذا برّر طريقة حقيقيّة للاحتفال بالافخارستيّا بالنظر إلى الحدث المؤسِّس.
إنّ أخبار الأناجيل الإزائيّة حول العشاء، انطبعت بهذا الطابع الليتورجيّ الذي نجده في الأسلوب الارتهابيّ وفي تقديم فعلات يسوع وأقواله بشكل متوازٍ. وقد وصلت إلينا أربع نسخات من هذا الشكل العباديّ مع اتجاهين اثنين. من جهة، تقليد بولس ولوقا. سُمِّي تقليد أنطاكية، لأنّ بولس تسلّمه بدون شكّ من الفقاهة الأنطاكيّة. يتميّز بالتذكّر (نذكر موتك يا رب) وبألفاظ هلنستيّة (شكر، أوخارستيو، لا بارك، اولوغيو). وكلمات يسوع لم تأتِ في شكل متوازٍ. فبدل الجسد والدم، نجد الجسد والعهد. هذا التقليد قد انطبع ببذل يسوع ذاته وبلاهوت العهد. ومن جهة ثانية، تقليد مر، مت. سُمّي التقليد المرقسيّ. يعود إلى أورشليم أو إلى قيصريّة. يتميّز بغياب التذكّر (اصنعوا هذا لذكري) ولغة سامية (اولوغيو، من أجل كثيرين). وكلمات يسوع جاءت متوازية كلّ التوازي : هذا هو جسدي. هذا هو دمي. أمّا بذل يسوع لذاته فهو يُتمّ الطقوسَ الذبائحيّة عند اليهود.
2) تاريخيّة الخبر. ^ أولاً : نبدأ بإعادة بناء الأحداث. يسوع نفسه هو الذي أسّس التفسير الرمزي لموته. أمّا الأحداث فهي كما يلي : في زمن الفصح، حين جاء المساء، أخذ يسوع مع تلاميذه عشاءً أخيرًا. في بداية العشاء الرئيسيّ (أي بعد المقبّلات)، أخذ يسوع الخبز وقال كلام البركة وكسره وأعطى تلاميذه قائلاً : هذا هو جسدي لأجلكم. وفي نهاية العشاء، أخذ الكأس وشكر وقال : هذه الكأس هي العهد الجديد في دمي المهراق لأجلكم. وقال لهم : لن أشرب من ثمر الكرمة إلى اليوم الذي أشربه جديدًا في ملكوت الله. إنّ الكلمات على الكأس قد تلوّنت بخبرة القيامة وبالنظرة المفرحة إلى الوليمة الجديدة في ملكوت الله. ولجأ المسيحيّون الأوّلون في وقت مبكر إلى الكتب المقدّسة لكي يكتشفوا معنى الأحداث. مع سفر الخروج ونبوءة إرميا فهموا أنّ العهد الجديد تمّ في دم يسوع. وبفضل نبوءة عبد يهوه المتألّم كما في أشعيا، رأوا في موت يسوع الذبيحة المقدّمة عن الكثيرين والفداء عن الخطايا.
ثانيًا : العشاء السريّ (عشاء الربّ) عشاء فصحي. هل كان هذا العشاء عشاءً فصحيًّا، أي العشاء السنويّ الذي يذكّر العبرانيّين بالتحرّر من مصر ويتضمّن أكل الحمل الفصحيّ؟ تتوافق الأناجيل على تحديد موت يسوع ليلة السبت، أي يوم الجمعة مساء. وترى أنّ العشاء الأخير كان مساء الخميس. ولكن الإنجيليّين يختلفون حول يوم الفصح في تلك السنة. حسب الأناجيل الإزائيّة، كان اليوم الأول في عيد الفصح (يمتدّ إلى 8 أيام) يوم جمعة، وكان العشاء السريّ عشاء فصح حقيقيًّا (مر 14 :12 وز). حسب يوحنا، كان اليوم الأول في عيد الفصح يوم السبت (18 :28). إذًا، لم يكن العشاء السريّ عشاء فصحيًّا. وحاول الشرّاح أن يوفّقوا بين هذين المعطيين ولكن عبثًا. ولكن ما لا شكّ فيه، هو أنّ العشاء تمّ في مناخ فصحيّ. نجد أننا لا نستطيع أن نؤكّد أن العشاء تبع طقس اليهود الفصحيّ واستخلص منه تفسيره اللاهوتيّ.
3) اللاهوت : في نهاية خبر العشاء الأخير الذي يبدو فيه يسوعُ الفاعلَ الرئيسيّ، يتمّ تحوّل يدرك يسوع والتلاميذ والخليقة. فالموت القريب سوف يحوّل بشريّة يسوع. سيصبح الغائب الحاضر، الذي يتجلّى لا بجسده الملموس بل في عطيّة الخبز والخمر لذكره. وفي هذا البذل والعطاء يتحقّق عبور الوعد إلى العهد الذي تمّ وكمُل. ودخل التلاميذ في هذا العهد فصاروا شهودًا فاعلين كلّفوا بأن يذكروا يسوع في المستقبل. وإذ يتذكّرون يسوع في فعلات العشاء، يصبحون جسده الخاص. والخليقة نفسها تتحوّل. فالخبز والخمر اللذان هما نتاج الأرض وعمل الإنسان، ورمز التضامن البشريّ، يصبحان علامة جسد المسيح ودمه، علامة بذل حياته بسخاء في خدمة العهد بين الله والبشر. إنّ العشاء لا ينفصل عن موت يسوع ولا عن حياته قبل الزمن الذي قاد إلى ذلك الموت. وهو لا ينفصل أيضًا عن الحياة اللاحقة لجماعة التلاميذ، كما لا ينفصل عن الوليمة الاسكاتولوجيّة التي يعلن يسوع أنّه يشارك فيها منذ ذاك العشاء الذي تمّ ليلة آلامه.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|