أفسس (الرسالة إلى أهل)
أوّلاً : إلى من أرسلت، الهدف من إرسالها.
(أ) كل المخطوطات تذكر إلى الأفسسيين (العنوان ليس من بولس)، ولكن بعض المخطوطات تغفل "في أفسس" (1 :1).
(ب) لا تبرز أف أي اتصال شخصي بين الكاتب وقرّائه، فكأن بولس لا يعرفهم (1 :15؛ 4 :21) وكأنه لهم شخص مجهول (3 :2-4) مع أنه عمل في أفسس أقله ثلاث سنوات (أع 19 :1ي) وكان على علاقات وديّة مع الأفسسيين (أع 20 :1ي). هناك افتراضان حول الأشخاص الذين أرسلت إليهم أف. الأوّل : وجِّهت أف إلى مؤمني لاودكية وهي المذكورة في كو 4 :16. تستند هذه النظريّة إلى قانون موراتوري الذي يشير إلى اللاودكيين. ولكن هذه النظرية لا تتحدث عن اللهجة اللاشخصيّة للرسالة (إن القديس بولس يسلّم على اللاودكيين في كو 4 :16، فكيف لا يسلم عليهم في رسالة موجهة إليهم؟ ). كما لا تشرح كيف حلّ اسم أفسس محل لاودكية في العنوان. الثاني : أفسس هي رسالة دوَّارة موجهة إلى جماعات متعدّدة في آسية الصغرى. فالنصّ المأخوذ به يعود إلى نسخة أفسس الأصلية. أما قانون موراتوري فيلمّح إلى نسخة آتية من لاودكية يمكن أن تكون بدورها الرسالة المذكورة في كو 4 :16. ولكن هذه النظريّة لا تفسّر لماذا أغفل بولس ذكر الجماعات التي يكتب إليها كما فعل في غل 1 :1 و 2كور 1 :1. في أي حال، بما ان أف تشبه كو فيجب أن تكون كُتبت بعد كو. إذًا خلال أسر بولس الرومانيّ الأوّل (سنة 61 أو 62). أما النظرة التي بدأت تأخذ طريقها فتقول إن بولس كتب كو إلى كنيسة محدّدة.فجاء واحد من تلاميذه، فوسّع نظرة كو في "الرسالة إلى أفسس".
ثانيًا : المضمون. إن نظرية الرسالة الدوّارة تشرح كما يلي التشابه بين أف و كو : حين حارب بولس الرسول بدعة الكولوسيين (1 ف 2 :2)، اكتشف أبعادًا جديدة عن علاقات المسيح بالكنيسة. فسعى إلى ضمّ هذه الأبعاد إلى مجمل تعليمه، فألّف رسالة بلهجة هادئة، وابتعد عن كل حرب وهجوم. فالعلاقة بين كو وأف هي نفس العلاقة بين غل وروم. هذا ما يفسر لماذا تتضمّن أف (بالمقابلة مع الرسائل القديمة) عدة أفكار جديدة، ولماذا تتقارب من كو.
إن بدعة الكولوسيين قدّمت إلى بولس مناسبة للتشديد على الوجهة الكونية للفداء (1 :10، 21؛ 3 :10؛ 4 :10) وإبراز أهميّة تمجيد المسيح. هذا قاده، لا لكي يرى في الكنيسة جسد المسيح فقط (1كور 12:12-27)، بل ليميّز بين رأس هذه الكنيسة المنتصر (1 :22؛ 4 :15) وجسدها الذي لم يصل بعد إلى قامة الإنسان الكامل (4 :13-16). وميّز أيضاً بين حجر الزاوية (أو حجر الغلق) والبناء (2 :20)، كما بين المسيح وعروسه (5 :23-32). بهذه التمييزات لم يعد المؤمنون أعضاء جسد يعتبر منفصلاً (1كور 6 :15)، بل جماعة أمام رأسها. لهذا لا تعني "إكلاسيا" في أف الكنائس المحليّة، بل الكنيسة أجمالاً، الكنيسة التي هي ملء المسيح (1 :23؛ 3 :19؛ 4 :13). وهناك وجهة خاصة لهذا الاتحاد هو السلام الذي جعله المسيح بين اليهود والوثنيين (2 :14). لا يعالج بولس الرسول هذه الفكرة كما تُعالَج قضيةٌ من القضايا، بل كواقع ينتمي إلى تاريخ الخلاص، ونتيجة قصدٍ كشفَه الله، وسرٍ ظلّ مخفيًا حتى الآن (1 :19) وكان الرسولُ خادمَه (ف 3). كل هذا يلقي ضوءً ا على تصميم أف. في القسم التعليميّ (ف 1-3) يعالج بولس مخطّط الله الخلاصي (1 :3-2 :10) والوحدة بين اليهود والوثنيين (3 :14-21) ودعوته كرسول (3 :1-13). وينهي كل هذا بصلاة (3 :14-21). في القسم الارشادي (والاخلاقيّ) (ف 4-6)، يعرض النتائج التي يستخلصها المؤمنون من هذا التعليم : وحدة بينهم (4 :1-16)، تجديد روحي (4 :17-5 :20)، فضائل عائلية وبيتية (5 :102-6 :9)، حرب ضدّ الشرير (6 :10-24).
ثالثًا : صحة الرسالة. يكاد يجمع الشرّاح على صحة نسبة كو إلى بولس ولكن ما زالوا يناقشون المسألة بالنسبة إلى أف. فهناك نقّاد يعتبرون أن أف هي عمل تلميذ دوّنها في نهاية القرن الأول، أراد أن يعطي ملخصاً لتعليم القديس بولس. انطلق من كو أساسًا وقدّم مدخلاً إلى كل الرسائل. وإليك البراهين. على مستوى اللغة : هناك كلمات في أف لا نجدها في سائر رسائل بولس. على مستوى الأسلوب : نجد جملاً معقّدة. على مستوى المضمون : أفكار جديدة. وأخيرًا التشابه بين كو وأف. ولكن هذه الاعتراضات ليست وافية بحيث تفشل تقليدًا اجماعيًا يعود إلى بداية القرن الثاني. ثم كيف ترضى جماعة أفسس برسالة مزوّرة على اسمها ولا تحتجّ. وقد لا يبدو مستحيلاً أن يكون بولس أوكل أحد تلاميذه بكتابة أف وأعطاه نموذجًا الرسالة إلى كولوسي.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|