الاسم في العبريّة "ف س ح". في اليونانيّة السبعينية فاسك (إر 38:8؛ التي ترد 18 مرّة في 2أخ30، وترد في شكل بسخا حسب الصيغة الاراميّة) 35 مرّة في ما تبقى من السبعينية والعهد الجديد). بحسب الأراميّة "فصحا" في السبعينيّة والعهد الجديد. يدلّ الفصح بحسب السياق، على طقس يذكّر العبرانيّين بالتحرّر من مصر (صنع الفصح : خر 12:48؛ عد 9:2؛ تث 16:1؛ يش 5 :10؛ 2 مل 23 :21-23؛ عز 6:19)، على الذبيحة الفصحيّة التي تُنحر (ش ح ت، خر 12:21؛ 2أخ 30:5؛ عز 6:20؛ رج مر 14:12؛ لو 22 :7)، التي تذبح (ز ب ح، خر 12:27؛ تث 16:2، 5، 6)، التي تُؤكل (أ ك ل، خر 12:11، 43-46؛ تث 16:7؛ 2اخ 30:18؛ رج مت 26:17-18؛ مر 14:12، 14؛ لو 22 :8، 11، 15؛ يو 18 :28). أما لقب "عيد" (ح ج : احتفال يتضمّن حجًّا إلى المعبد) فلا يُعطى له إلاّ نادرًا ((خر 12:14؛ خر 34:25؛ وربما خر 23:18؛ حز 45:21-23).
إنّ عيد الفصح لا يرد بين الأعياد الثلاثة الكبرى في الكلندارات القديمة (خر 23:14-17، الوهيمي؛ خر 34:18-13، يهوهي؛ تث 16:16؛ 2أخ 8:13) التي تذكر عيد الفطير الذي يُحتفل به في الزمن عينه. ويرتبط أيضاً بالخروج من مصر. في النصوص اللاحقة التي ضمّت الفصح إلى الفطير، دلّ عيد الفصح على اليوم الأول (خر 12:6-18؛ لا 23 :5-8؛ عد 28:16-25). كما دلّ على أيام العيد السبعة (حز 45:21-24؛ مت 26:2؛ مر 14:1؛ لو 2 :41؛ 22 :1؛ يو 2 :13؛ 6 :4؛ 11 :55؛ 12 :1؛ 18 :39؛ 19 :14؛ أع 12:4؛ يوسيفوس، العاديات 2 :10 عيد الفطير الذي يُسمّى "فسخا" عند اليهود).
أما أصل لفظة "ف س ح" فتبقى لغزًا بالنسبة إلينا. بعضهم قرّبها من الأكاديّة "فشحو" (هدّأ). أو رأوا نقل اسم مصريّ يدلّ على "ضربة" فتحدّث عن الضربة العاشرة من ضربات مصر. وهناك عدد كبير يربط "ف س ح" بالفعل العبريّ "فسح" (يرد مرّات قليلة) الذي يعني "عرج" (2 صم 4:4؛ 1مل 18 :21)، "رقص"، "قفز" (1مل 18 :26). ويعني أيضاً : عفى، خلّص (إش 31:5). هذا المعنى الأخير هو معنى خر 12:13، 23-27 الذي يشرح الفصح بواسطة عمل الربّ الذي "فسح" (قفز، عبر، عفى، حمى ودافع) بيوت بني اسرائيل الذين وُضع عليهم دم الذبيحة الفصحيّة. ولكننا هنا أمام تفسير ثانٍ أورده بنو إسرائيل (هكذا تحدّث اكيلا عن هيبارباسيس، والشعبيّة اللاتينيّة عن ترانزيتوس، العبور، خر 12:11، 27)، ولكنّه لم يشرح طقس الفصح الذي هو سابق لسفر الخروج.
أصل العيد. يتوافق الشرّاح اليوم على القول بأن أصل عيد الفصح غير أصل عيد الفطير. فكتاب طقوس عيد الفصح (خر 12:1-14، كهنوتي؛ 12 :21-23، يهوهي)، يتحدّث عن عيد الرعاة، الذي هو قريب من عيد الربيع الذي مارسه العرب القدماء حفظًا لقطيعهم وتنمية لمواشيهم. والاحتفال بالفصح لا يذكر الهيكل ولا الكاهن ولا المذبح. بل ضحيّة تؤخذ من القطيع، وتُشوى في النار وتؤكل مع خبز فطير لدى البدو مع أعشاب الصحراء. ويكونون في لباس الرعاة الذين يستعدّون للانطلاق. يُحتفل بهذا العيد في الليل. ساعة لا يعود يهتمّ الرعاة بالقطعان، وفي بدء الربيع. ساعة تلد النعاج والمعز، وساعة ينطلق الرعاة إلى المراعي الصيفيّة : هو وقت حاسم ومليء بمخاطر تجسّدت في "المدمّر" (م ش ح ي ت) (خر 12:23؛ وربما 12 :13). وإذ أراد الرعاة أن ينجوا من ضرباته، مسحوا بالدم أبواب بيوتهم (في الأصل أوتاد خيامهم).
وهكذا نستنتج أن الفصح عيد قديم جدًّا، يعود إلى حياة بني إسرائيل كبدو أو أنصاف بدو. وإن تحدّث خر 12:21 (تقليد يهوهي) عن العيد دون أن يقدّم له شرحًا، فهو يحتفظ بتذكّر صحيح. وإذا كان العيد الذي أراد بنو إسرائيل أن يحتفلوا به في الصحراء (خر 3:8؛ 5 :3 من التقليد اليهوهي؛ 5 :1 من الالوهيمي) كان عيد فصح، يجب عند ذاك أن نقول إن الفصح سابق للخروج من مصر. ومهما يكن من أمر، فارتباطه بتاريخ الخروج من مصر، يمنحه مدلولاً خاصًّا. لقد صار طقسُ الدم الفصحيّ تذكّرًا لخلاص الربّ الذي عفا عن بيوت بني إسرائيل التي جُعل عليها دم الفصح (خر 12:23، يهوهي؛ 12 :27، اشتراعي؛ 12 :13-14، كهنوتي). ولباس الرعاة هو منذ الآن لباس بني اسرائيل المستعدّين للخروج (خر 12:11). والخبز الفطير هو علامة السرعة في الانطلاق (12 :34، 39 يهوهي). أمّا كتاب طقوس عيد الفطير ((خر 12:15-20؛ خر 13:3-10؛ 23 :15؛ 34 :18؛ لا 23 :6-8؛ تث 16:3، 4، 8)، والكلندارات القديمة التي تذكره مع عيد الحصاد وعيد القطاف وجمع الغلة (خر 23:14، 17، الوهيمي؛ 34 :18-23، يهوهي)، فهي تتحدّث عن عيد زراعيّ. هذا العيد الذي ستوضح كتبُ الطقوس اللاحقة سماته، يفترض إقامة بني إسرائيل في أرض كنعان. هذا العيد الذي أصله كنعاني، اتّخذ حالاً معنًى دينيًّا لدى بني إسرائيل حين ارتبط بالتحرير من مصر (خر 23:15، الوهيمي؛ 34 :18، يهوهي؛ 13 :3-10، اشتراعي؛ تث 16:3؛ خر 12:17، كهنوتي).
فالفصح والفطير اللذان يُحتفل بهما في الربيع، يتذكّران حدث الخلاص عينه. ويستعملان خبزًا فطيرًا. في النهاية صار العيدان عيدًا واحدًا في فترة لا نستطيع أن نحدّدها، ولكنها جاءت بعد الإصلاح الاشتراعيّ الذي يدعو المؤمنين إلى الاحتفال بالفصح في أورشليم (تث 16:1-2، 5-7). ولكن هناك من قدّم فرضيّة لم تقنع العلماء، فقال : كان الفصح والفطير عيدًا واحدًا تأصّل في إسرائيل (إن تث أعطى الفطير اسم الفصح)، واحتُفل به دومًا في المعبد، ما عدا في زمن المنفى الذي يعكس الطقس الذي نقرأه في خر 12. فإذا توقّفنا عند الفصح نسأل : ألا يُفهم طقس خر 12 ألا في وضع المنفى؟ وهل طقس الدم (خر 12:7، 13؛ 12 :21-23، كهنوتي) هو في الأصل طقس تنقية وتطهير؟ وهكذا نقول إنّ أصل الفصح يعود إلى عالم الرعاة، وقد سبق بني اسرائيل، فمارسوه كما مارسه عدد من شعوب الصحراء.
كيف تطوّر عيد الفصح؟ إذا جعلنا خارجًا النصوص التشريعيّة في البنتاتوكس (خر 12؛ 34 :25؛ لا 23 :-8؛ (عد 9:1-14؛ عد 28:16-25؛ تث 16:1-8) ونصّ حز 45:21-24، فالتوراة لا تتحدّث كثيرًا عن عيد الفصح (يش 5 :10-20؛ 2مل 23 :21-23 2أخ 35:1-18؛ 2أخ 30؛ عز 6:19-22). هذه المراجع النادرة والصعبة التأويل، لا تتيح لنا بأن نكوّن فكرة واضحة عن عيد الفصح. كلّ ما نقدّمه هو من عالم الفرضيّات.
ونبدأ بالحقبة السابقة للمنفى. بعد أن عرفنا أصل عيد الفصح، وعلى ضوء 2مل 23 :22 (2أخ 35:18)، نفهم أن الاحتفال بالفصح يعود إلى أصول إسرائيل. لقد كان الطقس الجوهريّ بدون شكّ طقس الدم الذي تحدّث عنه التقليد اليهوهي (خر 12:21-23). ولكنّنا لا نستطيع أن نستبعد الوليمة المقدّسة التي أبرزها التقليد الكهنوتي (خر 12:1-14). لم تذكر الكلندارات القديمة الفصح (خر 23:14-17؛ 34 :18-23)، لأنّ بني إسرائيل لم يكونوا يحتفلون بالفصح في زمن تدوين هذه النصوص، في المعبد، بل في البيوت وبين أفراد العائلة (خر 12:21-23). ولفظة "ح ج" التي جُعلت لهذا العيد تطبّق عليه في خر 34:25 (شريعة مماثلة كما في 23 :18 الذي لا يذكر العيد مع ذلك). ولكن يبدو أن هذه الشريعة (التي تسري في الأصل على كلّ عيد) أو أقلّه اسم العيد، لم تطبّق على الفصح إلاّ حين صار الفصح عيد حجّ (تث 16:1-7). ومن الممكن أن يكون تث والملك يوشيّا (2مل 23 :21-23) قد أعادا إلى الواجهة ممارسة سابقة للملكيّة، فأفهمانا أن الفصح كان عيدًا عائليًّا ومميّزًا عن الفطير. والخبر القديم في يش 5:10-12، يبدو وكأنّه يجمع الفطير إلى الفصح. ولكن يبدو أنّ كلّ هذا لا علاقة له بعيد الفطير (خر 23:15؛ 34 :18-20)، بل يعبّر بكلّ بساطة عن امتلاك للأرض.
وهكذا يبدو أن العيدين لم يكونا عيدًا واحدًا في زمن إصلاح يوشيا. فإنّ تث 16:16 الذي يذكر الأعياد الكبرى التقليديّة الثلاثة التي يجب أن يُحتفل بها بعد ذلك الوقت في أورشليم، لا يذكر بينها عيد الفصح. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لا يلمّح خبر فصح يوشيّا (2مل 23 :21-23) أبدًا إلى الفطير. إنّ تث 16:1-8 الذي يفرض الاحتفال بالفصح في المعبد المركزيّ، هو الذي يجمع بين العيدين على ما يبدو. غير أننا أمام نصّ مركّب من عناصر متعدّدة، قرّب بشكل مصطنع طقسَ سبعة أيام الفطير (آ3، 4أ، 8؛ خر 13:3-10) من طقس الفصح الذي يُحتفل به في ذات المعبد في شهر أبيب، ويدوم فقط ليلة واحدة (آ1، 2، 4ب، 7) بحيث لا يُترك شيء من الضحيّة للغد (آ3). لا نستطيع هنا أن نعود إلى المؤرّخ الكهنوتيّ (2أخ، 35 :1-18؛ 30) الذي يستلهم بشكل واضح طقوس الفصح في أيامه. أمّا الجديد (2مل 23 :23) الذي أدخله الاشتراعي، فهو تحويل عيد عائليّ قديم إلى عيد يحتفلون به في الهيكل (كما كان يعمل مع الفطير) وجمع الاحتفالين (الفطير والفصح) في عيد واحد بعد أن بدّل المشترع النصوص لتتوافق مع هذا التحوّل (تث 16:1-8، غياب طقس الدم. تشديد على الوجهة الذبائحيّة : ز ب ح في آ2، 5، 6؛ خر 12:27؛ كلام عن البقر في آ2. عن الطهي في آ7، وعن الوليمة في المعبد).
وفي حقبة بعد المنفى. إنّ النصوص التي تحمل إلينا هنا أدقّ المعلومات، لم تدوّن في وقت واحد وبيد واحدة. فإنّ خر 12:1-14 الذي يُنسب إلى التاريخ الكهنوتي، يعود إلى المنفى حيث يستحيل الحجّ إلى أورشليم بحسب التقليد الاشتراعي. والعيد (ح ج، خر 12 :14) الذي يعني كلّ جماعة إسرائيل (آ3، 6؛ ما عدا اللامختونين، آ43-51) يُحتفل به داخل العائلة، في البيوت، بحسب طقس نجد فيه ممارسات قديمة، مثل الوليمة الفصحيّة. والارتباط الحالي بين طقس الفطير (خر 12:15-20) وطقس الفصح والتواريخ المذكورة (آ2، 6، 18)، كل هذا يدلّ على حقبة كان فيها العيدان متّحدين. لهذا يبقى من المعقول أن يكونوا قد احتفلوا دومًا بالفصح في بدء 14-15 أبيب أو الشهر البابلي الأول، شهر نيزان (آذار، نيسان)؛ ولكن النصوص الكهنوتيّة (أو القريبة منها)، لا تحدّد زمن العيد (خر 12:6؛ لا 23 :5؛ (عد 9:2؛ عد 28:16؛ 2أخ 35:1؛ عز 6:19؛ حز 45:21-24) إلاّ لتشير إلى عيد الفطير الذي يرتبط زمنُه دومًا بنضوج حصاد أبيب. لهذا، يبقى من الصعب أن نحدّد التاريخ الذي فيه توحّد الفصحُ مع سبعة أيام الفطير. فكلندار لا 23 :5-8 الذي ينتمي إلى شريعة القداسة، قد يشير إلى السنوات الأخيرة في ملكيّة يهوذا، أي في بداية القرن السادس ق.م. وهذا التوحيد بين الاثنين، سابق في أي حال لبرديّة جزيرة الفيلة الفصحيّة التي تعود إلى سنة 419 وتعبّر عن الأمور في الألفاظ عينها.
نقصت المعطيات، فاستحال علينا أن نقول إن كان الطقس الكهنوتي في خر 12 :1-14الذي استعمله السامريّون حتى اليوم ليحتفلوا بالفصح على جبل جرزيم، قد مورس في الجماعة العائدة من المنفى. فبعد إعادة بناء الهيكل، احتفلوا بعيد الفصح والفطير في المعبد. وإنّ حز 45:18-24 وعد 28 :16-25 يفرضان ذبائح تقدّم في الهيكل، في هذه المناسبة. ويبدو حسب المؤرّخ الكهنوتيّ أن الفصح قد احتُفل به كلّه في الهيكل حسب طقس يترك مكانًا واسعًا للكهنة واللاويّين (2أخ 30:15-27؛ 35 :10-15). فهم لا يذبحون حمل الفصح (30 :17؛ 36؛ 11) أقلّه في حال كان المقدّم في نجاسة (30 :17). ويقدّمون الدم إلى الكهنة الذين يرشونه عند قاعدة الهيكل (30 :16؛ رج 35:11). ويطبخون الفصح ويحملونه إلى الشعب (35 :13). إن خبر فصح العودة (عز 6 :19-22) يعطي الأهميّة عينها للاّويّين وللاهتمام بالطهارة. هذا الخبر الأخير قد ألهم تشريع عد 9:6-14 (يرتبط به 2أخ 30 :2-3) الذي يسمح بالاحتفال بالفصح في الشهر الثاني (اليوم الرابع عشر) لكي يستطيعوا أن يتطهّروا.
ونخرج من التوراة إلى التقاليد اليهوديّة. فخارج مقال "فسحيم" في المشناة (دوّنت في الحقبة المسيحيّة ولكنّها احتفظت بتقاليد تفترض أن الهيكل ما زال قائمًا ويمارس وظيفته مع أنّه كان قد هدم سنة 70 ب.م.)، جاءت المعطيات المتعلّقة بالفصح قليلة الوضوح. فقد فرض كتاب اليوبيلات (49) بذبح الحمل وأكله في الهيكل. وتحدّث يوسيفوس عن نحر الذبيحة في الهيكل (العاديّات 2 :311-314؛ 3 :243-251، الحرب اليهوديّة 6 :423-428)، ولكنّه لم يقل لنا أين يُؤكل. أمّا المشناة، فقدّمت لنا طقسًا واضحًا جدًّا عن نحر الضحيّة في الهيكل (حدّدت دور المقدّم الذي ينحر الحيوان، ودور الكهنة الذين يصبّون الدم عند قاعدة الهيكل ويقتّرون الشحم)، وعن الوليمة الفصحيّة التي يحتفلون بها جماعات (ح ب و ر ه) في بيوت المدينة المقدّسة. إنّ تدمير الهيكل سنة 70 ب.م. لم يعد يتيح لهم أن يذبحوا ضحيّة الفصح، فحلّ محلّها وليمة عاديّة. غير أن الفصح ظلّ يُحتفل به في العائلة في كلّ مكان أقامت فيه الجماعات اليهوديّة.
احتفلت جماعة قمران بالفصح حسب طقس خاص بها، بدون ذبيحة فصحيّة تُنحر في الهيكل، لأنّهم ما عادوا يؤمّون الهيكل، وبحسب روزنامة خاصة تشبه ما في كتاب اليوبيلات، حيث يقع 14 نيزان دومًا يوم الثلاثاء. وقد يفسّر هذا الكلندارُ الاختلافَ في تاريخ العشاء السرّي عند يوحنا والإزائيّين.
والفصح المسيحيّ في الكنيسة الأولى. اعتُبر الفصح دومًا بداية خمسين يومًا من الفرح وانتظار عودة الربّ. أما في التقليد اليهوديّ المعاصر، فهذه المساحة الليتورجيّة من خمسين يومًا، كانت حقبة حزن وصوم. في الكنيسة الكاثوليكيّة، يمنع الصوم والركوع في تلك الحقبة من الفرح المسمّاة "بنتاكوستي" أو "الخمسيني".
قد نستطيع أن نفترض أنّ هذين التقليدين اليهوديّين يعودان إلى زمن الهيكل الثاني (دا 10:4) : بعد صوم ثلاثة أسابيع، في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول (حسب الكلندار الصادوقي الاسيانيّ، هو الجمعة قبل الخدمة الأولى)، رأى دانيال رؤية قيامة الموتى. و 1335 يومًا التي يتحدّث عنها دا 12:12 تعود إلى عيد الأسابيع الآتي الذي يجب أن يحتفلوا به بعد 1260 يومًا (أي ثلاث سنوات ونصف السنة)، في اليوم الخامس والسبعين بعد اليوم الأول من السنة. هي فريضة في التقليد اليهوديّ تدعوهم إلى أن يحسبوا سبعة أسابيع كاملة غداة السبت، أي منذ اليوم الذي فيه حملتم حزمة التقدمة (لا 23 :11-16). ولقد فسّر تقليد إسرائيل الكهنوتي "غداة السبت"، انطلاقًا من اليوم الأول (الأحد) من الأسبوع. إذن، هكذا حُسبت السبعة أسابيع، لدى الأسيانيّين والصادوقيّين والسامريّين : من اليوم الأوّل من الأسبوع إلى اليوم الأول. أما الكتبة والفرّيسيّون (يمثّلون التقليد الشعبيّ "القديم") فينطلقون من الفصح. إذن، من اليوم السادس في الشهر الأول.
في هذه الحالة حافظ المسيحيّون الأوّلون على التقليد الكهنوتيّ في إسرائيل، ربّما معارضة للتقليد الفرّيسيّ. فعند فيلون الاسكندراني وعند السامريّين، صار أول الخمسين يومًا عيدًا مستقلاًّ، كما صار الفصح عند المسيحيّين. ويقول فيلون : في هذا اليوم يحتفل الشفّاؤون في مصر بعبور البحر الأحمر بالرقص، وهذا ما يقابل احتفال المسيحيّين بالعماد في الليلة الفصحيّة. إذن، يمكن أن يكون هذا اليوم الأول من الأسبوع، بعد الفصح، الذي صوّر في الأناجيل الأربعة، قد اتّخذ طابع بداية الحصاد المسيحاني. في الأناجيل الإزائيّة، هذا اليوم الأول من الأسبوع، بعد الفصح اليهوديّ (الخميس، الجمعة) يقع في 17 نيزان. وفي يوحنا في 16 نيزان بعد الفصح (الجمعة. السبت). دعا بولسُ المسيحَ "باكورة" (أبرخي) الحصاد المسيحاني. وفي 1كور 15:42-44، استعمل بولس مرّات عديدة استعارة الحصاد والقيامة.
في هذا المنظار يجب أن نقرأ أخبار يسوع وأقواله حول الحبّة والحصاد. واستعارةُ الزرع والحصاد في المعنى المسيحانيّ، نجدها في 4 عز 8:41. أعلن مرقس في بداية الحصاد المسيحانيّ أنّ المسيح القائم من الموت يسبق تلاميذه إلى الجليل (يسير أمامهم)، كما سبقهم في الماضي إلى أورشليم، إلى الموضع الذي فيه صُلب (مز 10:32؛ 16 :7). وفي يوم الفصح كشف لوقا ثلاث مرّات بواسطة الربّ القائم من الموت، سرّ موت ابن الإنسان وقيامته (أنبأ في لو 9 :22؛ 9 :44؛ 18 :32. كشف في لو 24 :7، 27، 46 ). بهذا السرّ تكرّس تلاميذ ابن الإنسان أعضاء في الجماعة المسيحانيّة. وحسب يوحنا، في اليوم الأول من الأسبوع، أي في بداية الحصاد المسيحاني، كشف المسيح عن الهيكل الجديد أي عن هيكل جسده الذي هو الجماعة المسيحيّة (يو 2 :20). وقد يكون أن المسيحيّين الأوّلين اعتادوا أن يجتمعوا في مساء اليوم الأول، الذي نسمّيه الفصح، ليحتفلوا بعشاء الربّ (رج لو 24 :30؛ أع 20:7). إنّ خبر ظهور الربّ لتوما يعلمنا أن الاحتفال بثمانية الفصح في الكنيسة الأولى صار نموذج الاحتفال الأسبوعيّ بالقيامة (يو 20 :26). ويبدو أن يوم الربّ المذكور في رؤ 1:10 هو عيد الفصح أيضاً.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|