1) العهد القديم. القيامة كعودة الانسان إلى حياة الجسد، دخلت في فترة متأخّرة في التعليم البيبلي لانتظار الخلاص، مع العلم أن شعب اسرائيل تيقّن دائمًا من حياة الانسان بعد الموت. ولما ربط بنو اسرائيل هذه الحياة بالظلمة الابديّة والفساد والنسيان (مز 49:20؛ 88 :12-13؛ أي 10 :21) في مثوى الموتى والأرض التي لا عودة منها (أي 7 :9؛ 10 :21) وموضوع الراحة الأخير والنهائيّ لكل كائن حيّ (14 :11-12؛ 30 :23)، عنى الموتُ بالنسبة إليهم التخلّي عن كل أمل برؤية النور (مز 49:20؛ سي 38 :21). لهذا، حين ظهرت فكرة القيامة، اعتبروها عملاً به يتجاوز الله ناموس الطبيعة متوخيًا أن يعطي مؤمنيه الخلاص، بعد أن فصلهم الموت عنه، وأن يعطي الخطأة العقاب الذي يستحقّون.
أولاً : أصل فكرة القيامة. (أ) الفكر اللاهوتي في اسرائيل. إن العوامل التي ساعدت على تفتّح الايمان بالقيامة هي وعي يرى أن لله سلطة لا محدودة على الأسافل (الجحيم، عا 9:2-3؛ إش 7:11؛ أي 38 :17؛ مز 139:8). هو يستطيع أن يُنزل الانسان إليها (أي يُميته). ولكنه يستطيع أن يصعده منها (أي يحييه). ومع أن النص الكتابي في تث 32:39؛ 1صم 2:6 الذي يستعمل هذه العبارة، لم يفكّر بقيامة حقيقيّة، بل بشفاء من مرض خطير (إش 38:10، 17؛ مز 71:21)، أو بنجاة من خطر ((مز 9:14؛ مز 30:4؛ 710 :18-19)، فبنو اسرائيل وضعوا هذه الشرور على مستوى نقص قوى الحياة والنزول إلى الاسافل. فإن 1مل 17 :17-23؛ 2مل 4 :33-35؛ 13 :21 يدلّ بوضوح على أنهم اعتبروا قيامة ميت قبل دفنه وانحلال جسمه، أمرًا ممكنا. وقد فهم حك 16 :13 ما في 1صم 2:16 عن القيامة بالمعنى الحصريّ. وهناك عامل آخر : مجازاة الله العادلة. هي تربط مصير البشر بالحفاظ على شريعة الله (عا 5:4، 14). وبما أن بني اسرائيل انتظروا هذه المجازاة من أجل الحياة على هذه الأرض، وضح للحكماء أن الواقع لا يوافق هذا الاعتقاد "البسيط". فالعقاب والجزاء للسلوك الفرديّ يطرحان مشكلة على المراقب الناقد للوضع مثل صاحب أيوب وحكيم الجامعة ومرتّل بعض المزامير. فوجب البحث عن حلول جديدة.
غير أن المناسبة التاريخية الحاسمة كانت اضطهادًا دينيًا أصاب الاتقياء الورعين بيد انطيوخس الرابع ابيفانيوس (671-641). كثُر عدد الشهداء بين الاتقياء الورعين (الحسيديم). من الوجهة اللاهوتيّة، لا يمكن أن يُعتبَر موتُهم "أجرَ الخطيئة" (رو 6 :23؛ 2بط 2:12). لم يعد الموت أمرًا سلبيًا، بل إيجابيًا. لم يعد الموت عبثًا ومحالاً، بل ارتدى معنى الخلق (إش 53:11). لهذا قدّمت النصوص الجليانيّة جوابًا على هذا الوضع، فأعلنت قيامة الاجساد (إش 26:19؛ دا 12:2-3). استعمل عالم الجليان على المستوى الكونيّ الرسمة التالية : الفردوس، الدمار (الطوفان)، تاريخ العالم، النار. ونقل هذه الرسمة إلى المستوى الفرديّ : حياة وموت. إحياء وقيامة. وشدّد لا على خلود في قلب الانسان، بل على قدرة الله العجائبيّة التي تقيم بعض الموتى (قبل أن تصبح القيامة عامة) كما تخلق سماوات جديدة وأرضًا جديدة. إذن، تنتمي القيامة بطبيعتها إلى عالم النهاية، إلى الاسكاتولوجيا.
(ب) التأثير الكنعاني، لم تكن الأفكار الآتية من الخارج حاسمة لايمان بني اسرائيل بالقيامة. ولكن كان لها بعض التأثير. عُرفت في أرض اسرائيل (رج إر 17:10؛ حز 8:14؛ زك 12 :11) سطرة إله يحتفل به الوثنيون في شعائر عبادتهم : ينزل إلى الأسافل ويقوم مرّة كل سنة كرمز لما يحدث في الطبيعة (تموز، أدونيس، اوزيريس. وفي أوغاريت بعل). هذه النظرة الصوفيّة إلى الحياة قد تقدِّم المفتاح لتفسير هو 6 :1-2. نحن لا نجد أي أثر لهذه السطرة في مكان آخر. أما أيوب فأبعد كل تشبيه مع الطبيعة كأساس ممكن للرجاء بالقيامة (14 :7). فالعودة من مستوى الاموات هي في نظره وهم وسراب (7 :9-12؛ 10 :21؛ 14 :18، 20؛ 16 :22). إن هذه النظرة المرتبطة بالطبيعة لدى الكنعانيين وسائر شعوب الشرق الاوسط، كانت العائق لصياغة تعليم عن القيامة في شعب اسرائيل.
(ج) تأثير فارسيّ. وظنّ بعض العلماء أن إيمان اليهود بالقيامة يرتبط بالعالم الفارسي. ولكن آخرين نفوا هذا الارتباط. لا شكّ في أن الأفكار الفارسيّة أثّرت بعض التأثير على الفكر الديني لدى اليهود (اسموداوس في طو 3 :8؛ اتجاهات ثنائيّة في نصوص قمران). ان "بنداحشن" في الفارسيّة الوسطى، يقدّم تعليمًا واضحًا عن القيامة العامة (في 30 :7، 9، تقوم أولاً عظام غايارماتان، الانسان الأول، ويتبعه سائر الموتى في ما بعد). إن كان هذا "المؤلّف" لا يعود إلى ما قبل الساسانيين (224-641) فمضمونه هو قبل ذلك الوقت. ثم أن "الافستا" التي هي أقدم من "بنداحشن" تتحدّث عن القيامة. غير أن "غاتاس" لا تقدّم تعليمًا واضحًا عن القيامة وإن وُجد فيها فكر حول المجازاة بالروح والنار (يسنا 31 :19-20؛ 48 :1). وأخيرًا، يبدو أن هيرودتس (3 :62) وتيوبومبوس (القرن 4 ق.م. احتفظ بالنصّ ديوجين لائيرس في القرن 3 ب.م.، وانياس الغزّواي حوالى 500 ب.م.) اعتبرا القيامة جزءًا لا يتجزّأ من الاسكاتولوجيا الفارسيّة.
إذن، يبدو من الوجهة الكرونولوجيّة، أنه كان للعالم الفارسي تأثير على المعتقدات اليهوديّة. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن الاختلاف بين التعليمين حول القيامة، يستبعد أن يكون الواحد أخذ عن الآخر. علّمت الفارسيّة القيامة العامّة. وحصرت اليهوديّة القيامة ببعض فئات من الناس. بالاضافة إلى ذلك، في الفارسية، تدلّ قيامة الأشرار (بقدر ما لم يتحوّلوا إلى شياطين قبل أن يعودوا إلى العدم) على خلاصهم، لأنهم تنقّوا من نجاساتهم بالنار. أما اليهوديّة فلا ترى لهم قيامة. أو هم يُدانون في النهاية ويُرسلون إلى الموت الأبديّ. هذا الاختلاف يرتبط بروح هاتين الديانتين : فالفارسية التي ترى أن المجازاة تتبع الموت حالاً، تعتبر القيامة كتنقية تامة وضرورية من قبل ناموس الطبيعة، للكون كله بحيث يصبح المجال الحصري لإله النور اهورا مزدا. في اليهوديّة، القيامة هي عمل خلاص يقوم به الله بإرادة حرّة فيحمل المجازاة بحصر المعنى، ويقسم الكون بشكل نهائي قسمين : عالم السعادة الأبديّة، وعالم اللعنة التي لا نهاية لها. ولكن من الممكن أن يكون اتصال اسرائيل بالأفكار الفارسيّة قد أثر تأثيرًا خصبًا على نموّ تعليم عن القيامة كما وُلد في الوسط اليهوديّ.
ثانيًا : تطوّر فكرة القيامة. (أ) القيامة العامة. إن أقدم شكل لفكرة القيامة هو انتظار تجدّد اسرائيل كأمّة. في هو 6 :1-2، يرجو الشعبُ الذي عاقبه الرب (ربّما حسب نموذج كنعاني هاجمه النبيّ) أن الله سيُحييه من جديد بعد يومين، ويقيمه في اليوم الثالث. ومع أن آ1 تتحدّث عن الشفاء وتضميد الجراح، ظنّ عدد من الشرّاح أن آ2 تستعمل صورة القيامة المستلهمة من عبادة تموز الذي يقوم ثلاثة أيام بعد موته. والرؤية العظيمة في حز 37:1-14، تصوّر إعادة بناء الشعب كقيامة من قبر المنفى (آ11). وجواب النبيّ على سؤال الرب (هل تحيا هذه العظام؟ رج آ3)، يدلّ على أن القيامة لم تكن بعد جزءًا من الاسكاتولوجيا. فقد رأى حزقيال المشهد ورسمه كمعجزة خارقة من عند الربّ. كرمز نعمة خارقة أيضًا أراد الرب أن يمنحها لشعبه المنفيّ.
لا نستطيع القول إن قيامة رؤيا إشعيا (26 :19) هي رمز. فالمقابلة مع آ14 التي يبدو النص امتدادًا لها، تدفعنا إلى الاعتقاد باننا أمام قيامة طبيعية لأفراد وأرباب وأسياد (آ13). ثم إن آ15 تسأل تنمية الأمّة. وقد تكون آ19 الجواب على هذا السؤال. ثم إن المقطع المتعلّق بالوليمة الاسكاتولوجيّة يعلن أن الله، في ذلك الوقت، يزيل الموت (25 :8؛ رج رؤ 21 :4) وينزع حجاب الحداد عن كل الشعوب على جبل صهيون، حيث اجتمعوا (كما في 2 :2-4). لسنا أمام قيامة بمعنى عودة إلى الحياة بعد أن تركناها. فزوال الموت ينتمي إلى صورة زمن الخلاص الذي تميّزه حياة طويلة لا حدود لها (إش 65:20). بالإضافة إلى ذلك، توحي واقعيّة حز 37:12-13 الذي يتحدّث عن قيامة وطنيّة، الشرح عينه لما في إش 26:19، لا سيّما وأن الوضع المصوّر في آ16-18 يشبه وضع اسرائيل في حز 37. والمقابلة مع مز 80:19؛ 85 :6-7، تقود إلى الاستنتاج ذاته. ولكن هذا لا يمنع أن التعابير المستعملة في هذه النصوص السابقة، هي معالم على طريق تقود إلى عقيدة القيامة الفرديّة.
(ب) القيامة الفردية. أعلن إش 53:11 (حسب السبعينية، والمغارة الأولى والمغارة الثانية في قمران حول إش) أن عابد الرب، بعد محن نفسه، سيرى النور. ليست رؤية النور مصير الذين ينزلون إلى الظلمات في الاسافل (أي 3 :16؛ 38 :15؛ مز 49:20). إذن، يدلّ التعبير على الحياة، على الحياة على الأرض (أي 3 :20. وبما أن موت عابد الرب قد رُوي (إش 53:8-9)، فقد أراد النبيّ أن يقول إن مصيره يختلف عن إقامة حزينة في الاسافل، يتتبع فيها باهتمام أحداث الأرض. هذا يعني أن الموت التكفيري لعابد الله (عبد الربّ) / يهوه، الذي يمحو خطايا البشر ويمنحهم الخلاص (آ5، 8، 10)، لا يمكن أن يبقى بدون ثمرة بالنسبة إليه هو. إذن، لسنا متأكدين أن النبي فكّر في عودته إلى حياة الجسد، مع أن آ12 تلمّح إلى ذلك.
وهكذا نصل إلى مرحلة يدركها العالم الجليانيّ لكي يرضي متطلّبات العدالة التوزيعية. فحسب اللاتينيّة الشعبيّة، يشهد أي 19 :25 شهادة احتفالية عن إيمانه بالقيامة في اليوم الأخير. أما النص الماسوري (أي العبري كما وُضعت عليه الحركات) فيتكلّم فقط عن يهوه منتقم الدم (ج ا ل، في العبرية). بالإضافة إلى ذلك يعتبر أي أن العودة من الأسافل أمر مستبعد ((رج 7:9؛ رج 10:21؛ 14 :7-22؛ 16 :22). اقتنع أنه سيموت قريبًا (23 :13-17؛ 30 :16-23)، فانتظر أن يعيد له الرب اعتباره بشكل علنيّ، بعد الشقاء الذي شوّه سمعته. إن نصّ 19 :26-27 ليس بأكيد. هل يرجو إعادة الاعتبار هذه قبل موته؟ أو هو يقول إنه يحسّ بها في لحمه (ودمه)، سيتأمّلها في جلده الممزّق (7 :5؛ 30 :30) بعد موته؟ في هذه الحالة، نفترض أن الموتى يعرفون ما يحدث على الأرض، عكس أفكار أيوب.
وأقدم عبارة واضحة عن الإيمان بالقيامة الطبيعية الفرديّة، نجدها في دا 12:2-3 : في نهاية الأزمنة، يقوم كثيرون في بلاد التراب (شيول). بعضهم للحياة الأبديّة والآخرون للعار الأبديّ. غير أن هذه القيامة ما زالت محدودة. إن "م ن" الجزئي بعد "ر ب ي م"، (كثيرين) لا يتيح لنا أن نرى في "ربيم" ما يقابل "كثيرين" كما في مت 26:28. لا يفكّر الكاتب إلاّ في مجموعة محدّدة من الراقدين. واستشهاد اليهود (رجال، نساء، أطفال، 1مك 1 :60-61؛ 2مك 6:10-11، 18-32؛ 7 :1ي) الذين عصوا القرارات التي تنتهك الاقداس (كما أصدرها انطيوخس الرابع ابيفانيوس)، طرح مسألة المجازاة في كل حدّتها. فقد تجرّأ صاحب دا فأكد ما كان في أش 53 رجاء بعيدًا : فأبطال الايمان هؤلاء سيقومون لينالوا أجرهم. ليست القيامة هنا في خدمة إعادة بناء وطنيّ. ليست امتياز عرق من الأعراق. بل هي أجر، وتعويض، لموت إيماني جاء قبل أوانه. ويتكلّم دا 12:3 عن مجد خاص للحكماء وللذين برّروا عددًا كبيرًا من الناس. إن 2مك (رج 7:9، 10، 14، 23؛ 14 :46) يقاسم دا ذات اليقين. ومع أن حك لا يشير بشكل واضح إلى القيامة، فهو يفترضها، على ما يبدو. والخلود الذي يتكلّم عنه مرارًا هو حياة لا تزول، تُعطى للمختارين بالحياة الجسديّة.
2) العهد الجديد. تُذكر قيامة الأبرار مرارًا في العهد الجديد، بمناسبة قيامة يسوع المسيح. ولا تُذكر قيامة الخطأة إلاّ في يو 5 :28؛ أع 24:15. هذا يرتبط بواقع يقول إن مدلول القيامة تُسنده نظرةٌ تعتبر أن الحياة (اذن، عودة إلى الحياة أيضًا) هي بركة لا يقابلها شيء (مت 16:26). إذن، لم يكن من المنطق الكلام عن قيامة بمناسبة الكلام عن الخطأة الذين خسروا الحقّ بالحياة بسبب شرورهم. وسُمِّي مصيرهم النهائي : الهلاك، الدمار. إن قيامة الخطأة يفترضها مر 9 :43-48/مت 10 :28 : هم يُرمون في جهنم مع أجسادهم.
(أ) الاناجيل الأزائيّة. اعتبر الفريسيون أن القيامة الطبيعيّة الفرديّة (سميّت في العهد الجديد : اناستاسيس. وفي الكتابات الرابينيّة : ت ح ي ت. هـ. م ت ي م : أحياء الموتى) هي عقيدة. وأنكرها الصّدّوقيون (مت 22 :23 وز؛ أع 23:7-8؛ يوسيفوس، الحرب 2 :163-165؛ العاديات 18، 4-5). ولكن يسوع وصف نفيَهم للقيامة ضلالاً مبينًا يرتكز على فكرة خاطئة حول الوضع الطبيعي للقائم من الموت (لا نستطيع أن نشبّهها بقيامة الناس على الأرض، بل بقيامة الملائكة)، وعلى جهل للكتب المقدسة. والبرهان على القيامة الذي يؤتيه يسوع على خر 3:6 (قبِلَ الصادوقيون بهذا البرهان المأخوذ من البنتاتوكس الذي يعتبرونه كتابًا قانونيًا)، يستند إلى الانتربولوجيا القديمة لدى الساميين الذين يعتبرون أن الجسد ضروريّ للحياة والسعادة البشريّة. لهذا، فالحياة التي امتلكها الآباء بعد موتهم، ولكن قبل قيامتهم، بالنظر إلى اتحادهم بالله (هذا هو معنى عبارة : أنا إله ابراهيم، التي فسّرها لو 20 :38 فقال : "فهم جميعًا عنده يحيون") تكفل لهم القيامة. إذن، هناك تواصل بين حالتهم الحاضرة وتلك التي ينالونها بالقيامة (مر 12 :18-27 وز). وإذا وضعنا هذا النصّ خارجًا، تكلم لو 14 :14 وحده عن قيامة الأبرار.
(ب) الرسائل البولسيّة. تحتلّ عقيدة القيامة في كرازة بولس ((أع 17:18-32؛ أع 23:6؛ 24 :21؛ 26 :23؛ 28 :20) وفي رسائله (رو 1 :4؛ 4 :17؛ 6 :5، 8؛ 8 :11؛ 1كور 6 :14؛ 15 :1ي؛ 2كو(ر 1:9؛ ر 4:14؛ 13 :4؛ أف 2 :5؛ فل 3 :10؛ كو 2 :12-13؛ 3 :1؛ 1تس 4:13-18؛ 1تم 6:13؛ 2تم 2:11، 18؛ عب 6:2؛ 11 :35) مكانة هامة. وما يزيدنا دهشة هو أن الرسائل العامة (يع، 1و2بط، 1و2و3يو، يهو) لا تشير بشكل واضح إلى القيامة العامة (بل تتحدّث فقط عن قيامة يسوع). في 1تس 4:13-18، هدّأ بولس روع قرّائه الذين اهتمّوا بمصير الراقدين ساعة المجيء، فقال لهم : يقوم الموتى ليشاركوا في مجد المجيء. في 1كور 15، أجاب الرسول بتفصيل على اعتراضات فكرٍ مطبوع بالهلينيّة، يعتبر أن الموت نجاة للنفس الموجودة في الجسد كما في سجن (أع 17:32). وارتبط تعليم بولس (القيامة الاجساديّة العامة) ارتباطًا وثيقًا بواقع تاريخيّ هو قيامة يسوع (رج 1تس 4 :14). ان كان المسيح لم يَقُم، فلا قيامة عامة. والسبب هو المدلول الجماعي لقيامة يسوع. قام كالأول بين المائتين (1كور 15 :20؛ رج كو 1 :18). وكما حمل آدم الموت إلى جميع البشر، صار المسيح بقيامته ينبوع حياة للجميع (1كور 15 :21-22؛ رو 5 :10؛ 6 :8). والاتحاد مع المسيح الذي يتحقّق بالمعموديّة، لا يكفل فقط القيامة المقبلة (رو 6 :4-5؛ 8 :7؛ 1كور 6 :14؛ فل 3 :9-11؛ كو 2 :12)، بل يجعل أيضًا من القيامة واقعًا آنيًا (بشكل من الأشكال) بحيث إن المعمَّدين يجلسون منذ الآن عن يمين الله (أف 2 :6؛ كو 3 :1). اختلف بولس عن يوحنا فنسب سلطة القيامة بشكل شبه حصريّ إلى الله الآب (في فل 3 :21، جعل يسوع أجساد الموتى المؤمنين شبيهة بجسده. رج 1كور 15 :21-22). إذا كان الله أقام يسوع، فهو يقيم أيضًا أولئك الذين يقيم فيهم روحه (رو 8 :11؛ 1كور 6 :14؛ 2كور 4 :14).
والمسألة الثانية التي عالجها بولس في 1كور 15، هي معرفة الحالة التي فيها يقوم الموتى (آ35). إذ أراد أن يلقي ضوءًا على السؤال، بدأ فذكّر قرّاءه بالفرق، بين حبّة الحنطة والنبتة التي صارت بالغة (آ36-38). وبالفرق بين الأجسام السماويّة والأجسام الأرضيّة (آ40). وداخل هذه الفئات، هناك درجات مختلفة من الكمال (آ39-41). وعادت آ42-44 إلى تشبيه البذار (فعبّرت عن الثنائيّة بين الحالة الاصليّة والحالة الأخيرة، وعن التواصل بين الحالتين) فقابلت حالة الانسان في موته (فساد، عار، ضعف نفساني وجسداني) وحالته في اللا فساد والمجد والقوّة والروح (بنفماتيكون)، حالة الجسد الممجّد (آ50-53). في الحالة الأولى الانسان هو أرضيّ، من نسل آدم الذي هو في طبيعته كائن سماويّ، نفس حيّة (في اليونانية : بسيخي). فأعطاه كائنَه السماوي بالقيامة المسيحُ السماوي الذي هو روح محيي. وبما أن الروح، في نظر بولس، ليس مرادف الخلود وعدم الموت، بل القوّة والنور والقداسة وكل ما هو إلهيّ وسماويّ، فحين نقول "الجسم الروحاني"، ليس من تناقض بين "الجسم" و "الروحاني". ما استطاع بولس أن يرفع الحجاب عن السرّ. ولكنه أفهمنا أن الانسان ينال بالقيامة، صفات ترفعه فوق أعراض الأرض وتجعله شبيهًا بسكّان السماء.
(ج) الكتابات اليوحناوية. يتحدّث يو 6:39-40، 44-45؛ 11 :24 عن القيامة في اليوم الأخير. ويتحدّث يو 5 :28-29 عن ذلك اليوم مشيرًا إلى قيامة للحياة وقيامة للدينونة. في كل هذه النصوص، المسيح هو الذي يقيم البشر ويحييهم (كما في الألفاظ البيبليّة، ح ي ه، زوؤوبوياي). سلطانه سلطان الآب (5 :21). إذن يُسمّى "القيامة والحياة" (11 :25). ولكن حسب 5:25، هو لا يمارس تأثيره المسيحي انطلاقًا من اليوم الأخير. بل من الآن يتوجّه إلى الموت، والذين يسمعونه يحيون. في 11 :25-26، صحّح يسوع أفكار مرتا التي لا تعرف سوى قيامة اليوم الأخير، وأفهمها أن الذي يؤمن به قد غلب الموت منذ الآن ونال الحياة بشكل لا يأخذها منه أحد. إن استباق الاسكاتولوجيا هذا لا يلغي التتمّة النهائيّة، لأن الحياة الأبديّة التي ننالها حين نؤمن بيسوع ونأكل جسده ونشرب دمه، هي شرط القيامة في اليوم الأخير. وفي أي حال، القيامة هي ملءُ تفتّحِ الحياة الابدية (6 :40، 54).
وعرف سفر الرؤيا قيامة أولى تدشّن ملكوتَ ألف سنة، هو رمز لانطلاقة الكنيسة (20 :4-5). والقيامة الثانية (العامة) التي يتحدّث عنها 20 :11-15 تتمّ حين يعيد البحر والموت والهاديس (مثوى الاموات) الموتى المحفوظين هناك.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|