في العبريّة : ي ر ح. في اليونانيّة : ساليني. إنّ مختلف الحضارات القديمة من الشرق الأقصى حتى الأميركتين، قد عبدوا القمر الذي ترك في الإنسان أثرًا كبيرًا بسبب ضيائه المدهش في الليل وتوالي أوجهه من الهلال، إلى البدر... والديانات القديمة في الشرق الأوسط لم تشذّ عن هذه القاعدة. ففي مصر، القمر هو تحوت، إله العلم والقياس، وهو أيضاً "خونسو" وآلهة أخرى (دواوو، هيكه، أوزيريس) التي تحمل في ذاتها أبعادًا قمريّة. غير أن دوره ظلّ ثانويًّا في معتقدات بلاد فارس (ايران القديمة) ولدى الحثيّين. أمّا في الديانة السومريّة البابليّة فالإله القمر سين (نانا في السومريّة) كانت له مراكز عباديّة هامّة في مدينتَي أور وحاران، الحاضرتين في حياة ابراهيم (تك 11 :31). ولقد توسّعت الديانات الكنعانيّة في عبادة القمر، وهذا ما نعرفه بفضل ما اكتشف في أوغاريت. فالآلهة القمرية عديدة في المذكّر وفي المؤنث. أما الإلاهة "قمر" فهي شين (سين في بابل، من هنا سيناء الذي يرتبط بالقمر). وهذا العدد الكبير من الآلهة القمريّة يعود إلى دمج مجمع الآلهة السامي مع بقايا دينيّة سبقت الحقبة الساميّة.
في مثل هذا المناخ، ثار الفكر التوراتي الذي عرف تعدّد الآلهة الذي كان متأصّلاً لدى آباء الشعب العبرانيّ (يش 24:2-14)، فرفض عبادة القمر التي يحرّمها تث 4:19؛ 17 : 3 بشكل واضح. فالقمر ما هو إلا خليقة من خلائق الله (تك 1 :16). يأمره فيطيعه (يش 10:12-13) ويؤدّي له الشكر مع الإنسان (مز 481:3). غير أن عبادة الكواكب انتشرت بشكل واسع جدًّا بحيث هدّدت في بعض الأوقات الديانة اليهويّة. أدخل الملك منسّى هذه العبادة في يهوذا (2مل 21 :3؛ رج إر 8 :2). ولكن يوشيا ألغاها من جديد. وسيندّد إش 3:18 ببنات صهيون اللواتي تتزيّنّ بحلى بشكل هلال. ويعلن أيوب (أي 31 :27) أنّه لم يرسل قبلة إلى القمر تدلّ على عبادته له.
إذا كان الأمر هكذا، صار القمر سراجًا في الليل. هو النيّر الصغير الذي خلقه الله (تك 1:14-16) ليشرف على الليل (إر 31:35؛ مز 136:6) ويساعد على تمييز الأيام والفصول والمواسم والسنين (تك 1 :14؛ سي 43 :6؛ مز 104:19). وهكذا نكتشف هنا الأصل القمريّ للكلندار (روزنامة) العبريّ، وقد بقي منه في الاسم العبريّ للفظة "شهر". "ح د ش" أي القمر الحديث، الجديد. وهناك جدال حول العلاقة بين أعياد القمر الجديد والسبت، وحول تحديد بعض الاحتفالات (سي 34 :6) مثل الفصح والمظال بواسطة القمر : هل نحن أمام تذكّرات بعيدة لعبادة الكواكب، أم أمام تقنيّات يفرضها الكلندار؟ وليس من الأكيد أن يدلّ الأخذ بالكلندار الشمسيّ في بعض الأوساط (في قمران، أخنوخ الحبشي 72-92)، على معارضة لما تبقّى من عبادة الأوثان. فالذي دفع جماعة قمران مثلاً إلى هذا الحال هو عدم التناسق بين الكلندار القمري وتوالي الفصول. وهذا ما يثبته كتاب اليوبيلات (6 :33-38). يبدو القمر دليلاً على عناية الله بالنسبة إلى المسافر ليلاً، ولا سيّما حين يكون بدرًا (أم 7:20). في الأصل (هو يلفت النظر بلونه الأبيض (لهذا سمّي "ل ب ن هـ" أي الأبيض في إش 24:23؛ 31 :26)، وجمال لمعانه الذي يختلف عن لمعان الشمس (1كور 15 :41)، ينشده نش 6:10. إنّه رمز الاستمراريّة والنظام (مز 72:5؛ سي 43 :6) بتوالي أوجهه. ولكن هذا أيضاً ما يجعله صورة عن اللاثبات، عن الجهل والبلادة (سي 27 :12؛ رج مت 4:24؛ 17 :15). إنّ داء الصرع يرتبط في اللغة اليونانيّة بالقمر (سالينيزوماي)، لأننا أمام اعتقاد بتأثير الكواكب على مصير الإنسان، على صحّته (نجد صدى عن ذلك في مز 121:6؛ أي 38 :33). أخيرًا أحبّ الفلاّحون القمر بعد أن رأوا فيه خيرًا من أجل المحاصيل، فتحدّثوا عن "الغلال القمرية" (تث 33:4، ج ر ش. ي ر ح ي م).
ما علاقة القمر بنهاية العالم؟ حين يُظلم القمرُ يكون ذلك علامة عن الغضب الإلهيّ (إش 13:10؛ حز 32:7). وهذا ما سيحصل في نهاية الأزمنة (مت 24 :29 وز؛ رؤ 8:12). وسيصبح القمر أحمر كالدم (كما في الكسوف) في يؤ 3 :4؛ أع 2:20؛ رؤ 6:12. في رؤ 12:1، صار القمر تحت رجل المرأة التي ولدت المسيح، فوضعت حدًّا للتقلّب الذي يرمز إليه القمر. واعتبر إش30 :26 أن القمر سيشعّ كالشمس في الأزمنة المسيحانيّة. غير أن إش 60:19 سيستغني عن القمر في أورشليم الجديدة (رؤ 21:23) لانّه لن يكون ليل من بعد، بل يكون نهار دائم، فينير الله ُ على عباده مدى الأبد.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|