1) العهد القديم. القرض جزء عاديّ من العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة منذ أقدم العصور. وهذا ما تدلّ عليه اللويحات المسماريّة التي تثبت الاعتراف بالدين. أما الفائدة المطلوبة فكانت 20 أو 30 بالمئة. وحين يكون القرض مرتبطًا بالحبوب، فهو يُدفع على البيدر في الحصاد الآتي. وفي العهد القديم، بدا القرض ممارسة معروفة ومنظّمة. وقد يكون مع فائدة أو بدون فائدة، مع رهن أو بدون رهن، مع كفيل أو بدون كفيل، مع ضمانة أو بدون ضمانة.
أولاً : الضمانة (الكفالة). لا تُذكر الضمانة في النصوص التشريعيّة، ومع ذلك فقد مورست في إسرائيل القديم (تك 43 :9؛ 44 :32). فالمجموعات الأقدم في التوراة ((أم 6:1-5؛ أم 11:15؛ 17 :18؛ 20 :16؛ 27 :13) تشير إلى ذلك بوضوح، وتنصح بالفطنة القصوى. فالكفالة فيها مخاطرة، ولا سيّمَا حين نكفل الغريب. فقد تقود إلى الإفلاس والدمار. ولكن سي 8 :13؛ 29 :14-20 يبيّن الوجهة الإيجابيّة للكفالة، فيرى فيها تعبيرًا عن التضامن مع القريب. وحسب العبارات المستعملة، يكفل الواحدُ الآخر "فيصفق الكفّ" (أم 6:1؛ (رج 11:15؛ رج 17:18؛ 22 :26). يهوه نفسه يُدعى ليكفل المؤمن به (إش 38:14؛ أي 17 :3).
ثانيًا : الرهن. الرهن كفالة يأخذها الدائن لكي يحمي نفسه من المديون ويؤمّن عودة قرضه. هو غرض شخصيّ : الخاتم والعمامة والعصا (تك 38:17-18). الرداء أو الثوب (أم 20:16). وقد يكون الرهن حقلاً أو بيتًا (نح 5:3-4). وقد يكون الرهن إنسانًا يرتبط بالدائن، كالأولاد (نح 5:5؛ 2مل 4 :1-7؛ إش 50:1). كانت بعض القواعد الإنسانيّة تحمي أخذ الرهن لكي يستطيع المديون أن يعيش. مثلاً، إن أخذ رداءُ فقير، يُردّ له عند مغيب الشمس لكي يستطيع أن ينام فيه (خر 22:25-26؛ تث 24:12-13. هناك أوستراكة تورد تشكي حصّاد أخذ رداؤه منذ عدّة أيام). ويُمنع أيضًا دخول البيت لأخد الرهن (تث 24:10-11). كما يمنع أخذ الرهن (تث 24:6) والحمار والثور (أي 24 :3). فلو أخذ منه كلُّ هذا، لما استطاع أن يهيِّئ خبزه أو يعمل في حقله. وطالب الأنبياء بأن يردّ الرهن إلى المديون (حز 18:13، 16؛ 33 :15؛ عا 2:8).
ثالثًا : فائدة الدين. قد يكون القرض بفائدة أو بلا فائدة. مبدأيًّا، يمنع الدين بالفائدة مع ابن البلد. ويُسمح به مع الغريب (تث 23:20-21؛ خر 22:24؛ رج لا 25 :35-37؛ أم 28:8؛ حز 18:8، 13، 17؛ 22 :12). في هذه الظروف نفهم أنّ من يقرض القريب يعمل عملاً صالحًا ((مز 15:5؛ مز 37:21؛ 112 :5؛ حز 18:8، 13، 17؛ سي 29 :1-2؛ رج مت 5 :42). ولكن لسنا بأكيدين أن يكون الناس مارسوا هذا المثال. في الواقع، عرف بنو اسرائيل نوعين من القرض بفائدة (لا 25 :36-37).
رابعًا : إيفاء الدين. إن جاء الوقت وما استطاع المديون أن يفي دينه، يستطيع الدائن أن يجعل الكفيل يدفع أو يحتفظ بالرهن. وإن كان ذلك لا يكفي، يُباع المديون أو يعمل في خدمة الدائن (لا 25 :39، 47؛ تث 15:12). وإذا تكرّرت الغلّة السيّئة سنة بعد سنة، تقود الأمور إلى أزمة اجتماعيّة خطيرة (نح 5:1-5) لا تحلّ إلاّ بإعفاء عام من الديون (نح 5:6-13).
خامسًا : الإعفاء من الدين. لما أراد التشريع البيبلي أن يستبق نموّ التوتّرات الاجتماعيّة، نظّم السنة السبتيّة والسنة اليوبيليّة. حسب تث 15:1-18، السنة السابعة هي سنة الإعلان الرسميّ للشريعة (تث 31:10-11) وفيها يتمّ الإعفاء من الديون. والمديونون الذين باعوا نفوسهم عبيدًا كانوا يستعيدون حرّيتهم (خر 21:2-6). والسنة اليوبيليّة (كل خمسين سنة) كانت تتيح لكل واحد أن يستعيد ميراثه (لا 25 :8-17، 23-55). هل مارس الشعب الاسرائيلي هاتين الشريعتين ؟ يشهد على السنة السبتيّة ما فُعل منذ الحقبة الهلنستيّة (1مك 6 :49، 53). أما السنة اليوبيليّة فيبدو أنها في عالم اليتوبيا والخيال ولم تمارس. فالعهد القديم لا يعطي مثلاً واحدًا عن ممارسة الإعفاء من الدين. ولكن الوثائق الأراميّة في جزيرة الفيلة (الفنتين، مصر، القرن 5 ق.م.) تقدّم لنا أمثلة عن إقرار بالدين، عن عقد مع دين بالفائدة، مع دين يرافقه رهن.
2) العهد الجديد. تُمتدح في العهد الجديد ممارسة القرض بدون فائدة (مت 5:42؛ لو 6 :34). وهناك عدد من الأمثال تضع أمامنا الدائن والمديون (مت 18:23، 25؛ لو 7:41-43)، كما ترينا تشويه الاعتراف بالدين (لو 16 :1-8). الدين هو استعارة على الذنب والخطيئة (لو 13 :4). في هذا المعنى تطلب الصلاة الربيّة الإعفاء من الديون فتربطه بإعفاء بين الإخوة (مت 6:12؛ لو 11 :4).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|