أولاًً : شكّل الفرّيسيّون شيعة دينيّة في العالم اليهوديّ. كانوا يعتنون بمعرفة الشريعة وتقاليد الآباء معرفة عميقة ويشدّدون على ممارسة الشريعة ممارسة دقيقة ولاسيّما في ما يتعلّق بالسبت والطهارة الطقسيّة ودفع العشور. يشتقّ اسمهم من الأراميّة : فريشايا. في العبريّة : فروشيم أي المنفصلون. سمّاهم كذلك خصومهم لأنّ ممارستهم للشريعة ممارسة دقيقة كانت تجبرهم على الانفصال عن الشعب "النجس". نادرًا ما نجد كلمة فرّيسيّين في المشناة ولكن كلمة حباريم (رفاق). هكذا كانوا يسمّون بعضهم بعضًا فيدلّون على مدى تنظيم حزبهم. يُعتبر الحسيديم المذكورون في مك أسلافهم. لم يذكرهم يوسيفوس للمرّة الأولى في عهد يوناثان (161-143 ق.م.). ولكن يبدو أنّهم لم يكونوا حزبًا إلاّ في أيام يوحنا هرقانوس، وهدفهم من ذلك أن يحاربوا السياسة الدنيويّة التي ينتهجها الملوك الكهنة الحشمونيّون. في أيام اسكندارة (76-67) وضعوا يدهم على السلطة الروحيّة في الشعب وحافظوا على هذه السلطة. بعد سقوط أورشليم سنة 70 ب.م. سيطر التيّار الفرّيسيّ في العالم اليهوديّ وهذا واضح خاصّة في المشناة والتلمود.
ثانيًا : سماتهم. كان الفرّيسيّون من العوام بوجه أرستوقراطيّة الصادوقيّين الكهنوتيّة، ولم يكن لهم سلطة إلاّ تلك التي يمنحها لهم علمُهم. كانوا قوّاد شعب يفرضون نفوسهم بما لهم من مواهب، وكان تأثيرهم كبيرًا بحيث كانوا القوّادَ الدينيّين الحقيقيّين. لم يكن هدفهم سياسيًّا، بل روحيًّا محضًا. لهذا كانوا معتدلين في السياسة عكس الغيورين الذين كانوا متطرّفين. وكانت تهمّهم تيوقراطيّة العهد القديم. في أيام يسوع كان تعليمهم مسيطرًا على العالم اليهوديّ في فلسطين. أما خلافهم العقائديّ مع الصادوقيّين فهو معروف. كان الصادوقيّون ينكرون وجود الملائكة والقيامة والخلود. ولم يكن الفرّيسيّون والصادوقيّون يتّفقون على بعض أمور متعلّقة بالطقوس والقانون. فالفرّيسيّون يوسّعون مدى تقليد الشيوخ الشفهيّ (تفسير الشريعة) ويعتبرونه قاعدة مساوية للشريعة بل متفوّقة عليها. وهكذا فرضوا تفسيرهم للشريعة حتى على الصادوقيّين لأنّ مجمل معلّمي الشريعة كانوا من الفرّيسيّين. في الإنجيل يكوّن الفرّيسيّون ومعلّمو الشريعة مجموعة واحدة.
ثالثًا : الحكم على الفرّيسيّين. كان حكم يسوع قاسيًا ليس على تعليم الفرّيسيّين (مت 23:3) بل على عقليّتهم (الرياء والكبرياء) وعلى أعمالهم (الويل، الويل، مت 23). منذ البداية كانت معارضة بين يسوع والفرّيسيّين الذين فرضوا حكم الموت على يسوع أمام منبر بيلاطس (مر 3:6؛ 14 :64...). حاول بعض الكتّاب أن يدافع عن الفرّيسيّين مستندين إلى ما قاله يوسيفوس، وتحدّث آخرون عن "آفة الفرّيسيّين". لا شكّ أنّهم كانوا ذوي غيرة، وبولس أفضل مثال على ذلك قبل اهتدائه. فالفرّيسيّون كانوا الوارثين للعهد القديم والواعظين به. ولكن قادتهم مبادئُهم إلى العقليّة التي شجبها يسوع. فغيرتهم المفرطة على الشريعة والطهارة الطقسيّة قادتهم لا إلى المحبة والتشارك مع الناس، بل الى الانعزال والتعالي (لو 18 :9-14)، إلى احتقار الشعب الجاهل والنجس، وإلى الانغلاق والعزلة. ولقد رافقت عقليّتهم القانونيّة الأمور الشكليّة، وجرّهم رياؤهم إلى ديانة متحجّرة. ونودّ أن نقول إن يوسيفوس لا يتكلّم بالخير في كلّ شيء عن الفرّيسيّين. وكذا نقول عن الرابينيين.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|